محتوى مترجم
المصدر
quantamagazine
التاريخ
2015/09/10
الكاتب
فرانك ويلزيك
يتمثل الجنون في إتيان ذات الفعل مرات ومرات ثم توقع نتيجة مختلفة في كل مرة.

هذه الطرفة التي سأطلق عليها «جنون أينشتاين»، عادة ما تنسب إلى ألبيرت أينتشتاين. ورغم أنه ربما يتدخل تأثير ماثيو هنا، إلا أن ذلك يعتبر بلا شك دربًا من دروب الذكاء، إنها مقولة بارزة عادة ما أطلقها أينشتاين. ويسرني أن أنسبها له، لأن فعل ذلك يقودنا إلى دروب عدة.

أولًا: جدير بالملاحظة أن ما يصفه أينشتاين بالجنون هو وفق نظرية الكم، بالفعل طريقة عمل العالم. ففي ميكانيكا الكم، يمكنك أن تقدم على ذات الفعل مرارًا وتكرارًا وتحصل على نتيجة مختلفة في كل مرة. بالفعل، إنها الفرضية التي تحمل في مكمنها مصادمات الجسسيمات عالية الطاقة. ففي تلك العمليات، يصدم علماء الفيزياء نفس الجسيمات بنفس الطريقة، لمرات كثيرة للغاية. فهل جميعهم مجانين؟ لا يبدو أنهم كذلك، في ضوء أنهم يحصلون على تشكيلة هائلة من النتائج.

بالتأكيد رفض أينشتاين، على نحو معروف، الاعتقاد بالتقلبية الكامنة في العالم، حيث قال:

الرب لا يلعب النرد.

إلا أنه عند لعب النرد، فإننا نطبق بالفعل جنون أينشتاين، حيث نقول بذات الفعل مرارًا وتكرارًا – أي، لعب النرد – ونتوقع، على نحو صحيح، نتيجة مختلفة في كل مرة. فهل من الجنون أن نلعب النرد؟ إن كانت الإجابة نعم، فلابد أنه نوع شائع للغاية من الجنون.

يمكننا أن نتملص من ذلك التشخيص عبر القول إنه بشكل عملي، لا نرمي النرد أبدًا بذات الطريقة في كل مرة. فمجرد إضفاء بعض التغيرات البسيطة في الظروف الأولية يمكن أن يغير النتائج. تقول الفكرة الأساسية هنا أنه في المواقف التي لا يمكننا التنبؤ بدقة بما سيحدث لاحقًا، فإن ذلك يعود إلى وجود جوانب في الوضع الحالي لم نضعها في اعتبارنا. ويمكن لصور أخرى مشابهة من الجهل أن تدافع عن تطبيقات قانون الاحتمال، أمام اتهامه بجنون أينشتاين، وهو الاتهام الموجه لها جميعًا. ووفق تلك الفرضية، إن تمتعنا بنظرة كاملة على الواقع، فإن نتائج أفعالنا لن تكون محل شك أبدًا.

دافع الفيلسوف «باروخ أسبينوزا» عن تلك العقيدة بحماس شديد، وهي المعروفة بـ«الحتمية»، واعتبر أينشتاين بطلًا عظيمًا. ولكن من أجل منظور أفضل، نحن في حاجة إلى المجازفة بالتجول نحو ما هو أبعد من ذلك في التاريخ. كان بارمنيدس فيلسوف يوناني قديم ومؤثر، أعجب به أفلاطون (حيث أشار إليه بوصفه «الأب بارمنيدس» في حواره السوفسطائي).

دافع بارمنيدس عن الرؤية المحيرة المنطوية على أن الواقع خفي ولا يتغير، وأن الحركة تعتبر وهمًا. أما زينو، أحد تلاميذ بارمنيدس، فقد استنبط أربع تناقضات شهيرة ليوضح العقبات المنطقية التي تواجه مفهوم الحركة بشكل محدد. وبترجمتها إلى المصطلحات الحديثة، تنص مفارقات زينو المتعلقة بالأسهم على الآتي:

1. في حال العلم بموقع السهم، فإنك تعلم كل شيء عن حالته المادية.

بالتالي، فإن السهم المتحرك (نظريًا) له نفس الحالة المادية كالسهم الثابت في نفس الموضع.

2. الحالة المادية الحالية لسهم تحدد الحالة المادية المستقبلية له. ويمثل ذلك صحة عقل أينشتاين، أي، رفض جنون أينشتاين.

وبالتالي فإن السهم المتحرك (نظريًا) والسهم الثابت لهما نفس الحالة المادية المستقبلية.

3. السهم لا يتحرك.

شغل أتباع بارمنيدس أنفسهم بالعقد المنطقية والمسرات الصوفية عن التناقض الصارخ بين النقطة الخامسة والحياة اليومية. يتمثل الإنجاز الأساسي للميكانيكا الكلاسيكية في ترسيخ أن النقطة الأولى خاطئة. إنها مثمرة في ذلك الإطار، لتوجِد مفهموم أوسع لطبيعة الواقع المادي. ولمعرفة حالة نظام من الجسيمات، ليس علينا معرفة موقعها فقط، بل أيضًا سرعاتها وكتلاتها.

مدعومة بتلك المعلومات؛ تتنبئ الميكانيكا الكلاسيكية بالتطور المستقبلي للنظام بالكامل، بالتالي فإن الميكانيكا الكلاسيكية، في ضوء المفهوم الأوسع للواقع المادي، هي النموذج المحدد للصحة العقلية لأينشتاين. مع وضع ذلك الانتصار في البال، فلنعد إلى جنون أينشتاين البادي في فيزياء الكم. هل قد تلمح تلك العقبة على نحو مشابه إلى مفهوم غير كافي عن حالة العالم؟

فكر أينشتاين نفسه في ذلك. فكر أينشتاين في وجوبية وجود جوانب خفية للواقع، غير معترف بها بعد داخل الصياغة التقليدية لنظرية الكم، ما قد يعيد الصحة العقلية لأينشتاين. من وجهة النظر تلك، لا يتعلق الأمر بشكل كبير بأن الرب لا يلعب النرد، بل بأن اللعبة التي يلعبها لا تختلف بشكل جذري عن النرد الكلاسيكي. يظهر الأمر عشوائيًا، ولكن فقط بسبب جهلنا بـ«متغيرات خفية» محددة. فيمكننا أن نقول:

الرب يلعب النرد، ولكنه يزوّر اللعبة.

ولكن بينما أحرزت تنبؤات نظرية الكم التقليدية، الخالية من المتغيرات الخفية، إنتصارًا ثم آخر. أصبحت ساحة المناورة التي يمكننا فيها توفيق تلك المتغيرات أصغر وأكثر إزعاجًا. ففي عام 1964، حدد الفيزيائي جون بيل بعض القيود التي يجب تطبيقها على أي نظرية فيزيائية، والتي يشترط أن تكون موضعية – أي أن الآثار الفيزيائية لا تتحرك أسرع من الضوء – وواقعية، أي أن الخصائص المادية للنظام موجودة قبل القياس.

ولكن عقودًا من الاختبارات التجريبية، بما في ذلك اختبار «خالي من الثغرات» نشر على الموقع العلمي «أركيف. أورج» الشهر الماضي، تظهر أن العالم الذي نعيش فيه يتملص من تلك القيود. للمفارقة، تتضمن ميكانيكا الكم التقليدية توسعًا هائلًا في الواقع المادي، والذي قد يكون كافيًا لتجنب جنون أينشتاين. تسمح معادلات ديناميكا الكم للفيزيائيين بالتنبؤ بالقيم المستقبلية للدالة الموجية، في ضوء قيمتها الحالية.

فوفق معادلة شرودنجر، تتطور الدالة الموجية بشكل يمكن التنبؤ به تمامًا. ولكن بشكل عملي، لا نستطيع أبدًا الوصول إلى الدالة الموجية الكاملة، لا في الزمن الحالي ولا في المستقبل، لذلك فإن تلك «القدرة على التنبؤ» لا يمكن الوصول إليها. إن قدمت الدالة الموجية الوصف النهائي للواقع – وهي مسألة مثيرة للجدل – فيجب أن نستنتج التالي:

الرب يلعب لعبة عميقة ولكنها تستند إلى قواعد صارمة، والتي تبدو لنا كالنرد.

تمتع الصديق العظيم لأينشتاين وشريكه في السجال الفكري «نيلز بور» برؤية دقيقة للحقيقة. فوفق بور، حيثما يكون الضد للحقيقة البسيطة هو الكذب، يكون ضد الحقيقية العميقة، حقيقة عميقة أخرى. ومن هذا المنطلق، فلنقدم مبدأ الباطل العميق، الذي يكون ضده، على نحو مشابه، الباطل العميق. يبدو مناسبًا أن نختتم أن هذا المقال بحكمة ساخرة، مقترنة بالتي بدأناه بها، لتضرب مثلًا جيدًا: السذاجة هي إتاء نفس الفعل مرارًا وتكرارًا، وتوقع نفس النتيجة دائمًا!