#فاتورة_الكهرباء

وسم جديد أضافه السعوديون إلى قائمة الأوسمة التي عادة ما يلجئون إليها كمنفذ للتعبير عن موقفهم من قرارات المملكة.جاء الوسم هذه المرة ليعبر عن حالة واضحة من الغضب، حالة بدأت مع ظهور فواتير شهر يونيو/حزيران الماضي، والتي تضمنت الأسعار الجديدة المعتمدة من شركة الكهرباء، ووصلت ذروتها مع إطلاق وسم #لن_نسدد_الكهرباء، والذي توعد فيه الكثيرون بعدم تسديد الفواتير، في ظل ما اعتبروه أنها ظالمة ومجحفة بحقهم.

أوجه عدة للاعتراض ساقها المجتمع السعودي، بين أحد يرى أن الدولة تُحمل مواطنيها المزيد من الأعباء بينما ترفع الأعباء عن مواطني دول أخرى، وآخر يؤكد عدم رشادة تلك السياسة في ظل إنفاق الملايين على برامج الترفيه والحفلات الغنائية، وثالث يصب هجومه المباشر على رؤية 2030 ومختلف خطوات التقشف والإصلاح التي بدأتها المملكة.

فهل ستترك المملكة حالة الغضب هذه تتفاقم يومًا تلو الآخر؟ وماذا لو لم يتم احتواؤها؟


زيادة يعجز الدعم عن مواجهتها

تحت هذا العنوان رصدت صحيفة «عكاظ» ارتفاع فواتير الكهرباء طبقًا للتسعيرة الجديدة، موضحةً أن الزيادة تراوحت بين 35 و253%، شاملة ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% من إجمالي الفاتورة.

أشارت الصحيفة إلى أن الفاتورة التي يبلغ استهلاكها 2000 كيلوواط في الساعة قفزت من 110 ريالات إلى 388.5 ريال، بنسبة زيادة بلغت 253%. ووصلت نسبة ارتفاع فواتير الكهرباء التي قارب استهلاكها من 1000 كيلوواط في الساعة قرابة 232.5%، لتصعد الفاتورة من 60 ريالاً إلى 199.5 ريـال. بينما سجلت ثالث الارتفاعات في الفواتير التي لا يتجاوز استهلاكها 500 كيلوواط في الساعة، إذ بلغت الفاتورة سابقاً 35 ريالًا، لتصعد إلى 105 ريالات بنسبة ارتفاع 200%.

حالة من الغضب اجتاحت السعوديين عقب الإعلان عن هذه الزيادات، ومع ذلك فالأمر كان متوقعًا، وسبق أن أكدته المملكة حينما أوضحت ملامح خارطة طريق تصحيح أسعار الطاقة بها. فعقب إعلان الميزانية العامة للدولة للعام 2018، تم تخفيض الدعم المقدم للكهرباء، والتأكيد أن أسعارها ستواصل الارتفاع حتى 2025 لتعكس التعريفة تكلفة الإنتاج بناءً على أسعار منتجات الطاقة المستخدمة.

وفي المقابل من ذلك تم إنشاء نظام «حساب المواطن»، والمنوط به تقديم إعانات نقدية للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط للتعويض عن أثر هذه الزيادات. إلا أنه من الواضح أن هذه الإعانات لم تجد نفعًا حتى الآن في مواجهة هذه الزيادات في ظل ارتفاع نسبتها على هذا النحو.


#لن_نسدد_الكهرباء

كنتيجة منطقية لذلك، عمد السعوديون إلى صب غضبهم على هيئة تنظيم الكهرباء، حيث شارك الآلاف منهم قصصهم واحتجاجاتهم، عبر وسمي #فاتوره_الكهرباء، #لن_نسدد_الكهرباء، مطالبين الجهات العليا بالتدخل لإيقاف الأمر.

وقد تركزت أغلب التدوينات حول ذلك الفرق الشاسع بين أسعار الفواتير الحالية والأشهر السابقة، وقارن البعض بين فاتورته في يونيو/حزيران والشهر السابق ليظهر حجم الزيادة في التعريفة الجديدة. كما طالت الانتقادات الشقق الخالية من أصحابها المسافرين، حيث أكدوا صدور فواتير مرتفعة بحقهم رغم عدم تواجدهم بالسكن.

لم يقتصر الأمر على هذا، بل امتد إلى الوحدات التي لم تسكن بعد، ولا تزال قيد الإنشاء، حيث تضمنت عددًا من التدوينات مقطعًا يوثق صدور فاتورة كهرباء بقيمة 880 ريالاً على منزل ما زال قيد الإنشاء، ولا يوجد بداخله أي «لمبة» تعمل.

امتدت التدوينات كذلك إلى الهجوم على أنشطة هيئة الترفيه، والوزير في الديوان الملكي ورئيس هيئة الرياضة تركي آل الشيخ، والذي اتهمه مغردون بإنفاق مئات الملايين من أموال الشعب على شراء أندية وإعلاميين دون فائدة. حيث كتب أحد المغردين «#فاتوره_الكهرباء الغبنه لما تشوف تركي الشيخ يشتري نادي مصري بـ 200 مليون، ويتبرع بجهاز فني لمنتخب فلسطين، ويتبرع لنادي بـ30 مليون، وهيئة الترفيه كل يوم جايبين واحد يتروقص عندنا بملايين الريالات، وميزانيتنا أكبر ميزانية، وتجون تشلخونا بالكهرباء والضرائب والبنزين.. سلامات ترانا شعبكم والله».


مبررات تزيد الضغوط

أمام هذا الضغط اضطرت الشركة السعودية للكهرباء إلى إصدار بيان توضيحي حول ارتفاع الأسعار، ودعت فيه مشتركيها الذين لديهم اعتراض أو ملاحظات على فواتيرهم للتواصل معها، عبر قنوات الاتصال المتعددة.

أوضحت الشركة كذلك أن ارتفاع فواتير الكهرباء، يعود في المقام الأول إلى تصحيح أسعار التعريفة الكهربائية حسب شرائح الاستهلاك، والرغبة في تغيير أنماط الاستهلاك في فصل الصيف، والذي يشهد ارتفاعًا كبيرًا في استخدام أجهزة التكييف بما يصل إلى 70% من قيمة الفاتورة.

على الرغم مما سببه بيان الشركة من زيادة حالة الغضب، في ظل عدم قدرة مواطني المملكة على الاستغناء عن التكييف نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، إلا أنها عادت لتؤكد أن رفع أسعار تعرفة الكهرباء من جديد وارد في حال ارتفعت أسعار الطاقة. إذ وضح عبدالله الشهري محافظ الهيئة في مداخلة مع قناة الإخبارية؛ أنه في حالة حدوث زيادة في أسعار الوقود، فإن هذه الزيادة سوف تنعكس مباشرة على أسعار الكهرباء.


أعباء الخارج يتحملها الداخل

بالتزامن مع هذا، تعالت حدة الانتقادات من قبل عدد من المواطنين لسياسة المملكة الخارجية وانعكاساتها بالداخل. حيث انتقد البعض تضييق المملكة عليهم وتحميلهم المزيد من الأعباء المادية، في الوقت التي تقوم فيه برفع الأعباء عن مواطني الدول الأخرى، كما هو الحال مع الأردن. حيث سبق أن تعهدت المملكة مؤخرًا إلى جانب الكويت والإمارات بتقديم حزمة مساعدات لها يبلغ حجمها 2.5 مليار دولار، بعد أن اندلعت الاحتجاجات بها على خلفية ارتفاع الأسعار وزيادة الإجراءات التقشفية.

في هذا السياق، تداول مغردون فيديو تحدث فيه المحلل عبد الحميد العمري قائلًا: «إن معدلات الفقر في السعودية أعلى من معدلاته في الدول التي نمنحها مساعدات»، مشيرًا إلى أن نسب الفقر بالمملكة تزيد على مثيلتها في دول كتونس والأردن التي تصنف دولًا محدودة الموارد.

وتجدر الإشارة هنا، إلى أن حزمة المساعدات للأردن هذه لم تكن الأولى التي تعهدت بها المملكة، فقبل أيام قليلة أكدت السعودية إلى جانب الإمارات والكويت أنها ستعلن قريبًا عن برنامج متكامل لدعم الاستقرار المالي في المنامة، بعد هبوط الدينار البحريني إلى أدنى مستوى له منذ 17 عامًا.

وبصفة عامة، يمكن القول إنه على الرغم من الإجراءات التقشفية وقرارات رفع الأسعار التي تتخذها المملكة بالداخل، فإنها تعد من أكبر مانحي المساعدات حول العالم، فمؤخرًا، أعلن المشرف العام على مركز الملك سلمان، عن تبرع المملكة بنحو 500 مليون دولار لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2018، والتي سُلمت للأمم المتحدة.

ولم تكن هذه المساعدات هي الأولى، حيث تصدّرت اليمن قائمة أكثر 5 دول مستفيدة من هذه المساعدات، حيث رُصد له 290 مشروعًا بقيمة 14 مليار دولار. تليها سوريا بقيمة 3 مليارات دولار. واحتلت مصر المرتبة الثالثة بقيمة ملياري دولار، في حين احتلت النيجر المرتبة الرابعة بقيمة 1.230 مليار دولار. وأتت موريتانيا في المرتبة الخامسة من المساعدات السعودية بقيمة 1.219 مليار دولار. وعلى هذا المسار تتزايد المساعدات الخارجية، في حين أن أوضاع المواطنين الاقتصادية ليست في أفضل حال.


ما أشبه الليلة بالبارحة

نحو 253% ارتفاع أسعار أول فاتورة كهرباء في 2018.

تبقى الإشارة هنا إلى أن حالة الغضب الحالية تشبه إلى حد بعيد حالة التذمر التي سادت أوساط السعوديين أوائل العام الجاري، بالتزامن مع قرارات المملكة بتقليص الدعم ورفع أسعار البنزين وفرض ضريبة القيمة المضافة. غير أن المملكة سرعان ما تداركت تلك الحالة بإصدار أمر ملكي بإضافة بدل غلاء معيشة لمستفيدي الضمان الاجتماعي. فهل يتكرر السيناريو مرة أخرى، هل تتخذ السعودية خطواتها لتخفيض التعريفة الجديدة أو تقديم دعم تقلص بموجبه من وطأة الزيادة؟

حتى كتابة هذه السطور لم تصدر المملكة أي قرارات تتعلق بتقليص الزيادة. وبالرغم من توارد الأنباء حول مناقشة مجلس الشورى تخفيض التعريفة الجديدة ورفع الأمر للعاهل السعودي، إلا أن جلسته المغلقة التي عقدها في 3 من يوليو/تموز الجاري لم يصدر عنها بعد أي قرارات ذات جدوى حقيقية تحد من ذلك الغضب المتفاقم، الذي قد يُنتج تراجع تدريجي في التأييد لولي العهد ورؤية 2030، وهو ما بدا واضحًا عبر الهجوم المباشر عليها من قبل عدد من السعوديين، الذين رأوا أنها لا تحمل سوى إنفاق غير مُبرَر من هيئة الترفيه، وإشغال الشعب بقضايا قيادة المرأة للسيارة.

أخيراً، يمكن القول إنه في ظل هذه الزيادات المفاجئة لم يكن أمام السعوديين سوى التقدم بالشكاوى التي فاق عددها 5 آلاف، والتساؤل حول موقف برنامج حساب المواطن من الزيادة، حيث طالب مستفيدو البرنامج بتقديم تفسير لموقفه، وهل سيقوم بالفعل بزيادة قيمة الدعم.

الأمر الذي رد عليه البرنامج مؤكدًا أنه يعمل على مراعاة هذه الزيادة ومواكبتها. ولكن هل حقًا يمكنه مواكبة هذه الزيادة بما لا يؤثر على دخل الأسر في ظل تعدد التقارير التي تشير إلى أن هذه الزيادة سينجم عنها ارتفاع تكاليف الأسر لما يزيد على 30%!