تطلب الأمر قرابة ثلاثة قرون -279 عاما تحديدا- لتنتقل البشرية من إدراك وجود الخواص المغناطيسية المستحثة للكهرمان، الأمر الذي اكتشفه الطبيب الخاص بالملكة إليزابيث الأولى ويليام جيلبرت، وبين اكتشاف طومسون للإلكترون، لنعرف أخيرا أن الكهرباء هي سيل من هذه الجسيمات شديدة الدقة سالبة الشحنة تتسابق بين طرفي جهد.

هذا النوع من الكهرباء ربما قام بتشكيل ماضينا ويتحكم تماما في حاضرنا، لكن نوعا اّخر سيلعب دور البطل في مستقبلنا.

استطاع باحثون من جامعات كاليفورنيا إيرفين وبيركيلي وبرينستون وماريلاند وفودان تصنيع مواد جديدة ذات خواص كهربية ومغناطيسية تعمل بشكل مختلف تماما عن المواد السليكونية المعتادة. هذا الاختلاف الذي جعلها مرشحة بجدارة لقيادة الطريق نحو الحواسيب الكمومية المستقبلية وتغيير طبيعة الحواسيب الفائقة supercomputers الحالية من الجذور.


أن تكون ثنائي البعد

كان اكتشاف الجرافين يشي ببداية حقبة جديدة بالنسبة لعلم المواد، تلك الحقبة التي نطلق عليها عصر المواد ثنائية البعد. إن الارتكاز البشري الطبيعي على الحواس جعل المواد ثلاثية الأبعاد التي تتكون من ملايين الطبقات من الذرات المتراصة بعضها فوق بعض هي المعيار الأساسي لإدراكنا. لهذا كان علينا أن ننتظر تطور الميكروسكوبات الخارقة لنتمكن من رؤية المواد بعد تعرية طبقاتها وفصلها لننظر إليها في أبسط صورها، الطبقة الواحدة.

مع الهبوط بالمواد إلى مرحلة الطبقة الذرية الواحدة، يلاحظ المرء خواص وسلوكا غير اعتيادي لا يعهده في المواد ثلاثية الأبعاد المعروفة. من هنا أتى الاهتمام بهذه النوعية من المركبات وبقدراتها. المادة الجديدة، تيلوريد الكروم والجيرمانيوم، تتفوق على الجرافين في مجال الحواسيب المستقبلية من حيث امتلاكها للخواص الكهربية والمغناطيسية معا، في حين تنعدم الخواص المغناطيسية للجرافين.

في درجة حرارة 232,778 سليزية تحت الصفر تم تحليل بللورات المادة الجديدة شديدة الصغر التي لا يتعدى سمكها ذرتين بواسطة مقياس التداخل المعتمد على تأثير ساجناك والألياف الضوئية Fiber-optic sagnac interferometer وهي الآلة التي صنعها تشيا Jing Xia الأستاذ المشارك في جامعة كالفورنيا إيرفاين بنفسه. يعد هذا المقياس الميكروسكوب المغناطيسي الأكثر دقة في العالم.

في درجة حرارة 268.8 تحت الصفر تمت أيضا دراسة السطح فائق التوصيلية الناتج عن المواد ثنائية البعد المكونة من اتصال البيزموث والنيكل، حيث يظل الحائل الأساسي بيننا وبين هذه التوصيلية المرتفعة هي درجة الحرارة غير العملية بالمرة. قام تشيا أيضا بصناعة جهاز مكنه من دراسة متذبذب مكون من سداسي بوريد الساماريوم والحفاظ على خواص سطحه ثنائي الأبعاد الغريبة في درجة حرارة مرتفعة نسبيا تصل إلى 32.7 تحت الصفر.


مستقبل الإلكترونيات

تكمن ثورية الأوراق البحثية الجديدة الثلاثة المنشورة في كونها تتعامل مع نوعية كهرباء مختلفة عما عهدناه دوما من إلكترونات تتحرك في مواد موصلة أو شبه موصلة. في هذه المواد الجديدة تعتمد التوصيلية على فيرميونات ديراك أو فيرميونات ماجورانا. هذه الفيرميونات تستطيع الحركة بسرعة تقارب سرعة الضوء بسبب كتلتها المنعدمة مما يمنحها نظريا قدرة رهيبة على القيام بالعمليات الحاسوبية المختلفة بسرعة كبيرة.

تعتبر السرعة دائما مربط الفرس عند محاولة تطوير أو صنع أجهزة الحاسوب منذ أن تسببت في تحويلها من حواسيب عامة الهدف إلى حواسيب متخصصة تتمتع بقدرات خاصة، منها ما يعتمد على سعة التخزين الكبيرة لخدمة الأغراض التجارية مثلا، ومنها ما يعتمد على السرعة والدقة البالغتين لخدمة الأغراض البحثية والعلمية.

ولأن الكهرباء في الحواسيب العادية مكونة من إلكترونات والإلكترونات تحمل كتلة، وإن كانت ضئيلة للغاية، فإن سرعة أداء الحاسوب تصبح محدودة بسرعة حركة هذا الإلكترون، آخذين في الاعتبار أن كل إلكترون عليه أن يجابه مزيدا من مقاومة من المادة التي يتحرك خلالها.

بالطبع لدينا إلكترونات تستطيع الحركة في مواد «فائقة التوصيل»، أي لا تبذل أي مقاومة على الإلكترونات أثناء مرورها، إلا أن هذه التوصيلية الفائقة تتطلب –حتى الآن- درجات حرارة شديدة الانخفاض وغير عملية لاستخدامها في الحياة اليومية في درجة حرارة الغرفة.

في المواد الجديدة تنعدم المشاكل المتعلقة بالكتلة مع انعدام الكتلة ذاتها. في حين يكافح الإلكترون في رحلته عبر الأسلاك الطويلة، لا يشعر فيرميون ديراك أو فيرميون ماجورانا بهذا الضغط. مما يجعل «فكرة» الحاسوب الكمومي فائق السرعة فكرة سائغة تماما.

بالطبع تظل درجة الحرارة هي العائق الأساسي في هذا الطريق الوردي. وفي هذه النقطة تحديدا سينصب جهد تشيا وزملائه المستقبلي. إن العثور على مادة تحتفظ بهذه الخواص كلها في درجة حرارة الغرفة سيكون العصا السحرية التي ستنقل الإلكترونيات إلى مستوى لا يمكن تخيله، إلى سقف الفيزياء وسدرة منتهاها.

المراجع
  1. Discovery of intrinsic ferromagnetism in two-dimensional van der Waals crystals
  2. Time-reversal symmetry-breaking superconductivity in epitaxial bismuth/nickel bilayers
  3. Surface-dominated conduction up to 240 K in the Kondo insulator SmB6 under strain
  4. Physicists design 2-D materials that conduct electricity at almost the speed of light