داخل بلدة صغيرة تُدعى جرانثام Grantham، تقع في مقاطعة لينكولنشايرLincolnshire بإنجلترا، أقام ألفريد روبرتس دكانه، ألفريد هو رجل بسيط لم تسعفه الظروف في إكمال تعليمه النظامي، ولكنه كان شديد العزم على تثقيف نفسه والترقي بها درجة درجة، حتى نجح في التحوّل من عاملٍ لا يملك سوى قوت يومه إلى صاحب أكبر محل بقالة في بلدته، وفي النهاية منحته ثقافته الرفيعة المزيد من الترقي بعد ما أصبح عمدة البلدة وواعظها الديني.

بسبب منصبه السياسي، اعتاد ألفريد أن يكتب الخطب ويتدرب على إلقائها في منزله الصغير، وهي المشاهد التي لم تتوقف ابنتاه عن مراقبتها عن كثب، وتحديدًا ابنته الصغرى مارجريت، التي كانت تمقت أشغال المنزل وأحاديث النساء، مما همّش علاقتها بأمها وأختها وزاد من تعلّقها بأبيها.

كانت تتسلّل لتساعد والدها في الدكان وتتعلم على يديه مبادئ التجارة بشكل عملي، ولم تكن الشيء الوحيد الذي تعلمته منه وإنما شغفها أحاديثه واهتماماته الثقافية والسياسية، وأسرّها اعتداده بنفسه ومكانته التي بناها بالجهد والعرق، فبالنسبة لألفريد، كانت الحياة عبارة عن صراع مستمر، ولكي تضمن لنفسك مكانًا فيها، ينبغي عليك تقبُّل التغيير والسعي نحو الأفضل، وهي النصيحة التي لم تنسها مارجريت أبدًا.

على الجانب الآخر، كانت إليزابيث أميرة البلاد الإنجليزية تعيش حياة شديدة الاختلاف رغم أنها في نفس عُمر مارجريت تقريبًا، حياة مدللة تليق بأميرة المملكة البريطانية؛ فتلقت تعليمًا راقيًا من قِبَل مدرسين خاصين في المنزل، وكانت تُنفق وقتها مع والدها في الرحلات الملكية والاستمتاع بركوب الخيل في منزل عائلتها الريفي في وندسور جريت باركWindsor Great Park.

تغير كل شيء بالنسبة إليزابيث عام 1936م، عندما توفي جدها الملك جورج الخامس وانتقل التاج إلى عمها، الملك إدوارد الثامن. ولكن سرعان ما تنازل الملك إدوارد عن العرش ليتزوج من مطلقة أمريكية ويغادر البلاد، وحينها أصبح والد إليزابيث هو الملك جورج السادس، وأصبحت هي الأولى في قائمة ترتيب المُستحقين للعرش.

بصفتها ملكة المستقبل، اتخذت حياة إليزابيث البالغة من العمر عشر سنوات منعطفًا مثيرًا. أصبح عليها أن تودّع رفاهية القصور وتستعد لقيادة بلدٍ عظمى كبريطانيا، ودّعت حياتها الهادئة المنعزلة إلى الأبد، وحاصرتها الصحافة من كل جهة.

ظروف اعتلاء والدها للحكم علّمته درسًا مهمًّا، وهو ضرورة مقاومة التغيير بأي شكل، وهو ما تجلّى في سياساته شديدة التحفظ في حُكم بلاده؛ فبينما كانت الممالك الأوروبية حوله تنهار وتتساقط التيجان من على رؤوس أباطرتها، كان الحفاظ على الوضع الراهن لمملكته هو أسمى هدف بالنسبة له. 

الملكة إليزابيث تحيي الجمهور في حضور والديها

فلسفة الآباء تطارد الأبناء

ستظهر آثار فلسفة كل أبٍ على ابنته، عندما تلتقي المرأتان في سلطة الحكم عام 1979، عندما انتُخبت مارجريت ثاتشر كرئيسة وزراء الملكة إليزابيث الثانية، وستُحدِّد بدرجة كبيرة شكل العلاقة بين المرأتين اللتين قُدِّر لهما قيادة الأمة البريطانية لفترة ليست بالقصيرة.

عندما بدأت شبكة «نيتفليكس» عرْض الجزء الرابع من مسلسل «The Crown» في نوفمبر الماضي، الذي يصوّر حياة العائلة المالكة في المملكة المتحدة خلال فترة السبعينيات والثمانينيات، ظهرت رئيسة الوزراء مارجريت ثاتشر كشخصية قاسية في تعاملها مع الملكة، تتحدّاها وتضع رأسها برأسها، ما تمخض عنه جدل طويل وتكهنات حول طبيعة العلاقة بين المرأتين، ولكن هل كانت العلاقة بينهما جليدية كما صوّرتها الدراما؟

هذا ما يستكشفه المؤرخ دين بالمر في كتابه «الملكة والسيدة ثاتشر: علاقة مزعجة»، والذي يحكي فيه تفاصيل العلاقة بين امرأتين قويتين وقعتا في الكُره من أول نظرة، على حد قوله، فعلى مدار 11 عامًا، داومت المرأتان الأقوى في التاريخ الإنجليزي، على الاجتماع، أسبوعيًّا، لمناقشة مستجدات الحكم. بقي فحوى هذه الاجتماعات سريًّا ولكن اجتماع امرأتين شديدتي الخلاف لمناقشة أكبر شؤون الحُكم البريطاني يُنبِّئ بأنها كانت لحظات مفعّمة بالإثارة. 

خلال هذه الفترة، كانت العلاقة بين المرأتين تتعقّد على نحوٍ كبير وتُعلن كل واحدة على الأخرى حربًا هادئة تدور في جبهات السياسة والحياة الشخصية، لكن لم يحدث أن تطور الأمر لصدامٍ مُباشرٍ أبدًا، ولم تُهِن أي من المرأتين الأخرى في الأماكن العامة، وحافظتا دائمًا على مظهر جيد لعلاقتهما من البداية وحتى النهاية.

يعتبر دين بالمر في كتابه أن العلاقة بين إليزابيث وثاتشر مرّت بمراحل أساسية شكّلت علاقتهما المعقدة؛ الأولى نبعت من ظهور ثاتشر بالأساس، بعد ما أثار صعود سياسية أنثى قدرًا من الاستياء في نَفْس الملكة، وهو التخوف الذي أكده انتصار ثاتشر على الأرجنتين في نزاعها العسكري مع بريطانيا على جُزر فوكلاند، وهو النصر الذي أذن بسطوع نجم ثاتشر كحاكمة تطغى شعبيتها على الملكة ذاتها.

تلَى ذلك تخوّف الملكة من أن سياسات رئيسة وزرائها ستقسم مملكتها وتهدد استقرار اتحاد الكومنولث، وهو الشد والجذب الذي عاشته المرأتان حتى أُطيح بثاتشر من منصبها، ليبدأ فصل هادئ رتيب بينهما، وهو العلاقة التي جمعت المرأتين بعد التقاعد.

ملكتا نحل في خلية واحدة 

كشف رونالد أليسون Ronald Allison، السكرتير الصحفي السابق للملكة في لقاءٍ مع بالمر عن أن الملكة إليزابيث تبنَّت موقفًا معاديًا لوجود النساء في سدة الحكم، وعلى الرغم من مكانتها كملكة، ووجود نماذج يُحتذى بها في عائلتها المباشرة، مثل أمها وجدتها اللتين كانتا ملكتين عظيمتين، فإنها كانت تعتبر أن «دونية المرأة» هي الترتيب الطبيعي للكون، وكانت ترى أنها الاستثناء الوحيد للقاعدة العامة التي تنص على أن الرجال أفضل في الحكم، وذلك من منطلق إيمانها المسيحي الذي أقنعها بأنها تم تعيينها من قِبَل الله، ومنصبها هو واجب وتكليف إلهي. 

‏ونتيجة لهذه القناعات المعادية للمرأة، لم تقم الملكة بفِعل أي شيء لتعزيز دور النساء داخل البلاط البريطاني، وأحاطت نفسها بالرجال فقط، معتبرة أن النساء لسنَ أهلاً لمشورتها. 

المثير للدهشة أن ثاتشر أيضًا امتلكت نفس القناعة، فقد شاركت الملكة في الحماس لعدم لتمكين النساء من المناصب العُليا، وخلال 11 سنة قضتها كرئيسة للوزراء، منحت امرأة واحدة دورًا قياديًّا في مجلس وزرائها، هي جانيت يونغ زعيمة لمجلس اللوردات، وهو منصب لم تستمر فيه يونغ طويلاً بطبيعة الحال.

يقول السياسي الإنجليزي بيتر كارينجتون الأمين العام السابق لحلف الناتو، إنه بالرغم من اشتهار المرأة الحديدة بالتواضع مع النساء اللائي عملن لديها في وظائف بسيطة كالخادمات والنادلات، فإنها كانت تعتبر أن النساء الطموحات المتطلّعات للمناصب يُشكلن مصدر تهديدٍ يجب التخلص منه، وكانت ثاتشر تبرر رغبتها في النفور من النساء بأنهن يثرثرن في الموضة والأطفال وبناء المنزل، بينما هي تهتم ببناء الدولة. 

هذه الظاهرة ليست بالغريبة، وإنما يُعرّفها علم النفس بِاسم «متلازمة ملكة النحل»، وتعني ببساطة أن المرأة التي تقتحم مجالاً يُعرف باقتصاره على الرجال وتتفوّق فيه، ستحاول الحفاظ على تفردها بصفع الباب في وجه النساء الأخريات حتى لا يزاحمنها في نفس المكانة.

و‏بالنسبة للملكة، كانت ثاتشر من سلالة جديدة من النساء لم تتعرض لها من قبل.  عالمة كيمياء ومحامية عصامية، مستاءة من مكانتها في العالم وعازمة على تحسينها، تحرص على إخفاء أصولها المتواضعة وراء التأنق بارتداء القبعات الزهرية وقلائد اللؤلؤ ودروس الفصاحة لتمحو من لسانها لهجة لينكولنشاير الريفية، كل تلك التحسينات كانت مثيرة لريبة الملكة، التي تكره المتنصلين من أصولهم وتعتبرهم زائفين ومدعين، خصوصًا لو أنهم يمتلكون كل المقومات اللازمة لمزاحمتها على عرش مملكة نحلها.

الحرب تنقذ المرأة الحديدية من الصدأ

لم تكن الملكة وحدها من ارتاب من كفاءة ثاتشر، ففي أبريل 1982م، كان مستقبل مارغريت ثاتشر السياسي في حالة حرجة، بعد ما حاصرتها انتقادات حادة من حكومتها وشعبها بسبب سياساتها الداخلية التي أدّت إلى ارتفاع نسب البطالة، أضربت النقابات ضدها وطالبوا برحيلها، كلها مؤشرات أنبأت بأن شعبيتها في طريقها للانهيار لا محالة، لولا وقوع الحرب مع الأرجنتين.

اشتعلت حرب فوكلاند  في عام 1982م بين الأرجنتين والمملكة المتحدة على إقليمين واقعين في جنوب المحيط الأطلسي، تابعين لبريطانيا، وهما: جزر فوكلاند وأقاليم جورجيا الجنوبية، وساندويتش الجنوبية الملحقة بها.

غالبية سكان جزر فوكولاند كانوا من أحفاد المستوطنين البريطانيين الذين قطنوها منذ أوائل القرن التاسع عشر، وكانوا يؤيدون بشدّة السيادة البريطانية. بدأ النزاع عندما غزت الأرجنتين في الثاني من أبريل في عام 1982م، جزر فوكلاند واحتلتها، وتلى ذلك غزوها لجورجيا الجنوبية في اليوم التالي، في محاولة لإثبات سيادتها على هذه الأقاليم.

أرسلت الحكومة البريطانية في الخامس من أبريل من العام نفسه فرقة عمل بحري للاشتباك مع سلاح الجو والقوات البحرية الأرجنتينية. استمر النزاع لمدة 74 يومًا، وانتهى باستسلام الأرجنتين في 14 يونيو، وعادت جزر فوكولاند للسيطرة البريطانية. وكان لمارجريت دور مهم في تنظيم الجيش الذي يبعد 8 آلاف ميل عن مكتبها.

هذا الانتصار أكسب ثاتشر شهرة عالمية جعلت الصحف تصفها بالمرأة الحديدية، وأُعيد في السنة التالية لانتهاء الحرب انتخاب حكومتها في بريطانيا بأغلبية كبيرة، فبدأت ثقتها في التزايد، وسعت لتعزيز سُلطتها وفرضها على الجميع بمن فيهم الملكة نفسها، حينما اتّخذت بعض القرارات على الرغم من معارضتها لها.

معركة بسبب الكومنولث

بريطانيا هي الرئيس المنطقي لهذا الاتحاد التطوعي الذي يضمُّ 54 دولة مستقلة، يضمُّ تشكيلة من الاقتصادات المتقدمة والبلدان النامية، والتي كانت جميعها تحت الاستعمار البريطاني سابقًا، تتعاون حكومات هذه الدول من أجل العمل على تعزيز الرخاء والديمقراطية والسلام، ولهذا فهي تجتمع كل عامين لمناقشة القضايا التي تؤثر على الكومنولث والعالم الأوسع في اجتماع رؤساء حكومات الكومنولث (CHOGM).  

وفي عام 1986م، ظهرت موجة من المعارضة العالمية لسياسات التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، حيث كان النظام السياسي والاقتصادي يُميِّز الأقلية البيضاء على بقية أهل البلاد من السود، وهو الأمر الذي أثار استياء قادة الكومنولث، وأبدوا استعدادهم لفرض عقوبات اقتصادية ضدها.

في اجتماعها، وافقت جميع دول الكومنولث على برنامج العقوبات الاقتصادية، والذي تضمّن حظر السفر الجوي والاستثمارات في جنوب أفريقيا، وحظر الواردات الزراعية وإيقاف السياحة في جنوب أفريقيا. وحدها بريطانيا رفضت هذه الخطط، لأن مارجيت ثاتشر اعتبرت أن أي عقوبات اقتصادية على جنوب أفريقيا ستضرُّ بالمصالح الاقتصادية لبريطانيا وتجارتها في جنوب إفريقيا، كما اعتبرت أنها مجرد حل أخلاقي شكلي وغير عملي، سيزيد البطالة بين السود ويفقرهم أكثر، ولن يحل مشكلاتهم الفعلية.

أثار رفض ثاتشر استياء الملكة، ورأت أن هذا القرار يُمكن أن يُلحق الضرر بسمعة الكومنولث، أو حتى يؤدي إلى تفككه لو أصرَّت الدول الأعضاء على اتّخاذ قرار ترفضه الدولة الراعية للحلف؛ بريطانيا.

بالنسبة لثاتشر، كان الكومنولث مجرد مضيعة للوقت والجهد وتشبثًا بأمجاد الماضي الاستعمارية، وكانت ترى أنه من الأجدى بها أن تُنسِّق اجتماعات مع رونالد ريغان رئيس الولايات المتحدة، آنذاك، أو مع ميخائيل جورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي، لا أن تجد نفسها مُجبرة على خوض محادثات مع رؤساء دول نامية لا تجمعها بهم أي سياسات مشتركة لتحل مشكلاتهم الأخلاقية والعنصرية. 

بالتنسيق مع الملكة، أجرى عددٌ من قادة الكومنولث مفاوضات مطولة مع ثاتشر في محاولة لإقناعها بتعديل موقفها، وظلت معارضتها للملكة محور حديث الصحافة، وهو الأمر الذي وصل ذروته في افتتاحية «صنداي تايمز»، التي نقلت تقريرًا صادمًا منقولًا عن بعض مستشاري الملكة بأنها تعتبر أن طريقة حُكم ثاتشر «غير مبالية، وتسبب الانقسام الاجتماعي»، أحدثت المقالة دويًا هائلًا في الأوساط السياسية البريطانية، وتسببت في إحراج كبير للمرأة الحديدة كاد يعصف بها لولا أن الملكة أكدت عدم صحة هذه المقالة، واتصلت بثاتشر واعتذرت لها عما قيل على لسانها.

مقالة «صنداي تايمز»

وفي الفيلم الوثائقي Elizabeth: Our Queen، تحكي مارجريت أخت الملكة أنها رأت شقيقتها القوية تبكي منفردة مرة واحدة فقط في حياتها، كان ذلك عندما نشرت الصحف العديد من المقالات التي تتحدث عن توتر علاقتها مع مارجريت ثاتشر.

في نهاية المطاف، انصاعت ثاتشر للضغوط المتتالية عليها، وفي خريف عام 1986، اضطرت إلى الموافقة على عقوبات أقل حدة، بعد أن أقرَّ الكونجرس الأمريكي قانون مناهضة الفصل العنصري الشامل ضد جنوب أفريقيا.

أطفال ساخطون 

بجانب أسلوب ملابسهما، واحدة من أكثر نقاط تشابه المرأتين هي علاقتهما المتوترة مع أطفالهما؛ فالأمير تشارلز ابن الملكة إليزابيث، وكارول ثاتشر ابنة مارجريت، لم يتورعا عن الإعراب عن الاستياء من والدتيهما، علنًا، للصحافة في أكثر من مناسبة، معتبرين أنهما عانيتا من غياب وجود أم محبة في طفولتهما.

قالت كارول عن أمها إنها «كانت كأنها تنظر لواجبها السياسي بمنظار يحجب عنها رؤية عائلتها».

(كارول ثاتشر ومذكراتها عن طفولتها A Swim-on Part in the Goldfish Bowl، انتقدت فيها أمها بشدة

ذات النقد الذي لم تنجُ منه الملكة إليزابيث، التي تولت الحكم في سن مبكرة، اضطرتها إلى قضاء كثير من الوقت بعيدًا عن أطفالها خلال السنوات الأولى من حكمها، ففي كتاب أمير ويلز: سيرة ذاتية، قام تشارلز بتقديم نقد لاذع لكون والدته ظلت بعيدة عنه كطفل، جسديًا في رحلاتها المتكررة لرعاية شئون البلاد، وحتى عاطفيًا لانشغالها الدائم بأمور أخرى غير أطفالها.

في كتابه، حكى أمير ويلز بمرارة أن طفولته قضاها في رعاية طاقم الحضانة وليس والديه، فبينما التزم والداه بالتحفظ العاطفي تجاهه علّمه الخدم العزف وشهدوا خطواته الأولى وعاقبوه وكافئوه وساعدوه على وضع أفكاره الأولى في كلمات.

ورغم ما سببه ذلك البعد من خلافات وشروخ في علاقتهما، فقد تداركت الملكة الأمر، وأصبحت علاقتها الحالية مع ابنها ووريث عرشها أكثر استقرارًا، أما ثاتشر فقد كانت أقل حظًا، ووافتها المنية قبل أن تتمكن من إصلاح علاقتها بأبنائها، وعندما سُئلت كارول عن عدم تلبيتها طلب والدتها بزيارتها لرؤية أحفادها في أيامها الأخيرة، أجابت ببرود : «لا يمكن للأم أن تتوقع أن يعود أطفالها بعد ما كبروا، لتغمرهم بالحنان في الوقت الضائع. الأم الغائبة لا يمكن أن تصبح جدّة، هذه معادلة غير متزنة».

الملكة إليزابيث بصحبة ولي العهد الأمير تشارلز

جنازة ملكية رغمًا عن البروتوكول

حظيت ثاتشر بأطول مدة لرئاسة الوزراء في تاريخ بريطانيا، وبعد شهر واحد فقط من انتهاء رئاستها التي استمرت 11 عامًا كرئيسة للوزراء، منحتها الملكة إليزابيث وسام الاستحقاق المرموق، الذي يُمنح لتكريم أولئك الذين قدموا خدمة جديرة بالتقدير بشكل استثنائي للمملكة أو أسهموا في تطوير العلوم والفنون.

على عكس معظم الأوسمة الملكية الأخرى، يُمنح وسام الاستحقاق بناءً على تقدير الملكة فقط، دون مساهمة من موظفيها أو المسؤولين الحكوميين. هذا، ربما، هو مغزى محنها ثاتشر إياه، لقد كان خيارًا اتخذته الملكة بنفسها. كتقدير شخصي منها، فرغم كل الخلافات، كان هناك كثير من الاحترام بينهما.

اعتبرت الملكة أن رئيسة وزرائها عُوملت بشكلٍ سيئ عقب الإطاحة بها من منصبها عام 1990م، فأرادت إنصافها وقدّمت لها دعوة لحضور سباق خيل بصحبتها، وهي الدعوة التي رفضتها ثاتشر بدعوى أنها ليست في حالة مزاجية تسمح لها بالقبول، دون أن تنكر مدى تأثرها بهذه الدعوة المفاجئة.

ظلّت ثاتشر عضوًا في مجلس اللوردات حتى خذلتها صحتها رويدًا رويدًا، واختفت من الساحة السياسية في 2002 حتى أبريل/نيسان من عام 2013 حين تُوفيت ثاتشر عن عُمرٍ ناهز الـ87 عامًا متأثرة بسكتة دماغية، وهو الخبر الحزين الذي علّق عليه القصر الملكي بإعلانه أن «الملكة حزينة جدًا لوفاة البارونة مارغريت ثاتشر».

خرقت الملكة البروتوكول الملكي بحضور جنازتها، على الرغم من أنه وفقًا للتقاليد، فإن الملك لا يحضر جنازات عامة الشعب، لتلقي على صديقتها اللدودة نظرة الوداع الأخير.