شهدت السنوات الفائتة صراعًا مريرًا على لقب الرجل الأغنى في العالم بين جيف بيزوس مدير شركة أمازون، وإيلون ماسك مؤسِّس شركة تسلا. لم يقتصر التنافس بينهما على خوض حروبٍ تجارية من آنٍ لآخر، وإنما امتدَّ إلى الفضاء أيضًا.

فمنذ العام 2017م، والرجلان لا يكفَّان عن التنافس على مقعد الرجل الأغنى في العالم، وهو الصراع الذي تفوَّق فيه ماسك مؤخرًا بسبب الارتفاعات القياسية في أسهم شركة «تسلا»، والتي أمَّنت له التفوُّق بأكثر من ـ100 مليار دولار فارقًا بين ثروتي كلا الرجلين؛ بيزوس (182 مليار دولار) وماسك (282 مليار دولار).

نتيجة لهذه الحرب الباردة بينهما تسمَّمت العلاقة بين الطرفين اللذين لا يتوقفان عن السخرية بعضهما من بعض كلما سنحت الفرصة، وفي حوارٍ أجرته «بي بي سي» مع ماسك، سُئل عن بيزوس فأجاب ساخرًا: «بيزوس مَن؟!».

العراك يمتد إلى الفضاء

حالة التنافس الكبير بين الرجلين لم تقتصر على الأرض، وإنما امتدَّت إلى الفضاء أيضًا، بعدما تشابكا في طموحاتهما الفضائية التي تطمح لإيصال البشر إلى أبعد نقطة ممكنة عن كوكبنا.

أظهر بيزوس اهتمامًا مبكرًا بالفضاء عبَّر عنه عام 1982م حين كان بعد طالبًا في المرحلة الثانوية، حينما أخبر صحفيًّا أنه «يحلم بإنشاء مستعمرات في الفضاء الخارجي تَسَعُ ملايين من الناس».

ولم يكن يملك تحقيق هذا الحلم إلا بعد النجاح المدوِّي لـ «أمازون»، الذي قاده لعرش الأغنى بالعالم. لاحقًا قرَّر بيزوس استثمار جزء من هذه الثروة في تحقيق أحلامه القديمة.

أسَّس بيزوس شركته «بلو أوريجين» (Blue Origin)، وهو المسار الذي سريعًا ما لاحقَه فيه ماسك أيضًا بعدما دشَّن بدوره شركة «سبيس إكس» (SpaceX)، وكلتاهما متخصصتان في استكشاف الكون، وتقومان بالعديد من التجارب الفضائية من وقتٍ لآخر.

وبسبب الفضاء وقع آخر لقاء – وفقًا لما هو موثَّق – بين الرجلين، حيث التقيا في مطعم عام 2004م لمناقشة بعض القضايا الخاصة بالصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام.

للأسف، لم يسر اللقاء كما ينبغي، وبحسب اعتراف ماسك لاحقًا فإنه اجتهد لتقديم بعض النصائح التي تم تجاهلها بالكامل لاحقًا. كان من المستحيل التوفيق بين طموحات كلا الرجلين، فهدف ماسك الأول هو الوصول إلى المريخ، وهي الفكرة التي وصفها بيزوس بأنها «غير محفزة» وفقًا لفلسفته التي تسعى لتيسير سفر البشر إلى الفضاء بشكلٍ عام، وبالذات إلى القمر، وهو النهج الذي لطالما سخر منه ماسك بدوره.

منذ هذه اللحظة، فضَّل كل طرف سلوك طريقه منفردًا، وهو ما زاد من حدة التنافس بينهما حتى وصل إلى درجة التشاجر والتقاضي في ساحات المحاكم، هذه المرة بسبب وكالة «ناسا».

ففي عام 2021م، منحت وكالة «ناسا» الفضائية شركة «سبيس إكس» مناقصة تجارب لتنفيذ رحلة جديدة إلى القمر بتكلفة 2.9 مليار دولار، وهو القرار الذي وصفه بيزوس بـ «المعيب وغير العادل»، ورفع دعوى قضائية ضد وكالة ناسا أجبرتها على إيقاف العمل بالبرنامج مؤقتًا.

وكثيرًا ما أعرب ماسك في وسائل الإعلام عن استيائه من محاولات «بلو أوريجين» – ومن خلف هذه التسمية يقصد بيزوس بشكلٍ غير مباشر – استقطاب مهندسي شركته بعد إغرائهم بمنحهم ضِعف رواتبهم.

في ساحة «تويتر»

عادة ما شهد «تويتر» على حالة العراك الدائمة بين الرجلين، ففي 2015م، احتفى بيزوس بإنجاز شركته في إعادة استخدام صاروخ سبق استخدامه، وهي الخطوة التي علَّق عليها ماسك قائلاً إن شركته قامت بها منذ قرابة 3 سنوات.

لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي ينتقد فيها ماسك بيزوس، وإنما وصفه ذات يوم بـ «المُقلِّد»، بعدما أعلنت أمازون عن خططها للاستثمار في إطلاق أقمار صناعية تبثُّ الإنترنت للأرض وفي سيارات الأجرة ذاتية القيادة، وهي نفس المجالات التي يتبنَّى ماسك الاستثمار فيها منذ سنوات.

وفي 2020م، علَّق ماسك على خبر منع «أمازون» نشر أحد الكتب على موقعها بأنه قرار «جنوني»، ثم دشَّن دعوة لـ «تحطيم أمازون»!

وعقب إعلان ماسك استحواذه على منصة التدوينات «تويتر» إزاء صفقة قياسية قُدِّرت قيمتها بـ 44 مليار دولار. في تغريدة متوقعة، كان بيزوس أحد أول منتقدي هذه الخطوة، معتبرًا أن هذه الصفقة ستضفي نفوذًا صينيًّا على المنصة الزرقاء.

في إشارة إلى علاقات ماسك المتنامية مع شنغهاي، وتحديدًا عبر ذراعه الاقتصادية العملاقة «تسلا»، التي تمتلك مصنعًا في الصين وتستورد العديد من المواد التي تُنتج بها سياراتها الكهربائية من هناك.

وتأتي هذه الخطوة برغم أن بيزوس لم يُعرف بهوسه بـ«تويتر»، فلم يعتد استخدامه بانتظام، وهي العادة التي كسرها خصيصى للتعليق على نشاط ماسك الاستثماري.

وفي إشارة لا تخفى لانصياع محتمل لماسك في شروط إدارته للموقع لصالح حلفائه الصينيين، بالرغم من أن الموقع في حدِّ ذاته محجوب في الصين نفسها بصحبة حزمة من مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة الأخرى مثل «فيسبوك» و«يوتيوب» و«انستجرام».

هذا الانتقاد اعتُبر أول اختبار يُواجهه إيلون في مدى تمسُّكه بحرية التعبير على الموقع الزرقاء، وسط تساؤلات عما إذا كان سيسمح لعدوه اللدود بالهجوم عليه عبر منصة يمتلكها. عدم حذف تدوينة بيزوس من الموقع حتى الآن يؤكد أنه سيتمسَّك بمبادئ حرية التعبير حتى النفس الأخير.

هل يتنافسان حقًّا؟

وفي بحثه «البطاركة الجُدد للرأسمالية الرقمية»، فإن بن ليتل (Ben Little) المحاضر الإعلامي في جامعة «إيست إنجليا» يعتقد أن خطط ماسك وبيزوس للسيطرة على الفضاء تكاملية، وليست تنافسية كما تصورها وسائل الإعلام، بل كما يحرصان هما على تقديمها للناس.

وبحسب ليتل، فإن كلا الثريين يعلمان أن مجالات أعمالهما لا يتقاطع بعضها مع بعض بالكامل، وفيها شركتاهما للفضاء، لكنهما رغم ذلك يحرصان على تأجيج نار الصراع بينهما لتبدو وكأنها حقيقية؛ لتسليط الضوء أكثر من اللازم على إنجازاتهما، ما يمنحهما القدرة على امتصاص المزيد والمزيد من الاستثمارات.