عواقب وخيمة وتوترات اقتصادية، خلَّفها التفشي الكارثي لفيروس كورونا منذ مطلع العام المنصرم، في انتظار الرئيس الأمريكي المنتخب.

تركة ثقيلة يرثها وطريق طويل يحتاج أن يقطعه في سبيل تعافي الاقتصاد، وتحديات ليست بيسيرة تفرض عليه، بمجرد تولي منصبه في العشرين من يناير/كانون الثاني من العام المقبل، حتمية اتباع خطة اقتصادية شاملة لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي وإعادة بنائه، قبل أن يتفاقم الوضع ويزداد سوءًا.

فما تلك التحديات الاقتصادية التي تنتظر الرئيس الجديد؟ وكيف سيقنع بايدن العالم أن «أمريكا قد عادت»؟

تحديات تلوح في الأفق

بمجرد تولي الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن الحكم، سيكون أمام معركة شاقة لن ينتصر فيها إلا بتغلبه على المشاكل الاقتصادية التي نتجت عن سياسات الإغلاق المرتبطة بتفشي فيروس كورونا.

ارتفاع نسبة البطالة

سيستغرق الأمر وقتًا طويلًا للعودة إلى حيث كنا، لكننا نسير في الاتجاه الصحيح.
جوشوا شابيرو، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في شركة الاستشارات الاقتصادية والمالية «ماريا فيوريني راميريز».

في مطلع العام المنتهي 2020، كان معدل البطالة في الولايات المتحدة قد بلغ أدنى مستوى له منذ خمسة عقود بنسبة 3.5٪، تزامنًا مع زيادة سريعة في الأجور.

لكن ذلك سرعان ما تبدل في غضون أسابيع جرَّاء تفشي فيروس كورونا، إذ شهدت الولايات المتحدة معه معدلات بطالة لم تعاصرها منذ نهاية الكساد الاقتصادي في الثلاثينيات من القرن الماضي.

فقد تسببت حالة الإغلاق كإجراء احترازي منعًا لاستمرار تفشي الفيروس، في خسارة حوالي 22 مليون وظيفة، ومنذ ذلك الحين أعادت الشركات حوالي 12 مليون وظيفة فقط، ولا يزال هناك نحو 10 ملايين وظيفة فقدها أصحابها ولم تعد رغم محاولات التعافي.

ووفق ما تشير إليه بيانات العمالة، فإن ثلث الأمريكيين العاطلين عن العمل هم عاطلون عن العمل منذ أبريل/نيسان الماضي على الأقل، خلال الجولة الأولى من تسريح العمالة.

وبالرغم من انخفاض معدل البطالة بنحو نقطة مئوية واحدة في أكتوبر/تشرين الأول، وانخفاض عدد العاطلين عن العمل بمقدار مليون ونصف إلى 11.1 مليون، غير أن معدل البطالة وعدد العاطلين لا يزالان ضعفي ما كان عليه في فبراير الماضي قبل تفشي الجائحة بنسبة 3.5% ونحو 5.8 مليون عاطل عن العمل.

لذا يبقى خفض معدل البطالة، خاصة في ظل الموجة الثانية التي تهدد بجولة جديدة من عمليات التسريح إذا ما عادت الولايات المتحدة لتبني سياسات الإغلاق، تحديًا كبيرًا أمام إدارة جو بايدن، وهو ما سيتطلب منها وضع خطة إنقاذ إضافية.

انكماش الاقتصاد

بلغ العجز الحالي للموازنة ضعف العجز القياسي السابق للموازنة المسجلة خلال الأزمة المالية العالمية منذ نحو عشر سنوات. وهو ما سجلته الموازنة الفيدرالية بحوالي 3.1 تريليون دولار في نهاية العام المنقضي مقابل 1.4 تريليون دولار، بحسب البيانات الصادرة عن وزارة الخزانة.

فجرَّاء كورونا، انكمش الناتج المحلي الأمريكي بحلول بداية الربع الثاني من العام المنتهي بنحو 22%، وبانتهاء الربع سجل الاقتصاد الأمريكي انكماشًا بمعدل سنوي وصل لما نسبته 33%، وهو ما يعد أسوأ انخفاض فصلي على الإطلاق، وأكبر تراجع اقتصادي سنوي منذ الكساد الكبير.

تزامن مع تلك الفترة إغلاق العديد من الشركات وتشريد عشرات الملايين من العاملين من وظائفهم حتى ارتفع معدل البطالة إلى 14.7%.

بيد أن الاقتصاد الأمريكي شهد نموًا بوتيرة متسارعة في الربع الثالث مع ضخ الحكومة أكثر من 3 تريليونات للتخفيف من تداعيات فيروس كورونا، إذ بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي نحو 33.1% على أساس سنوي.

إلا أن ذلك لم يكن علاجًا حقيقيًّا للأزمة التي أسفر عنها فيروس كورونا، إذ تسبب ذلك الإنفاق الضخم في انكماش كبير في الربع الأخير مصحوب بانخفاض حاد في الإنفاق الاستهلاكي – الذي يشكل نحو 70% من النشاط الاقتصادي – بمعدل سنوي وصل إلى 34%، وكذلك انخفاض حاد في استثمارات الأعمال والإسكان.

جهود التعافي: خطة بايدن لإنقاذ الاقتصاد

يحتاج جو بايدن في سبيل تمرير مشروع قانون ضخم للتعافي في الكونجرس والبدء في خطته الطارئة لإنقاذ الاقتصاد، إلى حوالي اثنين إلى ثلاثة تريليونات دولار أمريكي وفق تقدير بعض محللي السوق، وتشتمل تلك الخطة على نقاط رئيسية:

فرض المزيد من الضرائب

في سبيل توفير بعض السيولة اللازمة لخطة التعافي، يخطط الرئيس المنتخب لرفع الضرائب على من يكسبون أكثر من 400 ألف دولار سنويًّا، بالإضافة إلى زيادة ضرائب الشركات من 21٪ إلى 28٪، ورفع معدل ضريبة الدخل الأعلى من 37% إلى 39.6%.

كذلك فرض ضريبة على رأس المال وتوزيعات الأرباح بالمعدلات العادية لمن لديهم دخل سنوي يزيد عن مليون دولار، علاوة على فرض ضريبة أرباح رأس المال غير المحققة عند الوفاة.

ومن المتوقع أن تحقق خطته هذه ما يقرب من أربعة تريليونات دولار من الإيرادات الإضافية على مدى عقد من الزمان. ووفقًا لمركز السياسة الضريبية، فإن 20% من الأسر ذات الدخل الأعلى التي تجني حوالي 170 ألف دولار أو أكثر سنويًّا، ستتحمل ما يقرب من 93% من عبء الزيادة الضريبية المقترحة من قبل بايدن.

وعليه، سيتم الاستفادة من أموال الضرائب هذه في دفع تكاليف خطة الإنفاق الضخمة لبايدن، ودعم إعادة بناء الاقتصاد.

حقوق العمال

تسعى خطة العمل الطارئة لبايدن لإنقاذ الاقتصاد، والتي تم نشرها من خلال موقع حملته الرئاسية، إلى تشجيع الشركات على الاستمرار في العمل، لمنع تسريح المزيد من العمال.

كما دعت الخطة إلى ضخ المزيد من مدفوعات التحفيز المماثلة بـنحو 1200 دولار للفرد، والتي تم دفعها إلى حوالي 160 مليون أمريكي في وقت سابق من هذا العام، مع تعزيز المنح والقروض التي تستهدف الشركات الصغيرة.

وهو ما سيشكل تحديًا أمام بايدن لضمان وصول المساعدات المالية لمستحقيها في الوقت المحدد، خاصة أنه من المرجح أن تمر الولايات المتحدة بفترة إغلاق ثانية، خاصة أن عدة ولايات قد وجدت بالفعل صعوبة في الاستفادة من حزمة التحفيز المالية التي منحتها إدارة ترامب للمتضررين خلال فترة الإغلاق الأولى.

كذلك، فإن خطة بايدن لإنقاذ الاقتصاد تستهدف رفع الحد الأدنى الفيدرالي للأجور إلى 15 دولارًا في الساعة، كما تهدف إلى منح العمال المزيد من القدرة على المساومة عبر التخلص من البنود التعسفية غير التنافسية، وإزالة البنود التي تمنع الموظفين من مناقشة الأجور مع بعضهم البعض من عقود العمل.

تحفيز التصنيع

يعتقد بايدن أن بإمكان العمال الأمريكيين التنافس مع أي شخص، لكن حكومتهم بحاجة إلى المحاربة من أجلهم.
جاء على موقع جو بايدن الرسمي.

في يوليو/تموز 2020، اقترح بايدن خطة بقيمة 700 مليار دولار لتعزيز التصنيع والقوة التكنولوجية في الولايات المتحدة. يتضمن ذلك إنفاقًا حكوميًّا بقيمة 400 مليار دولار على السلع والخدمات الأمريكية واستثمار 300 مليار دولار في البحث والتطوير في تقنيات معينة كالسيارات الكهربائية والمواد خفيفة الوزن وشبكات الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي.

وقد سبق أن صرح جو بايدن بأن الدولة الأمريكية بحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية بما يشمل الطرق والجسور والمطارات، وأنه بحاجة إلى نحو 1.3 تريليون دولار للإنفاق على البنية التحتية على مدى عقد من الزمان.

يشمل ذلك إنفاق نحو 50 مليار دولار، في العام الأول من توليه الرئاسة، لإصلاح الطرق السريعة والجسور، و 20 مليار دولار على البنية التحتية في المناطق الريفية، وإنفاق نحو 400 مليار دولار على مدى 10 سنوات في وكالة فيدرالية جديدة لإجراء أبحاث للابتكار في مجال الطاقة النظيفة.

فضلًا عن إنفاق 5 مليارات دولار على مدى خمس سنوات بعد ذلك، على تكنولوجيا بطاريات السيارات الكهربائية و 10 مليارات دولار أخرى على مدى 10 سنوات على مشاريع النقل التي تخدم مناطق الفقر المرتفع.

تشجيع الاستثمار

وفقًا لما جاء على موقع جو بايدن على الإنترنت، فإن بايدن يدعم فكرة «الصفقة الخضراء الجديدة»، وهو تشريع مقترح في الولايات المتحدة الأمريكية يهدف إلى معالجة التغير المناخي. وأنه ينوي في إطار ذلك إعادة الانضمام إلى اتفاقية باريس التي تم الاتفاق عليها في عام 2015 للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي سبق أن انسحب ترامب منها بعد ستة أشهر من توليه منصبه.

كذلك، فإنه يريد أن يضمن للولايات المتحدة قطاع طاقة خاليًا من الكربون بحلول عام 2035، وأن تصل إلى صافي انبعاثات صفرية في موعد أقصاه 2050. كما أنه يريد إنشاء قسم جديد للعدالة البيئية والمناخية داخل وزارة العدل من أجل بناء اقتصاد للطاقة النظيفة بنسبة 100٪. الأمر الذي سيتطلب إنفاقًا فيدراليًّا يقدر بتريليوني دولار.

فضلًا عن ذلك، فإنه يخطط للقيام باستثمارات جديدة في البنية التحتية والنقل العام والكهرباء النظيفة وصناعة السيارات الكهربائية والمباني والإسكان والزراعة، الأمر الذي سيكون سببًا في خلق الملايين من الوظائف الجديدة.

كذلك من شبه المؤكد أن تسعى إدارة جو بايدن إلى إعادة بناء العلاقات الأمريكية مع الشركاء التجاريين الرئيسيين، وفي ذلك الصين والاتحاد الأوروبي، الذين استهدفهم ترامب بسبب السياسات الحمائية وفي ذلك التعريفات والعقوبات، وذلك من أجل تعزيز التجارة الدولية واستعادة هيمنة الصناعة الأمريكية.

إجمالًا، ينتظر الرئيس الأمريكي الجديد تحديات اقتصادية كبيرة، تفرض عليه ضرورة المضي قدمًا في خطة التعافي لإنقاذ الاقتصاد فور توليه منصبه، لإعادة بناء الاقتصاد والنهوض به.