قد يبدو للبعض أن الحديث في هذا الأمر من ترف القول، خاصة مع ارتفاع الأسعار، الذي جعل – في السوق المصري كمثال – متوسط سعر عبوة مشروب الطاقة 4 أضعاف عبوة المشروبات الغازية المعتادة، مما لا يجعلها في متناول الجميع ولا البعض. لكن، لغة الأرقام لا تكذب، ولها دلالاتها في بيان أهمية هذا الأمر.

رغم مرور أقل من 30 عامًا على ظهور مشروبات الطاقة في الأسواق، وارتفاع أثمانها مقارنة بمنافساتها في قطاع المرطبات غير الكحولية، فإن حجمها السوقي يتمدَّد سنويًا بشكلٍ متسارع، فبلغ ما يقارب 40 بليون دولار في عام 2013، ومن المتوقع أن يتجاوز 60 بليون دولار بحلول 2021. تذكر بعض الإحصاءات أن أكثر من ثلث المراهقين في الولايات المتحدة يتناولون مشروبات الطاقة.

وفي منطقتنا العربية، تحظى مشروبات الطاقة بشعبية هائلة، خاصة لدى الشباب في منطقة الخليج العربي. أظهرت إحدى الدراسات على عينة عشوائية من الطلبة الجامعيين الإماراتيين أن 85% يتناولون مشروبات الطاقة بشكل شبه منتظم، منهم 16% يتناولون أكثر من عبوة يوميًا. ولعل هذا الانتشار كان من دوافع الإمارات لمساواة مشروبات الطاقة بالسجائر في فرض ضريبة 100% أكتوبر الماضي.

في ٢٠١٤، أدى انتشار مشروبات الطاقة، واللغط حول فائدتها وضررها، إلى حظر بيعها في السعودية في مقاصف الهيئات الحكومية، والمنشآت التعليمية والصحية. جديرٌ بالذكر كذلك – طبقًا لما ذكره مسئول سعودي – أن مبيعات هذه المشروبات بلغت حوالي ملياري ريال سعودي سنويًا، تمثل ثلث سوق المشروبات الغازية عمومًا.

رغم هذا الانتشار المتعاظم، ما تزال العديد من علامات الاستفهام تحيط بمشروبات الطاقة. سنتلمَّس بالسؤال والجواب، الحقيقةَ في هذه القضية الخلافية، بين مبالغاتٍ تعتبرها خطرًا داهمًا على الصحة والحياة، ومدافعاتٍ مستميتة من منتجيها ومحبيها تصفها بالسحر النافع.


ما هي مشروبات الطاقة؟

مشروباتٌ هدفُها زيادة النشاط البدني والعقلي، وتخفيف الإجهاد، وليس لها أي دورٍ علاجي، وتباع في الأسواق مثل المشروبات الغازية المعتادة، دون قيدٍ ولا شرط.


ما مكوناتها؟

المكون الرئيسي، والعنصر الوظيفي الأهم، هو الكافيين، المادة الفعالة في القهوة، والذي ينشط المخ، ويُحسِّن التركيز، وله دور بسيط في تسكين الألم (يكوّن مع البراسيتامول مسكنَ البانادول إكسترا الشهير ). تعاطيه بانتظام لا يسبب إدمانًا كالمخدرات، لكن يسبب التعود، خاصة لمن يتناول كوبيْن فأكثر من القهوة يوميًا. ولذا فالتوقف المفاجئ عنه قد يسبب بعض الأعراض الانسحابية المحدودة لبضعة أيام (الصداع، الانفعال، الإجهاد، اعتلال المزاج …). تختلف كمية الكافيين من مشروب طاقة لآخر. تحتوي عبوة منتج ريد بول الشهير، على حوالي 80 مجم من الكافيين، والذي يماثل تقريبًا ما يحتويه كوب كبير من القهوة حجمه 250 مل.

إلى جانب الكافيين، توجد مكونات أخرى، تختلف تركيزاتها كذلك من منتج لآخر. أشهرها سكر الجلوكوز، وفيتامين «ب» وبعض مشتقات الأحماض الأمينية مثل التورين، و الكارنيثين، وبعض مشتقات الأعشاب مثل الجوارانا التي تحتوي على الكافيين، وكانت مشهورة لدى قبائل حوض الأمازون، و الجنسنج.


ما سر هذا الانتشار المدوي لها؟

تلعب مشروبات الطاقة على وترٍ حساس. فتحديات حياتنا المعاصرة مرهقة، وإيقاعها يزداد سرعة وضغطًا علينا. نشكو جميعُنا من الإجهاد المزمن، مما يفاقم الضغط النفسي علينا. والإنسان ضعيف، يتعشَّم دائمًا في حلول سحرية فورية المفعول، فيقتنع بسهولةٍ أن مشروبًا كهذا يمكن أن يُغنيَهُ عن إعادة ترتيب أنماط حياته، وسلوكياته، وتفاعله مع الحياة. والحق أنها قادرة ولو جزئيًا وبشكل مؤقت، على مساعدة من يعملون تحت ضغط، لكن بحدود.

أيضًا تلعب الدعاية جيدًا على شريحة الشباب بالأساس، فتربط بشكل لاواعي بين مشروبات الطاقة، والانطلاق في الأنشطة المثيرة الحماسية، كالرياضات التنافسية، وسفاري الصحراء، وتسلق الجبال، ورالي السيارات … الخ.


ما الفوائد الأكيدة لمشروبات الطاقة ؟؟

مشروب طاقة، ريد بول
إحدى عبوات مشروب الطاقة الشهير (ريد بول).

مشروبات الطاقة قادرة بالفعل على تحسين نشاط المخ مؤقتًا. ذكرت إحدى الدراسات أن 500 مل من مشروب red bull، حسَّنَت التركيز والذاكرة القريبة بنسبة تفوق 20%، وكذلك حسنت كفاءة العضلات في تمرين الدراجة قليًلا. وتعزي بعض الدراسات للكافيين والجلوكوز الدور الرئيس في هذه المهمة. و أثبتت دراسات أخرى دورهما في تحسين نشاط المخ في حالات الإجهاد الذهني. أما باقي المكونات فلم يثبت لها دور قاطع في هذا الأمر.

ومن الاستخدامات الشائعة لمشروبات الطاقة، لكفاءتها فيها، المساعدة على القيام بالوظائف العقلية والبدنية في حالة الحرمان من النوم، كما لدى سائقي المسافات الطويلة. كما أكدت دراسةٌ عام 2011، كفاءة مشروب red bull في تحسين القيادة لدى السائقين المُختَبَرين بعد الساعة الثانية من القيادة. وجدت دراسة أخرى دورًا إيجابيًا لها في مساعدة أصحاب النوبتجيات الليلة على مواصلة أعمالهم رغم السهر.


آثار جانبية

عبوة لأحد مشروبات الطاقة الشهيرة مطبوع عليها تحذير من تناول أكثر من عبوتيْن يوميا

لا يزال الغموض يلفُّ بعض جوانب هذا الأمر، لنقص الدراسات العلمية القوية عن بعض مكوناتها. ولكونها منتجات حديثة نسبيًا، ما زلنا بحاجة لما يؤكد أو ينفي أضرارها على المدى البعيد، والاستخدام المتطاول. لكن عمومًا، ثبُتَ زيادة احتمالات السلبيات مع التعاطي اليومي، وبزيادة الكمية، خصوصًا لدى شريحة الأطفال والمراهقين.

تتعرض مشروبات الطاقة بالفعل لبعض المشكلات القانونية في بعض البلدان. فهناك تضييق على بيعها للمراهقين تحت 16 عامًا في الكويت ولاتفيا وليتوانيا وفرنسا والنرويج وبعض ولايات ألمانيا وأمريكا. وفي كندا عام 2013، تم وضع حد أقصى لكمية الكافيين المسموحة في مشروبات الطاقة. أما في الهند وأوروجواي فتمَّ حظرها.

هناك العديد من الأضرار الثابتة لمشروبات الطاقة. منها أنه رغم دورها الإيجابي في مساعدتك على العمل دون النوم، فإنك ستدفع ثمن هذا اضطرابًا في النوم في اليوم التالي. والإفراط في تناولها قد يسبب مضاعفات خطيرة مثل الأرق الشديد، والهوَس النفسي، والتشنجات. وهناك الأعراض الانسحابية عند التوقف المفاجئ عنها بعد المداومة عليها وأشهرها (الصداع، الإرهاق، نقص التركيز والنشاط، التوتر، القلق، التناوم … الخ ).

كذلك تحتوي مشروبات الطاقة على كمية من السكر تساوي أو تزيد قليلًا عن الموجود بالمشروبات الغازية المعتادة. وبالتالي فتناولها بشكل مستمر يتعارض مع الحمية الغذائية، ولذا يتوافر منها الآن إصدارات خالية من السكر.

لا تُفَضَّل مشروبات الطاقة لـ مرضى القلبوالضغط. فالكافيين المركز قد يسبب تسارعًا، واضطراباتٍ في نبض القلب، وارتفاعًا في الضغط، و زيادة في قابلية الدم للتجلط. وتزداد الخطورة إذا تناول المريض 3 عبوات – من الحجم المعتاد – فأكثر منها، أو تناولها مع الكحوليات. ولا تفضل كذلك للحوامل والمرضعات.


هل يمكن لمشروبات الطاقة أن تسبب الوفاة؟!

يُسجَّل في أقسام الطوارئ بالولايات المتحدة ورود ما لا يقل عن 20 ألف حالة سنويًا ذات علاقة بمشروبات الطاقة، والأعداد تتزايد من عامٍ آخر. حوالي نصفها نتيجة تناولها مع الكحوليات، إذ تخدع المتعاطي عن تجاوزه للكمية التي يعتادها من الكحوليات، فيتجاوز حد السُّكر. لكن عدد الوفيات قليلٌ للغاية، وأغلبها نتيجة تناول كميات كبيرة منها، أو تناولها مع الكحوليات.


ما البدائل الأكثر طبيعية لمشروبات الطاقة؟

كلما كنت أقرب إلى الطبيعة، كنت أصحّ. هذه قاعدة ذهبية عامة، لا تقتصر على مشروبات الطاقة. وهذه بعض الطرق السهلة لاكتساب الطاقة، والحصول على (جوانح) طبيعية:

  • التمارين الرياضية المعتدلة يوميًا، حتى لو مجرد المشي لمدة نصف ساعة، أو ممارسة كرة القدم أو السلة مرة أسبوعيًا. فالرياضة تزيد نسبة هرمونات الإندورفين والسيروتونين في الدم، والتي لها أدوار مهمة في تكوين المشاعر الإيجابية كالسعادة والرضا.
  • شرب المياه بوفرة، خاصة عند ممارسة الرياضة.
  • النوم الجيد 6 ساعات على الأقل، والاستيقاظ مبكرًا، وأخذ ساعة من القيلولة كوقت مستقطع في منتصف اليوم.
  • اكتساب الفيتامينات الطبيعية، وذلك بالإكثار من الفواكه والخضروات الطازجة، فهذا سيقلل شعورك بالإجهاد.
  • تناول كفايتك من الكربوهيدرات والبروتينات إذا كنت من ممارسي الرياضات الثقيلة. بالبروتينات تبني عضلاتك، وبالكربوهيدرات تزودها بالوقود. ومن أنسب الأطعمة في ذلك: الفواكه، والبيض المسلوق
  • تخلص من أكبر قدر ممكن من الضغط العصبي، وذلك بتنظيم وقتك وأولوياتك، والابتعاد عن جلد الذات، ومنح وقتٍ مقدس للهوايات والاجتماعيات، وكسر الرتابة اليومية بالسفر من حين لآخر .. الخ. فالضغط العصبي غالبًا ما يترجم نفسه على هيئة شعورٍ شديد بالإجهاد، والإحباط، وانخفاض الطاقة، وسكون الدوافع.

الخلاصة

باور هورس, مشروبات الطاقة, رد بول, power horse, red bull
باور هورس, مشروبات الطاقة, رد بول, power horse, red bull

وفق النتائج المتوفرة لحظة إتمام هذا التقرير، لا خلاف أن تناول مشروبات الطاقة، خاصة قليلة السكر، بشكل غير يومي، لا يسبب ضررًا. والأهم، الاقتناع التام بأنه لا غنى لنا جميعًا عن الاعتياد على أنماط حياتية صحية في الطعام، والنشاط، والنوم، والانفعال، والتفاعل مع الغير والحياة.