في صيف عام 1998 كان هناك كثير من الأمور الواعدة على صعيد تشكيلة المنتخب الإنجليزي التي ضمّت النجوم والأسماء اللامعة مثل ديفيد بيكهام ومايكل أوين، لكن في النهاية كان الخروج بالدور الثاني أمام منتخب الأرجنتين بركلات الترجيح. في يورو 2016 تبدو قصة مشابهة من حيث مقدماتها، لا نعلم إلى ما ستؤول إليه النتائج.

نتحدث عن جيل صاعد جديد من المواهب الإنجليزية حصلت على الثقة والفرصة من جانب مدرب المنتخب الإنجليزي «روي هودسون»، والذي ربما اضطر بشكلٍ واضح إلى الاعتماد على أسماء بعينها من تشكيلة فريق توتنهام، الذي قدم هذا الموسم نموذجًا طيبًا لكيفية تطور نسق وأسلوب اللعب الإنجليزي، مع مدربه الأرجنتيني بوكيتينو، الذي أدخل العديد من الشباب اليافع في منظومته.

قد تبدو منظومة المنتخب الإنجليزي المحتملة في اليورو مشابهة على الورق لمنظومة توتنهام، الذي نافس على لقب البرييمرليج حتى الأمتار الاخيرة هذا الموسم. ولكن هل يستطيع روي هودسون نسخ تلك التجربة ووضع بصمته عليها، أم أنه سيحتاط ويكون مخلصًا لأفكاره التقليدية الواضحة بخصوص الفوز بأقل التكاليف؟.


توتنهام نسخة 2016

يمضي روي هودسون عامه الرابع على دكة المدير الفني للمنتخب الإنجليزي وأمامه الآن أكثر من حل فيما يتعلق بالأسلوب الذي سينتهجه في نهائيات يورو 2016؛ هل سيكون مخلصًا لطريقة ـ4-3-3، أم سيلعب بأوراقه كيفما شاء ويستغل القدرات والسمات الإضافية الجديدة التي اكتسبها من العناصر الشابة؟.

فريق توتنهام على وجه الخصوص لديه في تلك القائمة العديد من اللاعبين المرشحين للعب في التشكيلة الأساسية. ولكن أولًا لنفهم كيف يمكن لهودسون الاستفادة منهم وإخراج أفضل ما لديهم، فلديه ديلي آلّي، وإيريك داير، وهاري كين، بالإضافة إلى الظهير واكر. وقد قدّم هؤلاء موسمًا هائلًا تحت مظلة أفكار بوكيتينو وكلهم مرشحون للتشكيل الأساسي لمنتخب الأسود الثلاثة هذا الصيف.

عمل المدرب الأرجنتيني ماورتسيو بوكيتينو مع توتنهام منذ بداية الموسم على تسريع وتيرة الضغط في منتصف الملعب، وعلى الاستفادة الذكية من امتلاك الخصم للكرة، مع وجود تقارب كبير ما بين الثلاثي الهجومي عندما تكون الكرة بحوزتهم. أفضل ما يمكن تحقيقه من هذه الأمور الأساسية في فكر بوكيتينو ظهر في العديد من المباريات البارزة هذا الموسم، منها مباراة مانشستر سيتي التي فازوا فيها بأربعة أهداف مقابل هدف واحد.

https://www.youtube.com/watch?v=LHy5_TtXXeQ

ويمكن تلخيص هذه الأمور كما يلي:

1. كيف يستحوذ الفريق الآخر ليكون في خدمتك؟، الفكرة في التمركز. في مواجهته لفريق مانشستر سيتي رأينا فريق توتنهام يمارس الضغط بحوالي 5 لاعبين ويجبر المنافس على تمرير كرات فيها نوع كبير من المخاطرة.

2. كثرة المهاجمين لا تعني أنك تملك فرصًا أكبر من المنافس وحلولاً أكثر اتساعًا، بل يعني أن عليك فتح الباب لهم، توفير مساحة عبر كسب الكرة دائمًا وبسرعة، بأن تقوم بتضحيات بدنية على مدار المباراة.

3. في بعض الأحيان عليك أن تتخلى عن نجم ما كبير لإحداث تلاحم ما بين الخطوط، فعلها عديد من المدربين، بوكيتينو اليوم وهو المثال وضع ديمبيلي في خدمة ديلي آلي وداير في التغطية كما حدث في مباراة الذهب هذا الموسم أمام أرسنال في نوفمبر الماضي. وأصبح إيريكسين في موضع اللاعب الترايكوارتيستا- صانع الألعاب الصريح، وعلى يمينه لاميلا ويساره كين، وجود كريستيان إيريكسين كمحطة لتوجيه الأداء وتغييره ما بين الدفاع لهجوم وهجوم لدفاع والعكس.

4. أهمية التفطن لتنفيذ مصيدة التسلل بالشكل الأمثل في الأوقات التي يكون فيها الفريق في أعلى حالات اندفاعه البدني واللعب على خط واحد. ومرة أخرى، فيجب أن يتواجد لديك لاعبون قادرون على لعب أكثر من دور وقادرون على القيام بتضحيات بدنية في الوقت المناسب.


منتخب الأسود الثلاثة في يورو 2016

توتنهام
شكيل فريق توتنهام في مباراة أرسنال 1 – 1 نوفمبر 2015
التشكيل المتوقع لمنتخب إنجلترا في يورو 206
هناك مجموعة من النقاط يجب أن يتنبه روي هودسون لها قبل بداية هذه البطولة:

1. الاكتشافات الجديدة في تشكيل بوكيتينو: ديلي آلّي، إيريك داير، ماسون، وخط الوسط الديناميكي قد لا يكون من السهل تكراره في بطولة اليورو بالنسبة لروي هودسون؛ لأن الاندفاع البدني سيكون أقل عند الفرق المنافسة خاصة في مراحل خروج المغلوب، والتي ستميل لفرض فلسفتها الخاصة في كرة القدم. أما منتخبات مثل ويلز وروسيا فقد يكون لديك السُلطة في فرض أسلوبك عليهم.

2. يجب على هودسون أن يعلم جيدًا ماهية اللاعبين المشاركين تحت إمرته. فهناك الكثير من السُرعات الموجودة في الخط الأمامي، ولكن لم يعد هناك مهاجم كلاسيكي مثل أندي كارول، بل هناك لاعبون يميلون للحرية وهنا الشق الأصعب. كيف يمكن لهودسون أن يوافق ويمزج بين كل هؤلاء اللاعبين النجوم في أنديتهم ويعطي كل واحدٍ منهم حريته ومساحته المحدودة؟. إذن فعليه أن يُقيد بعضًا من لاعبيه، ولكن ليس عليه أن يُقيد فكره، عليه ان يتواكب مع العقلية الحديثة.

3. نقطة أخرى في غاية الأهمية؛ من يمكنه أن يلعب دور كريستيان إريكسن في المنتخب الإنجليزي؛ اللاعب الذي يصل ما بين خط الدفاع والوسط والهجوم؟. هل يكون واين روني «الهداف التاريخي لمنتخب إنجلترا»، أم سيكون آدم لالانا غير الثابت بعد على مستوى مُعين، أم جاك ويلشير البعيد عن الملاعب والفورمة المأمولة؟

4. لا يجب أن يميل هودسون كذلك لعقلية الاستحواذ، ولكن عليه أن يجد التوازن المطلوب في وسط الملعب لكي يكون أكثر سرعة في التحول. هذا الأمر الذي لم يجيده مع المنتخب الإنجليزي في السابق بل وجدنا أن الأسود الثلاثة يضربون في يورو 2012 ومونديال 2014 بالكرات المرتدة السريعة. حدث ذلك أمام إيطاليا وأمام منتخب أوروجواي في كأس العالم الأخير، فلم يكن هناك سرعة بالضغط أو في التحول وهذا ما جعل المنافس يتنفس أكثر، كذلك يجب أن تكون هناك حماية أكبر لخط الدفاع الذي لا يبدو أنه بنفس جودة الخط الامامي.

https://www.youtube.com/watch?v=k0VTW3oup7s

سيكون لدى هودسون عدة حلول أخرى بدلًا من طريقة ـ4-3-3، وهي اللعب بـخطة 4-2-3-1، وحينها سيكون من المطلوب وجود اثنين من لاعبي الارتكاز الملتزمين تمامًا مثل إيريك داير وهندرسون. وربما ترك ديلي آلّي ليلعب أدوارًا هجومية أكبر مع جناحين يمينًا ويسارًا، وحينها سيكون على هودسون أن يتخلى عن أحد النجمين جيمي فاردي أو هاري كين، أو إيجاد دور جديد للاعب مثل راشفورد.

هناك صورة أخرى للمنتخب الإنجليزي قد يلعب بها وهي وضع صانع ألعاب حقيقي خلف اثنين من المهاجمين. ولكن في رأيي فإن هذه الطريقة قد لا تناسب أسلوب اللعب المألوف عند اللاعبين الإنجليز، كما أنها تحتاج للاعب بمهارة فنية خالصة مثل روس باركلي. فهل يضرب هودسون بعرض الحائط أسماء كبيرة مثل ستوريدج ورحيم ستيرلنج ليدفع بنجم إيفرتون أساسيًا؟. ونفس الأمر يتعلق بخط هجوم إنجلترا الذي وصل لاعبان فيه مثل فاردي وكين لأعلى ما يمكن أن يصلوا خلال موسم بأكمله، وهنا ربما تكون الدوافع حتى أكبر لدى ستوريدج وراشفورد لإثبات جدارتهم بالتواجد أكثر من الثنائي الأول. الأهم من ذلك، هل تجد تلك التركيبة التفاهم؟.

ونصل في الختام لأحد أهم الملفات لدى روي هودسون؛ وهي التشكيلة الأساسية في خط الدفاع. وسائل الإعلام الإنجليزية ترصد وتقوم بتقييم أداء خط الدفاع والذي قد يسبب أرقًا لهودسون. فيبدو أن جون ستونز هو الموهبة الأبرز دفاعيًا في الجيل الحالي من الكرة الإنجليزية، ولكن المدرب السابق لمنتخب سويسرا ونادي ليفربول والذي كان مدافعًا لفرق مغمورة يعلم صعوبة المنافسات الدولية بالنسبة للاعب إنجليزي شاب تترصده جميع الأعين مثل نجم التوفيز الشاب ستونز. ولذا سيكون عامل الخبرة له دور في خلق التوازن؛ مما يعطى الأفضلية لأسماء مثل جاري كاهيل، حتى وإن ظُلمِت بعض المواهب الواعدة، وربما يحدث هذا بالتأكيد.