بعد شهر وربما شهرين، لا تنزعج حينما يقرع جرس منزلك رجل أمن طويل القامة، مفتول العضلات، مُدجج بالسلاح، يسألك عن قراءة «عدّاد الكهرباء»، وربما يكون رجلاً عادياً ولكن في ثياب رجل أمن. ربما يسألك هذا الرجل عن قراءة العدّاد بحدة أو لطف… لا أحد يعلم.

هي تفاصيل قد تتخيلها، ولكن لن تعرفها بالضبط قبل أن تتولى شركة «فالكون للخدمات الأمنية» رسمياً مهام قراءة عدّادات الكهرباء خلال شهور. وهي التفاصيل التي ستظل تجهلها في كل مرة تصطدم فيها برجالات هذه الشركة في حياتك اليومية.


الصعود

وفقاً لموقع «البنك التجاري الدولي»، فقد تأسست شركة فالكون جروب عام 2006، وتمكنت منذ التأسيس من تحقيق نسب نمو قياسية حتى أصبحت إحدى كبرى الشركات التي تقدم خدمات أمنية متكاملة، حيث إنها تقوم بتغطية 28 محافظة عبر 13 فرعاً في جميع أنحاء جمهورية مصر العربية. ويصل عدد العاملين بها إلى أكثر من 15 ألف موظف. ويُذكر أن البنك التجاري الدولي CIB يمتلك حوالي 40% من أسهم الشركة.

تقدم الشركة أنشطتها الرئيسية من خلال عدة كيانات قانونية منفصلة في مجالات: الأمن، ونقل الأموال، والخدمات الفنية، والخدمات العامة وإدارة العقارات. ووفقاً لموقع البنك فقد تطورت شركة فالكون لتصبح واحدة من أفضل شركات الأمن، كما حصلت على العديد من الجوائز العالمية، مثل: (جائزة نايت الممنوحة من اليونسكو عام 2013، وشهادة الأيزو 9002/2008 عام 2012، واعتمدت هيئة الأمم المتحدة شركة فالكون كالشركة الوحيدة التي تقدم خدمات أمنية في مصر عام 2009، إلى جانب شهادة الأيزو 9001/2001 عام 2008).

وقد أصبح لفالكون مجموعة من الشركات وهم:

  • فالكون لخدمات الأمن.
  • فالكون لخدمات نقل الأموال.
  • فالكون للأنظمة الفنية والأمنية.
  • فالكون للخدمات العامة وإدارة المشروعات.
  • فالكون بلو للتسويق السياحي.
  • فالكون للاستثمار والتسويق الرياضي.

وتقدم الشركة خدماتها الأمنية مسلحة بشكل كامل دون المروحيات، وهي الشركة الوحيدة التي لديها تصريح البندقية الخرطوش في الشرق الأوسط. ولفالكون حق نشر «قوات تدخل سريع» كخدمة أمنية خاصة تحصلت عليها من قطاع الأمن العام بوزارة الداخلية عقب نجاح السيسي، وتتضمن الخدمة نشر مجموعات مسلحة بالأسلحة اللازمة والمركبات والدراجات الآلية في نقاط الارتكاز المستهدفة، ومنها مناطق مكافحة الإرهاب. وتدار هذه القوات الخاصة بغرفة عمليات مركزية تتم بالتنسيق مع وزارة الداخلية وأجهزة تتبع ومراقبة.

ويرأس الشركة اللواء شريف خالد، الوكيل السابق للمخابرات الحربية، ورئيس قطاع الأمن باتحاد الإذاعة والتليفزيون في عهد أنس الفقي.

فالكون
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بجانب شريف خالد رئيس شركة فالكون.

عملائها

وتقوم الشركة بتأمين العديد من الجامعات المصرية، بتكليف من وزارة التعليم العالي بالحق الحصري لإدارة 15 جامعة أمنياً دون غيرها من الشركات ودون أي حد أدنى من الشفافية والتنافسية في البروتوكول الموقع بين الطرفين.

كما تقوم الشركة بتأمين الفعاليات القومية، والشخصيات العامة. يتضح من موقع الشركة على الإنترنت، أنها تقدم خدماتها الأمنية للكثير من المؤسسات والهيئات والسفارات والبنوك المهمة في مصر؛ فضمن قائمة عملائها، وفقا لصفحتها: بنك مصر، القاهرة، الأهلي قناة السويس، الإسكندرية، والبنك التجاري الدولي و«إتش إس بي سي».

كما تؤمن السفارتين السعودية والكويتية وشركات بالم هيلز، وموبينيل، وبيبسي، وكوكاولا، ومنصور شيفروليه، وعلى الصفحة أيضا مديرية أمن بورسعيد وميناء الإسكندرية والدخيلة.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أحد عملاء الشركة، حينما كان مُرشحاً رئاسياً عام 2014.

فالكون
كبار عملاء شركة فالكون الحاليين.

ما بعد انتخاب السيسي

دون أدنى مقدمات، وعقب نجاح عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية عام 2014، ازدادت امتيازات الشركة وتعاقداتها التي وصلت إلى 2 مليار جنيه، وبروتوكولات التعاون الحكومية وشركات رجال الأعمال ومنشآت الإعلاميين، وكذلك افتتاح أول «كاش سنتر» في مصر، وتأمين مباريات كرة القدم وموقع مشروع قناة السويس، والحصول على تراخيص البندقية الخرطوش والتدخل السريع، الأمر الذي أدى لارتفاع أرباح الشركة إلى 20%.

فعقب الانتخابات الرئاسية، ارتفع حجم العاملين بفالكون جروب من 6 إلى 12 ألف موظف منهم 580 موظفة في قطاع الأمن النسائي، ويتم تدريب هؤلاء العاملين بمعهد أمناء الشرطة، بمرتبات تبدأ بـ 1200 جنيه شهرياً لمدد عمل تصل إلى 12 ساعة يومياً، ويًذكر أن عددا كبيرا من المديرين والمشرفين والإدارات الوسطى والعليا بالشركة هم من الضباط السابقين بالجيش والشرطة وأجهزة المخابرات والأمن الوطني.

وفي إبريل/نيسان 2014 وقعت الأميرة بسمة بنت سعود عبد العزيز آل سعود بروتوكول تعاون بين شركة فالكون ومركز «صدى الحياة السعودية الدولي»، لتأسيس المركز الأمني النسائي التخصصي في السعودية. وفي حالة نفس العام وقعت مجموعة شركات «النالي» الإماراتية اتفاقية مع فالكون لتأسيس شركة مشتركة تعمل في مجال الخدمات الأمنية، وساهمت فالكون بنسبة 60% في الشركة الجديدة. وفي العام ذاته كشف التقرير السنوي للبنك التجاري الدولي عن زيادة رأسمال الشركة من 10 إلى 30 مليون جنيه.

كما تم الكشف مؤخراً عن إتمام صفقة بيع قناة الحياة بالكامل للشركة، وغالباً ما سيكون الإعلان عن المالك الجديد للقناة عقب عيد الأضحى. وذلك قبل إتمام عملية بيع قناتي «العاصمة 1 و2» لفالكون، التي يبدو وكأنها تستعد لبناء ذراع إعلامي قوي لها.


كشّاف الكهرباء الجديد

في نهاية الأسبوع الماضي، أكدت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة أنها في سبيلها بالفعل لإنهاء إجراءات التعاقد مع شركة فالكون، التي ستنشئ شركة خاصة للتعامل مع الكهرباء، وهو التعاقد الذي سيمتد لـ 3 سنوات. وستقوم شركة فالكون بقراءة العدادات تعويضاً عن العجز في عدد الكشافين لدى الوزارة.

وستتقاضى الشركة 155 قرشاً عن كل قراءة تقوم بها، و22 قرشاً ضريبة القيمة المضافة، لتصبح محصلة كل قراءة 177 قرشا تتحملها الوزارة دون تحميل عبء إضافي على المواطن، وفقاً لتصريحات الوزارة.

ومن أن يتم توقيع العقود خلال أيام، ويبدأ التنفيذ في خلال شهرين من التعاقد أي قبل نهاية العام الجاري، حيث ستترك الوزارة لها 60 يوماً لتعيين موظفين وتدريبهم.


لماذا تتمدد فالكون؟

فالكون
فالكون

يشير مفهوم «الشركات الأمنية الخاصة» بصورة عامة إلى شركات تجارية تبرم عقودا قانونية، تهدف بالأساس إلى تحقيق الربح مقابل ما تقدمه من خدمات تتعلق بتوفير الحراسة والحماية المسلحتين للأشخاص والممتلكات، مثل القوافل والمنشآت والأماكن الأخرى، وصيانة نظم الأسلحة وتشغيلها واحتجاز السجناء وتقديم المشورة أو التدريب للقوات المحلية ولموظفي الأمن.

وقد بدا جلياً أن الانتشار المتزايد لهذه الشركات – خاصة في منطقة الشرق الأوسط مؤخراً – أظهر العديد من الاختلالات، بدايةً من منازعة اختصاصات الدولة، إلى ارتكاب الجرائم والانتهاكات، وهو الأمر المرتبط بضعف البنية القانونية، وعدم وجود منظومة قانونية تمكن الدولة من تنظيم عمل هذه الشركات، ومحاسبة أفرادها في حال ارتكابهم انتهاكات.

والجدير بالذكر أن شركات الأمن الخاصة عرفت طريقها إلى مصر في منتصف السبعينات مع قدوم رؤوس الأموال الأجنبية، في زمن الانفتاح، لتتحول مع الوقت إلى شريك أساسي في كل نشاطات الاقتصاد والحياة في البلاد، وصُنّاع للشرطة الخاصة.

فبعد دخول استثمارات أجنبية ضخمة كانت تحتاج بالتبعية لحراسات خاصة ليزداد الطلب على خدمات التأمين والحراسة وقتها، لتظهر «كير سيرفس» التي يرأسها اللواء عادل عمارة، الضابط السابق بالمخابرات العامة، وتستحوذ على أكثر من 50% من خدمات الأمن في مصر، وتأسست عام 1979 بشراكة بين اثنين من الأجانب ومثلهما من المصريين.

وتأتي «كوين سيرفس» لخدمات الأمن في المرتبة الثانية ضمن أكبر 10 شركات أمن تعمل بمصر، وهي إحدى شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابعة لوزارة الدفاع، وتعمل بمجالات عديدة منها أنظمة الأمن والحراسة والأعمال البحرية.

ومع نجاح التجربة شهدت السوق تأسيس أكثر من شركة حتى وصل عددها اليوم لأكثر من 200 شركة وفقاً لبيانات شعبة الأمن والحراسة بالغرف التجارية.

يتزايد اعتماد الحكومة المصرية على شركات الأمن والحراسة في تأمين المطارات ومنشآت عامة، مع اعتماد المؤسسات الخاصة عليها بشكل ملحوظ تفضيلا لها عن الأمن العام.

ووفق بيانات شعبة الأمن والحراسة بالغرفة التجارية بالقاهرة، بلغ عدد الشركات نحو ثلاثمئة شركة يعمل بها ما يزيد على المائة ألف شخص.

ورغم القدم النسبي لفكرة المؤسسات الأمنية الخاصة في مصر، إلا أن الجديد هذه الفترة، هو تزايد الطلب الحكومي على هذه الخدمات، الأمر الذي ارتبط زمنياً بصعود شركة فالكون.

وجدير بالذكر أنه في عام 2015، نشرت الجريدة الرسمية قراراً للرئيس عبد الفتاح السيسي بإصدار قانون بشأن شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال، تضمنت المادة الثانية أنه “دون التقيد بأحكام هذا القانون يجوز لوزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة التابعة لهما والمخابرات العامة تأسيس شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال”.

ويمكن محاولة تفسير صعود شركة فالكون، تزامناً مع زيادة الطلب الحكومي على مثل هذه الخدمات، وفقاً لثلاثة افتراضات، لا تنفي إحداهما الأخرى:

  1. ربما تكون الحكومة قد أدركت أن هناك تحديات أمنية مُعقدة تكتنف المناخ السياسي والاقتصادي المصري؛ وهي التحديات التي تتجاوز قدرات ومهارات المؤسسات الأمنية الرسمية، أو أن الصورة الذهنية السلبية التي تكونت لدى المواطن المصري بعد ثورة يناير 2011، وتتسبب – بشكل مستمر – في وقوع صدامات شعبية مع الشرطة، ربما تعيق الأخيرة عن تنفيذ مهامها على أكمل وجه. لذا فإن الاستعانة بشركات الأمن الخاصة هو الخيار الأمثل للمرحلة الحالية.
  2. لا شك أن النظام المصري عانى كثيراً لاستعادة الاعتراف الدولي به عقب يونيو/حزيران 2013، وغالباً ما يهتز هذا الاعتراف، أو يتراجع الدعم الدولي للنظام المصري بشكل عام من بوابة «انتهاك حقوق الإنسان». لذا، ربما تكون الشركات الخاصة هي «البديل التدريجي» للجهاز الشرطي فيما يتعلق بالمهام التي تنتهك حقوق الإنسان؛ أي أن النظام يخلق جهازا شرطيا جديدا غير رسمي، وغير مُقنن. وعلى هذا، فإن هذا الجهاز قد يصبح أيضاً خط الدفاع الجديد عن النظام، والواقي من خطر الثورات أو الانقلابات العسكرية أو التمردات الأمنية.
  3. انطلاقاً من أن شركات الأمن الخاصة باتت من أبرز الأنشطة التجارية في الفترة الأخيرة، ونتيجة العوائد الضخمة التي باتت تحققها، فقد سعت بعض الشخصيات العامة للمساهمة في إنشاء وامتلاك هذه الشركات. وربما تكون الدولة ورجالاتها هم المستثمرين الرئيسيين في هذه الشركات، والمُحرك الأساسي لتطور أنشطتها.

وبغض النظر، عن صحة هذه الافتراضات من عدمها، فلا شك أن شركة فالكون – وغيرها من شركات الأمن الخاصة – صارت إحدى ركائز عمل النظام المصري الحالي، وأن المواطن المصري على وشك الاصطدام بهذه الشركات في أكثر من موقع، وصولاً إلى بيته.