في 20 فبراير/شباط عام 1939، اجتمع قرابة 22 ألفاً من مناصري الحركة النازية في الولايات المتحدة تحت قيادة فريتز كوهن، المعروف بهتلر الأمريكي، في ميدان ماديسون متحلقين حول تمثال جورج واشنطن رافعين الأعلام النازية، في إشارة إلى أن النازية باقية وواشنطن إلى زوال.

كان تجمع مناصري الحركة النازية في ميدان ماديسون أول ظهور فجّ للنازية في الولايات المتحدة، التي كانت آنذاك دولة محايدة، مفاجأة صادمة لكثيرين. لم يتوقع أحد أن تخرج بهذه الطريقة، ولم تتوانَ الشرطة عن التحرك لإيقاف المسيرة التي تزايدت أعدادها عن الحد الذي توقعته الشرطة، وقبضت على مجموعات كبيرة منهم، وكانت العقوبة المنفذة هي غرامة 20 دولاراً على كل مشارك، لكن أحدًا من المشاركين أو الشرطة لم يعرف أن الأمور ستنقلب رأساً على عقب.

قبل ذلك بسنوات عدة، كانت الأمور في ألمانيا مهيأة لحدث جلل سيغير العالم والتاريخ. فالهزيمة القاسية في الحرب العالمية الأولى أخرجت جيلاً من المحاربين الغاضبين الراغبين في تغيير مجرى الأمور، وكان أبرزهم وقتها الضابط هتلر الذي أخذ يترقى في جنبات الحزب القومي حتى وصل إلى رأس السلطة في 30 يناير/تشرين الثاني 1933، حاملاً كثيرًا من الطموحات التي عمل على نقلها إلى الشعب والحشود بأكثر من طريقة.

بدايات لم يلحظها أحد

سبتمبر/أيلول من عام 1929، نشرت صحيفة الحزب النازي «دير أنغريف» كلمات ترتيلة النازية «هورست فيسل ليد» (العلم ارتفع) لأول مرة، قبل أن تصبح بعدها بأربع سنوات النشيد الوطني للدولة النازية حتى 1945.

نشيد الحزب النازي «العلم ارتفع» (Horst-Wessel Leid)

كانت تلك هي العلامات السابقة للوصول، فهتلر كان جزءاً من فكرة تشكلت في قبو سياسي محاط بمناخ منهزم، استغل الجانب النفسي والعسكري المحيط لتحقيق حلم التوسع، على غرار نابليون دون أن تكون مأساة نابليون نفسها هي المسار نحو خط النهاية، في الواقع لن يكون الاستطراد في حديث الشأن الداخلي الألماني مفيداً، فثمة معركة على الأبواب ستبدأ، ربما سيكون من الجيد أن ننطلق نحوها.

الأول من سبتمبر/أيلول 1939، يقرر هتلر أن يلقي بالبند الذي اعتبره مذلاً لألمانيا في معاهدة فرساي عرض الحائط، ويوجه أول قذائفه المدفعية نحو دانزغ في بولندا، وبعد أن تدخل القوات النازية إلى الأراضي البولندية، يتحرك الفرسان البولنديون بخيولهم وأساليبهم القديمة لمواجهة دبابات هتلر، ليسقطوا جميعاً قتلى، وقد شاعت التساؤلات في المدن البولندية وفي أوروبا كذلك، هل كانت هذه شجاعة مفرطة وحمية وطنية أم غباءً قاتلاً غير مبرر؟

وقد كان هتلر قبل الدخول في المعترك البولندي الخطر منتشياً بنصر سابق، أو ما يمكن تسميته بالاستسلام الأول.. كان الاستسلام الأول من بريطانيا وفرنسا قبل بداية الحرب بقليل، حينما تنازل كل من رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلاين ورئيس الوزراء الفرنسي إدوار دلادير عن التشيك لصالح هتلر في مقابل أن يتوقف هتلر عن المطالبة بالمزيد من النفوذ والسيطرة في أوروبا.

الكارثة البريطانية

فكر هتلر في اجتياح فرنسا بالطريقة ذاتها التي قامت بها ألمانيا في الحرب الأولى عبر الأراضي البلجيكية، لكنه قرر أن يخادع الحلفاء ويختار طريقاً مغايراً في نفس الوقت الذي يقع فيه الحلفاء في الوهم مصدقين المناوشات التي قام بها هتلر عبر الحدود البلجيكية، مصدقين أنه سيسلك الطريق القديمة نفسها.

دافع الفرنسيون ببسالة في مواجهة الاجتياح الألماني لكن العتاد الألماني المتطور والكثافة العددية للجيش أجهضت كل محاولات الإيقاف، واستمر مسلسل التراجع البريطاني الفرنسي نحو الخلف، لا سيما بعد نجاح الخدعة الألمانية التي جعلت هتلر منتشياً أكثر من ذي قبل.

وصلت القوات البريطانية والفرنسية نحو نقطة دانكيرك، مستعدين للخروج من تلك النقطة الكارثية، وقد كان تحرك تشرشل سريعاً، حيث أمر بأن تتحرك كل السفن نحو دانكيرك لإنقاذ الجنود، وقد وصل عتاد البريطانيين إلى ما يقارب 218 ألف جندي، في حين وصل عدد الفرنسيين إلى 120 ألف جندي، وقد بدأت السفن بالفعل في استقبال الجنود والتحرك بهم، لكن طائرات هتلر العنيدة كان لها رأي آخر.

قصفت طائرات هتلر الشطر الأكبر من السفن البريطانية وكانت النتائج كارثية أكثر مما لو كانت القوات قد دخلت في مواجهة مباشرة، حيث قُتل أكثر من 150 ألف جندي بريطاني إما بالقصف أو الغرق، ووصل عدد ضحايا الجيش الفرنسي إلى أكثر من 70 ألف جندي، وتحرك البقية العائدة منهم إلى مواقع القتال بروح معنوية مترددة بين الخوف أو الأمل الكاذب.

كانت الجثث هي الشيء الوحيد الذي يمكن رؤيته في المياه عن بعد، ومعها أشلاء السفن وبذلك صارت شوكة هتلر في أوجها تقريباً على الصعيد الأوروبي.. لقد أوشكت الحرب على الانتهاء.

كارثة غير متوقعة

14 يونيو/حزيران 1940 القوات الألمانية في قلب باريس، أكثر من مليون جندي وضابط فرنسي أسرى في يد القوات الألمانية.

بمجرد أن سقطت باريس في يد الألمان عمدوا إلى فرض الهوية النازية على المدينة وتشويه كل ما يمت لباريس بصلة، حيث رفعوا شعار النازية «سواستكيا» فوق باريس، ووصلوا إلى نصب فيردن التذكاري الفرنسي والذي شهد مقتل نصف مليون جندي فرنسي في الحرب العالمية الأولى رُفع فوقه علم النازية ولاحقاً طُمست كل آثاره حتى يفقد كل معنى يمكن أن يدل عليه.

أصبحت ألمانيا أكثر قوة باستيلائها على مخازن ومستودعات وموانئ فرنسية عملاقة مملوكة للجيش بها ملابس أطعمة بالإضافة إلى الغنائم العسكرية من مئات الآلاف من الآليات العسكرية والأسلحة والذخائر.

بعد أن احتل الألمان مجموعة من الجزر القريبة من السواحل البريطانية تمهيداً للاجتياح الجديد، تحرك سلاح الجو الألماني والذي خاض مواجهة عنيفة مع سلاح الجو البريطاني في معركة هي الأعنف جوياً، سقط على إثرها 1000 طائرة ألمانية في مقابل 500 طائرة بريطانية، مما أشعر هتلر بالغضب من أول فشل له، لكن أمراً ما لم يتوقعه الجميع بعد 4 أيام من تلك الموقعة.

فقدت بريطانيا في دانكيرك وفي المواجهات الجوية ما كان يكفيها لأن تتراجع نحو الخلف كثيراً، فقدان الشطر الأكبر من الأسطول في دانكيرك وقصف الترسانة الجوية جعل الموقف البريطاني والذي نظرت له الكثير من أقطاب أوروبا المهزومة كأمل أخير لبعدها الجغرافي عن خطوط المواجهة البرية، كما أن القوة النوعية لبريطانيا كانت تشكل عاملاً كافياً في إقناع الولايات المتحدة بالدخول في الحرب، ومن ثم فقد شكلت الهزائم الأخيرة لبريطانيا عامل قلق بالنسبة للولايات المتحدة التي فضلت أن تنتهج الحياد بعد تقهقر كل الأطراف الأوروبية المشاركة في مواجهة هتلر الدامية.

أما عن الجانب الفرنسي بقيادة المارشال فيليب بيتان وبعد أن قطع علاقاته الدبلوماسية مع بريطانيا بسبب خضوعه لألمانيا وبسبب القصف الذي قام به تشرشل على الأسطول الفرنسي لرفضه الاستسلام لبريطانيا والانضمام إليها شكل طعنة جديدة في جسد بريطانيا وحليفاً مفقوداً، وقد استغل الألمان ذلك أفضل استغلال لاستخدام الموانئ الفرنسية كقاعدة للهجوم البحري على السفن البريطانية وهو ما تسبب في تدمير أكثر من ثلثي الأسطول البريطاني.

انقلب الرأي العام الأمريكي على روزفلت ورفض انتخابه لفترة ثالثة خلافاً للدستور الأمريكي وذلك بعد أن أصبح أمل بريطانيا ضعيفاً للغاية في الصمود بسبب قصف العديد من المدن البريطانية خلال الغارات الليلية.

في طريق الإمبراطورية

أصبحت الأهداف التي يسعى هتلر لتحقيقها أقل، وصارت الأمور أقل وطأة، فالمعسكر الأوروبي بالكامل خاضع بالكلية، لكن الأفق ما زال معتماً بالقوة السوفيتية والعنصر الأمريكي المحايد.

ظلت التقارير التي وصلت ستالين في الاستمرار من جواسيسه في مختلف الدول محذرة من هجوم ألماني على روسيا لكن ستالين تجاهل كل هذه التقارير واستمر في إرسال المواد الخام إلى ألمانيا معتقداً أن هتلر لن يخرق الاتفاق المعقود بينهما أبداً.

في طريق الألمان نحو ليينجراد وموسكو كانت مدن البلطيق تستقبل الألمان بالزهور والفرح باعتبار أن ألمانيا ستكون المحرر من قبضة ستالين المروعة والقاسية، ومن هنا خرجت كلمة السر.

لكن تحولاً طرأ على تفكير هتلر بعد الكثير من الآراء التي قدمها مستشاروه بدخول روسيا لتوفير المواد الخام، وهو الإبقاء على معاهدة الاتفاق مع روسيا كما هي، فالدخول في جبهة جديدة تحمل ذلك العمق الروسي والكثافة الجندية السوفيتية، ستشكل أزمة كبيرة في خاصرة جيش النازية.

وقد سُربت بعض الأخبار المتعلقة بمراسلات سرية بين هتلر وستالين لنفي كل التقارير الاستخباراتية التي تحدثت عن غزو نازي للأراضي السوفيتية، مما خلق حالة من الاستقرار والهدوء بين المعسكرين، وساعد ذلك أيضاً في جعل ممر المؤن المفتوح بين الجانبين مستمراً كما هو.

وفي الجانب الآسيوي من العالم اقتحمت قوات الإمبراطور الياباني المقاطعات الصينية التي ضربها الفقر والمرض وأعلنت سيطرتها عليها ووقعت اتفاقية مع هتلر تضمن له الولاء والتبعية.

مدافع الكاتيوشا التي لم تستخدمها روسيا في الحرب صارت ملكاً للألمان، وأصبح الطرف الوحيد المنتظر للدخول في معركة البقاء بشكل مباشر هو الولايات المتحدة.

الطريق إلى البيت الأبيض

جلس هتلر في مقر إقامته المطل على جبال الألب مزهواً بين جموع حاشيته، حتى وصله مبعوث من برلين برسالة في غاية السرية والخطورة، فاجتمع هتلر بالمبعوث بصورة سرية رفقة الرجل الثاني في الجيش الألماني هيرمان غورينغ، وقد تلقوا الخبر الذي سيشكل التاريخ فيما بعد.

نجح إيريك تشومان، الألماني الذي ترأس هيئة البحث العلمي الخاص بتصنيع الأسلحة في تصنيع نموذجين كاملين لأول قنبلة نووية صناعة ألمانية، وكل ما تبقى هو أن تجرب ألمانيا حظها.

بنسلفانيا.. بصفتها واحدة من أكثر المدن الأمريكية احتضاناً لليهود المتدينين تحديداً طائفة الأميش، كانت هدفاً مثالياً بالنسبة لهتلر لتنفيذ التجربة الأولى.

سادت حالة من الذعر لم تعشها الولايات المتحدة من قبل، ففي اللحظة التي كانت تظن فيها الولايات المتحدة بقياداتها السياسية ورأيها العام أن هتلر يمتلك ترسانة نووية يمكنها أن تبيد الولايات المتحدة عن بكرة أبيها، كان هتلر ومستشاروه يخفون بكل ما لديهم من قدرة أي أخبار عن حركة تصنيع القنبلة النووية في معاملها السرية، فأي تسريب ولو صغير عن أن هتلر لا يمتلك سوى قنبلتين نوويتين أطُلقتا بالفعل، تعني أنه ثمة مساحة لجولة أخرى في مواجهة هتلر.

10 أيام من نجاح التجربة كانت زمناً كافياً ليصل هتلر إلى واشنطن وسط حشد من قواته العسكرية إلى مقر البيت الأبيض، ليصل إليه في اليوم ذاته ضابط من الاستخبارات الألمانية مع مجموعة من المستندات التي عُثر عليها في مقرات الاستخبارات الأمريكية بعد إعلان الاستسلام، تكشف عن مشروع للقنبلة النووية الأمريكية كانت على وشك الانتهاء لكن تشومان الألماني كان أسرع قليلاً.. استراح هتلر قليلاً في كرسيه ونظر نحو الأفق بابتسامة عريضة.

تلاشت أحلام السياسي البارز هاري ترومان في الوصول إلى سدة الحكم بدعمٍ من رجال الاقتصاد اليهود، وارتبكت كل الأوراق التي أعدتها المجموعات اليهودية الهاربة إلى بلدان الشرق، فالدعم المالي والعسكري صار هو والعدم سواء، وأصبحت المجموعات اليهودية بما تملك من مخزون عسكري سابق أو تمويل في قبضة مغلقة نظرياً محطمة فعلياً، فالجبهة العربية ليست بالقوة والاتحاد الكافيين للدخول في مواجهة تحسم المواجهة، واليهود لم يعودوا بالقوة الكافية لفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل المواجهة قوامها هو حرب الشوارع بين المجموعات العربية المسلحة من مختلف الجنسيات والمجموعات اليهودية المحاصرة، انتهت باستسلام الكثيرين من أفراد العصابات اليهودية وهرب البعض إلى نقاط حدودية مختلفة.

أما عن بولندا التي كانت نقطة انطلاق الحرب فقد صار الدمار فيها أشد وطأة مما كان عليه في بداية الحرب، حتى قرر هتلر أن يتخلى عنها لصالح ستالين كشكل من أشكال الترضية عن الدعم الذي حصلت عليه ألمانيا من ستالين خلال المعارك، مع التعهد بعدم التعرض للحركة الألمانية عند نقطة دانزغ، باعتبارها النقطة المشؤومة التي علقت في حلق ألمانيا بموجب معاهدة فرساي، وقد قبلت روسيا بذلك واضعة في الاعتبار أن الشق الجنوبي من آسيا بما في ذلك اليابان والصين التي خضعت عسكرياً لليابان يدينون بالولاء لهتلر، وهو ما يجعل ستالين محاصراً داخل القارة وخارجها.

أما عن بريطانيا والولايات المتحدة فقد توصلتا في النهاية إلى اتفاق مع هتلر يقتضي بتسريح القوات المقاتلة مع الاحتفاظ بعدد محدد تقرره ألمانيا لحفظ الأمن الداخلي والخارجي كذلك، وتجريده من أي معدات حربية ثقيلة.