إذا جاءت سيرة الحمى عند الأطفال فربما أول ما سوف يخطر على بالك صورة أمك وهي سهرانة بجانبك، مقياس الحرارة في يد والكمادات في اليد الأخرى وصوتها وهو يشع بالقلق «الولد سخن جدا، من الأفضل الذهاب إلى الطبيب فورا».

لكن الحمى لم تكن مصدرا للقلق أبدا حتى حوالي مائة عام، في الحقيقة، أجدادنا الأوائل كانوا يرحبون بالحمى لاعتقادهم أنها تطرد الأرواح الشريرة من الجسم، وبعيدا عن الأرواح الشريرة، «أبقراط» أبو الطب الحديث رأى أن فائدتها أكثر بمراحل من ضررها.

في العصور الوسطى كان الأطباء يحاولون رفع درجة الجسم لمحاربة أمراض مثل الزهري والطاعون. وكانت الحمى مصدر ترحيب دائم حتى ظهر على الساحة (الأسبرين) وقدرته على خفض الحرارة، ومن بعدها تغير رأي الطب تماما طوال القرن العشرين عن الحمى، حتى وصل الأمر بالأمهات للقلق الشديد إثر أي ارتفاع بسيط في درجة الحرارة، والذعر الشديد في حالة ارتفاعها جدا.

اتضح أن أجدادنا الأوائل وأبقراط كانوا على دراية بالحمى وفائدتها للجسم أكثر من علماء الطب الحديث، فالحمى عند الأطفال تعمل على شفاء الجسم لا ضرره.

ولكن كما هو الحال دائما، فقد اتضح أن أجدادنا الأوائل وأبقراط كانوا على دراية بالحمى وفائدتها للجسم أكثر من علماء الطب الحديث، فقد أكدت آخر الأبحاث الطبية أن معظم الحمى عند الأطفال تعمل على شفاء الجسم لا ضرره، وأنها إن كانت لن تطرد الأرواح الشريرة ولكنها بالتأكيد سوف تطرد الميكروبات التي تحاول غزو الجسم ومحاربة جهاز المناعة، والعالم الغربي الآن يعتبر الحمى حليفة وصديقة للجهاز المناعي، ويدعو للترحيب بها بدلا من الخوف منها ومحاربتها.

وإليك كيف يرى علماء الغرب الآن كيف أن الحمى تقوم بدور الصديق، فعندما يقوم الغزاة مثل الفيروسات والبكتيريا أو الطفيليات بمحاولة غزو الجسم، فإن خلايا الدم البيضاء (الخلايا الأساسية بجهازنا المناعي) تفرز مادة تسمى: «الإنترلوكينز»، والتي تسافر مسرعة إلى المخ لكي يأمر مركز الحرارة في الدماغ برفع درجة الحرارة في الجسم فورا، فلقد تأكد هؤلاء العلماء أن درجة الحرارة المرتفعة يستطيع فيها جهاز المناعة المحاربة بشكل أفضل بكثير.

فالفيروسات والبكتيريا تفضل العيش في أماكن ذات درجة حرارة معتدلة، لذلك مع ارتفاع حرارة الجسم فإنه يصبح مكانا غير مفضل لعيش الفيروسات والبكتيريا والتكاثر فيه، كما وجدوا أن الحمى تقلل من نسبة الحديد في الدم وتزيد من حاجة الكائن الغازي إليه، بمعنى أوضح: الحمى تدخل الميكروبات في حالة مجاعة، وإذا كان الغازي فيروسا، فإن الحمى تساعد خلايا المناعة على صنع (الإنترفيرون) ومواد أخرى مهمتها الوحيدة قتل ذلك الفيروس.

وربما يفسر لنا ذلك تلك الحيلة التي يلجأ إليها الجسم لرفع درجة حرارته أكثر، فعندما ترتفع درجة الحرارة درجتين فوق الطبيعي (37 درجة عن طريق الفم) يبدأ الجسم –على عكس المتوقع– بالارتعاش! هذا الارتعاش اللا إرادي يدفع الشخص المصاب بالحمى إلى شرب السوائل الدافئة، التدثر بالأغطية، أو زيادة الملابس مما يساهم في رفع درجة الحرارة أكثر.

من الواجب علينا أن نفرق بين الحمى الناتجة عن مرض داخل الجسم والحمى الناتجة عن التعرض لمصدر حرارة خارجي شديد كضربة الشمس مثلا.

إن آخر توصيات المنظمات الطبية العالمية للتعامل مع ارتفاع درجة الحرارة يختلف كثيرا عما يتم العمل به في المحروسة. أولا، هم يصرون على منع إعطاء المسكنات أو خوافض الحرارة إذا كان الغرض الوحيد من إعطائها هو خفض درجة الحرارة فقط، بل يمكن إعطاؤها حتى لو لم ترتفع درجة الحرارة إذا كان الطفل يعاني من آلام شديدة أو غير قادر على النوم، كما يأكدون أن إعطاء الخوافض لا يمنع بأي حال من الأحوال التشنجات الحرارية، وأنها بطبيعة الحال عرض لا يستدعي القلق.

هم يرون أن الطفل إذا كان عمره أكثر من ستة أشهر وحرارته أقل من (38,2) فهو لا يحتاج إلى أي خوافض حرارة من أي نوع، كما لا يشجعون استخدام الكمادات كذلك، ولا يعترفون إلا بالباراسيتامول والإيبوبروفين، ويمنعون استخدامهما معا في نفس الوقت، كما لا يحبذون التبديل بينهما، ولكنهم يأكدون أن ارتفاع درجة الحرارة فوق (40,6) هو وضع خطير وأن الحمى في هذه المرحلة تتوقف عن أن تكون مفيدة، ويرون أن العلاج الأمثل لعلاج ارتفاع درجة الحرارة هو تهوية الغرفة والراحة وشرب السوائل الكافية فقط.

ومن الواجب علينا قبل نهاية المقال أن نفرق بين الحمى الناتجة عن مرض داخل الجسم والحمى الناتجة عن التعرض لمصدر حرارة خارجي شديد كضربة الشمس مثلا، فالنوع الأول هو آلية دفاعية يستخدمها الجسم لتحفيز الجهاز المناعي، أما النوع الثاني فهي فشل مركز تنظيم الحرارة في المخ في التحكم في درجة الحرارة، وهي حالة خطيرة وتحتاج إلى التدخل الطبي فورا، ومن أشهر أسبابها الوقوف في تحت الشمس لفترات طويلة، الجلوس في عربة مغلقة لفترة في يوم حار، أو عمل تمرينات رياضية عنيفة في جو حار ورطب.

في النهاية،علماء أوروبا والدول المتقدمة يرون أن ارتفاع درجة حرارة طفلك ليست مقياسا على درجة مرضه، ويأكدون أن طفلك إذا كان يلعب ويضحك ودرجة حرارته عالية، فهو أفضل حالا من طفل لا يلعب ولا يتحرك ولو لم يكن عنده حمى على الإطلاق.

كما يرون أن من الواجب عليك الآن ترك مقياس الحرارة من يديك والاهتمام بحالة طفلك العامة أكثر!