عندما يأتي ذكر إعداد الطفل لمرحلة دخول المدرسة يتبادر للأذهان فورًا إتقانه للقراءة والكتابة والحساب، بالإضافة لكم لا بأس به من المعلومات النظرية الأخرى، والتي تتسابق إدارات المدارس في اختبار الأطفال فيها، والظفر بذوي القدرات والتحصيل العالي حسب معاييرهم، لكن إذا كان الطفل سيدخل إليها وهو متقن بالفعل لتلك المهارات، إذن ما دور المدرسة على كل حال؟

وإذا كنت أنت أيها القارئ مقتنعًا أن ذلك هو دور المدرسة، إذن كيف سيقضي طفل ما قبل المدرسة وقته وكيف يستعد لها؟ إليكم بعض النقاط الاسترشادية التي يمكنكم الانطلاق منها مع طفلكم.


1. المهارات الحركية

لماذا يحب الأطفال صعود الزحلوقة من الجهة المنحدرة عوضًا عن صعود السلم الخاص بها؟ ولماذا ينحدرون على طرابزون السلم بدلًا من الهبوط على السلالم؟

تلك الأمور وغيرها الكثير تمثل تحديًا أصعب لقدراتهم على التحكم في جسدهم، تحتاج الكثير من التركيز للنجاح بها والكثير من التمرين لإتقانها، وقبل أن يلتحق طفلك بصفوف الدراسة التي سيتوجب عليه الجلوس بها في الصف لوقت طويل واستخدام ذراعه في الكتابة، عليه أن يمتلك أولًا بنية جسدية عضلية قوية وتحكمًا حركيًا كبيرًا ليتمكن من أداء المطلوب منه بسهولة، والتدرب على تلك المهارات لا يحتاج أماكن محددة ولا تجهيزات باهظة.

يمكنك اختيار الأنشطة التي لا تحتاج لمدرب بالغ، بل يمثل فيها الطفل دور المدرب لنفسه، مثل ركل والتقاط الكرة، ركوب الدراجة، حذاء أو لوح التزحلق، السير على قضيب الاتزان، موازنة جسده على لوح التوازن، التسلق والتدحرج والشقلبة والزحف والجري وغيرها من المهارات التي نجد الأطفال يمارسونها فطريًا إذا ما أتيحت لهم الفرصة بوجود مكان فسيح آمن، وإذا ما أزيلت العقبات التي تلهيهم عنها مثل الشاشات الإلكترونية، ولا تنس احتياطات السلامة، خوذة وواقيات لمفاصل الأيدي والأرجل، ثم دع المجال لطفلك للانطلاق، أنا لا أتحدث عن نزهة الترفيه الأسبوعية، بل أتحدث هنا عن نشاط يومي وروتين متكرر في حياة الطفل.


2. العادات والأخلاق الحسنة

هل فكرت يومًا أن مظهر طفلك غير المرتب قد يؤثر على علاماته الدراسية؟ أو أن حديثه غير اللبق قد يعيقه عن التحصيل الدراسي؟

مثلما نحتاج نحن للعادات الجيدة والأخلاق الحسنة لنندمج في بيئة العمل الخاصة بنا وننتج بفاعلية، فالطفل يحتاج نفس الأمر ليندمج في بيئة العمل الخاصة به –وهي المدرسة في حالته- وينتج بفاعلية. افتقاد الطفل للعادات الجيدة في العناية الشخصية مثلًا قد يؤدي إلى نفور زملائه منه، مما قد يؤثر على ثقته بنفسه وقدراته بالسلب، وحديثه غير اللبق قد يتسبب في حصره بإطار ما يوصم به ويحدد طريقة تعامل من حوله معه ومقدار المساعدة الإيجابية التي يمكن أن يتلقاها منهم.

قبل أن ينطلق طفلك في رحلته الدراسية سيكون من المفيد له أن يتعلم الاعتماد على نفسه في إدارة شئونه الخاصة باكتساب بعض العادات الجيدة في العناية بمظهره ومأكله ونظافته، أيضًا سيفيده تعلم التعبير عن نفسه ومشاعره، والاندماج والتواصل مع الآخرين بلباقة،وسائل التربية الإيجابية قد تساعدك على إكساب طفلك العديد من المهارات الشخصية التي ستفيده في التأقلم اجتماعيًا بشكل سلس.


3. الطبيعة خير معلم

هل سمعت يومًا عن مصطلح «البيوميميتكس Biomimetics»؟ إذا كانت إجابتك بلا فلا بأس، إذ لا بد أنك سمعت عن محاولة «عباس بن فرناس» الطيران محاكيًا في ذلك أجنحة الطيور.

إن مصطلح «بيوميمتكس» يشير إلى محاكاة نماذج أو أنظمة أو عناصر من الطبيعة بهدف حل مشاكل الإنسان المعقدة، فمحاكاة أعين الحشرات مكنت الإنسان من ابتكار كاميرات مراقبة بتغطية زاوية 180 درجة، ومحاكاة سرب النحل مكنت الإنسان من ابتكار الطائرات بدون طيار. في الطبيعة سيجد طفلك إجابات لمعظم الأسئلة التي قد تطرأ على ذهنه، بل إن الطبيعة نفسها هي التي ستثير تفكيره ليتساءل من الأساس، قضاء وقت طويل بصحبة الطبيعة بعناصرها المختلفة تأثيره أفضل كثيرًا من قضائه في تعلم العلوم الأكاديمية أو حتى قراءة الكتب في السن الصغيرة.

قد يبدو الأمر صعبًا، خصوصًا مع حياة المدينة، حيث نجد أنفسنا متراصين داخل صناديق إسمنتية أغلب الوقت، لكن الاحتكاك بالكائنات الحية المختلفة من نبات وحيوان، متابعة الطقس، واستكشاف التضاريس الجغرافية من صخور وبحار، هو ما يجب أن يكون عليه شكل التعلم اليومي بالنسبة لطفل ما قبل المدرسة، وإذا كنا لا نستطيع أن نذهب إلى الطبيعة فلنحاول على الأقل أن نحضر بعضًا منها إلينا، تربية حيوانات أليفة وزراعة بعض النباتات، مراقبة الطقس من الشرفة بصورة يومية، جمع الصخور وعينات طبيعية من نزهات دورية واستكشافها على مهل في المنزل.


4. التجارب العلمية

من منا لا ينبهر بالألعاب السحرية ويستثار فضوله لمعرفة السر وراءها؟ تمثل التجارب العلمية مصدر إعجاب وانبهار دائم للأطفال الصغار، فهي كالسحر بالنسبة لهم، وفهمهم لها يشبع نهمهم الفطري للمعرفة والتعلم، كما أنها تساعدهم على معرفة الإجابة عن العديد من التساؤلات التي تجول بعقلهم، مثل كيف تكونت الأمطار، أو لماذا ساحت المثلجات بينما بردت الشوربة على نفس الطاولة.

تجدون في المكتبات سلاسل موجهة للأطفال تتناول بالصور خطوات تنفيذ التجارب المختلفة، أو يمكنكم ببساطة الاستعانة بمقاطع مصورة من الإنترنت، لكن ضعوا في اعتباركم شيئًا مهمًا، ليس تنفيذ التجربة هو المهم، بل تكرار التجربة هو الأهم، لا تقفز إلى الاستنتاجات من أول مرة، بل دع الفرصة لطفلك ليلاحظ ويجرب ويستنتج بنفسه، حينها سيشعر بلذة الإنجاز ومتعة التعلم.

ستندهش من كم التجارب التي يمكن أن تتعلموا منها سويًا في المجالات المختلفة، تجربة واحدة يوميًا قد لا تستغرق أكثر من عشر دقائق، لكن بنهاية العام سيكون لدى طفلك محصلة هائلة من الخبرات التي يمكنه الاعتماد عليها في تحصيله الدراسي مستقبلًا.


5. حول العالم

إذا كنا لا نستطيع أن نذهب إلى الطبيعة فلنحاول على الأقل أن نحضر بعضًا منها إلينا.

طفل ما قبل المدرسة لا يحتاج إلى تلك الأساطير الخرافية ليستمتع بوقته، فالعالم الواقعي الذي يعيش فيه مليء بالإثارة ما يكفي ليبقيه مستمتعًا طويلًا!

تخيل نفسك وقد سافرت بلدًا غريبًا في رحلة سياحية، وكم الحماس بداخلك لتستكشف كيف يختلف عن عالمك الذي تعرفه وما الجديد الذي يمكن أن تعيشه فيه والمغامرات التي عاشها من زار البلد قبلك، طفلك وصل حديثًا إلى هذا العالم، وهو متحمس أيضًا للتعلم عنه، كيف يعيش الناس في البلاد المختلفة، وماذا فعل السابقون، قصص بسيطة عن عادات الشعوب وثقافاتهم، بالإضافة لبعض قصص وسير القدماء وحضاراتهم قد تمثل إضافة مفيدة لمكتبة وعقل طفلك.

وهكذا، ما بين اللعب الحركي الذي يقوي الجسد، والانطلاق بين أحضان الطبيعة الذي يغذي العقل، والانخراط في أنشطة الحياة اليومية والحياة العامة الذي يبني الشخصية، بالإضافة لبعض الاستمتاع بالتعلم عن العالم، يمكن أن يقضي طفلك الصغير يومه دون ضغوط، ولتكن أنت مطمئنًا أنه لا يهدر وقته وقدراته، فحتى لو لم يتجه لتعلم القراءة والكتابة والحساب الآن فهي مهارات سيتعلمها في المدرسة لاحقًا على كل حال، فقط استمتعوا بصحبة أطفالكم.