أديكاي أديباجو

25 يناير 2016 | موقع مركز تسوية النزاعات

يسجل الشهر الحالي الذكرى السنوية الخامسة لـ«الربيع العربي الأفريقي». عندما أقدم شاب عاطل، يعمل بائعًا متجولًا، وهو محمد البوعزيزي، 26 عامًا، على حرق نفسه إثر احباطه بسبب القمع الحكومي في ديسمبر 2010 في بلدة سيدي بوزيد التونسية. أثار استشهاده ثورة سياسية أطاحت في النهاية بالقادة المستبدين في تونس، مصر، وليبيا، ونشر ثقافة الاحتجاج في اليمن، البحرين، وسوريا.

متأثرًا بنشوة الثورة المصرية بعدها بشهر، أشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بـ«القوة الأخلاقية للاعنف»، وذكر بعض أحداث «قيادة غاندي لشعبه على طريق العدالة»، ولكن خلال عامين فقط، عاد الحكم الاستبدادي إلى مصر، اندلعت الحرب الأهلية في ليبيا، وتهددت الديمقراطية التونسية بفعل الاغتيالات السياسية والجمود البرلماني.

إذن، فما الذي أخرج الأمور عن مسارها؟

بدءًا بتونس، شهدت «ثورة الياسمين» فوز حزب النهضة في الانتخابات، وهو حزب إسلامي معتدل. وبينما وقف النظام السياسي على حافة كارثة، نجح ائتلافٌ للمجتمع المدني – حاز على جائزة نوبل العام الماضي – في النهاية في أن ينظم حوار وطني في الفترة بين أكتوبر 2013 ويناير 2014، والتي نتج عنها انتخابات وطنية، واتفاق لتشارك السلطة بين حزب نداء تونس العلماني والنهضة.

رغم هذا الانجاز المميز، واجهت البلاد ثلاث هجمات إرهابية رفيعة المستوى العام الماضي، والتي أودت بأرواح 70 شخصًا. كذلك ظل النظام السياسي التونسي ممزقًا بفعل الشقاقات الفكرية والشخصية. بينما يبقى الاقتصاد على ضعفه، بنسبة نمو تبلغ 1,5 بالمئة، ونسبة بطالة 15 بالمئة.

وفي مصر، انتهى الحكم الاستبدادي لحسني مبارك، الذي دام 30 عامًا، على نحو مميز على يد الثوار المتقدمين تكنولوجيًا بميدان التحرير في فبراير 2011. إلا أن فوز مرشح الإخوان المسلمين، محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية في يونيو 2012، أتبعه انقلاب عسكري من الجنرال عبد الفتاح السيسي بعد عام واحد.

أسفر الانقلاب عن مقتل حوالي 1000 من داعمي الإخوان المسلمين واعتقال آلاف الآخرين. إلا أن أوباما رفض تسمية ذلك التغيير غير الدستوري للحكومة بالانقلاب، ولم توقف الولايات المتحدة دعمها السنوي، بقيمة 1,5 مليار دولار، المقدم للجيش المصري. يتمتع نظام السيسي القمعي حاليًا بنفوذ هائل على المحاكم، الجامعات، والإعلام، ما حدى بمجلة الإكونومست إلى وصفه بـ«الوحشي، الاستبدادي، وغير المسؤول».

في عام 2014، دعت صحيفة «نيويورك تايمز» لوقف تقديم ما قيمته 550 مليون دولار من الدبابات والطائرات المقاتلة الأمريكية إلى مصر، مشيرة إلى أن البلاد «أصبحت أكثر قمعية بكثير عما كانت عليه أثناء الفترات المظلمة من حكم المخلوع حسني مبارك».

وتابعت الصحيفة بوصف كيف أن نظام السيسي قد زور الانتخابات، كبح التظاهرات، كمم الإعلام والمجتمع المدني، ووفق تقارير، استخدم دبابات أمريكية لقصف مناطق مدنية في سيناء.

يمثل افتتاح السيسي المبالغ فيه لامتداد بقيمة 8 مليار دولار لقناة السويس العام الماضي، وخطط بناء عاصمة إدارية بقيمة 45 مليار دولار، أوضح إشارة على أنه قد حل محل مبارك كفرعون للبلاد. كما عاد نفوذ الظل لـ”الدولة العميقة”. وسط مستويات مرتفعة للبطالة، فسادٍ متزايدٍ، وهبوط قيمة الجنيه، شهد قطاع السياحة الحيوي هبوطًا حادًا من 15 مليون زائر عام 2010 إلى 10 مليون فقط عام 2014.

بالانتقال إلى ليبيا، أطاح معمر القذافي بالملك إدريس عبر قتله عام 1969، ولكن حكمه الذي استمر 42 عامًا جاء إلى نهاية مشابهة للنظام الملكي الذي أزاحه؛ فقد نصب الزعيم غريب الأطوار نفسه «ملك الملوك» من قبل 200 حاكم أفريقي في احتقالية غريبة ببنغازي في أغسطس 2008.

حلت الآن بالفعل الفوضى التي تنبئ القذافي أن لا أحد غير نظامه يستطيع صدها. فبعد اغتياله في بلدته سرت في أكتوبر 2011، اندلعت الحرب الأهلية بالبلاد، مع سيطرة أمراء الحرب وحلفائهم على البرلمانين المتنافسين في طبرق وطرابلس.

رغم الإعلان الأخير عن تشكيل حكومة وحدة وطنية بوساطة الأمم المتحدة، تستمر التنظيمات المتطرفة، كالدولة الإسلامية وأنصار الشريعة، في تغذية العنف.

خلاصة دروس هذه الدول الثلاث بشمال أفريقيا أن النضج السياسي للأحزاب السياسية التونسية، ومجتمعها المدني النشط، كانا عاملين حاسمين في الحفاظ على ديمقراطيتها الهشة؛ وكشفت مصر مخاطر الاعتماد على القادة العسكريين في تحقيق الديمقراطية، بينما قدمت ليبيا قصة للاعتبار حول مدى فداحة خطأ السماح بوجود متدخلين خارجيين، كحلف شمالي الأطلسي، الناتو.

لقد تحول الربيع العربي الأفريقي، على نحو مأسوي، إلى «شتاء سخط».

د. أديباجو المدير التنفيذي لمركز تسوية النزاعات في مدينة كيب تاون، وأستاذ زائر بجامعة جوهانسبيرج.