فرح صمتي

21 يناير 2016 | موقع «فورين بوليسي»

شهد التونسيون الشهر الحالي مرور الذكرى الخامسة للثورة الشعبية التي أطاحت بزين العابدين بن علي، الدكتاتور التونسي طويل العهد. ولكن لا يبدو أن شباب تلك الديمقراطية الوليدة يستقبلون المناسبة بالاحتفالات. بل تقبع البلاد على حافة الهاوية إثر اندلاع تظاهرة ضد البطالة، الفقر، واللامبالاة الحكومية في مناطق بالبلاد تعرضت طويلًا للتهميش.

بدأ الاضطراب بعد قيام شاب في بلدة القصرين الفقيرة بتسلق أحد أعمدة الإرسال الهاتفي وصعق نفسه بالكهرباء إثر شعوره باليأس. فقد علم أن اسمه قد حذف من قائمة المرشحين لشغل وظائف وزارة التعليم، التي نشرتها الحكومة المحلية.

تبدو تلك القصة مألوفة. ففي ديسمبر 2010، أشعل محمد البوعزيزي، بائع متجول شاب، النار في نفسه بعد تعرضه لمضايقات من الشرطة المحلية لبيعه الفاكهة بعربته. أثارت الحادثة غضبًا شعبيًا تجاه المظالم الاجتماعية ونقص فرص العمل في بلدته الفقيرة سيدي بوزيد. وأضاءت الاحتجاجات التي بدأت هناك شعلة الثورة في البلاد.

وعلى غرار البوعزيزي، سخط الشاب الذي قتل نفسه هذا الأسبوع، رضا يحياوي، طويلًا لغياب فرص العمل في بلدته. «شارك رضا في اعتصام عام 2014 مع مجموعة من الشباب العاطلين»، حسبما أوضح والده، منفطر القلب، لإذاعة محلية. وأضاف: «كلما زار مسؤولا حكوميا القصرين، توجه رضا إليه وطالب بفرص عمل. سمعنا الكثير من الوعود، وتوقعنا حلولًا. ولكن لم نجد شيئًا».

«عندما وصلت إلى المستشفى لرؤيته، كان في حالة سيئة»، حسبما قال والد يحياوي، الذي لم يُذكر اسمه. وتابع باكيًا: «مات بعد دقائق عدة. واليوم، أطالب بحقوق ابني والجميع في القصرين». إثر ذلك، سُمعت مكالمته، وسريعًا ما نزل مواطنو البلدة إلى الشوارع دعمًا لابنه والآخرين مثله، متهمين نائب الحاكم المحلي بالتلاعب بقائمة التوظيف وتقديم المجاملات. تستدعي تلك المطالبات بالعدالة الاجتماعية إلى الذاكرة لحظات مشابهة في ديسمبر 2010 ويناير 2011، عندما طالب عشرات آلاف التونسيون بحقوق التوظيف، الكرامة، والحرية.

تحولت بعض الاحتجاجات هذا الأسبوع إلى مواجهات عنيفة. وتعرضت بعض المباني الحكومية إلى هجوم المتظاهرين، الذين استخدموا زجاجات الملوتوف الحارقة وأشعلوا الإطارات. وقطع آخرون الطرق والسكك الحديدية. بينما استخدمت العناصر الحكومية الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، وفي مساء الثلاثاء، أعلنت وزارة الداخلية حظر التجوال. وفقد شرطي حياته في حادث سيارة أثناء محاولته تفريق الجموع الغاضبة.

في يوم الأربعاء، انتشر المتظاهرون في قيروان وسليانة، وبلدات أخرى أصغر قرب القصرين. كذلك نزل شباب الطلاب إلى شوارع تونس، العاصمة، مرددين هتافات داعمة للاحتجاجات وحاملين لافتات تطالب بـالتوظيف، الحرية، والكرامة الوطنية ومعلنين «التضامن مع القصرين».

قال الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، يوم الأربعاء: «تلك الاحتجاجات مشروعة ودليل على أن تونس تحترم دستورها». وتابع: «نتفهم تلك الاحتجاجات، ولكن لا يجب تهويلها». سجلت حقيقة أنه تفاعل مع التظاهرات تغييرًا عن الأيام القديمة البالية في 2010، عندما رفض المسؤولون في البداية الاعتراف بوجود أي سخط شعبي. ومع ذلك، لم تسهم تصريحات السبسي كثيرًا في تهدئة الاحتجاجات الحالية.

إثر الخوف من انتشار الاحتجاجات في أنحاء البلاد، أجرى أعضاء مجلس الوزراء اجتماعًا عاجلًا مع ممثلي المنطقة في البرلمان لمحاولة إيجاد حل للأزمة. ووفق خالد شوكت، المتحدث باسم الحكومة، سيتم توفير 5000 وظيفة بالقطاع العام للمواطنين بالمناطق الفقيرة مثل القصرين. كما وعد بإقامة مئات المشروعات الصغيرة تحت رعاية الحكومة، وتقديم حوافز أخرى لتوفير الفرص لشباب المنطقة المعطل عن العمل، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية والمشروعات التنموية الأخرى في أنحاء المناطق التونسية المتأخرة تنمويًا.

وأضاف: «لا نريد لتلك الاحتجاجات أن تستغل من قبل الإرهابيين الذين يسعون للإضرار بالنموذج الديمقراطي التونسي».

في يوم 6 يناير، أعلن رئيس الوزراء التونسي، حبيب الصيد، عن تعديل وزاري طال توقعه. ولكن واجهت تعييناته انتقادات لاذعة بوصفها سياسية تمامًا، حيث عيّن حلفاءه في الحكومة بدلًا من المهنيين الأكفاء والمستقلين.

«اليوم، يفقد شبابنا الأمل. ليس هناك وظائف، ولا تنمية. بل تهميش فقط. بعد أن جربوا الاعتصامات والإضراب عن الطعام، ولكن ذلك لم ينجح. يجب أن نتحمل مسؤولية ما يحدث في القصرين»، حسبما علق اليساري المعارض، والعضو بالبرلمان، هيكل بلقاسم.

توضح حقيقة أن الحكومة قد استجابت من الأساس مدى التغيير الحادث عن عهد ابن علي. ولكن لا يجب أن تعتمد المناطق التونسية المعدمة على حالات الانتحار والاحتجاجات لتحظى باهتمام صناع القرار. بل يجب أن يمثل تعزيز التنمية الاقتصادية في تلك المناطق أولوية حكومية – وليس موضوعًا يعالج أثناء الأزمة فقط.

يتطلب التغيير وقتًا على نحو لا يمكن إنكاره. ولكن يبدو أن صبر الشباب التونسي العاطل عن العمل قد بدأ في النفاذ، حتى مع تشاحن السياسيين بشأن النزاعات الداخلية ومصالحهم السياسية الضيقة. وإن لم تعالج المظالم الشعبية – وهي ذاتها التي أسقطت الحكومة الأخيرة – لا أحد يعلم إلى أي مصير قد ينتهي ذلك.

فرح صمتي صحفية مقيمة بتونس العاصمة. غطت فرح الانتقال السياسي في تونس منذ عام 2011.

المراجع
  1. Five Years Later, Tunisians Take to the Streets Again