في نوفمبر 2015 أعلنت السلطات المصرية عن عقد اتفاق إنشاء أول محطة نووية مصرية على أرض الضبعة بين وزير الكهرباء محمد شاكر ممثلًا الجانب المصري ورئيس شركة «روس أتوم»، الروسية بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتكون أول خطوة حقيقية في بناء المشروع النووي الذي توالى تأجيله منذ أكثر من ستين عامًا.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ظهرت فكرة الاستخدام السلمي للطاقة النووية ممثلة في إنتاج الكهرباء، وفي عام 1954 جاءت البداية حيث قام الاتحاد السوفييتي بإنشاء أول مفاعل لإنتاج الطاقة النووية في العالم لتوليد حوالي 5 ميجاوات من الكهرباء، ليتوالى بعدها انتشار الطاقة النووية حتى أنها كانت البديل الأقوى في إنتاج الكهرباء في الغرب عند ارتفاع أسعار البترول في السبعينيات، ويصل الآن عدد المفاعلات النووية في العديد من دول العالم المتقدم إلى 440 مفاعل نووي في 31 دولة مع 380 ألف ميجا وات من الكهرباء تمثل 11% من كهرباء العالم.

ولكن لم يكن المشهد ورديًا على الدوام.


3 حكايات تروي لك تاريخ الكوارث النووية

1. عطل بسيط يتسبب في حادث خطير

المكان: ثري مايل آيلاند – بنسلفانيا.

الزمان: 28 مارس 1979.

في تمام الساعة الرابعة حدث عطل بسيط في تغذية مولدات البخار بالمياه بالمفاعل رقم 2 في المحطة النووية ب «ثري مايل آيلاند» ببنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية، فشل طاقم المحطة في التعامل مع الأزمة الطارئة بسبب قلة التدريب ولم يتمكن من السيطرة على الوضع حتى أنه تم إبقاء أحد سدود الحماية مفتوحًا عن طريق الخطأ.

بعد خمسة أيام تمت السيطرة على الحادث بعد إخلاء محيط المحطة النووية من السكان، واُعتبرت حادثة جزيرة ثري مايل الأكثر أهمية وخطورة في تاريخ الصناعة النووية في الولايات المتحدة، حيث أسفرت عن تسرب حوالى 13 مليون كوريًا من الغازات المشعة وانصهار حوالي 45% من الوقود المستخدم مع عناصر أخرى.

2. تشرنوبيل: حيث لا مكان للاختباء، لا تحت الأرض ولا في أعماق المياه

المكان: تشرنوبيل – أوكرانيا

الزمان: 26 أبريل 1986

في تمام الساعة 1 و 23 دقيقة و 58 ثانية أدت سلسلة من الانفجارات إلى إنهيار المفاعل النووي الرابع داخل محطة «تشرنوبيل النووية» في حادثة تعتبر أكبر الكوارث النووية والتكنولوجية في القرن العشرين.

ففي 29 أبريل أظهرت أجهزة القياس مستويات مرتفعة من الإشعاع في بولندا وألمانيا والنمسا ورومانيا، وفي أقل من أسبوع أصبحت كارثة تشرنوبيل مشكلة العالم أجمع.

أسفر حادث تشرنوبيل عن تسرب 50 مليون كوريًا من الإشعاع في الغلاف الجوي، 70% منها كان في بيلاروسيا وحدها حيث لُوثت 23% من مساحتها

وأشارت أصابع الاتهام إلى السلطات السوفيتية بالإهمال والتقصير في إجراءات الحماية والسلامة وعدم الأخذ بالتوصيات الأمنية، وحاولت أجهزت الإعلام السوفيتية التعتيم على الحادث لمدة يومان وكانت السويد أول من أعلن الخبر حتى جاءت النتائج كارثية على المناطق المحيطة بموقع الانفجار، وكانت بيلاروسيا الأكثر تضررًا كونها الأقرب.

أسفر الحادث عن تسرب 50 مليون كوريًا من الإشعاع في الغلاف الجوي، 70% منها كان في بيلاروسيا وحدها حيث لُوثت 23% من مساحتها وأصبحت 2.4 ألف هكتار (حوالى 240 ألف كيلو متر مربع) من الأراضي الزراعية غير قابلة للزارعة بعد ذلك واُعتبرت 26% من مناطق الغابات المنتشرة ببيلاروسيا كمنطقة مشعة ومحظورة، هذا بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الضحايا حسب تقديرات غير رسمية.

ومع الانتشار المستمر لجرعات صغيرة من الإشعاع على مدار الوقت يزداد عدد حالات الإصابة بالسرطان والتأخر العقلي والأمراض العصبية والعيوب الخلقية كل عام.

3. من نجوا لا يتزوجون إلا من بعضهم البعض

المكان: فوكوشيما – اليابانز

الزمان: 11 مارس 2011.

هل سمعت من قبل عن «هيباكوشا هيروشيما»؟ من نجوا من القنبلة لا يستطيعون الزواج إلا من بعضهم البعض، لا أحد يتحدث عن ذلك ولكنه موجود.

ضرب اليابان زلزال بقوة 9 درجات أدى لاندلاع موجة تسونامي قامت بقطع التغذية الخارجية بالتيار الكهربائي عن محطة فوكوشيما النووية وستة من مفاعلاتها، وغمرت المياه نظام التبريد فتوقف عن العمل، في نفس الوقت عجز الجدار البحري المصمم لصد موجات بطول 6 أمتار عن صد موجات تسونامي بطول 15 متر ناتجة عن الزلزال.

وتم إخلاء المنطقة المحيطة حتى عشرة كليومترات مربعة ومع مرور الوقت لوحظ زيادة في أعداد الإصابة بالسرطان وتم التحذير من وجود انبعاثات دائمة، كما ذكر تقرير حكومي في 2014 أن الانبعاثات المشعة التي تلت الأضرار الناجمة عن حادثة فوكوشيما لا تزال تمثل أكبر مشكلة بيئية تواجه اليابان حتى الآن.


هل الطاقة النووية الحل الأمثل؟

لقد جذبوا الله من لحيته، والآن هو ينظر إليهم ويضحك
من قصص ضحايا حادث تشرنوبيل

عند ظهور الطاقة النووية كمصدر جديد للطاقة جاءت البداية مبشرة بعصر جديد تتوافر فيه الكهرباء لأجيال قادمة بأرخص الأثمان، وانتشر بناء المحطات النووية في أرجاء العالم المتقدم مع تزايد الاعتماد على الطاقة النووية كمصدر «شبه» دائم للطاقة.

ولكن مع تكرار الحوادث النووية التي أودت بحياة الآلاف من البشر، بينما عاش الناجون يعانون من الأمراض السرطانية والتشوهات وسط طبيعة ملوثة ومنذ الثمانينات، بدأ العالم ينظر بعين قلقة إلى وجود المفاعلات النووية على أراضيه؛ نظرًا لما تنطوي عليه من مخاطر بيئية وصحية ناجمة عن قصور التقنية والعامل البشري أو هجمات الطبيعة المفاجئة بشراسة.

هذا بالإضافة إلى انخفاض الجدوى الاقتصادية من مشروعات الطاقة النووية لما يتطلبه إتمام المشروع من مدد طويلة، وارتفاع تكلفة البناء والتشغيل والصيانة الدورية، والحاجة كذلك إلى زيادة تدابير الأمن والسلامة، والتخلص من النفايات المشعة بطريقة صحيحة وآمنة.

بلغت تكلفة بناء محطة للطاقة النووية في بداية السبعينيات 170 مليون دولار ارتفعت عام 1983 إلى 1.7 بليون دولار لنفس المساحة، بل أن بعض مصانع الطاقة النووية التي أنشئت في أواخر الثمانينات وصلت كلفتها إلى 5 بليون دولار لتسجل 30 ضعفًا عما كانت عليه قبل 15 عامًا فقط.

أصبحت الصناعة النووية مهددة وأغلق 120 مصنع بالولايات المتحدة في الفترة من 1972 حتى 1990، وسط تصاعد الدعوات للكف عن بناء محطات جديدة للطاقة النووية والاتجاه نحو استخدام مصادر أخرى طبيعية وأكثر أمانًا لتوليد الكهرباء.

في حين تجاهلت بعض الدول الأصوات المناهضة للطاقة النووية كونها مصدرًا مستقرًا للطاقة منذ عقود بتلك الدول أو عدم توافر مصادر أخرى بديلة بها. وقامت دول أخرى بخطوات جريئة نحو الحد من الاعتماد على الطاقة النووية وإضافة مصادر أخرى متجددة نظيفة وأكثر أمانا لتوليد الطاقة وإنتاج الكهرباء؛ حيث قامت السويد في عام 1980 باستفتاء شعبي أيد إغلاق مفاعلاتها النووية واحدًا تلو الآخر.

وأعلنت ألمانيا في 2011 وبعد ثلاثة أشهر من حادثة فوكوشيما عن عزمها إغلاق محطاتها النووية – التي تنتج نحو 20% من الطاقة بألمانيا – خلال 10 أعوام واستبدالها بمصادر أخرى نظيفة ومتجددة للطاقة لتساهم بنحو 80% من مصادر توليد الطاقة بألمانيا بحلول عام 2050، بالإضافة إلى الصين التي أنتجت ما يقرب من 21 جيجا وات من طاقة الرياح و28 جيجا وات من الطاقة الشمسية في 2014 والمتوقع أن تصل لحوالي من 60 إلى 80 جيجا وات في 2018.

في عام 2009 أعلنت حوالي خمسة عشر شركة ومؤسسة ألمانية كبرى عزمها على استثمار حوالي 400 مليار يورو بمشروع ضخم لإنتاج الطاقة الشمسية عبر استغلال صحاري شمال أفريقيا، أطلقت عليه اسم «ديزرتيك DESERTEC» ، حيث أوضح خبراء شركة سيمنس أن استغلال 90 ألف كيلومتر مربع من صحراء أفريقيا لإنتاج الطاقة الشمسية يمكن أن يولد كهرباء تكفي احتياجات كوكب الأرض بالكامل، بالإضافة بالطبع إلى العائد الاقتصادي المباشر على تصدير الطاقة وغير المباشر من تقليل معدلات تلوث البيئة وتحلية المياه والتنمية للمناطق المحيطة بمحطات الطاقة الشمسية.

وبالرغم من ذلك لم يحظَـ المشروع بأي نقاشات أو ترحيب في الأوساط المصرية، على الرغم من وجود الصحراء الغربية – التي تشكل نحو 68% من مساحة مصر – غير مستغلة، والتي تعتبر منجمًا للطاقة الشمسية. كذلك تعثرت مفاوضات الجانب الألماني مع الحكومة الجزائرية التي أعلنت فيما بعد أنها كانت «قصيرة النظر» في رفضها للمشروع واعتمادها على الأسعار المرتفعة للنفط حينذاك.

وفي فبراير 2014 افتتح الملك محمد السادس محطة «نور 1» للطاقة الشمسية بالمغرب بعدما استغرق بناؤها 3 سنوات بتكلفة بلغت 671 مليون دولار على مساحة 450 هكتار، ويتوقع أن تنتج 160 ميجا وات من الكهرباء وتعد مرحلة أولى من مشروع ضخم هو الأكبر من نوعه في العالم لإنتاج الطاقة الشمسية على مساحة إجمالية تصل إلى 3 آلاف هكتار (حوالي 30 ألف كيلومتر)، بتكلفة 2.5 مليار دولار تقريبا تهدف إلى إنتاج 580 ميجاوات من الكهرباء يوميًا بحلول 2030.

جاء ذلك بمثابة البديل الأكثر عقلانية وسط توقعات بارتفاع تكلفة إنشاء المحطات النووية في المستقبل، وانخفاض تكلفة الاعتماد على مصادر أخرى متجدد كالطاقة الشمسية بسبب التطوير والبحث الدائم الذي يساهم في انتشارها على نطاق واسع، سواء على مستوى الدول أو الأفراد فوق أسطح المنازل بتكلفة تقل مع مرور الوقت بل وتتيح فرصة الكسب من فائض الاستهلاك عن طريق بيعه أو تصديره.


الحلم النووي المصري يعود من جديد

في عام 2009 أعلنت حوالى خمسة عشر مؤسسة ألمانية عزمها على استثمار حوالي 400 مليار يورو لإنتاج الطاقة الشمسية عبر صحاري شمال أفريقيا.
أخشى أن يأتي يومٌ يصطادون فيه العلماء بنفس الطريقة التي كانوا يصطادون بها الأطباء ويغرقونهم في العصور الوسطى.
من قصص ضحايا حادث تشرنوبيل

تمتاز الطاقة النووية بكثافتها الهائلة التي تفوق العديد من مصادر الطاقة الأخرى، ولكن في المقابل ترتفع التكلفة المباشرة للتشييد والتشغيل وطول مدة البناء بالإضافة إلى الحاجة للصيانة المستمرة والاعتماد على مستويات عالية من تقنيات السلامة، والتخلص بطريقة آمنة من النفايات المشعة، ويتبقى بعد كل ذلك التكلفة غير المباشرة الناتجة عن احتمالية الخطر والخطأ؛ الذي أدى إلى كوارث في دول عديدة أكثر تقدمًا وذات باع طويل من الخبرة والتعامل مع الطاقة النووية، مما جعل الخيار النووي بديلا متاحا للدول التي تنعم برخاء اقتصادي كبير وتوافر تمويل واسع.

ففي الوقت الذي تتراجع فيه العديد من الدول العالم عن التورط في المزيد من النشاط النووي، أعلنت السلطات المصرية عن عقد اتفاق إنشاء أول محطة نووية مصرية على أرض الضبعة.

تقوم روسيا بتمويل 85% من تكلفة مشروع الضبعة على شكل قرض بفائدة سنوية 3% في صورة دفعات على مدار 13 عامًا حتى تشغيل المحطة في 2029.

وتضم المحطة النووية 4 وحدات تبلغ طاقة كل منهم 1200 ميجاوات، بإجمالي تكلفة يصل 26 مليار دولار. وتقوم روسيا بتمويل 85% من التكلفة على شكل قرض بفائدة سنوية 3% في صورة دفعات على مدار 13 عامًا حتى تشغيل المحطة في 2029، ويبدأ الجانب الجانب المصري في سداد القرض بعد تشغيل المشروع وعلى مدار 22 عامًا بأقساط نصف سنوية ينتهى سدادها في 2051، وتُستحق الفائدة على أساس يومي بداية من استخدام مبلغ القرض، وفي حالة عدم سداد الفائدة في خلال 10 أيام من موعد الاستحقاق يخضع المبلغ لفائدة تصل إلى 150%.

جاءت مصر لتعلن دخولها مجال التصنيع النووي في مشروع تتجاوز تكلفته 25 مليار دولار يأتي 85% منه على شكل قرض يمتد سداده حتى 2051 – في أفضل الأحوال – ويمثل دينًا يقيد المزيد من الأجيال القادمة مع اعتبار مشروع الضبعة مشروعًا غير ربحي لن يساهم إنتاجه بأي حال في سداد مبلغ القرض وفوائده، فتقع مسئولية السداد للنسبة الأكبر على ميزانية الدولة وكاهل المواطنين.

لم يلقَ المشروع النووي المصري الاهتمام الملائم في السيتينات والسبعينات بسبب اتجاه معظم موارد الدولة نحو المجهود الحربي، وفي الثمانينيات وفي عهد الرئيس المعزول حسني مبارك تم تأجيل البتّ في المشروع بعد كارثة تشيرنوبيل عام 1986.

بينما أقر مبارك في 2007 منطقة الضبعة كموقع لأول محطة كهربائية تعمل بالطاقة النووية، وفي 2012 وعد الرئيس المخلوع محمد مرسي بأن يكون مشروع الضبعة أولى اهتماماته، في الوقت نفسه استمر اهمال النظام المصري للصحراء الغربية وما تمثله من مصدر غني للطاقة الشمسية ومساحة واسعة تشكل حوالي 680 ألف كيلومتر كبديل رخيص ولا نهائي لإنتاج الطاقة.

في حين احتفت أجهزة الإعلام بإعلان بداية تنفيذ المشروع فيما أسماه بعضها تحقيق «الحلم النووي المصري»، هل كان هذا الحلم بالفعل جديرًا بالسعي من أجل تحقيقه أم أنه جاء كإصرار صبي مراهق على ارتداء الشارلستون بعد مرور ستة عشر عامًا من القرن الواحد والعشرين؟

المراجع
  1. Voices from Chernobyl – Svetlana Alexievich ( Nobel Prize in Literature 2015 )
  2. Economics of Nuclear Power
  3. What Happened?
  4. Solar Energy Pros and Cons
  5. How much electricity does a nuclear power plant generate?
  6. Nuclear Power in the World Today
  7. ألمانيا تقرر إغلاق آخر مفاعلاتها النووية بحلول عام 2022
  8. Goodbye nuclear power: Germany's renewable energy revolution
  9. COSTS OF NUCLEAR POWER PLANTS — WHAT WENT WRONG?
  10. وسط تكتم مصري.. موسكو تكشف تفاصيل جديدة حول محطة الضبعة النووية: التكلفة 26 مليار دولار والتنفيذ خلال 12 عاماً
  11. المغرب يفتتح المحطة الأولى من أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم
  12. مشروع ألماني ضخم لإنتاج الطاقة الشمسية في صحارى شمال أفريقيا
  13. شمس الصحراء الغربية طاقة لأوروبا
  14. Solar power plants less costly to build, operate
  15. Renewables vs. Nuclear: Do We Need More Nuclear Power?