بسعر هاتف متوسط فقط يمكن أن تتجول بين بعض روائع هذا الكون. في الواقع، فإن البعض يظنون أن ممارسة علم الفلك تتطلب أدوات معقدة جدًا وغالية الثمن، لكن رحلة ممتعة في أعماق سماء الليل يمكن ببساطة أن تبدأ من تلسكوب صغير، سترى ملامح القمر بوضوح، وبعض الكواكب كالمشتري وزحل، كذلك يمكن أن ترى مجموعة من السدم والمجرات البديعة، لكن أكثر ما ستراه في تلسكوب صغير لا شك هو التجمعات أو الحشود النجمية المفتوحة، ألعاب السماء النارية البديعة!

حضَّانات النجوم

تولد النجوم الجديدة في قلب السدم، وهي سحب ضخمة مملوءة بالغاز والغبار الساكن بين النجوم، تتراكم فيها المركبات الكيميائية والعناصر مثل الهيدروجين والهيليوم والنيتروجين والكربون وغيرها. يحدث من حين لآخر أن تندفع بعض أجزاء تلك السحابة لتتراكم على بعضها البعض، بالتالي يزداد حجم وكثافة ذلك التجمع، ويستمر التكدس ببطء شديد للغاية، وكلما ازداد حجم وكثافة ذلك التجمع ازدادت درجات الحرارة في المركز.

حينما تصل درجات الحرارة في المركز  إلى 10 – 15 مليون درجة مئوية في نواة النجم الجديد يكون الوضع ملائمًا لحدوث اندماج نووي. يعني ذلك أن «تندمج» أنوية ذرات الهيدروجين لتصنع  الهيليوم، وتنطلق مع تلك التفاعلات كميات هائلة من الطاقة هي ما يجعل النجم نجمًا، لقد بدأ صديقنا حياته وسيستمر في هذا الوضع معظم عمره.

لا تولد النجوم بشكل منفرد، بل كتجمعات تتغذى معًا على هيدروجين السحابة هائلة المساحة، سحابة الجبار النجمية – على سبيل المثال – ذات عرض يساوي أكثر من عشر مجموعات شمسية! حينما تنمو النجوم وصولًا إلى مرحلة شبابها (مرحلة النمط الأساسي) بينما لا زالت موجودة في نفس المجموعات تسمى التجمعات المولودة معًا بالتجمعات أو العناقيد أو الحشود النجمية المفتوحة Open Clusters، وتحتوي على نطاق واسع من أعداد النجوم بداية من عشرة حتى عدة آلاف أو مئات الآلاف، يفصل بينها مسافات قصيرة للغاية، لذلك تبدو في التلسكوبات وكأنها ألعاب نارية بديعة.

أخو الشمس

لقد كانت الشمس يومًا ما نجمًا في مجموعة كهذه، تبقى التجمعات النجمية معًا لعدة ملايين من السنوات، ثم بعد ذلك تنفصل عن بعضها البعض وينطلق كل منها لحالة، هذا هو ما حدث مع الشمس قبل أكثر من أربعة مليارات من الأعوام، وهذا هو ما يحدث مع كل شيء في هذا الكون، حتى البشر !

هل تود أن ترى أحد أقارب الشمس المحتملين؟ يمكن لنظارة معظمة أن تفعل ذلك، كل ما تحتاجه هو الوصول إلى المربع الرئيسي لكوكبة هرقل، يمكن الآن أن تستخدم الخارطة المرفقة للوصول إلى نجم من القدر السادس يدعى HD 162826، بسبب تركيبه المتشابه مع الشمس يعتقد الكثير من الفلكيين أنه كان يومًا ما رفيقًا للشمس في نفس التجمع النجمي المفتوح. يبتعد الآن عنا مسافة 110 سنوات ضوئية.

استخدم مربع هرقل لكي تصل إلى HD 162826، أخو الشمس

تعد التجمعات النجمية المفتوحة (Open Clusters) – على عكس صديقتها الكروية – هي الهدف الأسهل على الإطلاق لتلسكوب صغير؛ بل إن بعضها – كالثريا والقلائص في كوكبة الثور – يمكن رؤيته بالعين المجردة، والبعض الآخر يمكن اصطياده عبر نظارة معظمة صغيرة، لذلك يجب أن تضع في خطتك مكانًا واسعًا لها، خصوصًا أنها واحدة من أروع المشاهد السماوية.

اقرأ أيضًا:

علم الفلك بدون أدوات: كيف تراقب السماء بعينيك فقط؟

علم الفلك للنظارات المعظمة

أهداف ممتعة

يمكن لتلسكوب صغير أن يرى تجمع «الثريا» كاملًا ضمن مجال رؤيته، سوف يظهر كمجموعة ضخمة من اللآلئ تميز منها تسعة نجوم واضحة، يضم التجمع نجومًا شابة زرقاء ساخنة، حوالي 400 نجم، تكونت كلها في الوقت نفسه تقريبًا من سحابة سديمية واحدة قبل حوالي مائة مليون سنة. يمكن أن ترى الثريا بسهولة أعلى نجم الدبران في كوكبة الثور، ويقف النجم نفسه في شكل من النجوم يشبه حرف V، هذا هو تجمع القلائص، وترى القلائص والثريا بالعينين المجردتين، لكنهما أكثر روعة في تلسكوب صغير.

صورة بديعة لتجمع الثريا، لاحظ بقايا السحابة التي لاتزال تحيط نجوم التجمع، بعد عدة ملايين من السنوات ستختفي تمامًا، ومع الزمن سيبتعد نجوم التجمع عن بعضهم البعض.

كذلك فإن أحد التجمعات اللافتة للانتباه، ويمكن مع بعض التركيز أن تمسك بها عبر عينيك المجردتين، هي تجمع بطليموس أو M7، في كوكبة العقرب، تحديدًا في منتصف المسافة بين نجم «الشولة» وبرَّاد الشاي من كوكبة القوس. يظهر التجمع كأنما قد وقعت عيناك على جواهر لامعة في مساحة صغيرة، يحتوي التجمع على 80 نجمًا خلال مساحة ضيقة (حوالي درجة وربع فقط)، ورغم لمعانه الواضح فإن تجمع بطليموس يقع على مسافة حوالي 1000 سنة ضوئية وبعرض 25 مجموعة شمسية كتلك التي نعيش فيها، هل تتخيل ذلك؟!

يمكن أن تجد تجمع بطليموس في النقطة الواقعة بين كوكبتي العقرب والقوس

ربما يكون التجمع الأقرب لي وللكثيرين من الهواة هو تجمع القفير (Beehive) في كوكبة السرطان، يقع تحديدًا بين النجمين جاما ودلتا في الكوكبة، وذلك لأن نجومه تتخذ شكلًا متميزًا حينما تنظر ناحيتها بتلسكوب صغير. يبتعد السديم عنَّا حوالي 500 سنة ضوئية، وهو بذلك يعد من أقرب التجمعات لنا، يقع في قلب الكوكبة، وكثيرًا ما يقترن مع القمر، يمكن استغلال ذلك كفرصة للتعرف على مكانه، ثم محاولة اصطياده في وقت لاحق، تتجمع نجوم السديم الأضخم والأكثر كثافة في مركزه، بينما تقع النجوم الأقل كتلة في الأطراف.

تجمع بطليموس يلمع كألعاب نارية في معرض حزام المجرة، لاجظ كثافة النجوم وكذلك السدم المظلمة القريبة، إنه واحد من أروع المشاهد في تلسكوب صغير

آخر ضيوفنا في التجمعات المفتوحة هو التجمع النجمي المزدوج، أعلى كوكبة برشاوس (NGC 869 + 884)، يتكون من تجمعين نجميين مفتوحين، يمكنك الوصول لهما بكل سهولة بالنظارة المعظمة، وسوف تكون الصورة أكثر روعة مع التلسكوب الصغير. سوف يكون ممتعًا أن تحاول التعرف على التجمع الأكبر عمرًا بينهما، عبر ملاحظة أن التجمع القريب لبرشاوس يحتوي على 3 نجوم حمراء، إنها عمالقة قديمة في نهاية أعمارها، في حين لن تلاحظ أي نجوم حمراء في التجمع الآخر، إن نجومه صغيرة في السن.

لرصد التجمع المزدوج ابدأ بالبحث عن ذات الكرسي

الآن دعنا نشير إلى أن التجمعات النجمية M36، M37، M38 من كوكبة ممسك الأعنة، هي كذلك فرصة رائعة لتلسكوب صغير أو نظارة معظمة، التجمع M37 تحديدًا هو أكثرهم لمعانًا ووضوحًا، بل يمكن مع بعض التركيز أن تراه بعينين مجردتين في سماء حالكة.

الاسمالقدر الظاهريالكوكبة
NGC 10395.2حامل رأس الغول
NGC 21685.1التوأم
M414.5الكلب الأكبر
M676.9السرطان
M64.3العقرب
M235.5القوس
M11 عنقود البط البري5.8الترس

مجموعة أخرى من التجمعات النجمية المفتوحة سهلة الرصد

أقدم شيء في الكون

قبل الرحيل دعنا نلتفت قليلًا إلى التجمعات أو الحشود الكروية Globular Cluster، وهي النوع الآخر من التجمعات النجمية، لا علاقة لها بالسدم، ولا نعرف بعد سبب تكونها. تضم تلك التجمعات عددًا هائلًا من النجوم المكدسة بالقرب من بعضها البعض، يزداد تكدسها كلما اقتربنا من مركزها (على غير عادة التجمعات المفتوحة). تبدأ أعداد النجوم في تلك التجمعات من العشرات وقد تصل إلى مئات الآلاف من النجوم في التجمع الواحد، وربما يصل قطر التجمع الواحد إلى 160 سنة ضوئية، أي أنه بعرض 150 مجموعة شمسية!

لا تقع تلك التجمعات ضمن المجرة نفسها لكنها تنتشر في هالة المجرة، وتدور في مدارات بيضاوية حول مركز المجرة. التجمعات الكروية من أقدم الأجرام في الكون، ربما أقدم من بعض المجرات، قد تصل أعمار بعضها إلى 15 – 17 مليار سنة، ذلك بالتحديد ما يجعلها مثيرة للأهمية بالنسبة لي، حينما تلقي نظرة على تجمع عنقودي خلال تلسكوب ما فأنت تنظر الآن لشيء قدمه من قدم الكون نفسه، هذا هو تحديدًا ما يدفعني لرصدها وتأملها من حين لآخر.

يمكن أن تجد الحشد الكروي M13 بسهولة ضمن أضلاع هرقل

أشهر تجمع كروي – بالنسبة للوطن العربي – سيكون بالطبع التجمع M13 في كوكبة هرقل، ويقع تحديدًا على أحد أضلاع الشكل الرباعي المميز للكوكبة، وهو دائمًا هدف جيد للتلسكوبات المتوسطة حيث تظهر نجومه بوضوح، لا تستطيع التلسكوبات تحت 6 بوصات تحديد شكل التجمع بوضوح؛ بل يظهر كغمامة خفيفة.

سنة 1974 أرسل مرصد أريسيبو بـ بورتوريكو رسالة راديوية تجاه التجمع، تضم الرسالة معلومات عن الحمض النووي البشري، والأعداد الذرية في الذرات، وموضع الأرض بالنسبة للمجموعة الشمسية، عسى أن تلتقطها أي صور للحياة العاقلة يومًا ما، من المفترض أن الرسالة وصلت في نقطة ما خلال التسعينيات من القرن الفائت؛ لأن التجمع يبتعد عنا أكثر من 22 سنة ضوئية، من أجل التواصل معنا سيحتاج كائن عاقل هناك لإرسال رسالة أخرى كان من المفترض أن تصل للأرض في العقد الحالي، لكنها لم تفعل.