تزامن عدم صعود منتخبات إيطاليا وهولندا ذات التاريخ الكروي العريق في تصفيات كأس العالم هذا العام، وخروج ألمانيا حاملة اللقب من الدور الأول من النهائيات، مع صعود واضح في المقابل للمنتخبات الأوروبية التي تضم في صفوفها عددًا كبيرًا من المهاجرين أو من ذوي الأصول المهاجرة كبلجيكا وفرنسا وإنجلترا.

يثير هذا الصعود الكثير من التأمل، حيث يعكس في المقابل حقيقة أخرى متزامنة تحدث على المستوى السكاني، وهي الشيخوخة والموت الديموغرافي للشعوب الأوروبية البيضاء، والدماء الجديدة التي تسير في أوصال القارة العجوز القادمة من جنوب المتوسط.

تدب الشيخوخة في أوروبا بوتيرة هي الأسرع عالميًا، حيث يزداد عدد المسنين بوتيرة مرتفعة، بينما تقل معدلات الخصوبة ونسبة المواليد.وتبين إحصاءات نشرتها الوكالة الأوروبية للإحصاء «يوروستات» في هذا الإطار، تسجيل أوروبا أعلى معدلات المسنين فوق سن الثمانين عامًا، بحيث يكون واحد من بين كل عشرين شخصًا في أوروبا هو من منتسبي تلك الشريحة العمرية.

طبقًا ليوروستات، سيتراجع عدد سكان ألمانيا، القاطرة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، من 82 مليون نسمة إلى 74.7 مليون بنهاية عام 2050 في حال عدم حدوث تغير في مستويات الهجرة. كما تذهب بعض التقديرات إلى الأسوأ، حيث تتوقع انخفاض عدد سكان ألمانيا إلى 65 مليونًا بحلول عام 2060.

وفي دراسة تم نشرها في يوليو/تموز 2014، خلُصت الوكالة أيضًا إلى أن الدول الأوروبية كلها، ما عدا فرنسا وبريطانيا، ستبلغ مرحلة الانحسار السكاني في العقد القادم. حيث يتوقع أن تخسر دول الاتحاد الثماني والعشرون 41 مليون نسمة من مجمل سكانها البالغ عددهم خلال العام الذي نشرت فيه الدراسة 507 مليون نسمة.

يحدد حساب عدد من تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا، مقارنة بعدد من تتراوح أعمارهم 65 عامًا أو أكثر، مؤشر عبء الإعالة المُلقى على عاتق القوى العاملة الفعلية في المجتمع. حيث كلما زاد المعدل، ارتفعت قدرة المجتمع على تحقيق نمو اقتصادي بسبب توافر اليد العاملة. والعكس، حيث يمثل تحدي ارتفاع ما يسميه خبراء الديموغرافيا بـ «معدل الدعم المحتمل»، حيث انخفاض العدد يعني «انخفاض عدد السكان في العمر الإنتاجي».

جدير بالذكر هنا أن القارة الأفريقية تتصدر قائمة هذا المعدل، الذي ينخفض تنازليًا بعد ذلك في آسيا وأمريكا اللاتينية، ليصل بعد ذلك إلى مستوى قياسي من الانخفاض الدراماتيكي في القارة الأوروبية.


الهجرة كحل حتمي

توقعت دراسة قام بها فرع الأبحاث حول إدارة الثروات في «اتحاد المصارف السويسرية» (UBS) في زيورخ أن تؤدي الشيخوخة الديموغرافية في الدول الصناعية إلى تراجع معدل نموها لا محالة، كما حذرت المفوضية الأوروبية في بروكسل العقد الماضي من أن الشيخوخة الديموغرافية في دول الاتحاد الأوروبي ستؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي وارتفاع النفقات بصورة حادة.

فالارتفاع المتواصل لمعدلات الأعمار في أوروبا تعني أنه لن يتوفر في سوق العمل بعد ذلك سوى شخصين في سن العمل، بدلاً من أربعة في مقابل كل شخص مُسن بحلول عام 2059. ولذلك إذا لم تتغير السياسات، ترى المفوضية أن نسب النمو المحتملة في الاتحاد الأوروبي قد تتراجع للنصف بحلول 2030.

يترتب على شيخوخة المجتمع في أوروبا ارتفاع مطرد في المخصصات الموجهة للنظام الصحي لكبار السن من تأسيس للمستشفيات ومراكز الرعاية، وتوظيف أطباء وأطقم تمريض، وضخ مبالغ مالية لدعم منظومات الرعاية الاجتماعية المخصصة لرعاية المسنين، كما أن لذلك تداعيات مالية تتمثل في الارتفاع المستمر في أموال المعاشات التي تُدفع للمتقاعدين. كما يترتب عليها تداعيات اقتصادية أخرى وخيمة تتمثل في انخفاض الإنتاجية، وارتفاع تكاليف العمالة، وتأخر توسع الأعمال التجارية، وانخفاض القدرة التنافسية الدولية، وتقلص نسبة الأموال المتاحة للادخار والاستثمار.

في مواجهة هذا الخلل الديموجالدي وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية، تكاد الهجرة الأجنبية تصير حتمية لإنقاذ قارة أوروبا من التناقص الملحوظ في عدد السكان، والمساعدة في سد حاجتها إلى الأيدي العاملة الشابة، لتعويض ذلك النقص.


تحولات البنية الديموغرافية والثقافية في أوروبا

موجات اللاجئين السوريين الزاحفين الى أوروبا بحرًا وبرًا؛ هذا الطوفان البشري الزاحف من الجنوب والشرق باتجاه الشمال والغرب، أحدث صدمة في الدول الأوروبية التي استفاقت على مشهد «توراتي»، ليس له نظير إلا في كتب التاريخ يوم سقطت الإمبراطورية الرومانية في الغرب، فزحفت نحوها جحافل من «البرابرة الهونيين» المتمددين من تخوم الصين عبر السهوب اليوراسية الواسعة باتجاه بلاد المجر، المفترق ذاته الذي تتوزع منه الآن الموجات البشرية الزاحفة من الجنوب البائس والمضطرب.
ريموند عطا الله (صحافي لبناني)

في دراسته «الهجرة والتغير العرقي في البلدان ذات الخصوبة المنخفضة: تحول ديموغرافي ثالث»، يقول الديموغرافي البريطاني دافيد كولمان إن معدل المواليد الانتحاري في أوروبا، بالإضافة إلى تكاثر وفود المهاجرين بشكل متسارع، يمثل تحولاً في الثقافة الأوروبية، حيث يتزامن في الواقع انخفاض معدل خصوبة الأوروبيين الأصليين مع إضفاء الطابع الإسلامي على القارة.

في السياق ذاته،يقول عضو البرلمان البريطاني «جوناثان ساكس»: «إن انخفاض معدلات الولادة قد يعني نهاية الغرب». فأوروبا في شيخوختها الراهنة لم تعد تجدد أجيالها، وعوضًا عن ذلك ترحب بأعداد هائلة من المهاجرين من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا تستبدل الأوروبيين الأصليين، ويأتون بثقافات مغايرة جذريًا في القيم التي تتعلق بالجنس والعلم والسلطة السياسية والثقافة والاقتصاد والدين، لقيم ثقافة الأوروبيين البيض.

يعلّق «جوليو ميوتي»، المحرر الثقافي لجريدة إي إي فوجليو الإيطالية، على ذلك بقسوة من خلال وصفه أوروبا بأنها «قارة ملحدة وعقيمة، محرومة من الآلهة والأطفال لأنها هجرتهم ونبذتهم»، فهي لن تتمتع، على حد قوله، بقوة تكفي لقتال أو لاستيعاب حضارة تتسم بالحماسة والشباب، قاصدًا هنا بتلك الحضارة: الإسلام.

لإعطاء فكرة عن سرعة وتيرة التغير الديموغرافي الذي يحدث الآن في أوروبا،تشير أحدث الإحصائيات المستخلصة من تعداد السكان في عام 2011 في بريطانيا على سبيل المثال إلى أن هنالك أطفالاً مسلمين أكثر من المسيحيين يكبرون الآن في ثاني أكبر مدن إنجلترا؛ برمنغهام. فمن بين 279 ألفًا من الشباب، تم تسجيل 97 ألفًا منهم كمسلمين، بينما بلغ عدد المسيحيين 93 ألفًا فقط، وكانت البقية من ديانات أخرى مثل الهندوسية أو اليهودية، أو ملحدين. هذا فضًلا عن بروز اتجاه مماثل في مدن مثل برادفورد وليستر وبلدات لوتون في بيدفوردشاير وسلاو في بيركشاير، فضًلا عن ضواحي لندن نيوهام وريد بريدج وتاور هاملتس، حيث ما يقرب من ثلثي الأطفال هناك من المسلمين.