لا يجد المشاهد مللاً ولا لممًا في متابعة أحداث مثيرة على الشاشة تجري بالموازاة لأحداث أخرى رآها ويتابعها على سطح واقعه المعيش، بل لا يجد أدنى ضرر يذكر في تخيّل المصير المجهول تارة أو سوداوية النهاية تارة أخرى.

والمألوف في مثل هذا هو دور الدراما في الانتصار لإحدى المصيرين المتخيلين.

تبدأ أحداث الفيلم المأزومة بانتفاضة شعبية في مصر ويجد أبطاله أنهم مأزومون من البداية، ولا تلبث أن تتسرب أزمة 25 يناير إلى كل المحيط النفسي والاجتماعي المصري، لا سيما بعد أن خرج المسجونون وأصحاب السوابق ليشكلوا خطرًا ليس فقط على استقرار الدولة بل على منظومة العلاقات الاجتماعية والإنسانية والقيمية السائدة.

من هنا يختار المخرج خالد الحجر مخرج فيلم «حرام الجسد» أن ينطلق من العام إلى الخاص في جدلية نمطية تشد إليها الدراما السينمائية، وعلى نحوِِ بارع أمكنه أن يصور حقيقة المأزوم النفسي لبطلي الفيلم «علي» و«فاطمة» اللذين اضطرا أن يذهبا إلى طريق الحرام بدافع الحب تارة وبدافع الغريزة أحيانًا كثيرة، لينتهي بهما المطاف إلى قتل نفس بريئة وهي «حسن» في مصير مأساوي، وبخطى سريعة دون أن يشعرا.

بينما يقف دور مراد «البيه» صاحب المزرعة دورا كاشفًا عن أبعاد الصراع الذي استطاع -منذ البداية- أن يحركه لصالحه، وأن يستفيد من نهايته بشكل أو بآخر بموت كل الشخصيات المحورية في الأحداث على نحو دراماتيكي لم يكن لولا مساعداته التي دفعت حركة الخطيئة للمضي تمامًا لصالحه من جميع المناحي النفعية.

ومن هنا ودون محاولة للتطرق لتفاصيل الفيلم أو حرق أحداثه.

نحاول أن نفهم نذرًا من الجوانب الإخراجية والسينارستسية التي انتقلت بنا إلى هذه النهاية تحديدًا فيما يشبه الأساطير اليونانية التي يموت فيها البطل.

دون التوصل إلى الجاني وكأن القضية مغلقة منذ البداية.

ويتأتى ذلك الكشف من خلال التطرق إلى أبعاد شخصية «البيه» صاحب المزرعة والذي يمثل بالطبع طبقة الأعيان، أو ما يمكن أن ندعوه البرجوازية العليا وهي تقريبًا الطبقة التي تحتل مكانة متوسطة بين الطبقات الأرستقراطية المتحكمة وبين البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، وهي الطبقات الفعلية التي تعاطفت مع الانتفاضة.

تظهر هذه الشخصية منذ بداية الأحداث في حالة من القلق الملح تجاه الانتفاضة خوفًا على مصالحها المالية والسياسية، واحترازا من مجرد التغيير الذي ينادي به الأجيال الصاعدة والتي كان من ضمنها شخصية «ابن البيه» الذي يمثل واحدًا من شباب الثورة معاكسًا لرغبات أبيه.

وفي الخلفية من كل ذلك كانت أحداث هروب المحبوسين في السجون والأقسام تهدد المجتمع والدولة، في هذه الأثناء يخرج حسن أحد المحكوم عليهم بالإعدام لائذًا بمزرعة البيه التي يحرسها ابن عمه علي ومعه زوجته فاطمة حبيبة علي القديمة التي تورط من أجلها في حادث قتل أدخله السجن؛ مما حال بينهما لينتهي المطاف بفاطمة زوجة لـ «حسن» الغفير الريفي الطاعن في السن لا ابن عم علي.

وبعودة حسن تتحول فاطمة من شخصية مستقرة إلى شخصية قلقة تترقب بنوع من القلق عشيقها القديم، ودونما جدوى من الاثنين في المقاومة يسقطان برغبتهما وحبهما المشتعل -من قديم- في أسر الخطيئة، لا سيما في ظل عجز زوجها حسن عن الوفاء باحتياجها الجنسي إلا بعد تناول المنشطات التي يجلبها له «مراد» صاحب المزرعة.

ويبرز هنا دور مراد صاحب المزرعة بعد أن يشاهد فاطمة ليلاً وهي تذهب إلى غرفة “علي” ليقعا في الإثم، وبدلا من أن يهم بفضحهما تغاضى عن ذلك.

يتعرض حسن إلى نوبة قلبية ليلاً فتفزع فاطمة لتنادي على علي فيهرع علي لإنقاذه، لكن سرعان ما يحركه شيطانه إلى كتم أنفاسه بالتعاون مع فاطمة التي لم تكن راضية بزواجها منه لكنها لم تكن تكرهه وساعدت علي كارهة تحت ضغط حبها له.

يرفض مراد صاحب المزرعة أن يحرك ساكنًا بعد ما حصل، وبدلاً من أن يستدعي الشرطة ويصارحها بحقيقة ما علمه من العلاقة بين فاطمة وعلي، يستدعي الطبيب صديقه لاستخراج تصريح الدفن وتشييع الضحية المغدور، بل وإمعانًا في التغطية على خطيئتهما همّ بتزويجهما، لتبدأ ممارساته الدنيئة مع فاطمة بعد أن استدعاها إلى غرفة نومه وصارحها بخيانتها لزوجها ومن ثم ابتزازها لتمارس معه الرذيلة، وهنا يظهر الجانب الأسطوري في الفيلم الذي يستهوي المخرج «علي الحجري»، فقد جعل من شخصية “مراد” شخصية سلطوية متحكمة تلفها اللعنات وتصدرها لغيرها، فبدلاً من أن يستغل سلطته في فضح هذه الخطيئة منذ البداية كان مهندسًا لها حتى النهاية التي أفضت إلى موت الشخصيات الثلاث المحورية حسن وفاطمة وعلي على نحو مأساوي بينما بقي هو متربعًا في النهاية.

وفي مشهد النهاية هذا إسقاطات عديدة ورموز وإشارات شتى لفشل ثورة يناير، وتحكمات المال والسلطة التي قادتها للإجهاض، وغير ذلك من الأسباب والمبررات التي ساقها المصريون كافة، أو ربما هي لعنة الأسطورة التي تودي بكل من يحاول أن يغير العالم فينقلب عليه سحر التغير.

ولعل أكثر هذه الرموز حيوية هي شخصية فاطمة الفتاة الريفية السمراء المغلوبة على أمرها، والتي يطمع الجميع في جسدها، والتي تشبه كثيرا “مصر” الضائعة بين أبنائها وحكامها الطامعين في خيراتها.

ومن الملفت أيضًا في مشهد النهاية ظهور الطفل حديث الولادة الذي وضعته فاطمة قبل أن تموت، وهو ربما يرمز إلى أجيال جديدة آتية سيكون بوسعها أن تغير الظروف و تصنع عالمًا جديدًا.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.