محتوى مترجم
المصدر
Jacobinmag
التاريخ
2018/02/23
الكاتب
IAN STEINMAN

في الخامس والعشرين من مارس/آذار 1976، وصبيحة الانقلاب العسكري الذي أدى إلى وصول الدكتاتور الأرجنتيني السفاح الجنرال فيديلا إلى السلطة، قام أحد مديري خط الإنتاج لشركة فورد للسيارات باستدعاء ممثلي النقابة العمالية للاجتماع. وقام غييرمو غالاراغا ومدير شئون العاملين مع واحد من المسئولين العسكريين بقراءة بيان رسمي يطالب الموظفين بتناسي مطالب النقابة، وأكمل غالاراغا قائلًا: «لقد انتهت المشاكل، وأصبحت شركة فورد هدفًا وأولوية للجيش».

وصف المحامي توماس كوينتانا، الوكيل الحالي لهؤلاء العاملين، هذا المشهد الذي استمر في مصنع فورد طوال الأسابيع التالية لهذا اليوم قائلًا: «تم اختطاف الأغلبية أثناء العمل في خط الإنتاج، وأجبروهم تحت تهديد السلاح على المشي هكذا بين العمال الآخرين ليعتبروا بما حدث لممثلي نقابتهم. وهذا بث الرهبة في مقر العمل، مؤديًا لدرء مطالبهم حول زيادة المرتبات، ظروف العمل، أو أي شيء آخر».

وقد وصف كارلوس بروباتو كيف اختطفه العسكريون في الثالث عشر من أبريل/نيسان، إذ أُخذ هو وأربعة عمال آخرون إلى مركز ترفيهي. وما كان قُدِّم للعمال كمكان للاجتماعات أو كمساحة للتنظيم تحول إلى واحدة من العديد من ساحات للتحقيق والتعذيب على أيدي الديكتاتورية العسكرية الجديدة. تعرّض كارلوس للتعذيب من الحادية عشرة صباحًا إلى الحادية عشرة مساءً، هذا بالإضافة إلى الضرب الذي استمر منذ لحظة اعتقاله، كما قاسى عذاب الصعق الكهربائي المشهور بارتباطه بالشرطة والجيش في الأرجنتين. كان المحققون يوصلون البث الكهربي في أعضاء ضحاياهم التناسلية وأعينهم وشفاههم، وكل منطقة يمكن أن تتسبب لهم بأكبر قدر ممكن من الألم والمعاناة. وأوضح بروباتو كيف أنه تعرّض للصعق الكهربائي حتى أصيب بسكتة دماغية أثّرت على صحته حتى اليوم.

وعند اختطاف عامل، كانت فورد ترسل مذكرة بفسخ عقد العمل بحجة التغيب عن العمل. وفي حالة بروباتو، فقد تلقى ذووه هذه المذكرة بينما كان هو يُعذب في المصنع، وقد رفضت فورد محاولات الجدال التي تلقوها في أمر احتجاز العمال في المصنع.

تم نقل بروباتو من معتقل مصنع فورد إلى مخفر الشرطة، ثم قاسى أربعين يومًا من «التعذيب اليومي، الجوع، الدناءة. لقد فقدت عينًا، وكسروا إحدى فقرات ظهري». أطلق سراح البعض بعد شهور قليلة، ولكن بروباتو لم يُطلَق سراحه إلا بعد سنتين من السجن. لم تنته المحنة ها هنا، فقد أصبح معاقًا نتيجة للتعذيب الذي عاناه وأصبح من شبه المستحيل أن يجد عملًا. ورغم التعذيب والحبس والبطالة، فقد بدأ كفاحًا طويلًا للحصول على العدالة التي بدأت بوادرها تظهر الآن.


تمرد العمال

وها هي نتيجة العمل بصبر تقترب من الدعوى القضائية المرفوعة على بعض المسئولين في الشركة بعد أكثر من أربعين سنة. وستكون المرة الأولى في تاريخ الأرجنتين التي يُحاكم فيها مديرو واحدة من الشركات العالمية لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية. واتُهم اثنان من مديري الشركة، وهما بيدرو مولر وفرانسيسكو سيبيلا، والجنرال السابق سانتييغو ريفيروس، باختطاف وتعذيب 24 من العمال. شارك سانتييغو سيبيلا – مدير أمن الشركة – في واحدة على الأقل من جلسات التعذيب واقتراح الأسئلة على المحققين، أما بيدرو مولر، فقد كان مدير التصنيع والرجل الثاني في مصنع فورد. كما كان كل من رئيس الشركة ومدير شئون العاملين متهميْن في القضية، لكنهما ماتا قبل تقديم القضية.

وتاريخ التعاون القائم بين مؤسسة فورد والدكتاتورية واضحٌ، وبشكل مؤكد، فقد استضافت مركزًا للاستجواب العسكري على أرض من ممتلكات المصنع، وأمدّت العساكر ببطاقات هوية الموظفين وساعدتهم على كتابة قائمة بنشطاء النقابة واليساريين. وبينما القضية تمضي قدمًا نحو حق العمال الأربعة والعشرين، فإن جرائم الدكتاتورية وفورد لم تكن انتهت هنالك. وحيث من الصعب تحديد الرقم بالضبط، فإنه قد تم توثيق الاختفاء القسري – القتل – لما لا يقل عن خمسة عمال لدى فورد.

ومثل كثير من الشركات المحلية والعالمية في هذه الفترة، فقد ساعدت فورد على تعزيز العسكر ودعمهم والتعاون معهم لإبادة نشطاء النقابات. وما حدث في المصنع كان بالضبط نمطًا من أنماط الإرهاب المدعوم بواسطة الشركة. وبالتعذيب والإرهاب، وبالتهديدات الحقيقية بالقتل على أيدي الدكتاتوريات، نجحت فورد في القضاء على نشاط العمال وضمان أرباحها.

وكان عمال فورد بالإضافة لغيرهم من العمال في البلاد في السبعينيات أنصارًا لحركة قوية من حركات العمال، وبدأت موجة من التنظيم تدور حول مشاكل أمن العمال. وكان العاملون بقسم هيكلة السيارات يموتون إثر التسمم بالرصاص وسرطان الرئة والأبخرة السامة التي يتعرّضون لها في خط الإنتاج، وعندما كانوا يمرضون بشدة للدرجة التي تمنعهم من العمل كانت الشركة تقوم برميهم بالرصاص وتعويض عائلاتهم بمبلغ بالكاد يكفي تغطية تكاليف جنائزهم.

وأثناء بناء تنظيم للعمال للكفاح من أجل الحصول على احتياجاتهم الصحية والأمنية الأساسية، فقد وجدوا أنفسهم في صراع ضد الجهتين: الشركة، وقيادة جماعتهم. وكما صرح بروباتو في أحد اللقاءات: «كانت البيروقراطية النقابية هي الخائن الأكبر في هذه الفترة». وكانت حكومة ما قبل الانقلاب بقيادة إيزابيل بيرون قد تحصلت على أقوى دعم بين قيادات البيروقراطية النقابية. وكان هناك تمدد غير مسبوق لـ «الثلاثي A»، وهو تنظيم من قوى متحالفة لمناهضة الشيوعية الأرجنتينية لكبح اليسار وحماية الحكومة، وهذا التنظيم كان مسئولًا عن الخطف والتعذيب واغتيال الاشتراكيين ونشطاء النقابة.

نجح العمال المناضلون مثل بروباتو في الضغط على البيروقراطية عبر العمال من أسفل، كما قامت حركة عُمّالية كبيرة من النشطاء ببناء نفسها بنفسها في المنطقة الصناعية لبونيس آيرس، عاصمة الأرجنتين، آخذين حصتهم من الاستقلال الطبقي. وعلى مدى عام 1975، اتحدت هذه الحركة مكوّنة «لجان تنسيق» تجمع عمالًا متحدين في مصانع بونيس آيرس. وفي شهر أبريل/نيسان من نفس العام خرجت واحدة من أكبر مسيرات العمال في التاريخ. وأفصح بروباتو أنه قد تم تأمين يمين المسيرة عن طريق سيطرتهم على شاحنة غاز وإعلام الشرطة بأن أي محاولة لقمع المسيرة ستمزّقهم في أنحاء الولاية.

وتصاعدت هذه الروح بين العمال المناضلين بشكل كبير مع محاولات الحكومة لتنفيذ الإجراءات التقشفية. وفي وقت لاحق من نفس العام، أجبر استياء الجماعات على الدعوة إلى إضراب عام ضد إجراءات التقشف الأخيرة في المدينة المسمّاة «رودريغازو» والمسمّاة على اسم وزير المالية المخلوع صاحب اقتراح الإصلاحات الاقتصادية. وأظهر الإضراب بشكل قاطع أن حكومة إيزابيل بيرون وحلفائها في البيروقراطية النقابية لم يعد بمقدورهم السيطرة على السخط من الطبقة العاملة. وبدأت خطط الانقلاب العسكري على مستويات عالية من النخبة التجارية والعسكرية.


تذكر المذبحة

وكان الإرهاب المندلع عام 1976 على أرض مصنع فورد جزءًا من خطة واعية ومتعمدة لترويع الطبقة العاملة في الأرجنتين وإخضاعها. وكانت إبادة النزعة اليسارية والنقابية عنصرًا أساسيًا من أجل استعادة استقرار الصناعة الرأسمالية في الأرجنتين وربحيتها.

وفي حقبة كان فيها مجرد التلميح للانتماء اليساري حكمًا بالإعدام، فإن حقيقة أن العمال الأربعة والعشرين الذين تم تعذيبهم تم إطلاق سراحهم في نهاية المطاف تعكس اعتراف الحكومة بكونهم مجرد «نشطاء نقابيين». وكان هدف التعذيب هو بث الإرهاب ليصبح الأمر واضحًا لدى العمال عندما يرون زعماء الجماعات الذين يخرجون تحت التهديد المسلح، أن مقاومة الاستغلال هي حكم محتمل بالإعدام. فإذا اشتكوا، أو إن قاموا بأي تنظيم، فمن الممكن أن يكون دورهم هو التالي.

وتؤكد قضية فورد التعاون النشط الذي قامت به الشركات متعددة الجنسيات في الفظائع المروّعة التي ارتكبتها الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين. وكان هذا هو الهدف الحقيقي للتدخل العسكري: إطلاق حملة غير مسبوقة من الإرهاب الحكومي في أماكن العمل في جميع أنحاء البلاد. وتمت منذ ذلك الوقت مقاضاة بعض العسكريين المسئولين بشكل مباشر عن معسكرات الاعتقال والتعذيب والاغتيالات الجماعية لليساريين. ومع ذلك، فإن الثروات التي تراكمت على هذا الأساس الرمادي بقيت كما هي دون مساس.

الرئيس الأرجنتيني الحالي موريسيو ماكري، مثله مثل غالبية النخبة بالوراثة في الأرجنتين، ليس استثناءً. ازدهرت تجارة ماكري من سبع شركات في عام 1973، خلال الانفتاح الديمقراطي الصغير، إلى سبعة وأربعين في نهاية تلك الدكتاتورية. وقد صنع ثروةً من عقود البناء والخصخصة الرئيسية، وكل منها تطلّب علاقات وثيقة مع المسئولين العسكريين للتأمين. وفي عام 1982، تكفّلت الدولة بـ 180 مليون دولار من الدين الخاص بالمجموعة.

تلعب هذه القضية دورًا مهمًا في إلقاء الضوء على التعاون النشط بين الشركات متعددة الجنسيات والإرهاب الذي أطلقته الدكتاتورية العسكرية. وفي البيئة السياسية الراهنة، لن يكون أمر ضمان الإدانة سهلًا؛ فقد حاولت حكومة ماكري في كثير من الأحيان تقليص الإبادة السياسية الجماعية. وقد سمح مؤخرًا لأحد المعتقلين العسكريين سيئي السمعة، وهو ميغيل إتشيكولاتز، بمغادرة السجن، وحُكم عليه حكمًا متراخيًا بالإقامة الجبرية رغم أنه ما زال متورطًا في اختفاء خوليو لوبيز، وهو شاهد أساسي في القضية المرفوعة ضده.

ومع ذلك، فإن هذه المحاولة هي بالضبط عبارة عن دفن للماضي وإعلان للنيوليبرالية، ما يجعل الكفاح من أجل العدالة المتأخرة هو الأمر الأكثر أهمية. وقد أكد بروباتو هذه النقطة، كما أظهرها في كفاحه الطويل من أجل العدالة.

نحن ببساطة صفحة في كتاب يروي تاريخًا طال لاثنين وأربعين عامًا بالفعل، من صراع بلا رحمة، وخسرنا في طريقه كثيرين. ولكن المهم هو إخبار الأجيال الجديدة عن أهمية أن نكون متحدين، وأننا جميعًا ننتمي إلى نفس الطبقة العاملة وعلينا الاتحاد. إن ما حدث لجيلنا يجب ألا يتكرر، وإن هذه الشركات الكبرى مثل فورد-الأرجنتين، جنرال موتورز، مرسيديز-بنز، لا يمكنها تكرار فعلتها. لذلك فإن الأجيال الجديدة تحتاج إلى العمل متكاتفة، وأن تعرف تاريخ ما حدث في السبعينيات، وأننا لم نكن الأفضل على الإطلاق، لكننا قاتلنا من أجل قضية استحقت هذا القتال.

ولا يزال تاريخ هذا الكفاح بنفس قدر أهميته بالنسبة لنا في الولايات المتحدة أو أوروبا، أو أي من المقرات الرئيسية العالمية لهذه الشركات المتعددة الجنسيات. وبينما نعمل على إعادة بناء الحركة العمالية، فعلينا أيضًا استعادة التضامن الدولي الذي تقوقع على ذاته. وفي المرة القادمة التي تقوم فيها شركات مثل فورد بإطلاق الإرهاب على إخواننا وأخواتنا في الخارج – سواء في الأرجنتين، أو غالبًا في هندوراس أو مصر في يومنا ذاك – علينا أن نأخذ هذا التاريخ في الاعتبار، ونستعد للنضال دفاعًا بكل سيطرتنا.