محتوى مترجم
المصدر
فورين أفيرز
التاريخ
2015/10/01
الكاتب
ديان كويل

لكن القيمة المعنوية يمكن أن تتبخر بين عشية وضحاها. وفي الآونة الأخيرة، عانت شركة انرون وبنك ليمان براذرز ومجموعة من الشركات الأخرى من هذا المصير عندما دَمَّرت أعمالهم سمعتهم – وفرص أعمالهم في المستقبل. ولذلك ينبغي أن يكون أي مجلس إدارة شركة مسؤول حريصًا على إيجاد وسيلة لقياس، وبالتالي إدارة، القيمة الحقيقية للشركة التي يُشرف عليها، بما في ذلك مكوناتها غير الملموسة والزائلة في بعض الأحيان.

ورغم وجود الكثير من المجالس والمديرين التنفيذيين لا يزال يُنظَر إلى إدارة السمعة باعتبارها في الغالب مسألة علاقات عامة، بدلًا من أن تكون عنصرًا مركزيًا في أعمالهم.

لإنقاذ الرأسمالية المعاصرة من قصر النظر الخطير هذا، يقترح كتاب جين جليسون وايت الثاقب «رؤوس الأموال الستة» مجموعة غير عادية من الأبطال المحتملين: المحاسبون، الذين يمكنهم التقاط وتحديد العوامل التي تحدد سمعة الشركة، وبالتالي قيمتها المالية قصيرة الأجل للمساهمين، و قيمتها طويل الأجل للمجتمع. وإن «صورة حقيقية وعادلة» لشركة حديثة، كما تجادل جليسون وايت، لا يجب أن تأخذ في الاعتبار الأصول المالية والمادية فحسب، بل أربعة أشكال أخرى من رأس المال، كذلك: الفكري والبشري والاجتماعي والطبيعي.

قُم بذلك، كما تدعي الكاتبة، وستعرف الشركات وتبلغ عن قيمتها الحقيقية، ومن ثم تعمل بشكل أكثر استدامة. كما لن تكون قادرة أيضًا على إيراد الأرباح أو الأصول التي تعتمد على استنفاد الموارد غير المتجددة، أو التنوع البيولوجي المتلف، أو صب الانبعاثات في الغلاف الجوي، دون تمريرها في تلك الآثار المؤذية. ولن تسع الشركات فقط لدعم أسعار أسهمها وأرباحها الفصلية؛ بدًلا من ذلك، ستلقي نظرة على المدى الطويل لتحقيق أهدافها.


ضبابية الخط السفلي

لا يزال ينظر إلى إدارة السمعة باعتبارها في الغالب مسألة علاقات عامة، بدلا من أن تكون عنصرا مركزيا في أعمالهم

بدأ بناء الاعتقاد في القوى التعويضية للمحاسبة في التسعينيات. كان من أوائل المبشرين بهذه الطريقة في التفكير ميرفين كينغ، وهو قاض من جنوب أفريقيا الذي يظهر كبطل لكتاب جليسون وايت.

في عام 1993، طلب معهد جنوب أفريقيا للإدارة مني كينغ اقتراح تغييرات بشأن حوكمة الشركات في البلاد بحيث تجسد قيم العصر بعد الفصل العنصري. رفض كينغ في البداية، لكنه غير رأيه بعد أن طلب منه رئيس جنوب إفريقيا، نيلسون مانديلا، شخصيًا ذلك.

لقد أدرك مانديلا ذلك، ستحتاج الشركات في مجتمع يشهد تحولًا كبيرًا أن تساهم ليس فقط في النمو الاقتصادي ولكن أيضًا في الاستقرار الاجتماعي.

ساعد كينغ في وضع ميثاق حوكمة للشركات بحيث تدرج المعايير الاجتماعية فضلًا عن المعايير المالية وحيث يطلب من الشركات النظر ليس فقط في مصالح المساهمين ولكن مجموعة أوسع من أصحاب المصلحة أيضًا. بعد نجاحه في جنوب أفريقيا، قام كينغ بتطوير نوع من الحماسة التبشيرية وبدأ في نشر رسالته في جميع أنحاء العالم، وتولى رئاسة المجلس الدولي لإعداد التقارير المتكاملة ليجعل نهجه الذي أدى دورًا رائدًا في جنوب إفريقيا على مستوى مقبول في أي مكان آخر.

لكن كينغ لم يكن الوحيد الذي بدء في بلورة نهج مختلف لمحاسبة الشركات خلال منتصف التسعينيات. كان الآخر مؤيد الحملات البيئية البريطاني جون الكنغتون، الذي صاغ عبارة «بيت القصيد الثلاثي» لوصف إضافة إلى المعايير الاجتماعية والبيئية للتقارير المالية.

في نفس الوقت تقريبًا، أسست منظمتان أمريكيتان غير ربحيتين مبادرة الإبلاغ العالمية، بدعم من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، لإصدار المبادئ التوجيهية لتقديم التقارير عن الآثار البيئية للشركات؛ كتب جليسون وايت أن هذه المبادئ التوجيهية أصبحت «معيار الاستدامة في العالم».

وراء هذه الجهود، والعديد من أشباه هؤلاء، رغبة بين المحاسبين لتقديم مساهمة أكثر وضوحًا في حياة الشركات. «نجد أنفسنا نقضي الوقت لجعل الأثرياء أكثر ثراء، وليس هذا ما كنا نعتزم القيام به في حياتنا»، قال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة محاسبة عالمية كبيرة جدًا لي قبل بضع سنوات. يعرف المحاسبون أنهم يمكن أن يفعلوا أكثر من ذلك بكثير، لأن فعل القياس – وهو ما تقول عليه المحاسبة – يمارس تأثيرًا قويًا على السلوك. «ندير فقط ما نقيس» أصبحت عبارة من كليشيهات الشركات، لكنها دقيقة.

وفي الحقيقة، لا يفكر الناس عمومًا حتى في ما لا قياس، ناهيك عن إدارته. هذا هو السبب في أن المقاييس تهم كثيرًا، والسبب في أن القياسات الاختزالية أكثر من اللازم يمكن أن يكون تأثيرًا ضليليًا. في كتابها السابق، دخول مزدوج، جادلت جليسون وايت بشكل مقنع أن المحاسبة هي المسؤولة عن حقيقة أن الربحية قد أصبحت المقياس الوحيد للنجاح التجاري، وعن دفع كل المقاييس الأخرى خارج الصورة مما يؤدي إلى تفير قصير النظر يمكن أن يجعل من الصعب تقييم الجدوى المستدامة لقطاع الأعمال.

ومن العلامات الصغيرة على الابتعاد عن هذا النموذج الاختزالي ظهور «مؤسسة المنفعة» في السنوات الاخيرة في الولايات المتحدة أو ما في حكمها في بلدان أخرى. منذ أن قاد ماريلاند الطريق في عام 2010، مرت 30 ولاية أمريكية بتشريعات تخلق فئة خاصة للشركات التي تسعى صراحة ورسميًا لتحقيق بعض الأهداف الاجتماعية أو البيئية.

هناك الآن 1500 من بعض هذه الشركات في الولايات المتحدة، بما في ذلك عدد من الشركات الناجحة، مثل باتاغونيا، وهي ماركة شعبية في الملابس والمعدات. وتلتزم هذه الشركات بمجموعة محددة من المعايير المحاسبية، ونظام استثمار تقييم الأثر العالمي، والذي يقيس آثارها البيئية والاجتماعية.


ثمن على الطبيعة

البيئة الطبيعية إما لها حرمة أو لا، وإذا لم يكن لها حرمة، فمن المنطقي محاولة تقدير حجم المبادلات التي تشارك في تغييرها

وفي الوقت نفسه، بدأت شركات التداول العام كلها تقريبًا إيراد بعض المؤشرات عن أثرها البيئي والاجتماعي، على الرغم من أنه في بعض الأحيان يكون ذلك مجرد «تبييض» بدلًا من أن يكون جزءًا من محاولة حقيقية لتوسيع وجهات نظرهم بشأن التكاليف والفوائد التي تقدم للمجتمع. والمشكلة هي أنه حتى مع جهود جادة لدمج هذه العوامل ثمة معضلة فلسفية أكبر: هل ينبغي تسييل الطبيعة؟

يمكن لوضع ثمن على الطبيعة أن يحقق نتائج هامة في مجال حماية البيئة. في عام 1997، بدأت كوستاريكا دفع ملاك الأراضي لحماية وتعزيز الغابات الموجودة في ممتلكاتهم، ويقدَّم لهم نفس المبلغ للحفاظ على أنهم سوف يتكسبوا من تطهير الأراضي لتربية الماشية. ويتم تمويل هذا البرنامج من خلال عائدات الضرائب والرسوم الجمركية، ومساهمات من شركات القطاع الخاص، مما يعني أنه لا يضيف إلى الدين العام.

بالإضافة إلى الفوائد البيئية أسفرت هذه الخطوة عن انخفاض في معدلات إزالة الغابات، ويترتب على ذلك تحسن في المياه وجودة في الهواء، وتتمتع الحكومة الآن أيضًا بزيادة في العائدات من السياحة البيئية، ويمكن الآن تحويل المزيد من المياه، والحفاظ عليها عن طريق الغابات، لتوليد الطاقة الكهرومائية. بين أواخر الثمانينيات وعام 2010، ارتفع نسبة الغابات المحمية في كوستاريكا من 21 في المئة إلى 52 في المئة، وهو تحسن يعزى في جزء كبير منه إلى البرنامج.

لكن، وكما توضح جليسون وايت، العديد من دعاة حماية البيئة ينتقدون هذه الجهود. «تثمين الطبيعة يخبرنا أنها لاتمتلك القيمة الكامنة، وأنها تستحق الحماية فقط عندما تنفذ الخدمات الخاصة بنا»، هكذا كتب الناشط البيئي البريطاني والكاتب جورج مونبيوت. الفيلسوف السياسي الأمريكي مايكل ساندل يقدم نقطة مماثلة في كتابه الأكثر مبيعًا لعام 2012، «ما لا يمكن شراؤه بالمال»: طرح شيء في السوق يقوض القيمة غير المالية له – في حالة الطبيعية، يمكن القول إن ذلك أكثر أهمية.

للالتفاف على هذه المعضلة، تقترح جليسون وايت أن الكائنات الطبيعية تمنح شخصيتها القانونية: بدلًا من النظر إليها كأشياء سلبية، تُعَد، أو تُعد لأجل شيء ما، سيكون لها حقوقًا قانونية، وستتم حمايتها من قبل المحاكم، فضلًا مع أنصار من البشر. إنها فكرة رومانسية تماًما من شأنها إبقاء فعالية الطبيعة في الوضعية نفسها والحيلولة دون إمكانية التنمية الاقتصادية.

ما هو أكثر من ذلك، من الصعب أن نرى كيف تحل الشخصية القانونية المشكلةَ الفلسفية: البيئة الطبيعية إما لها حرمة أو لا – وإذا لم يكن لها حرمة، فمن المنطقي محاولة تقدير حجم المبادلات التي تشارك في تغييرها.

ويؤكد هذا مشكلة أخرى في محاولة توسيع نطاق محاسبة الشركات نحو مناطق غير المالية. إن الحسابات ذات استخدام محدود عندما يتعلق الأمر بالكشف عن المفاضلات، وخاصة المفاضلات بين المكاسب الحالية والتكاليف المستقبلية.

إنه من الصعب جدًا معرفة ما إذا كانت شركة تفكك إيراداتها المستقبلية للتلاعب بالعملاء في الوقت الحالي. لكن الاستدامة البيئية تتوقف على تلك الأنواع من العمليات الحسابية. بناء مكتب جديد أو جلب منتج جديد إلى السوق لا بد أن يكون له بعض الأثر البيئي، ولكن من الصعب التنبؤ بما سوف عليه يكون ذلك التأثير.

وما يزيد الأمور تعقيدًا أنه غالبًا ما يكون من الصعب قياس مساهمة شركة واحدة في أي أثر بيئي معين. فالسبب في التسرب النفطي شيء من ذلك، حيث يمكن للشركة ربما قياس انبعاثاتها الخاصة أو التلوث الناجم عنها.

لكن كيف ينبغي أن تعطى الحساب الثابت لتكلفة انبعاثات الكربون الخاصة بها عندما يساهم كل النشاط الاقتصادي في ظاهرة الاحتباس الحراري؟ حتى إذا كان يمكن أن تقيس الشركة بدقة جميع النواتج الضارة لهذه الممارسة، كيف يكون من المفترض حساب تكلفة دقيقة لهذه النواتج بحيث تفرض على الجميع؟ كيف يمكن أن تكون العوامل الخارجية مثل تغير المناخ، والتي تنطوي على عمليات واسعة ومعقدة، ممثلة على الميزانية العمومية لشركة واحدة، حتى ولو كانت كبيرة؟

ونظرًا لمدى الصعوبة فقد ثبت أن وضع سعر مستقر معقول للكربون في الأسواق، والنظر في مجموعة واسعة من العوامل التي تدخل في مثل هذه العوامل الخارجية، وأساليب المحاسبة التقليدية ربما لا تصل لهذه المهمة. فلإحداث نوع من التغيير الذي نحتاجه، فإن المحاسبين البطوليين الذين تتصورهم جليسون وايت سيحتاجون إلى تصميم يضع موضع التنفيذ مجموعة جديدة من المعايير الدولية للشركات للإبلاغ عن الآثار الاجتماعية والبيئية إلى جانب التائج المالية.


حركة اييشادي الخضراء

إن ثورة محاسبة سيكون مرغوبا فيها للغاية، ليس فقط بالنسبة للمجتمع ولكن أيضا للمساهمين، على الأقل لأولئك الذين يهتمون بما هو أكثر من سعر الأسهم

حاول محاسبو الشركات الذهاب أبعد من الربح والخسارة في قياس النجاح في القطاع الخاص من خلال الجهود المبذولة لتحسين، أو حتى تجاوز الناتج المحلي الإجمالي، عن طريق الاختزال المتري في كثير من الأحيان، وهو ما تعتمد عليه الدول لقياس اقتصاداتها.

في عام 2008، حدثت الأمم المتحدة معاييرها للمحاسبة في الدخل القومي، بما يسمى نظام الحسابات القومية، من خلال دمج بعض الفئات الجديدة من الأصول غير الملموسة، مثل الملكية الفكرية.

لعدة سنوات الآن، وأطلق عدد من البلدان أيضًا «الأقمار الصناعية» لحساب التغيرات في الأصول البيئية؛ وقد جعل ذلك الإحصاء الرسمي والاقتصاديين يحرزون تقدمًا كبيرًا في قياس ما يسمى برأس المال الطبيعي. وقد اعتمدت بلدان هذه الابتكارات في مختلف الخطوات، وما زال هناك الكثير مما يتعين القيام به من حيث جعل هذه المفاهيم المحاسبية الجديدة عملية.

لكن هناك إجماع في المجتمع الوطني للمحاسبين على أنه يجب أن الحصول على أفضل قياس للاقتصادات المعولمة والمجزأة في العالم المعاصر.

للحكم على رؤوس الأموال الستة، لم يوجد مثل هذا الإجماع بعد عندما يتعلق الأمر بالابتكارات في مجال المحاسبة للشركات. في عام 2009، تعين على «اي اي ار سي» الجمع بين مبادرات الإصلاح القائمة ووضع معايير جديدة، وذلك بهدف إنشاء حساب متماسك من التأثيرات المالية وغير المالية التي تؤثر على الشركة مع مرور الوقت، في لغة واضحة ومفهومة.

وقد قال كينغ أن مثل هذا النهج قد منع هذا النوع من الاحتيال الذي أدى إلى فضيحة انرون. لكن ليس من الواضح لماذا يعتقد كينغ والأنصار الآخرين لهذا النهج أن الكذب بالكلمات والأرقام سيكون أصعب بكثير من الكذب بالأرقام وحدها.

تقر جليسون وايت بأن هناك طريق طويل لنقطعه قبل «الإبلاغ المتكامل». في الوقت الحاضر، إنها إلزامية بشكل ما في عدد قليل من البلدان، بما في ذلك فرنسا وجنوب أفريقيا. ثمة مشكلة واحدة هي أن قلة هم من يفهمون ما تعنية «وسائل التقارير المتكاملة» بعبارات محددة. ومع ذلك، جليسون وايت متفائلة بالممارسات المتطورة، والتي ستكسب التماسك والاتساق مع نشر الإطار والتبني التدريجي، في البداية من قبل الشركات الرائدة»، كما كتبت.

وقد قالت إنها تتوقع أن المحاسبة ستتحرك بعيدًا عن مجرد إبلاغ رسالة في اتجاه واحد للمساهمين وبدلًا من ذلك ستتحرك في اتجاه خلق حوار في اتجاهين مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة.

إن ثورة محاسبة من هذا النوع سيكون مرغوبًا فيها للغاية، ليس فقط بالنسبة للمجتمع ولكن أيضًا للمساهمين، على الأقل بالنسبة لأولئك الذين يهتمون بما هو أكثر من سعر سهم شركة وكيف سيكون في النانو ثانية القليلة المقبلة. سيعتمد هذا التحول ليس فقط على المحاسبين وأفكارهم والمبادرة ولكن أيضًا على تنسيق السياسات الدولية للحفاظ على الزخم من أجل التغيير في معايير الإبلاغ المكلفة قانونًا.

هناك حماس متزايد لقياس وتحديد التكاليف والمنافع. لكن هناك أيضًا العديد من الأشخاص والجماعات المستفيدة من النظام الحالي، وليس أقلهم المديرين التنفيذيين للشركات الذين يعرفون كيف يتعاملون مع التقارير المالية، وجماعات الضغط التي لا شك في أنها ستجادل للإبقاء على المكافآت وخطط الحوافز في الإطار المحاسبي القائم.

ذلك أن تكون بين الإصلاحيين فإنه يجب أن نتوقع معركة: التحدي الفكري لاستبدال المحاسبة المالية التقليدية مهم، ولكن التحدي السياسي للتنفيذ سيكون أكثر صعوبة.