محتوى مترجم
المصدر
Foreign Policy
التاريخ
2015/09/16
الكاتب
آنا بورشافيسكايا

ذكرت تقاريرٌ أخرى عن الحشد العسكري المتزايد لموسكو هناك شحناتٍ إضافية من الأسلحة المتقدمة إلى نظام الأسد، وفريق استشارات عسكرية، ووحدات سكنية مسبقة الصنع أُرسلت إلى مطارٍ بالقرب من مدينة اللاذقية. تؤكد صورة جديدة عبر الأقمار الصناعية حصلت عليها فورين بوليسي حجم الإنشاءات لإستيعاب القوات والطائرات الروسية الإضافية.

إذا كان هناك أي شك بشأن من يقوم بإذكاء هذه الحرب، فإن هناك الآن تقارير تورد أن موسكو تخطط لإمداد الأسد بـ200,000 طن من الغاز النفطي المسال عبر كرش، وهو ميناء في شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا من أوكرانيا في آذار/مارس 2014.

كما هو متوقع،لن يعلق الكرملين على ما إن كانت القوات الروسية تحارب في سوريا. لكن موسكو لا تحاول الاختباء: في التاسع من أيلول/سبتمبر، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: «نحن نمد سوريا بالأسلحة والمعدات العسكرية منذ وقتٍ طويل … ولا نستطيع فهم الهستيريا المعادية لروسيا المتعلقة بذلك الشأن».

بالفعل، ظلت موسكو أقوى داعمي الأسد منذ بداية الانتفاضة السورية في آذار/مارس 2011، حيث دعمت نظام دمشق بالأسلحة والمستشارين والقروض والغطاء السياسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

لكن من الواضح أن هناك تغييرا يجري على التدخل الروسي في الحرب الأهلية. السؤال هو لماذا؟ تتراوح الإجابات ما بين الاستراتيجية البحرية إلى الدبلوماسية الدولية إلى السياسات الداخلية لروسيا.

روسيا أقوى داعمي الأسد منذ بداية الانتفاضة السورية في مارس 2011 حيث دعمته بالأسلحة والمستشارين والغطاء السياسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة

على مدى الأسابيع العديدة الماضية، ظل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يروج لفكرته بشأن «تحالفٍ واسع» لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية – وهي فكرة جعلها الاتفاق النووي الإيراني ممكنة، حسب كبار المسؤولين الروس.

قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في تموز/يوليو إن الاتفاق «يزيل أي عوائق – والتي كانت مصطنعة في أغلبها – في الطريق نحو تحالفٍ واسع لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الإرهابية الأخرى».

إبقاء الأسد في السلطة هو أمرٌ محوري لخطة بوتين. يُتوقع أن تركز كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقتٍ لاحق من الشهر الجاري على هذا الشأن.

إذا نجح بوتين في إقناع العالم بأن روسيا هي شريكٌ لا غني عنه في الحرب ضد التنظيم، فإن ذلك قد يساعد في إنهاء العزلة الدولية التي أعقبت ضم القرم ويُكسب بوتين شرعية عبر توجيه انتباه العالم نحو ما يصفه الرئيس الروسي بحربٍ مشتركة ضد عدوٍ أكبر – حربٌ أكبر من الاختلافات مع الغرب بشأن أوكرانيا.

هذا هو ما يسعى إليه؛ محاربة تنظيم الدولة الإسلامية أبعد من أن تكون أولوية. ربما ينجح الأمر: عبر الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند في وقتٍ سابق من الشهر الجاري عن أمله في أن يتم رفع العقوبات المفروضة على روسيا.

تصادف تصريح أولوند مع إعلانه عن تجهيزاتٍ فرنسية لضرباتٍ جوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. في مناخٍ حيث يبدو البعض في الغرب متعبين من العبء الاقتصادي الذي نتج عن العقوبات ضد روسيا، فإن بوتين مستعدٌ لاستغلال ذلك، عارضا شراكة مصلحة كمقدمةٍ لاستئناف العلاقات التجارية مع جمهورٍ تجاوز أغلبه ما حدث في القرم منذ عام.

ظل الأسد يتقهقر في سوريا في الأشهر الأخيرة ويحتاج دعما عاجلا. ويعلم بوتين جيدا – من أوكرانيا، بالتحديد – أنه إذا عمق تورطه في الحرب، فإنه من المرجح أن لا تفعل الولايات المتحدة أي شيء بشأن ذلك. لدى روسيا مصالح عديدة في سوريا: استراتيجية، وثقافية، واقتصادية.

ظل نظام الأسد الحليف الأقرب لموسكو في العالم العربي لما يربو عن 40 عاما لأن سوريا ظلت مفتاحا لنفوذ الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط. خلال الحرب الباردة، انتقل عشرات الآلاف من الروس إلى سوريا بينما درست النخبة السورية في أفضل الجامعات الروسية.

كان الزواج ما بين مواطني البلدين شائعا، وكان يقدر عدد المواطنين الروس الذين يعيشون في سوريا، وقت قيام الانتفاضة السورية، بـ100,000 شخص. كانت روسيا أيضا المزود الرئيسي لسوريا بالأسلحة في الأعوام التي سبقت اشتعال الانتفاضة في آذار/مارس 2011.

تورد تقارير أن الشركات الروسية قد استثمرت ما يقرب من 20 مليار دولار؛ التخلي عن الأسد سوف يعني أيضا التخلي عن تلك الاستثمارات. من الصعب تخيل أن تأتي أي حكومة جديدة في سوريا تكون ودودة بنفس القدر تجاه روسيا.

أشار بعض المحللين الروس بالفعل إلى أن بوتين يخاطر في سوريا بتكرار أخطاء الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في الثمانينات – وهي حرب ساهمت بشدة في سقوطه

أيضا هناك أسباب قهرية لدى موسكو لدعم الأسد الآن. سوريا هي موطأ القدم الأكثر أهمية لروسيا في المنطقة، حيث تطل على البحر المتوسط وتجاور إسرائيل ولبنان وتركيا والأردن والعراق.

جعل بوتين توسع القوة البحرية الروسية أحد أعمدة فترته الرئاسية الثالثة، وسوف يعني سقوط الأسد خسارة القاعدة العسكرية الوحيدة لروسيا خارج الفضاء ما بعد السوفيتي – وهي مركز تموين بحري في ميناء طرطوس السوري.

في أيلول/سبتمبر 2014،أعلن بوتين عن خططٍ للتوسع الهائل لأسطول البحر الأسود الروسي. الإبقاء على القاعدة في طرطوس سوف يمد قوة البلاد أكثر لتصل إلى المتوسط.

لكن الأهم هو أن دعم الأسد يناسب خطط بوتين لاستعادة روسيا كقوةٍ عظمى تواجه الغرب. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الدبلوماسية تتعلق بسيناريوهاتٍ تضمن الربح للجانبين، لكن مقاربة بوتين صفرية. يعني دعم الأسد وضع اصبع في عين البيت الأبيض.

ربما يدعي بوتين أنه يحارب «الإرهاب» عبر دعم الأسد، لكن ذلك أيضا يزيد من دعمه داخليا؛ حشد المواطنين حول العلم في وجه عدوٍ خارجي متصَور. بالفعل، اتبع بوتين نهجا مماثلا في أوكرانيا وعبر أجزاءٍ أخرى من الاتحاد السوفيتي السابق عندما ادعى الحاجة إلى حماية الأقليات الروسية.

في المدى القصير على الأقل، أتى ذلك النهج بثماره – بعد ضم القرم في آذار/مارس 2014،قفزت معدلات تأييد بوتين من أدنى مستوياتها إلى ما يتجاوز 80 بالمئة.

إنها ليست أول مرة يربح فيها من اختيار دخول حرب. ساعدت إدعاءات بمكافحة الإرهاب في إيصال بوتين إلى السلطة عام 2000، بعد سلسلةٍ من التفجيرات في أيلول/سبتمبر 1999 في موسكو وعدة مدن روسية أخرى، والتي سريعا ما ألقى بوتين باللوم فيها على إرهابيين إسلاميين من جمهورية الشيشان في شمال القوقاز.

لكن على المدى الطويل، قد تؤدي سياسات بوتين ذاتها إلى هزيمته. ربما ترغب موسكو في تدخلٍ محدود، لكنها يمكن أن تُستدرج إلى حربٍ حقيقية – ولا يمكنها أن تخوض اثنتين واحدة في أوكرانيا والأخرى في سوريا، بينما تحافظ أيضا على تواجدٍ عبر فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي كما تفعل الآن.

أشار بعض المحللين الروس بالفعل إلى أن بوتين يخاطر في سوريا بتكرار أخطاء الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في الثمانينات – وهي حرب ساهمت بشدة في سقوطه. سوف يكون للحالة الاقتصادية البائسة لروسيا، وتناقص عدد سكانها، والإنفاق غير المستدام على الدفاع، ومشاكل أخرى؛ تأثيرها على المدى الطويل.

لكن تلك الاتجاهات يبدو أنها تؤجج فقط عدوان بوتين. في الواقع، كلما أضحت روسيا أضعف، أصبحت أكثر خطورة.