مع انهيار اتفاق آخر لخفض التسلح النووي، تمتلك واشنطن وموسكو مخزونًا من البلوتونيوم يكفي لصناعة عشرات الآلاف من الأسلحة النووية.

جاء ذلك في مستهل مقال جيفري لويس، مدير برنامج دراسات منع الانتشار النووي في شرق آسيا في معهد ميدلبري للعلاقات الدولية، بالفورين بوليسي، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري. وهو الذي عرض خلاله محتوى كتاب «محكومون بالتعاون» لسيجريد هكر الذي يؤرخ فترة التعاون بين روسيا وأمريكا عقب انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة.

الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قاما ببناء مخزونات تتجاوز 30 ألف سلاح نووي في ذروتها، وهي ترسانات هائلة من الأسلحة النووية تتجاوز أي غرض يمكن تصوره

يشمل الكتاب ألف صفحة تحتوي على مقابلات ومقالات ومقالات قصيرة لأكثر من ألف شخص مشارك في الفترة الرائعة من التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في الفترة التي أعقبت الحرب الباردة. سيجريد هكر، الذي قام بتأليف الكتاب، وضع له العنوان استنادًا لمقولة عالم سوفييتي قال عن التهديد المشترك الذي تفرضه الأسلحة النووية: «نحن محكومون بالعمل معًا والتعاون».

تلك الرسالة لن يفهمها الجميع، وبين هؤلاء الذين لن يفهموها: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فقد أصدر في الاثنين الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مرسومًا يقضي بتعليق اتفاق مع الولايات المتحدة للتخلص من مادة البلوتونيوم نظرًا للإجراءات المعادية للأخيرة. إن المرسوم الذي أصدره بوتين يضع حدًا لأحد اتفاقات التعاون المتبقية من تلك الفترة المبهرة.

إن التخلص من البلوتونيوم يُعد ضربًا من ضروب الخيال، فإذا استعدنا الأيام المظلمة للحرب الباردة أو قرأنا عنها في أحد الكتب، يتضح أن كلًا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كانتا تمتلكان عشرات الآلاف من الأسلحة النووية.

يعد ذلك ضربًا من الجنون إذا فكرنا فيما فعلته قنبلة واحدة فقط بهيروشيما وناجازاكي، لكن كلًا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قاما ببناء مخزونات تتجاوز 30 ألف سلاح نووي في ذروتها، وهي ترسانات هائلة من الأسلحة النووية تتجاوز أي غرض يمكن تصوره، وفي جوهر غالبية تلك الأسلحة كانت هناك أجزاء صغيرة للغاية من البلوتونيوم.

لقد قطعت واشنطن وموسكو أشواطًا كبيرة في خفض ترسانتهما النووية الهائلة، على الرغم من أنه لا يزال لدينا أسلحة نووية كافية لقتل المزيد من الأشخاص. فعلى سبيل المثال، قامت الولايات المتحدة بخفض مخزونها من 31225 سلاح نووي في عام 1967، إلى 4571 في عام 2015، كما تمتلك روسيا مخزونًا مساويًا لذلك.

بطبيعة الحال، يستلزم الأمر تفكيك الأسلحة النووية التي يتم إيقاف عملها. ففي الولايات المتحدة، تنتظر آلاف الأسلحة النووية التفكيك، وقد يمتد الأمر لعام 2022. ويعتقد القليل من الخبراء أن الولايات المتحدة ستحقق ذلك الهدف. وحتى مع تفكيك السلاح، يظل البلوتونيوم داخلها موجودًا، وطالما أن البلوتونيوم موجود، يمكن تحويله مرة أخرى إلى قنبلة نووية.

تمتلك الولايات المتحدة وروسيا الكثير من البلوتونيوم من مخلفات الحرب الباردة، وعلى الرغم من أن كلا البلدين لم تعد تصنع البلوتونيوم أو على الأقل البلوتونيوم المستخدم في الأسلحة، فلا يزال لديهما الكثير منه.

ويقدر الفريق الدولي المعني بالمواد الانشطارية بجامعة برنستون، مخزونات البلوتونيوم المخصب المجهز لتصنيع الأسلحة النووية بـ 88 طن لدى الولايات المتحدة، و 128 طن لروسيا. ولنوضح فحوى تلك الكمية من البلوتونيوم، يكفي أن نقول أن السلاح النووي يمكن تصنيعه بأقل من 4 كيلوجرامات من البلوتونيوم. وبعملية حسابية فإن 88 طنًا يكونون كافين لصناعة 22 ألف سلاح نووي، أما 128 طنًا، فهم كمية كافية لصناعة 32 ألف سلاح نووي.

لقد اعترفت كل من الولايات المتحدة وروسيا بأن الكثير من مخزوناتهما من البلوتونيوم واليورانيوم عالي التخصيب، تجاوز أية حاجة يمكن تصورها

مع نهاية الحرب الباردة، أدرك المستنيرون أن تقليل تلك المخزونات من البلوتونيوم تُعد مهمة خطرة. فطالما بقي البلوتونيوم موجودًا، تبقى احتمالية استمرار سباق التسلح موجودة، وتبقى احتمالية سقوطها في الأيدي الخاطئة موجودة. ووصفت دراستان للأكاديمية الوطنية للعلوم (نشرتا في عامي 1994 و 1995) المواد الانشطارية الزائدة بأنها تهديد واضح وحاضر للأمن الوطني والدولي.

لقد اعترفت كل من الولايات المتحدة وروسيا بأن الكثير من مخزوناتهما من البلوتونيوم واليورانيوم عالي التخصيب، تجاوز أية حاجة يمكن تصورها. وبالإضافة إلى البرامج التي تساعد روسيا على تتبع الكميات الكبيرة من البلوتونيوم، اتفقت واشنطن وموسكو على التخلص من بعض منها.

وفيما يتعلق بمخزون البلوتونيوم، ففي عام 2000، عرضت الولايات المتحدة وروسيا التخلص من 34 طنًا من البلوتونيوم بموجب اتفاقية إدارة البلوتونيوم والتخلص منه، وهذا الكم يمثل 8500 سلاح نووي لم تسبق لروسيا بناءها، و8500 سلاح آخر لم تدخل الترسانة الأمريكية.

بطبيعة الحال، لم يكن ذلك سوى جزء فقط من المخزون الهائل. لكن بموجب اتفاق لخفض كمية اليورانيوم عالي التخصيب، فقد كانت بداية واعدة لضمان عدم بدء سباق التسلح مجددًا. ومن ثم، لم يحدث شيء جديد. فقد أصبحت واشنطن وموسكو أعداء وليس أصدقاء، فليس من السهل التخلص من البلوتونيوم، ولقد تنازعت الولايات المتحدة وموسكو باستمرار حول كيفية التخلص منه.

إن القصة وراء أسباب عدم التخلص من البلوتونيوم طويلة ومعقدة، بما في ذلك التوجهات التكنولوجية المختلفة في روسيا والولايات المتحدة، فضلًا عن إيقاف العمل بمصنع البلوتونيوم في ساوث كارولينا.

الولايات المتحدة وروسيا سقطتا ضحية للجدال في ذلك الصدد؛ ما استلزم خطة جديدة للتخلص من البلوتونيوم في عام 2007، أعقبها مزيد من الجدال حتى تم تعديل تلك الخطة، واستمر الجانبان في الجدال حول تعديل الخطة، حتى وضع بوتين حدًا لذلك الأسبوع الجاري. التفاصيل بذلك الصدد ليست مهمة، لكن الأمر الذي ينبغي أن يحظى بأهمية هو المسائل التقنية والسياسية حول الكيفية المثلى للتخلص من البلوتونيوم مقارنة بالحاجة السياسية للقضاء على التهديد الذي يشكله.

إذا أراد أحد الجانبين (واشنطن وموسكو) حلًا لذلك الأمر، فهناك خيارات، حيث طرح بافل بودفيج، وهو مؤلف كتاب عن برنامج روسيا النووي، كمًا كبيرًا من الخيارات البناءة التي ربما كانت ستبقي الاتفاق ساريًا، لكن الجميع اختاروا ألا يفعلوا شيئًا.

يشير مرسوم بوتين إلى أن روسيا لا تخطط لإعادة البلوتونيوم إلى الأسلحة حتى الآن، لكن لا يوجد ضمان لذلك، ولا توجد خطة واضحة لما سيحدث لها في الوقت الحالي. تبدو الخطة هي أن الولايات المتحدة وروسيا ستستمران في امتلاك عشرات الآلاف من الأسلحة النووية المصنعة من البلوتونيوم لأجل غير مسمى، ولكن تلك ليست خطة على الإطلاق، بل هي عجز رهيب في مواجهة تهديد مشترك أو منع ما يشبه العودة إلى عداء الحرب الباردة.