عززت الانتقادات الأخيرة من قبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بحق شيخ الأزهر أحمد الطيب (71 عاماً)، حقيقة وجود خلاف كبير بينهما، نتيجة تعاطي الأخير مع القضايا الدينية التي يطرحها الرئيس.

وأكدت تقارير صحفية أخيرة أن الخلاف بين الطيب والسيسي تعاظم في الآونة الأخيرة، فيما يحاول الطرفان إظهار خلاف ذلك. ويرى مراقبون أن تتابع التقارير الإعلامية المنتقدة للطيب هذه الأيام، بمثابة ضغوط لحثه على التنحي، حيث يحظُر الدستور عزله. وكان المركز الإعلامي للأزهر، أصدر بيانًا في أبريل/نيسان 2015 نفى فيه عزم شيخ الأزهر تقديم استقالته، بعد حملة صحفية مشابهة.

وقال البيان:

الإمام الأكبر أكد بوضوح أنه ليس ممن يتخلى عن أمانته وواجبه، وأنه باقٍ في عمله لخدمة الدين والوطن

وسعت أنظمة الحكم المتعاقبة على مصر منذ إنشاء الجامع الأزهر عام 972م إلى استخدامه فى أغراض سياسية ودينية تعزز من سلطتها، مما ترك آثاراً سلبية وإيجابية على الأزهر الذي يعد المؤسسة الدينية الأكبر في العالم الإسلامي.


الاعتداء على حرية الأزهر

وبالرغم من الحرية التي ينادي بها الإعلام في مصر، إلا أن قنوات تلفزيونية وصحف موالية للحُكم صعدت في الفترة الأخيرة هجومها على الأزهر وشيخه أحمد الطيب، بزعم أن بعض مناهج الأزهر تدعو إلى التطرف، ويجب إعادة صياغتها بما تتوافق مع رؤية النظام السياسي، الأمر الذي اعتبره مراقبون اعتداء على حرية الأزهر في تفسير النصوص الشرعية للدين الإسلامي.

انتقاد وسائل الإعلام للأزهر تجلى بوضوح بعد توجيه الرئيس السيسي اللوم لشيخ الأزهر أثناء حضورهما احتفالاً لعيد الشرطة فى 24 يناير/كانون الثاني الماضي، حيث قال: «تعبتني يا فضيلة الإمام»، في إشارة لعدم تعاطي شيخ الأزهر مع دعوة الرئيس إلى القيام بـ«ثورة دينية».

السيسي مجتهد شرعياً:

احنا بنحافظ على أمة

وبالرغم من الخبرة السابقة للطيب فى التعاطي مع المسئولين، من خلال عضويته بالحزب الوطني الديمقراطي، والذي أطاحت بحكمه ثورة 25 يناير/كانون الثاني، إلا أنه لا يجد سبيلاً في التقارب مع الرئيس السيسي، مما يدفع الأخير إلى توجيه انتقادات دائمة لشيخ الأزهر.

ففي احتفالية دينية سابقة، وبينما كان السيسي يتحدث عن استشراء التطرف الإسلامي في العالم وعدم مراجعة علماء الدين لكتب التراث، التي رأى أن بعضها يحمل غلواً، وجه السيسي خطابه إلى شيخ الأزهر قائلا «سأحاججكم أمام الله».

وزاد على ذلك في مناسبة أخرى قائلاً:

ويرى السيسي أن الخطاب الديني لا يتناسب مع العصر، ويجاوز ذلك بالحديث عن قضايا دينية بعينها، ولا يتردد فى إبداء رأيه بشأنها مستنداً في ضرورة الأخذ برأيه إلى حاجة المتطلبات العصرية لذلك، قائلاً في إحدى المناسبات: «ليس معقولاً أن يكون الفكر الذي نقدسه على مدى مئات السنين، يدفع الأمة بكاملها إلى القلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها».


مستشار الرئيس إماماً للمسلمين

ويرى خبراء أن منصب شيخ الأزهر محصَّن وفقاً للدستور، وأن انتقادات الرئيس المتواصلة بحقه تتعارض مع استقلالية الأزهر، وتنتقص من مكانة المنصب الذي يلقب صاحبه بإمام المسلمين.

وقال رئيس تحرير جريدة الدستور (خاصة) محمد الباز، فى مقال له بعنوان «لماذا لا يستقيل شيخ الأزهر».. «افعلها قبل أن تضيق عليك الأرض بما رحبت».

وأفادت تقارير إعلامية أخرى أن الخلاف بين شيخ الأزهر والرئيس، دفع الأخير إلى تكليف مستشاره للشؤون الدينية أسامة الأزهري، بإدارة ملف «تجديد الخطاب الديني»، ما اعتبره مراقبون تمهيداً لخلافة الأزهري للشيخ الحالي أحمد الطيب.

ويتم اختيار شيخ الأزهر من بين 52 عضواً بهيئة كبار العلماء، من بينهم أعضاء غير مصريين، وبالرغم من حظر الدستور المصري عزل شيخ الأزهر، إلا أن المنادون بإقالته يتذرعون بوجود قانون «عزل رؤساء الهيئات المستقلة والجهات الرقابية» الذي أقره السيسي أخيراً.

الحملات المناوئة لشيخ الأزهر ضمت إعلاميين سعوديين بارزين، حيث أطلقوا دعوات تطالب بعزل الطيب عقب حضوره مؤتمراً في الشيشان بعنوان «من هم أهل السنة والجماعة» استثنى السلفية منهم.

بالإضافة إلى اعتراف الأزهر بالطلاق الشفوي، الذي اعتبره الرئيس السيسي لا يقع إلا أمام موظف رسمي تعينه الدولة، وهو «المأذون الشرعي»، داعياً في لقاء علني جمعه بشيخ الأزهر، إلى إعادة النظر فى الأمر.

ويرى أستاذ الفقه المقارن، والبرلماني المصري السابق عز الدين الكومي، في تصريحات صحفية له، أن شيخ الأزهر لن يخالف الرئيس في حال طلب منه الاستقالة، قائلا «لا يملك شيخ الأزهر الحالي جرأة الاعتراض على قرارات السيسي».

فيما اعتبر مراقبون أن الطيب لم يحول الأزهر إلى مؤسسة متملقة للسلطة، وأنه رفض قرار «غريمه» وزير الأوقاف محمد مختار، القاضي بتوحيد خطبة الجمعة.

إلا أن دعوته بتحريم التظاهر عقب رحيل الرئيس الأسبق حسني مبارك يجهض هذا التوجه.


الطيب وفض رابعة

فضيلة الإمام كل ما أشوفه بقول له إنت بتعذبني

وفي حين اعتُبر ظهور الطيب إلى جوار السيسي أثناء إعلانه في 30 يونيو/حزيران 2013 تنحية الرئيس الأسبق محمد مرسي عن الحكم، إقحاماً للأزهر فى الشأن السياسي.

رأى البعض أن إعلانه التبرؤ من دماء الضحايا الذين سقطوا عقب فض اعتصام أنصار الرئيس مرسي بميداني «رابعة والنهضة» فى 14 أغسطس/آب، ينافي هذا الموقف. وقال الإعلامي الشهير إبراهيم عيسى، وهو من أشد المنتقدين للطيب: «الدولة تترك شيخ الأزهر رغم موقفه المحايد البارد من فض رابعة».

ويحظى منصب شيخ الأزهر في مصر والعالم الإسلامي بمكانة مرموقة، وتعاقب عليه عدد كبير من علماء الدين، أبرزهم محمد الحفني، الذي عمل ناسخاً للكتب حتى لا يقبل عطايا الحكام، وقال عنه الجبرتي «إنه لا يتم أمر من أمور الدولة وغيرها إلا باطلاعه وإذنه»، والشيخ أحمد العروسي، الذي قاد احتجاجًا ضد الوالي العثماني أحمد أغا حتى تم عزله، واضطر من خلفه الحضور إلى الأزهر ليسترضي علماءه.

كما قاد الشيخ عبد الله الشرقاوي المقاومة ضد نابليون عام 1798، وأمر نابليون بدخول الخيول الأزهر لفض المقاومة بداخله، والشيخ إبراهيم الباجوري، وكان الخديو عباس الأول يحرص على حضور دروسه، و الإمام شمس الدين الأنبابي، الذي أفتى بعدم صلاحية الخديو توفيق للحكم، مناصرا بذلك الثائر أحمد عرابي ورفاقه.