في 29 مايو الماضي، تسرَّب ما يقرب من 20 ألف طن من الديزل إلى نهر أمبارنايا في سيبيريا، 300 كم شمال الدائرة القطبية الشمالية، مما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إعلان حالة الطوارئ في المنطقة، بعد خمسة أيام من الحادثة.

وقد حدث التسريب عندما انهار خزان للوقود في محطة لتوليد الطاقة بالقرب من مدينة نوريلسك، وهي المحطة التابعة لفرع من شركة «نوريلسك نيكل»، وهي من أكبر الشركات الرائدة في إنتاج النيكل والبلاديوم في العالم. وانجرف النفط المسرَّب نحو 12 كيلومترًا من موقع الحادث، مما حول أجزاءً واسعةً من نهر أمبارنايا إلى اللون الأحمر القاتم، ليلوث التسريب مساحةً وصلت إلى 350 كم مربع.

وفقًا للمسؤولين الروس، يمكن أن يكلف هذا التسرُّب الحكومة أكثر من مليار دولار، وسوف يلوث النظام البيئي المائي القطبي لأكثر من عقد من الزمن. ويقول خبراء البيئة في منظمة Greenpeace إن هذه الكارثة، وهي واحدة من أكبر الكوارث في التاريخ الروسي الحديث، يمكن مقارنتها بالتسرب النفطي لناقلة إكسون فالديز عام 1989، عندما تسرَّب 37 ألف طن من النفط قبالة ساحل ألاسكا.

وخلال اجتماع عبر الفيديو، انتقد بوتين مسؤولي الشركة التي تدير محطة توليد الطاقة، بعد أن عرف من مسؤولي حكومته أن الشركة لم تبلغ السلطات المحلية عن الحادث إلا بعد يومين من وقوعه، وأن الحكومة عرفت عنه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

كيف حدث تسرُّب الوقود من الخزان؟

تقع محطة توليد الطاقة بالقرب من مدينة نوريلسك في سيبيريا، على بعد نحو 3000 كم شمال شرقي العاصمة موسكو. وقد ذكرت شركة «نوريلسك نيكل» عبر موقعها أن سبب الحادث كان الهبوط المفاجئ لدعائم خزان الوقود، والتي ظلت في الخدمة لأكثر من 30 عامًا دون مشاكل، وأن الخزان يتم فحصه كل سنتين، وهناك قائمة كاملة بمعايير الفحص، والتي تؤدي عادةً إلى توضيح أن الخزان صالح للخدمة.

بُنيت محطة الطاقة على الأرض دائمة التجمد «permafrost» في القطب الشمالي، والتي تضعف على مر السنين بسبب تغير المناخ. ووفقًا لسيرجي دياتشينكو، النائب الأول لرئيس الشركة ومدير عملياتها، أدى ذلك إلى غرق الأعمدة التي تدعم خزان الوقود، حيث يذكر أنه بعد التحقيق الأولي يمكنهم الافتراض أن ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير طبيعي يمكن أن يسبب ذوبان الجليد الدائم مما أدى إلى هبوط جزئي في دعامات الخزان.

ويشكل ذوبان الجليد الدائم، والذي يغطي نحو 15 مليون كيلومتر مربع من سطح الأرض، ظاهرة مزعجة وواسعة الانتشار في أبرد مناطق العالم حاليًّا بسبب التغير المناخي. ووفقًا للخبراء، يمكن أن يختفي نحو 40% من الإجمالي العالمي بحلول نهاية القرن الحالي.

لا يزال سبب التسرب الحقيقي غير واضح حتى الآن، كما صرَّح ديميتري ستريليتسكي، الأستاذ في جامعة جورج واشنطن، لوكالة بلومبرج بأنه لم يتم تحديد السبب بعد، ومن المحتمل أن يكون مزيجًا من كل من تغير المناخ والعوامل المتعلقة بالبنية التحتية.

ما هي تداعيات الكارثة حتى الآن؟

هذه الحادثة لم تكن الكارثة البيئية الأولى لشركة «نوريلسك نيكل»، حيث اعترفت في عام 2016 أن الحديد الذي تسرَّب من مصاهرها قد حول نهر دالديكان إلى لون الدم.

وقد أثار هذا الحادث تحذيرات ضخمة من الجماعات والمنظمات البيئية، والتي تذكر أن حجم التسرُّب وضحالة نهر أمبارنايا يعني أنه سيكون من الصعب تنظيفه. ويرجح الخبراء أن الأمر قد يستغرق من خمس إلى عشر سنوات.

كما ذكرت السلطات المحلية أن البدء في عملية التنظيف قد يستغرق أسابيع؛ لأن المنطقة تفتقر إلى الخدمات اللازمة للتعامل مع هذه الكميات الهائلة من الوقود، بالإضافة إلى أن النهر غير صالح للملاحة ولا توجد أي طرق تحيط به. ويجري نشر فرق إضافية من الخبراء من مناطق أخرى في أعقاب فرض حالة الطوارئ على المنطقة.

ويشير خبراء الصندوق العالمي للحياة البرية إلى أن الحادث أدى إلى عواقب كارثية، وأننا سوف نشهد تداعياته لسنوات قادمة على البيئة، حيث ستتضرر الثروة السمكية في المنطقة وتموت الأسماك، كما ستتسمم الحيوانات والطيور.

وقال مراقب البيئة الحكومي إن نحو 15 ألف طن من منتجات النفط قد تسرب إلى النهر، مع تسرب 6 آلاف طن أخرى في باطن الأرض. كما تذكر الوكالة الحكومية لمصايد الأسماك أن النهر سيحتاج لعقود من الزمن كي يتعافى مرة أخرى. ويمكن رؤية مساحة واسعة من المياه الحمراء القاتمة تمتد على طول نهر أمبارنايا وأحد فروعه في لقطات التصوير الجوية.

https://www.instagram.com/p/CA-Fv1ljDzL/

مع استمرار ذوبان طبقات الجليد الدائم هناك، فإن كثيرًا من البنية التحتية في القطب الشمالي تحت التهديد، وقد تتكرر مثل هذه الحوادث من جديد في المستقبل. روسيا، والتي كانت حتى وقت قريب متشككة في الاحتباس الحراري، تكتشف بالطريقة الصعبة ما قد يعنيه تغير المناخ لمستقبلها؛ عشرات الآلاف من الأميال من الطرق وخطوط الأنابيب التي تعبر القطب الشمالي الآن في خطر. ولا تملك موسكو القدرات التقنية أو الأموال الكافية لتأمين هذه البنية التحتية الحيوية بجانب حماية البيئة في القطب الشمالي.