دعنا نستكمل رحلتنا مع بعض الأخطاء الشهيرة في فهم الكونيات والكوانتم، في مقالين السابقين أجبنا عن عدة أسئلة هامة:

دعنا نستكمل رحلتنا مع مجموعة أخطاء أخرى هامة


الطبيعة المزدوجة للإلكترون هي حالة حقيقية

تلك واحدة من أكثر الأخطاء في الفهم شيوعا في كتب تبسيط العلوم وكذلك في المراجع العامة التي تتحدث في الميكانيك الكمومي. حيث يتصور الجميع أن ازدواجية الموجة/جسيم Wave-Particle Duality في ميكانيكا الكم تعني أن الجسيمات الكمّية – كالإلكترون والفوتون – تتصرف كموجة وكجسيم معا، أو أنها تتصرف في بعض الأحيان كموجة وفي بعض الأحيان الأخرى كجسيم، لكن ذلك قد يكون غير دقيق بالمعنى المفهوم.

لنبدأ بالقول أن المراجع الأكثر تقدما في الميكانيك الكمومي نادرًا ما تستخدم هذا المصطلح، بل تتحدث فقط عن موجات Waves، مستخدمةً الدالة الموجية التي ندعوها (Psi ψ(x،t في العموم، بينما يتم التعامل مع الإلكترون أو الفوتون كجسيم Particle في حالات خاصة تتموضع فيها الموجة حول قيمة محددة لـ x في وقت t محدد. تم استخدام المصطلح في بدايات ظهور ميكانيكا الكم للتعبير عن شيء لم نكن نفهمه له علاقة بطبيعة العالم دون الذري، ثم ظهر نيلز بور بمبدأ التتام ليشرح تلك الفكرة:

حينما نحاول دراسة الفوتون عبر تجربة الشق المزدوج يظهر لنا نمط تداخل يؤكد على أن ما نحاول دراسته هو «موجة»، لكن حينما نحاول دراسته عبر ضربه بلوح من معدن ما تحدث الظاهرة الكهروضوئية Photoelectric effect ويظهر أن الفوتون يتعامل كجسيم. يشرح بور تلك الظاهرة قائلا أنه لا يوجد ثمة تعارض بين وجهتي النظر هنا، لكن هناك نوع من التتام Complementarity بين كل الطرق للتعامل مع الكيان دون الذري، كل منها يبلغنا بمعلومة عن العالم الكمومي.

يشبه الأمر أن تستخدم عدسة محدبة لتجميع الضوء وحرق طرف ورقة صغيرة ثم تستخدم منشورًا ثلاثيًا لتحليل نفس شعاع الضوء لمكوناته من ألوان الطيف. هكذا، حينما نحاول وصف الإلكترون بأدوات تقيس الخصائص الموجية يظهر كموجة، وحينما نقيسه بأدوات تقيس الخصائص الجسيمية يظهر كجسيم، إنها مجموعة طرق مختلفة لرؤية نفس الشيء، نفس الإلكترون، لكن حينما نسأل: ما الذي يوجد في الداخل؟! يجيب ريتشارد فاينمن عن هذا السؤال.

يقول فاينمن: «إنه لا موجة ولا جسيم ولا كلاهما معا ولا أي شيء يمكن أن نعرفه أو نتصوره»، من الخطأ أن نحاول استكشاف العالم الكمومي بأفكارنا المسبقة المتكونة في عالم الواقع الذي نراه، كأن نتصور أن هناك كتلة ما في مركز الذرة مثل الشمس تدور حولها جسيمات مثل الكواكب. استخدام أداة التشبيه «مثل» هنا سوف يعيق تفكيرنا تماما ويمنعنا – ربما – من الوصول لجوهر ذلك العالم الغريب أو أية معلومات صحيحة عنه.

لدخول عالم الكم يجب أن نتعامل كطفل ولد توًا، يحاول التعرف على العالم من حوله بينما هو غاية في الجهل حتى أنه لا يستطيع التفريق بينك وبين الكرسي أو الثلاجة. في الحقيقة، تظهر التناقضات في عالم الكم حينما نحاول – مجبرين – أن نستخدم اللغة الكلاسيكية لوصفه، فقط لأنها كل ما نملك. يضرب فاينمن مثالا هنا:

لنفترض أن هناك زائرًا مريخيا – في مرحلة ما من مراحل التجهز للغزو – طُلب منه وضع تقرير سري عن أهل الأرض، هذا المريخي وجد أن البشر في نهاية اليوم يقومون بالاسترخاء في وضع غريب ويغمضون أعينهم ويذهبون في سبات ما، هو لا يعرف ما تعنيه ظاهرة الـ «نوم»، لكنه سوف يحاول توصيف ذلك «الفعل» بلغته. نحن هذا المريخي حينما ندخل للذرة، فما يحدث هناك في العمق هو شيء يختلف تمامًا عن خبرتنا في العالم الكبروي Macro، حتى حينما نقرر استخدام اصطلاحات كـ «موجة» أو «جسيم» في كتب فيزياء الكم فنحن لا نعني نفس الشيء الذي نعرفه في واقع عالمنا الكلاسيكي.


الثقوب السوداء تتخذ شكل أقماع في الفضاء

أخطاء علمية فيزياء الكم النسبية ثقب أأسود
أخطاء علمية فيزياء الكم النسبية ثقب أأسود

حسنا، ربما كان ذلك هو الخطأ في الفهم الأشهر والأكثر سذاجة في عالم الثقوب السوداء، تسببت فيه كتابات العلم الشعبي حينما رسمت الثقب الأسود كدوّامة عملاقة تسحب كل شيء يقترب منها في محاولة لإضافة أجواء من الإثارة والمتعة للحكاية. لكن ذلك كالعادة يضر أكثر مما يفيد، فالثقب الأسود في الحقيقة ليس إلا كرة سوداء محاطة بقرص دوار من الغاز والغبار ،المتبقي من النجم المنهار، كتلك التي رأيناها في فيلم Interstellar.

أخطاء علمية فيزياء الكم النسبية ثقب أأسود
أخطاء علمية فيزياء الكم النسبية ثقب أأسود

يتكون الثقب الأسود حينما ينهار نجم عملاق تتخطى كتلتهُ كتلة الشمس بـ 8 مرات على ذاته في جزء من الثانية مُحدثًا انفجارًا غاية في القوة نسميه «مستعرًا أعظم Super Nova»، مخلفًا في المركز ما يسمى «نجمًا نيترونيًا»، أو إذا كان النجم عملاقًا بما فيه الكفاية سوف تنهار نواة النجم تمامًا مخلفةً ما نسميه «ثقبًا أسودًا».

في مقال سابق عن فرضية الكون الهولوجرامي تحدثنا عن سرعة الإفلات، وكيف أن الثقب الأسود يوجد فقط حينما يصبح النجم قادرًا على جذب شعاع الضوء نفسه للداخل. تمتد تلك القوة حتى مسافة محددة من مركز الثقب الأسود، عند آخر نقطة يتمكن الثقب الأسود خلالها من جذب شعاع الضوء يوجد ما ندعوه «أفق الحدث»، أنه أبعد مكان عن مركز الثقب الأسود يمكن خلال حيّزه أن نجذب شعاع الضوء للداخل. بذلك تصبح تلك النقطة في مركز الثقب الأسود، الذي هو مركز النجم المنهار، قادرة على مد قوة جذبها في كل الإتجاهات، بالضبط كما كان النجم نفسه ذا قدرة ما على الجذب في كل الإتجاهات، ويصبح أفق الحدث هو الحد الذي لا نستطيع نحن أن نرى ما يحدث بداخله حيث لا يمكن لشعاع الضوء نفسه أن يفلت في تلك المنطقة ليخرج لنا ويرينا ما يحدث.

أخطاء علمية فيزياء الكم النسبية ثقب أأسود
أخطاء علمية فيزياء الكم النسبية ثقب أأسود

الثقب الأسود إذن هو غرفة بدون جدران على شكل كرة في الفضاء، لكن أنوارها مطفأة، فهو ليس كتلة سوداء مكونة من مادة ما، وانما هو مكان لا يمكن لنا رؤية ما يحدث فيه. في كل الأحوال تتسبب كلمة «ثقب» في إخلال كبير بالمعنى، فكلمة ثقب تعبر عن «فتحة» ما، بينما أقرب التصورات تتحدث عن عملية «فرم» مباشر تحدث لما يسقط فيه، الثقب الأسود هنا أشبه بحفرة كونية ذات قوة جذب وفرم مجنونة، لكن مؤخرا ظهرت بعض الأبحاث العلمية التي تتحدث عن عبور ممكن لكون آخر عبر الثقب الأسود، هنا قد تعني كلمة «ثقب» شيئا أكثر دقة.

أخطاء علمية فيزياء الكم النسبية ثقب أأسود
أخطاء علمية فيزياء الكم النسبية ثقب أأسود

على الرغم من ذلك، هناك شخص واحد فقط يمكنه رؤية الثقب الأسود كشكل قمعي، إنه شخص أو كيان ما يمكنه إدراك أبعاد أكثر من الثلاثة التي نعيش فيها، في فيلم Interstellar الشهير دعاه ماثيو ماكوناهي «Bulk Being الكائن الذي يعيش في فضاء فائق». في فيزياء الأوتار يمكن للكون الثلاثي الأبعاد الذي نسكن فيه أن يتواجد كاملاً على غشاء Brane كوني يتواجد بدوره في فضاء ذا بعد أعلى Hyperspace، حيث تتراص الأكوان بشكل متوازي على برانات/أغشية متوازية.

أخطاء علمية فيزياء الكم النسبية ثقب أأسود
أخطاء علمية فيزياء الكم النسبية ثقب أأسود

إذا كنت واحدا من تلك الكائنات التي تتمكن من رؤية العالم بعدد أبعاد أكبر، سوف ندعوك «Being Bulk»، وسوف يظهر لك كوننا الحالي بنسيجه الزمكاني ذا الإنثناءات والتعرجات الواضحة والتي لا يمكن لنا كبشر أن نشعر بوجودها، هنا يمكنك أن ترى الثقوب السوداء بسبب ثقلها الشديد كأقماع في نسيج الزمكان، كذلك يمكنك رؤية الثقوب الدودية وكيف يمكنها اختصار تريليونات الكيلومترات من السفر في نسيج الزمكان الطبيعي (الخط الأسود في الرسم) والسفر عبر أحدها لمجرة أندروميدا والتي تبتعد 2.5 مليون سنة ضوئية عن الأرض، سوف تكون تلك فرصة غاية في الروعة. انها تبدو هكذا:

أخطاء علمية فيزياء الكم النسبية ثقب أأسود
أخطاء علمية فيزياء الكم النسبية ثقب أأسود

في كل الأحوال، يرسم الفيزيائيين ثقوبهم السوداء في الكتب المتخصصة كأقماع لشرح كيفية انثناء الزمكان في هندسة رياضية غاية في التعقيد تتعلق بالنظرية النسبية العامة، ربما كان ذلك سببا في انتقال تلك الأشكال لعالم العلم الشعبي ونقلها بتلك الصورة.

يحدث الخطأ في الفهم إذا حينما نتصور نحن، كبشر، الكائنات المحبوسة في ثلاثة أبعاد، أنه يمكن لنا أن نشاهد انحناء الزمكان بفعل وجود كتلة ثقيلة فيه، لكن ذلك غير ممكن لنا، فقط كائن ذا قدرات «برانية» يمكنه ذلك. لكن لا تقلق، فنحن كبشر نعتبر Bulk beings بالنسبة لملك الكوتشينة الذي يعيش في عالم من بعدين فقط لا يمكن له إلا أن يدرك ما يحدث على جانبيه وأمامه وخلفه، أما نحن فنعتبر بالنسبة له كائنات سحرية من وجود آخر، نوجد في كل مكان ونتجاوز كل ما يدركه، ملائكة ربما بالنسبة له.. أو شياطين.

المراجع
  1. Quantum mechanics: Myths and facts Hrvoje Nikoli´c
  2. Astronomy for dummies
  3. Relativity for Everyone – How Space-Time Bends – Kurt Fische
  4. What are the Stars? – Ganesan Srinivasan
  5. التعالق أكبر لغز في الفيزياء – أمير أكزيل
  6. Astrophysics Is Easy!- Michael Inglis