بدأ فيلكس كيربيرج قناته على اليوتيوب ليمارس هواية محببة له، ممارسة الألعاب الإلكترونية والتعليق عليها. كان هذا عام 2006. بعد فترة، نسي كيربيرج الكلمة السرية لقناته وتجاهل الأمر قبل أن يقوم بإنشاء قناة أخرى نشر عليها محتوى من النوع نفسه. نمت القناة سريعًا، والآن أصبح فيلكس (PewDiePie) الأشهر على يوتيوب، وواحد من الأغنى بين مستخدمي يوتيوب كذلك، بعدد متابعين تجاوز 93 مليون متابع لقناته، وأرباح سنوية تتجاوز حاجز خمسة عشر مليون دولار.


جاءت الألفية الجديدة، وبدأ معها فريق أوروبي أطلق على نفسه بعد ذلك Team Liquid مسيرة احترافية في ممارسة ألعاب الكمبيوتر. أربعة عشر عامًا أخرى مرّت قبل أن يتأسس الفريق الصيني Newbee للهدف نفسه. في 2017، التقي الفريقان في نهائي مسابقة The International؛ المسابقة الأكبر للاعبي اللعبة المجانية Dota 2 على الحاسوب، وهي التي يلعبها حوالي نصف مليون لاعب يوميًّا. ربح الفريق الأقدم. بلغت الجائزة حوالي 11 مليون دولار للمركز الأول، بينما نال الثاني 4 ملايين دولار… فقط!


عمل مايكل كسنسكي و ماركين لوينسكي في مجال توزيع الألعاب في التسعينيات، لكن قررا بعد فترة البدء في إنتاج الألعاب، وهكذا بدأت شركة CD PROJEKT RED عام 2002 بالعاصمة البولندية وارسو. أطلقت الشركة سلسلة The witcher، والتي صدر منها ثلاثة نسخ باعت حوالي 33 مليون طبعة بنهاية عام 2017. الإصدار الأخير تحديدًا حقق نجاحًا ساحقًا وتصدر مبيعات الألعاب على مختلف المنصات لسنوات. دفع هذا رئيسة وزراء بولندا لزيارة مطوري اللعبة وشكرهم على هذا التمثيل الناجح للبلاد.


90 مليون نسخة تم بيعها بدخل تخطى 6 مليارات دولار جعلها أنجح عنوان في تاريخ عالم التسلية على الإطلاق، متفوقة على كل الألعاب الأخرى، وكذلك الأفلام والكتب والموسيقى. لا بد أنك سمعت هذا الاسم من قبل، لعبة GTA، أو Grand Theft Auto أو جتا أو سرقة السيارات، أسماء شهيرة للعبة اكتسبت شهرة كاسحة في الوطن العربي، نتحدث تحديدًا عن الجزء الخامس الذي صدر عام 2013 وما زال يحقق نجاحًا ومبيعات حتى اليوم بلا توقف.


أكثر من 12 مليون لاعب (لحظة كتابة المقال) يستخدمون منصة Steam الشهيرة لألعاب الحاسوب في اللحظة نفسها من بين حوالي 150 مليون مستخدم قاموا بشراء ألعاب بما قيمته 4 مليارات دولار عام 2018 فقط، وكان هذا أقل من ربع سوق ألعاب الحاسوب لهذا العام. في 2018 أيضًا، استخدم حوالي 47 مليون لاعب نشط منصة ألعاب Steam يوميًّا ومارسوا أكثر من 9000 لعبة من مطورين في جميع أنحاء العالم.


انتظر عشاق ألعاب العالم المفتوح، الجزء الرابع من لعبتهم المفضلة سنوات وسنوات. صدر الإصدار الثالث عام 2008. مرت سبع سنوات بعدها حتى ظهر الرابع في 2015. قوبل الإعلان عن الجزء الجديد بحفاوة شديدة، وباعت اللعبة التي تدور في عالم ما بعد الدمار النووي Fallout 4 1.2 مليون نسخة في أول 24 ساعة بعد إطلاقها، محققة للشركة الأمريكية الشهيرة Bethesda دخلًا بلغ 750 مليون دولار.


أمارس الألعاب الرقمية مذ كان عمري حوالي 5 سنوات. اشترى لي والدي جهاز صخر الشهير آنذاك الذي كان نسخة معربة من أجهزة MSX. جاء بعد ذلك أول جهاز أتاري للمنزل، تلاه الجيل الأول من عملاق سوني الشهير PS1، ثم PS2، ثم انتقلت لعالم ألعاب الحاسوب الثري لسنوات طويلة قبل أن أعود مؤخرًا لعالم المنصات بجهاز PS4 Pro.

خلال كل هذه السنوات، مارست كل الألعاب التي تحدثت عنها بالأعلى، بجانب مئات الألعاب الأخرى، بعضها استغرق مني وقتًا بلغ مئات الساعات لإنهائها، وبعضها لعبته من البداية للنهاية بضع مرات، لست وحدي هنا، لكني واحد من ملايين اللاعبين على مستوى العالم، نمارس هوايتنا خفية دون ضوضاء. وهذا التقرير ليس للحديث عني بالتأكيد، لكن للحديث عن اقتصاد الألعاب، وأظن أن ما ستقرؤه من أرقام سيثير دهشتك ما لم تكن قد أثيرت بالفعل.


بداية قديمة

بدأ الأمر منذ ثلاثينيات القرن الماضي تزامنًا مع بداية ظهور الإلكترونيات بشكل عام، لكن لم يتحول الأمر لشكل أقرب للشكل الحالي، وهو لعبة تمارس على شاشة إلا مع ظهور «جهاز التسلية من أنبوب الكاثود» (Cathode-ray tube amusement device) عام 1947 على يد توماس جولدسميث Thomas T. Goldsmith وأسل راي Jr. Estle Ray باستخدام الشاشات المستخدم في أجهزة الرادار العسكرية. رغم كونها أول من قدم المبدأ بشكله الحالي، فإن تعقيدها وتكلفتها لم تشجع أحدًا على تحويلها إلى منتج تجاري.

ألعاب، Gaming، بلاي ستيشن، اكس بوكس
لعبة Spacewar

وُجد المبدأ والفكرة في عقول الناس دون وجود إمكانيات حقيقة لتنفيذها حتى جاءت حقبة الستينيات وبدأت الشركات والجامعات الكبيرة استخدام حواسيب عملاقة Mainframe computers لأغراض علمية وبحثية.

وفي 1962، في جامعة MIT، ظهرت لعبة SpaceWar للوجود بواسطة ستيف راسل Steve Russell وفريقه، وهي لعبة بسيطة للغاية تطارد فيها مركبتان نقطة صغيرة في المنتصف، ويحاول كل لاعب إصابة اللاعب الآخر بنيرانه. انتشرت اللعبة بقوة وكانت النواة الحقيقية لإطلاق صناعة الألعاب وتطورها.

أخدت الحواسيب تتطور، وبدأت أحجامها تقل في الحجم والتكلفة، وبدأت أفكار الألعاب تنتشر أكثر. ظهرت ألعاب الأركيد Arcade Games العملاقة التي تعمل بالعملات المعدنية. بدأ المبرمجون في أنحاء العالم في الجامعات والشركات في استغلال الحواسيب العملاقة لبرمجة ألعاب بسيطة لتسلية وقتهم.

مع بداية السبعينيات، ظهرت الألعاب المنزلية. بدأت أجهزة مثل أبل 2 وكومادور وأتاري تنتشر. العدوى تنتشر عبر العالم وتعبر المحيط. دخلت نينتيدنو وسيجا السباق، وحافظ العملاقان اليابانيان على استمرار الحمية بعد خفوتها في أمريكا. عادت أتاري للمنافسة بقوة قبل أن تدخل سوني السباق بمنصة PlayStation. تبعتها ميكروسوفت بمنصة Xbox بداية الألفية الحالية. القطار يتحرك ولا يمكن إيقافه. الآن، يمارس الألعاب سنويًّا على مختلف المنصات والحاسوب والهواتف الذكية 2.5 مليار شخص.


أكبر من سوق السينما والموسيقى والكرة الأوروبية.. مجتمعين!

138 مليار دولار هو حجم صناعة الألعاب في 2018، ومتوقع أن تزيد بنسبة 13% لعام 2019. لتقارن هذا بشباك تذاكر الأفلام العالمي، فقد بلغ 38 مليار دولار في 2016 مع توقعات بالنمو إلى 50 مليار دولار بحلول 2020. كما بلغت صناعة الموسيقى 51 مليار دولار عام 2018. ويمكنني أن أفاجئك أيضًا بهذه المعلومة، فحجم سوق كرة القدم في أوروبا (وهو الأشهر والأقوى والأكبر على مستوى العالم) بلغ في 2017 حوالي 25.5 مليار دولار فقط.

هذا يعني ببساطة، وحسب التقارير السنوية لموقع statista، أن تنتصر صناعة الألعاب على مجموع صناعة السينما والموسيقى، والكرة في أوروبا. كل هذا دون ضوضاء، في صمت يبدو بريئًا، لكن الأمر ليس كذلك.


أنت أحدهم!

هل تقرأ هذا المقال من مصر؟ من الوطن العربي والشرق الأوسط عمومًا؟ هل قمت بتحميل لعبة واحدة على الأقل على هاتفك مثل Candy Crash أو Pubg؟

إذن أنت واحد من 330 مليون لاعب في المنطقة، يشاركون بنسبة 3.6% من سوق الألعاب العالمي. وتتصدر تركيا المساهمة في سوق الألعاب الشرق أوسطي، وتليها السعودية، وتأتي مصر في المركز الخامس.

ألعاب، Gaming، بلاي ستيشن، اكس بوكس
سوق الألعاب في الشرق الأوسط

ربما تفاجأت، ذلك لأن توقعاتك بأن انضمامك لعالم اللاعبين يحتاج لأجهزة قوية أو منصات متخصصة مع إنفاق دائم على شراء الألعاب، بينما واقع الأمر يؤكد أن سوق ألعاب الهاتف المحمول يتجاوز نصف حجم سوق الألعاب بالكامل. ولا يحتاج الأمر لأن تنفق أموالًا بشكل مباشر، فقط 47% من اللاعبين ينفقون أموالًا بشكل مباشر على الألعاب. كيف بلغ سوق الألعاب هذا الحجم إذن؟


أنماط مختلفة للانضمام للنادي

خلال السنوات القليلة الماضية نما سوق الهواتف المحمولة بسبب توغل الشركات الصينية وإصدار عشرات الهواتف رخيصة السعر قوية الأداء، وكذلك انتشر الإنترنت في الكثير من المناطق لأول مرة، ما أدى إلى دخول قطاع جديد من الجماهير لعالم الألعاب، وخلق أنماطًا جديدة سيطرت على سوق الألعاب بقوة، واستغلتها شركات الألعاب لتحقيق انتشار وأرباح دون الحاجة لإقناع اللاعب بدفع أموال مباشرة لشراء اللعبة.

ألعاب، Gaming، بلاي ستيشن، اكس بوكس
أدى كل ذلك إلى تغير شكل سوق الألعاب تمامًا ونموه بمعدل متزايد خلال السنوات الأخيرة.

ألعاب الهاتف

سيطرت ألعاب الهاتف في 2018 على حوالي نصف سوق الألعاب العالمي مع توقع بأن تسطير على أكثر من 60% بحلول 2021 وبحجم سوق لألعاب الهاتف فقط يصل لـ 100 مليار دولار. ورغم كون أغلب الألعاب مجانية على الهاتف، فإن الاستغلال الحقيقي للاعب من الشركات هو استغلال وقته، وبعد ذلك نقاط ضعفه في الألعاب. يظهر هذا في الإعلانات المنتشرة في الألعاب كبداية، قبل أن تبدأ في الانغماس في اللعبة، ومن ثَم تدفع لتطوير قدراتك وزيادة وقت لعبك فيما يعرف بـ Microtransactions أو التحويلات الصغيرة. اللعبة المجانية الشهيرة Clash of Clans كمثال حققت في 2017 دخلًا تجاوز ملياري دولار بصافي ربح بلغ 810 ملايين دولار من شراء العملات والموارد داخل اللعبة.

ألعاب، Gaming، بلاي ستيشن، اكس بوكس
نمو سوق الألعاب على الهواتف الذكية

دفع هذا النمو السريع مطوري الألعاب العمالقة لإصدار نسخ خاصة مجانية من ألعابهم للهواتف في السنوات الأخيرة، مع إصدار تطبيقات خاصة للألعاب والمنصات يمكن من خلالها شراء القدرات والتطوير فقط مع ممارسة اللعبة على المنصة المتقدمة أو الحاسوب في وقت آخر.

هذا ونحن نتكلم عن لاعب عابر قام بتحميل لعبة على هاتفه، ولا يعتبر نفسه لاعبًا محترفًا بأي حال، فماذا عن المحترفين؟

المحترف يدفع أكثر

نتحدث هنا عمن يقضي جل وقته في الألعاب، أمام شاشة كبيرة وحاسوب مجهز أو منصة، بتكلفة مبدئية للعتاد بلغت آلاف الجنيهات. هكذا بدأ اللعب الاحترافي وهؤلاء من يطلقون على أنفسهم لاعبين Gamers. ورغم أن هؤلاء يدفعون بالفعل مبالغ طائلة لممارسة الألعاب، فإن الشركات لم ولن تتوقف عن استهدافهم بأنماط مختلفة لابتزاز المال من كروتهم الائتمانية.

فالآن ظهر أيضًا نظام التحويلات الصغيرة في الألعاب المتقدمة لتغيير أشكال الشخصيات وقدراتها، وكذلك الاشتراكات الشهرية للعب أونلاين ضد ملايين اللاعبين أو في تنافس محدود، أو للاشتراك في شبكات المنصات لعرض الإنجازات ومشاركة لقطات اللعب والتعليق عليها.

أصبح عالم الألعاب نشاطًا اجتماعيًّا متكاملًا وليس ممارسة فردية تقضي فيها عشرات الساعات وحيدًا أمام شاشة حاسوبك، وكل هذا يدر المليارات على شركات الألعاب. لكن، ليست الشركات فقط هي ما تحقق الأرباح من خلف الألعاب.

لاعبون وملايين

كعادة كل شيء، يمكن للجميع أن يربح أموالًا طالما توافرت، وهذا ينطبق بشدة على الألعاب، فالأموال هنا لا تتحرك من محافظ اللاعبين لحسابات الشركات فقط، بل إن العكس يحدث بنسبة آخذة في التزايد كذلك. يبرز هذا من خلال عدة أنماط؛ عرض اللعب أونلاين على يوتيوب أو تويتش أو الخدمات الشبيهة، واللاعبين المحترفين، والمسابقات العالمية.

وهناك تداخل بين تلك الأنماط بالتأكيد، فأغلب عارضي الألعاب على يوتيوب هم محترفون يمارسون الألعاب بسرعة ودقة واحترافية شديدة وينفقون الكثير من الأموال على الألعاب والعتاد، وبهذا فهم يربحون من خلال المشاهدات والإعلانات وعروض الرعاية من الشركات والفرق، وكذلك المسابقات العالمية eSports.

مصادر الدخل في مسابقات الألعاب

ومن أشهر اللاعبين المحترفين وأغناهم فرقة Team Liquid بجوائز بلغت 24 مليون دولار، يليهم Evil Geniuses بـ 20 مليون دولار، وTeam OG بـ 17 مليون دولار. وتسيطر ألعاب مثل Dota 2 و StarCraft وCS:GO على سوق المسابقات العالمية، بينما تسيطر ألعاب مثل Fortnite وPubg وGTA V، بجانب فيديوهات إنهاء الألعاب بالكامل Walkthrough على المشاهدات على يوتيوب وغيره من منصات عرض الألعاب، والقائمة لا تنتهي.


مستقبل مشرق

ألعاب، Gaming، بلاي ستيشن، اكس بوكس
ألعاب، Gaming، بلاي ستيشن، اكس بوكس
ألعاب، Gaming، بلاي ستيشن، اكس بوكس
نمو سوق الألعاب

دفع اقتصاد الألعاب المتنامي بمعدلات خرافية الشركات العملاقة للاستثمار فيه، مثلًا اشترت أمازون منصة تويتش الشهيرة، بينما أطلقت جوجل Youtube gaming، وبعدها أطلقت خدمة الألعاب السحابية ستاديا، ومع توقع وصول سوق الألعاب لقيمة تبلغ 175 مليار دولار عام 2021 أصبح الشغل الشاغل لكل الشركات أن توفر لك طرقًا أسهل لتحميل الألعاب وممارستها ومتابعتها على منصات البث المباشر بكل الطرق الممكنة؛ هاتفك الذكي الرخيص يدعم أحدث الألعاب، متصفح الإنترنت يدعم تشغيل الألعاب، الأجيال الجديدة من المنصات تدعم الألعاب القديمة الشهيرة. ومع ضغطة زر تفصل بين اللعبة وبطاقتك الائتمانية تصبح كل دقيقة تمضيها على لعبة ما متعة لك، وأرباحًا لهم.