في ظهيرة يوم نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2012، كان مدرب تشيلسي « روبيرتو دي ماتيو » حائرًا في اختيار الأسماء الأساسية التي سيبدأ بها المباراة أمام بايرن ميونخ في معقله أليانز أرينا، تشكيلته المنقوصة من بعض الأسماء المهمة أربكت حساباته وجعلته يفكر في الأمر طويلًا، بعض الخيارات فرضت نفسها على التشكيلة، ولكن هناك أسماء أُخرى سيفاضل فيما بينها، لكن الوقت ليس في صالحه. دي ماتيو وحتى قبل بداية المباراة بساعات قليلة لم يعلم من سيكمل تشكليته التي ينقصها لاعب واحد سيشغل مركز خط الوسط الأيسر وتكون مهمته الأولى هي التصدي لانطلاقات لاعب بايرن ميونيخ «آريين روبين».

خلال الاجتماع الأخير طلب دي ماتيو المشورة من اللاعب «آشلي كول» الذي يُعد من أحد أعمدة الفريق. دي ماتيو سأل كول عن خياره لهذا المركز إن كان مسئولًا عن اتخاذ قرار كهذا. بدلًا من تسمية نجم بخبرة «فلوريان مالودا»، أجابه كول بدون تردد «ريان بيرتراند»، لاعب احتياطي يبلغ من العمر 22 عامًا ولم يسبق له المشاركة في دوري أبطال أوروبا.

http://gty.im/144790716

ظهرت ملامح الاندهاش على مُحيّا دي ماتيو وقبل أن ينطق باستغرابه جاء رد كول «بسبب ثقتي الكبيرة به». بيرتراند أدى بشكل جيد خلال المباراة، واستطاع تشلسي التغلب على بايرن ميونيخ بركلات الجزاء. وكانت مشورة دي ماتيو لكول بمثابة انتصار لإدارة الكفاءات والمواهب. دي ماتيو أكمل تشكيلته واتخذ قرارًا بناءً على الثقة الموجودة بين عناصره، وتخلى عن نزعة السيطرة المطلقة التي تُميز المدربين.

بشكل أو بآخر فإن الصراع من أجل المواهب قد أصبح أشبه بساحة حرب بين أندية كرة القدم. اللعبة بحد ذاتها تعد النموذج الأمثل للأعمال القائمة على المواهب. وفقا لدراسة أجريت في كلية سالفورد للتجارة فإن أندية النخبة في اللعبة تدفع أكثر من نصف عائداتها إلى 3-7 % من لاعبي الفريق، هؤلاء الشبان الموهوبين الذين أتوا من دول مختلفة وأصبحوا من الأغنياء بسبب اللعبة، وهذا جعلهم أكثر غرورًا واعتدادًا بأنفسهم ولذلك يصعب التعامل معهم، لذلك كانت الأندية بحاجة لمدربين مميزين من أجل إدارة تلك المواهب في صراع الانتصارات والألقاب، صراعٌ أشبه بصراع العروش.


خذ بالنصيحة، وكن صاحب القرار الأخير

ما قام به دي ماتيو في 2012. حدث سابقًا مع أنشيلوتي في عام 2010 عندما كان مدربًا لتشيلسي أيضًا، حيث قام أنشيلوتي باختيار تشكيلته التي ستخوص نهائي كأس إنجلترا أمام بورتسموث، لكنه لجأ إلى حيلة كان الهدف منها إبعاد عناصره عن التوتر الذي يسود أجواء النهائيات، أنشيلوتي ترك قرار اختيار الخطة لللاعبين أنفسهم. وقام اللاعبون باختيار طريقة اللعب التي استخدمها الفريق طوال الموسم. لكن لماذا أعطى اللاعبين هذه المسئولية وفي مباراة حاسمة؟!.

كنت على ثقة بأنهم سيختارون طريقة اللعب ذاتها، لأنهم من أوصلوني لاختيارها بالأصل. أحيانا، أختار طريقة اللعب لكن لا أعلم إن فهموها بشكل جيد، فأقول لهم مازحًا: «هل فهمتهم ما أريد؟» فيقولون: «نعم،بالطبع»، فأقول لهم: «كرروها لي»
كارلو أنشيلوتي

http://gty.im/473183570

عن طريق التحايل تخلى أنشيلوتي عن جزء من صلاحياته وسلطته ومكّن العلاقة الطيبة مع لاعبيه، لأنه عندما ننخرط ونشارك في صنع القرارات التي تخص عملًا نقوم به سنقدم مستويات أفضل بلا شك لإحساسنا بالمسئولية. بالإضافة إلى أننا لا نحب تلقي الأوامر ولا نطيق الانصياع إليها.

وعلى الرغم من تصرف أنشيلوتي الذي نال إشادة الكثيرين، لكن يجب ألا ننسى أن الكلمة النهائية دائمًا ما تكون للمدرب. لأنه الشخص الوحيد المسئول عن النجاحات والإخفاقات، وهو المُلام الأول ومن يتعرض للإقالة وليس اللاعبين. ولنا في مباراة بايرن ميونيخ وريال مدريد في نصف نهائي دوري الأبطال موسم 2014 عِبرة ومَثَل، عندما اقترح لاعبو البايرن على جوارديولا اللعب بخطة مختلفة، فخسر الفريق الألماني برباعية في زلزال ضرب أركان الأليانز أرينا.

رفضت طيلة الموسم اللعب بخطة 4-4-2، وقررت أن ألعب بها في أهم مباراة في الموسم. لقد كان خطأ كبيرًا
بيب جوارديولا.

http://gty.im/487398145


المواهب المميزة لديها غرور كبير، تقبّل الأمر!

من المتعارف عليه أن غرور الذات يتسبب بالضرر للكيانات سواء كان ضمن كيان العائلة أو الصداقات وصولًا إلى العمل. لكن في كرة القدم ينجح بعض اللاعبين الموهوبين بسبب غرورهم، و الدافع الحقيقي وراء هذا الغرور هو الوصول لمصافّ النجوم المشهورين. في نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2012، ديديه دروجبا أهدى فريقه اللقب الأوروبي الأول بعد إحرازه لركلة الترجيح الخامسة والحاسمة. قبل ذلك ب 4 سنوات في نهائي موسكو، كانت مهمة دروجبا تسديد الركلة الأخيرة في حال الوصول لركلات الجزاء، لكنه لم يتمكن من تسديدها بسبب البطاقة الحمراء التي تلقاها خلال المباراة.

بعد الذي حصل في موسكو، أردت فقط تنفيذ الركلة الأخيرة، هذا جل ما أردت

دروجبا متحدثًا عن رغبته الشخصية في الانتقام لما حدث في موسكو.

البرتغالي كارلوس كيروش مدرب ريال مدريد السابق.

الأمر أشبه بالعلاقة الزوجية بين الرجل و المرأة، إذا تواصل الزوجان بأسلوب نقاش حضاري و استوعبا بعضهما ستكون الأمور أسهل بالنسبة لهما، لكن في حال أراد الرجل زوجة مطيعة تنصاع لأوامره سيكون مصير هذا الزواج هو الفشل و الانفصال. و الهولندي « غوس هيدينك » يعتبر أن أصعب الإمتحانات بالنسبة للمدربين هي إدارة لاعبين يمتلكون شخصيات يصعب التعامل معها. فالعُرف الرياضي السائد يقول أنه لايوجد هناك لاعب أكبر من النادي، لكن يجب أيضًا على النادي أن يكون كبيرًا بما يكفي ليتوافق مع طموحات اللاعبين الممتازين.

http://gty.im/451320961

عندما كان « هيدينك » مدربًا لأيندهوفن قبل 25 عام تقريبًا، كان روماريو هو نجم الفريق، البرازيلي كان عادةً ما يتأخر عن الإلتحاق بمعسكرات الفريق بسبب بقائه في مدينة « ريو » بهدف حضور المهرجانات، و كان كسولًا في التدريبات، و يتخلف عن حضور وجبات الطعام مع الفريق. هيدينك كان يغض الطرف عن مشاكله السلوكية وقلة التزامه و دافع عنه أمام تململ و تذمر اللاعبين الآخرين في الفريق. لكن روماريو كان يعرف حل المعادلة هذه رغم صعوبة موقفه، فكان يتوجب عليه أن يؤدي جيدًا في المباريات و هذا ما قام به دائمًا. روماريو كان كالصداع بالنسبة لأيندهوفن،لكن لا ضير من بعض الألم إن كان العمل يُنجز بالشكل المطلوب.

ربما الإنجاز الأعظم لفيرجسون خلال 27 سنة مع مانشستر يونايتد، كان قدرته على إبقاء شخص يوصف بصعوبة مراسه و شدة شكيمته، « إيريك كانتونا » الذي ترك أغلب أنديته السابقة و خلفه بعض المشاكل و حالة من عدم الرضا بين الطرفين. فيرجسون استوعب ما هي احتياجات كانتونا للاستمرار بالتألق، و فهم أن السبيل لذلك هو الوقوف في صفه دائمًا، بصرف النظر عن فداحة أخطائه حتى عندما قام بركلة الكاراتيه الشهيرة بحق أحد المشجعين لأن حقيقة الأمر أن كانتونا كان يقوم برد الجميل لمدربه بسبب دفاعه عنه.


مهمتك كمدرب هي إيجاد التحديات

اللاعبون الكبار لديهم إدراك كبير لحاجة أنديتهم إليهم و كذلك موهبتهم النادرة و خصوصيتهم التي تتخطى حاجز الغرور

النجاح الرياضي في أندية النخبة يتعلق بعدة جوانب منها مهارة اللاعبين و كفاءة المدربين و بالطبع جودة الطاقم المساعد، لكن ما زال البعض يعتقد أن سر النجاح الرياضي يكمن في الخطب التشجيعية و الحماسية من المدربين قبل بداية المباراة، لكن حقيقة الأمر أن هذا لا يحدث في أندية الصف الأول.

دار حديث بين كارلو أنشيلوتي و المدير التنفيذي « فورد » القادم من بولتون، وجّه خلاله أنشيلوتي سؤالًا لفورد عن الفروقات التي اختبرها بين بولتون النادي الصغير و تشيلسي الذي يعد من النخبة.

عندما كنت في بولتون،كان الطاقم الفني و الإداري يقوم بعقد إجتماعات في كل شهر تقريبًا يتم فيه تذكير اللاعبين بالأساسيات التي يلعبون من أجلها: الفوز والسلوك الجيد والتصرف بشكل احترافي. لكن خلال فترتي الأولى مع تشيلسي مضى 6 أشهر و لم يقم أي أحد بإجراء هذا النوع من الإجتماعات أو التوجيهات للاعبين
فورد المدير التنفيذي السابق بنادي بولتون الإنجليزي.

المواهب الكبيرة عادة ما تكون محفزة ذاتيًا، فهم يريدون النجاح من أجل أنفسهم. لأن الموهبة الممتازة تحث نفسها على الأفضل و لا ترضى بالقليل أو المقبول.

التحفيز ليس له مكان في الرياضة، فأنت تفوز بسباق طواف فرنسا بالتمرين الجاد في إحدى الصباحات الماطرة عندما لا يكون لديك أدنى دافع. عوضًا عن التحفيز أُفضّل القول أن الإلتزام على المدى الطويل و الرغبة المستمرة هي من تأتي بالنجاح.
بريلسفورد مدير فريق سكاي للدراجات.

قبل المواجهات الكبيرة، يعمُّ الأجواء جو سلبي مشحون بالتوتر و الضغوطات النفسية، و اللاعبون في هذه المناسبات يكونون في أمّس الحاجة للراحة و الاسترخاء. و لهذا السبب كان مدرب نونتنغهام فوريست « برايان كلوف » يقوم بالترويح عن أنفس لاعبيه أحيانًا بتوزيع البيرة على لاعبيه في الحافلة خلال الطريق إلى للمباراة. حتى أن كلمات كلوف الأخيرة للاعبيه قبل الخروج من غرف الملابس إلى الملعب كانت دائمًا « اخرجوا و استمتعوا بأنفسكم ».

أما جوارديولا فيعتقد أن سبب خروجه من برشلونة لم يكن بسبب فشله في تحفيز لاعبيه و لكنه رأى أن خروجه كان لسبب آخر لم ينجح في تحقيقه.

ما حدث في برشلونة لم يكن بسبب فشلي في تحفيزهم. لا، لقد فشلت في إغوائهم
بيب جوارديولا.

ما قصده بيب هو أن التحفيز بين المدرب واللاعبين يعتبر علاقة عمودية أشبه بعلاقة رئيس العمل بمرءوسيه، لكن الإغواء يعني أن العلاقة تجردت من كل هذه التصنيفات وأصبحت أفقية أو متساوية.