من صحفية وهبت نفسها لرئيس، إلى شاعر حبلت نساؤه بنجم السيسي، إلى عالم أزهري يعلنه رسولًا ابتعثه الله إلى المصريين خاصة.

هكذا شاركت غادة الشريف الكاتبة الساخرة في هوجة من الهوس بالرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي تجاوز الإعجاب إلى التقديس وتخطى الإلهام إلى النبوة حتى تحول إلى مُخَلّص للبلاد.

ولأن عمر الأضواء أقصر مما كان متوقعًا، غيرت غادة الشريف توجهاتها أكثر من مرة، فتارةً تثير الجدل بلغة وصفها مراقبون بـ «الابتذال»، وعندما يمل مؤيدوها من سبابها وسخريتها، تقرر المعارضة لتبدأ بإثارة الجدل من جديد، في حياة سياسية قصيرة، وحلم يقرُب حينًا ويخفُت أحيانًا كثيرة دون تحقيقه.


غادة الشريف: المؤيدة التائبة

مسيرة غادة الشريف في المعترك السياسي شهدت تأييدًا مطلقًا، مرورًا بتبديل المواقف، وانتهاءً بانقلاب عام في التوجهات، لتكون في نظر الكثيرين «مؤيدة السيسي التائبة»، حيث تحولت خلال سنوات معدودة من تملق «غمزة» السيسي إلى إطلاق شخصية وهمية تخاطبها طول الوقت «حمادة» لتشنَّ هجوماً قوياً على الإدارة المصرية.

وبأسلوب أقرب إلى «الردح» – وفقاً لصوغ الكثيرين – على طراز الزقاق والحواري الأشد بؤسًا بمصر، استعانت غادة في مقالاتها بجُمل على غرار «جرى إيه يا دلعدي!» و«قال بطلوا ده واسمعوا ده».

وظلت غادة الشريف في محاولات عديدة ليصبح لها موطئ قدم في الحياة العامة، على غرار والدها الدكتور محمود شريف الطبيب الجراح الذي تقلد منصب محافظ الشرقية والقاهرة ثم وزارة التنمية المحلية في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك.

وعلى ذات المنوال، التحقت الشريف بكلية الطب على أمل إكمال مسيرة الأب، وحصلت على دكتوراه في الصحة الدولية من جامعة نيويورك ودرجة الماجستير في وبائيات الأورام من جامعة كولومبيا، وتدرجت في المناصب حتى وصلت إلى رئاسة قسم الإحصاء الطبي ووبائيات الأورام بمعهد الأورام التابع لجامعة القاهرة.

وبإمكانات كِتابة خاصة، سمحت لها بحجز مكان في أحد الجرائد الأكثر انتشاراً، قبل أن تكون أداة لملاحقتها أمنيًا.


البدايات: «للخلف در»

يسجل موقع «المصري اليوم» أقدم مقالات غادة الشريف، في يناير/كانون الثاني 2010، لتعاصر رغم حداثتها في الكتابة الصحفية عهد ثورة 25 يناير وما قبلها، حيث انتقدت في عصر مبارك حالة الطوارئ والتحقيق مع الصحفيين، وتردي الأوضاع الصحية والتعليمية، ونهب الأراضي في ظل سكوت تام من الشعب،قائلةً: «أصل إنت يا شعب مشكلتك إنك شعب فاضي غير منتج ومافيش فيك غير لسان أطول من كوبري أكتوبر.. طول عمرها مصر منهوبة، وأنت طول عمرك شايف وساكت وعايش».

وبالرغم من انتقادها نظام مبارك، قدمت غادة في صباح ثورة 2011 المصرية مقالاً تستبعد فيه ما أسمته «تخبط ودلع»، وسخرت من الحدث باعتباره «رانديفو الثورة»، وهاجمت فيه الثوار متنبئةً بفشلهم.

ثم بعد تنحي مبارك توجهت مقالاتها لاستكمال ثورة الشباب، معتبرة أنها الثورة الوحيدة في التاريخ التي اتسمت بأنها «ثورة شيك»، وإبان الثورة خرجت بمجموعة من المقالات الساخرة من رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف تارة تقول «د. شرف.. ممكن تبوس الواوا»، وتتمنع تارة أخرى في «د. شرف.. يهديك يرضيك»، وتتوعد تارة ثالثة في «د. شرف.. فات الميعاد».

وآنذاك لم تكن غادة الشريف معروفة للعامة، حيث مثلت أحداث 30 يونيو/حزيران الوهج الأكبر في تاريخها الصحفي، بعد معاناة طويلة من الإهمال.

ويعتبر مقال الشريف «إنت تغمز بعينك بس» اللحظة الفارقة، حيث رفع الكاتبة الناشئة عاليًا محدثًا حالة من الاستنكار الواسع واُعتبر إهانة للمرأة المصرية، ونال إعجاب الكثيرين من ناحية أخرى، حيث التقى مع وجدان شريحة ضخمة من مؤيدي السيسي، ومعظمهن نساء في منتصف وأواخر العمر، متضرعات للقائد العسكري كممثل لدولة الأمن والأمان.

وجاء المقال الذي نُشر على جريدة «المصري اليوم» موجهًا حديثًا يحمل الكثير من التلميحات الجنسية متحدثةً باسم نساء مصر، ووجهته للمشير عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع حينذاك، في استجابة لدعوته بإعطاء تفويض لمواجهة «الإرهاب المحتمل»، قائلةً إنه يكفي أن «يغمز» حتى تلبي المصريات النداء، كما وهبت نفسها طواعية للزواج أو لغيره، قائلة:

طالما السيسى قالنا ننزل يبقى هننزل… بصراحة هو مش محتاج يدعو أو يأمر… يكفيه أن يغمز بعينه بس… أو حتى يبربش… سيجدنا جميعاً نلبي النداء… هذا رجل يعشقه المصريون!… ولو عايز يقفِل الأربع زوجات، إحنا تحت الطلب… ولو عايزنا ملك اليمين، ما نغلاش عليه والله!… أهو هنا بقى نطبق الشريعة.

ظهور حمادة

بالرغم من تجاوز عدد المقالات 600 مقال، بالإضافة إلى عشرات المداخلات واللقاءات التلفزيونية، وجدت الكاتبة الساخرة «غمزات» السيسي «مبتأكلش عيش»، فاتجهت إلى نقد ما دون الوزارات السيادية والمناصب الأشد حساسية في الدولة، وتدريجيًا انتقلت للهجوم على رأس النظام شخصيًا بصيغة مستعارة «حمادة».

ففي مجموعة من المقالات على موقع «المصري اليوم» انتقدت الشريف الحكومة برئاسة المهندس شريف إسماعيل متهمةً إياها بالعمل «ضد الغلابة»، قائلةً: «من بين الوزارات الكارهة للغلابة وزارة التضامن الاجتماعي، حيث تم تجاهل الكثير من المعدمين بحجة أنهم غير مسجلين في الدفاتر الرسمية، وكذلك وزارة التربية والتعليم بعد تطبيق التجربة اليابانية التي تحولت لـسبوبة».

ورأت غادة أن الشرطة المصرية تعود لسابق عهدها ما قبل ثورة يناير، فروت ما حدث لها شخصيًا عندما أوقفها شرطي المرور، وفاجأها بالقول: «احنا راجعين تاني»، وتساءلت الشريف: «هل كان الشرطي قد قال ذلك لأنه كان يقف في الشمس لفترة طويلة، أم أنه ببساطة يكرر ما سمعه من زعمائه: أيامنا تعود مرة أخرى؟».

وأكدت الكاتبة بـ «المصري اليوم» أن الدولة تتجه «لنفس خاتمة مبارك»، مُحذرةً «ارتقبوا فإنا مرتقبون»، وساخرة من الكتائب الإلكترونية: «هتفضلوا واقفين على باب التواليت كتير؟»، وأضافت: «دا كان يوم أسود يا حمادة يوم ما نزلنا ورقصنا وقلنا بشرة خير… آل بشرة خير آل.. دى طلعت بشرة فقر».

ووجهت الشريف في تدوينة أخرى حديثها في إشارة للسيسي قائلةً: «النحنوح اللى بيبيع أرضه ويشوف الشارى مين، فمحدش بيعمله حساب، وزي ما أنت شايف كده يا حمادة بياخذ على قفاه»، وفي تدوينة أخرى تنبأت «النهاية قربت قوي».


«غمزة» السيسي الجارحة

سهام الدولة حاصرت غادة الشريف من كل حدب وصوب، فتحولت رموش السيسي لسهم جارح أصاب الشريف رغم كتابتها مقالا في تملق تلك «الغمزة» ذات يوم، بل طال الأمر إلى الموقع الإلكتروني الذي نشر المقال.

حيث تعرض موقع «المصري اليوم» في 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي للاختراق بسبب مقال غادة الشريف تحت عنوان «هتخرب أكتر من كدة إيه؟»، مرفقةً تسجيلًا لمكالمة هاتفية للناشط السياسي حازم عبد العظيم أيد فيها المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق لنزول انتخابات الرئاسة في 2018.

بيان موقع «المصري اليوم» عن اختراقه ونشر مقال زائف للكاتبة الساخرة غادة الشريف

ووجهت غادة الشريف هجومًا حادًّا وسيلًا من الشتائم في المقال للنظام السياسي، ومحملةً إياه مسئولية خراب البلد، وقالت إنه «أسوأ من عهد حكم الإخوان وإنه سوف يتسبب في إسقاط الدولة»، الأمر الذي نفته الشريف لاحقًا معتبرةً أنه مزيف.

وفي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أعلنت الشريف توقُّفها عن كتابة عمود أسبوعي في المصري اليوم، وكتبت منشورًا عبر صفحتها، بعد 24 ساعة مما أسمته الجريدة «اختراق»، كان مفاده:

خطوة إعلان التأييد لشفيق كانت فارقة في علاقة نجلة الوزير البارز بالإعلام، حيث اعتبرت غادة أن نشر مقال مزيف لها «رسالة موجهة من أجهزة الأمن».

وشنت وسائل الإعلام هجومًا على غادة الشريف بعد نقدها الحاد للرئاسة، كان أبرزها جريدة «الدستور» التي وصفت «الشريف» بـ «كاتبة مرتزقة حشرت نفسها ضمن من كتبوا يؤيدون مشروع 30 يونيو».

لم يتوقف التضييق على غادة عند هذا الحد، بل أحال النائب العام المستشار نبيل صادق، البلاغ المقدم من أشرف سعيد فرحات المحامي بالنقض، الكاتبة الصحفية للنيابة، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بتهمة تهديد الأمن القومي.

ومقدم البلاغ المحامي أشرف سعيد فرحات هو مقيم دعوى استمرار اتفاقية «تيران وصنافير» أمام محكمة الأمور المستعجلة، والتي ساهمت في التسبب بتناقض الأحكام القضائية، مما أفضى إلى سريان الاتفاقية بقرار برلماني، وهو الأمر الذي سعت الحكومة المصرية لإقراره.

وقد سخرت الشريف عبر صفحتها على فيسبوك من قرار الإحالة، موجهة حديثها إلى «حمادة»، معلقة: «سيبك إنت يا حمادة، بلاغات تتقدم فينا أو ما تتقدمش، نبدأ نفتقد الأمان والأمن فى بلدنا أو ما نفتقدش.. كل ده مش مهم.. المهم عندنا هو أمن المواطن الإسرائيلي وشعوره بالأمان!»، وقالت في تدوينة أخرى ساخرة «بيتهيألى كده بقى مش أقل من أمل كلونى اكلمها تيجى تحضر معايا التحقيقات».


اللي فات حمادة واللي جاي…!

بعد منعها في الصحافة اكتفت غادة الشريف بنشر مقالاتها لـ 42 ألف متابع وعدة آلاف من الأصدقاء على الفيسبوك، وهو انتشار لا يناله الكتاب عادة، بل يفتقده بعض النجوم.

وفي أعقاب ذلك تعالت الكاتبة الصحفية في مستوى هجومها على الرئيس، حيث سخرت من تصريحات عبد الفتاح السيسي التي تحدث فيها عن هيبة الدولة المصرية، قائلةً: «والنبى يا حمادة تدوّر عندك في السندرة كده على هيبة الدولة.. بتقول إنها موجودة؟.. موجودة بأمارة إيه بقى إن شاء الله؟.. القفا اللى أخذناه من اثيوبيا؟.. وللا القفا اللى بناخذه من داعش فى سيناء؟.. وللا الهيبة رجعت بأمارة ال600 قفا اللى عمّالين ناخذهم من التجار كل يوم.. بس علشان الاصطفاف يا حمادة لازم تسمع الكلام وتصدق إن هيبتك رجعت.. ياللا قول ورايا: أنا مش قصير أوزعة، انا طويل و اهبل!».

غادة الشريف تعلن تأييدها لترشح الفريق أحمد شفيق لانتخابات الرئاسة 2018
غادة الشريف تعلن تأييدها لترشح الفريق أحمد شفيق لانتخابات الرئاسة 2018

وحرصت الشريف على فضح المخابرات المصرية بنشر صورة من موقع التواصل «واتساب»، في 11 سبتمبر/أيلول الماضي، لمحادثة مع مسئول شركة فالكون، المكلف بالتواصل معها للعمل في شبكة تلفزيون الحياة، التي استحوذت عليها الشركة مؤخرًا.

و أكدت الشريف: «طلبوا مني متكلمش على الفيس.. أتوقف نهائيا عن قفشات حمادة حتى لا أتسبب في ضرر لناس تهمني.. هو أنا كدة أبقى بأتهدد ولأ إيه.. دا احنا ولا أيام صلاح نصر»، لافتةً إلى أن كل من يهاجمونها: «لاعقو أحذية» وحاقدون.

ومؤخرًا، خفتت نبرة السخرية قليلًا وعبرت غادة بشكل جاد عن حقيقة التهديد الذي تتلقاه:

أصبحت لا أشعر بالأمان.. هناك تنكيل واضح.. بيصطادونا واحد ورا التاني.. مفيش خطوط حمراء.. تلفيق التهم شغال على ودنه، لم يعد هناك أمان.. ربنا يستر.