من بين مختلف الأشجار حول العالم، عندما تُذكر شجرة واحدة بعينها، فإنها تُحول الحديث الواقعي إلى خيال بعيد، فهي الشجرة التي ستتكلم في المعركة التي ستكون الفيصل في بداية عالم جديد مثالي.

إنها شجرة الغرقد. هل حقًّا ستشي تلك الشجرة بِمَنْ خلفها يوم المعركة الكبرى بين المسلمين واليهود؟ وما قصة تلك الشجرة التي اشتهرت دون غيرها من الأشجار، وارتبطت بنهاية العالم.

وهل لها ذكر في الكتابات اليهودية، كما ذُكرت في الأدبيات الإسلامية؟

شجرة الغرقد والعوسج

ينتمي كُلٌّ من نبات الغرقد والعوسج إلى فصلية النباتات «Nitrariaceae»، وهي نباتات أرضية (أي لا ساق لها)، تنمو في المناطق الجافة، في مختلف أرجاء العالم، وتلك الفصيلة معروفة بقدرتها على تحمل الجفاف، ونمو الشوك على سطح النبات.

نبتة الغرقد أو الغردق، باللاتينية « Nitraria» وكما يوضح الطبيب والمؤرخ المصري أحمد عيسى في كتابه «معجم أسماء النبات»، يُسمى عنب الديب، ويوضح المهندس الزراعي «إدوارد غالب» في موسوعته «الموسوعة في علوم الطبيعة» الجزء الثاني، أن الغرقد هو جنس نباتات من فصيلة الغردقيات، ينمو في المناطق الآسيوية والأفريقية الشمالية والوسطى، وأنواعه شجيرات وجنبات شائكة أو سرحة، أوراقها كاملة متعاقبة جامدة النصل، أزهارها بيضاء اللون أحدية، ثمرها على شكل العنب، مدببة الطرف، حمراء أو سوداء، وارتفاعها يتجاوز 100 متر.

أما نبات العوسج، باللاتينية «Lycium barbarum»، جنس نباتات دُغلية برية زراعية من فصيلة الفروليات وفصلية الورديات، لها 300 نوع منتشرة حول العالم، معظمها بري (أي ينمو من تلقاء نفسه) وبعضها زراعي، ثمارها يُستخرج منها بعض أنواع الكحوليات، ولها أنواع مثل: العوسج الأحمر الهَلب، نبات دُغلي معمر أزغب اللحاء، على سطحه شوك، ساقه متفرع يعلو من 100 إلى 200 سم، أوراقه ثلاثية التفصيص، بيضاء الشكل، عنقودية، وأيضًا هناك العوسج الأسود، والعوسج الأصفر، كما وضحهما المهندس الزراعي «إدوارد غالب» في موسوعته.

العوسج في الكتابات اليهودية

وردت كلمة «אָטָד» بمعنى نبات العوسج، وهو نبات بري شائك من فصيلة باذنجية (لوسيون – lyceum) في معجم دافيد سجيف (عبري – عربي)، وورد به كلمة «יַמְלוּחַ» بمعنى الغرقد، نبتة من فصيلة الرطواطيات، أما عن معجم ابن شوشان (عبري – عبري) فورد به كلمة «יַמְלוּחַ» بمعنى الغرقد، وهى نبتة من فصيلة الشوكيات تنمو فيه منطقة «النقب بالقرب من الأردن».

ولكن ما تم استخدامه في الكتابات اليهودية يشير مباشرة إلى نبتة «العوسج» وليست شجرة الغرقد، كما وضحنا الفرق بينهما، فكل ما يربطهما هو قصر طولهما والشوك الذي ينمو على ثمارهما.

وردت كلمة «אָטָד» أي العوسج، في سفر التكوين (50: 10)، «וַיָּבֹ֜אוּ עַד־גֹּ֣רֶן הָאָטָ֗ד אֲשֶׁר֙ בְּעֵ֣בֶר הַיַּרְדֵּ֔ן»، «وجاءوا إلى بقعة العوسج بالقرب من الأردن[1]»، في ذلك الإصحاح يحكي لنا الكاتب أن أبناء يعقوب الاثني عشر سبطًا ذهبوا من مصر إلى كنعان ليدفنوا أباهم «يعقوب» كما أوصاهم، وصنعوا له تاجًا من نبات العوسج ليزينوا به القبر، ومن هنا أتت زخرفة يهود مصر للقبور بنبات العوسج وليس الغرقد.

ويرد ذكر آخر لها في سفر القضاة (9: 14)، «וַיֹּאמְר֥וּ כָל־הָעֵצִ֖ים אֶל־הָאָטָ֑ד לֵ֥ךְ אַתָּ֖ה מְלָךְ־עָלֵֽינוּ»، «وقالت كل الأشجار لشجرة العوسج، لتكن مَلكًا علينا[2]»، ويحكي لنا كاتب السفر أن يوثام بن جدعون (أحد قضاة بني إسرائيل) حاول أن يقص على أهل الشكيم (نابلس حاليًّا)، حكاية رمزية عن خطورة تنصيب «أبيمالك»[3]، عليهم مَلكًا فشبهه بنبتة العوسج، لأنه نبات مليء بالشوك وطعمه مُر، دليل على السوء.

ويُشبِه سفر المزامير الشرير بالـ «عوسج»، ففي سفر المزامير (58: 10) « בְּטֶ֤רֶם יָבִ֣ינוּ סִּֽירֹתֵיכֶ֣ם אָטָ֑ד כְּמוֹ־חַ֥י כְּמוֹ־חָ֝ר֗וֹן יִשְׂעָרֶֽנּוּ»، «قبل أن يصبح الشوك عليقًا، فيحركنا غضب الرب كما الأحياء[4]».

ولم يقتصر استخدام كلمة «אָטָד» على العهد القديم، فورد ذكرها في التلمود البابلي مبحث (سيدير) «سوطا» (13:a 4)، «التكريم الممنوح من عائلة يعقوب وقت دفنه واستجابتهم لوصيته، «وجاءوا إلى بيدر (صومعة) نبات العوسج بالقرب من الأردن، وهناك حزنوا حُزنًا  عظيمًا؛ وصُنع لأبيه عزاء لسبعة أيام» (تكوين 50: 10)، كلمة عوسج هي اسم شجرة العليق.

شرح التلمود لماذا اختيرت تلك النبتة تحديدًا، فهي ليست للأكل نظرًا للشوك الذي يملؤها، فيقول الحاخام أباهو: تخبرنا الفقرة أنهم أحاطوا تابوت يعقوب بالتيجان، المصنوعة من شجرة العوسج، واستخدموا تلك النبتة بالذات؛ لأن أبناء عيسو وأبناء إسماعيل وأبناء قطورة جاءوا جميعًا لدفن يعقوب. وهو دليل على حالة المشاحنة التي كانت بين أبناء يعقوب وبين أبناء إسماعيل؛ فلكي يضمنوا ألا يعبثوا بالقبر، استخدموا نبات العوسج الشائك حول القبر، كما وضح التلمود البابلي.

أما التلمود الأورشليمي مبحث «السهندرين» (2: 1)، «אִם אֵין אַתְּ מְקַבֵּל עָלֶיךָ צֵא לָךְ לְמִדָבַּר הָאָטָד וּתְהִי שׁוֹחֵט וּנְחוֹנְיוֹן זוֹרֵק»، «إذا لم يرد عليك، اخرج لصحراء العليق، واذبح وانثر الدم هناك».

وفي كتاب الزوهار أحد أهم كتب التراث اليهودية، ولغته هي مزيج من العبرية والآرامية القديمة، فورد في مبحث « ויחי» «ويحيا» (وهو مبحث يتحدث عن دفن أبناء يعقوب له)، فصل رقم 80، «רִבִּי יִצְחָק פָּתַח וְאָמַר, וַיָּבֹאוּ עַד גֹּרֶן הָאָטָד וְגו’, וּכְתִיב, וַיַּרְא יוֹשֵׁב הָאָרֶץ הַכְּנַעֲנִי אֶת הָאֵבֶל בְּגֹרֶן הָאָטָד וְגו»، «الربي يتسحاق (إسحاق) بدأ وقال: جاءوا إلى بقعة العليق وإلخ، وكتب ورأى سكان أرض كنعان الحداد في بقعة العليق وإلخ[5]».

فيمكن القول إن شجرة العوسج في الأدبيات اليهودية ارتبطت بالحزن والحداد، وكل ما هو شرير، وليس لها ارتباط بالمعركة المنتظرة، فيما غابت شجرة الغرقد تمامًا من الكتابات اليهودية.

شجرة العوسج في الأدبيات الإسلامية

يُذكر في تفسير الطبري لآية الكريم «فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ» سورة القصص الآية 30، أن الشجرة التي نادى موسى منها ربه هي شجرة العَوْسَج، وقال بعضهم: بل كانت شجرة العُلَّيق، وهما نفس الشجرة.

يحدثنا القاسم، عن الحسين، عن أبي سفيان، عن معمر، عن قَتادة، في قوله: (الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) قال: الشجرة عوسج، قال معمر، عن قَتادة: عصا موسى من العَوْسج، والشجرة من العَوْسج.

ويجدر الإشارة إلى أن العصا في التوراة تعود إلى هارون وليس إلى موسى عليه السلام، ورغم ذلك استخدمها موسى عدة مرات لتكون أداة يصنع بها معجزات الرب.

ويكمل الطبري تفسيره للآية، حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم إِنِّي آنَسْتُ نَارًا قال: خرج نحوها، فإذا هي شجرة من العُلَّيق، وبعض أهل الكتاب يقول: هي العَوْسج.

وهذا بالإضافة إلى الحديث النبوي: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم هذا يهودي خلفي، تعالَ فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود[6]».

ونلاحظ في الحديث ذكر شجرة الغرقد، وهي غير شجرة العوسج، التي فسرها الطبري، أو التي ذكرت في الأدبيات اليهودية، وعلى عكس الكتابات اليهودية، ذكرت الأدبيات الإسلامية كلا الشجرتين، بطرق مختلفة، والتي لا تتشابه مع ما ورد ذكره في الكتابات اليهودية.

ويُمكننا هنا فهم الحديث الشريف عن الشجرة من منطلق أن الشجرتين الغرقد والعوسج هما أشجار بلا ساق، فإذا أخذها أحد ساترًا له؛ فلن يراه أحد.

هل يُزرع في إسرائيل الآن الغرقد أو العوسج؟

ذَكرنا سلفًا أنه نبات ينمو بمفرده في مناطق شديدة الجفاف والملوحة، ولكن يمكن زراعته أيضًا في الصحراء، نجد في موقع نباتات إسرائيل وبيئتها، أن نبات العوسج منتشر في المناطق القريبة من نهر الأردن ووادي عربة.

أما نبات الغرقد فهو يُزرع ومنتشر أكثر من العوسج، ويمتد من ضفاف نهر الأردن حتى البحر الأحمر، يوجد في أريحا والقدس، وصحراء النقب، والعديد من المدن بداخل الدولة.

المراجع
  1. نص ترجمته كاتبة المقال من اللغة العبرية للعربية
  2. نص ترجمته كاتبة المقال من اللغة العبرية للعربية
  3. أبيمالك: هو الأخ غير الشقيق ليوثام بن جدعون، والذي أمر بقتل إخوته، ونجح يوثام وقتها في الهرب.
  4. نص ترجمته كاتبة المقال من اللغة العبرية للعربية
  5. نص ترجمته كاتبة المقال من اللغة العبرية للعربية
  6. كتاب الفتن وأشراط الساعة، صحيح مسلم.