مدن تقنية عملاقة

لم يكن ليلند ستانفورد على علم بأن جامعة ستانفورد التي سعى لتأسيسها في أواخر القرن التاسع عشر تخليدا لذكرى ابنه الوحيد على مساحة 3300 هكتار من اسطبلات مخصصة للخيول، ستصبح واحدة من أعظم الجامعات في العالم^[1]، لم يدرك أنه مع زوجته جين سيكونان أول من وضعا البذرة الأساسية لأكبر تجمع تقني لأعظم شركات في تاريخ العالم الحديث المقدرة قيمته تقرب من 3 تريليونات دولار أمريكي فيما يُعرف بوادي السيليكون.

الوادي الذي تطور من منطقة برية وزراعية إلى قبلة الشركات ذات الإبداع التقني اللامحدود، المنطقة التي ساعدت على تحول المعارف والأفكار الجيدة إلى صناعات ومنتجات قوية تغزو العالم بأكمله بطرق متعددة لتفرض سيطرتها على السوق التقني مثل جوجل Google التي خرجت من رحم جامعة ستانفورد وسُجلت كشركة رسمية خاصة بشهر سبتمبر/أيلول عام 1998، كانت بدايتها في مرآب ومجموعة من الغرف نظير أجر مقداره 1700 دولار شهريا^[2]، الشركة التي أصبحت من كبرى الشركات التقنية في العالم.

كذلك شركات أبل وأوراكل وإي باي وغيرها من الشركات التي تأسست وانتقلت في هذه المنطقة وبدأت بدايات مشابهة لبدايات شركة Google لتنطلق منها إلى جميع أنحاء العالم بخدماتها ومنتجاتها.

من شركات ناشئة إلى مدن تقنية كبرى

لم يتوقف وادي السيليكون عن التطور مطلقا، فحان الوقت الشركات التقنية الكبرى أن توسع من منشآتها وتنشئ مجتمعات ومدنا تقنية صغرى لموظفيها يجدون فيها كل شيء تقريبا، وتعظم من خلالها سبل راحة وكفاءة عمل موظفيها؛ لأنه أصبح لا مفر من ذلك لكي تجاري ما يقع على عاتقها من اتساع ملحوظ وتطور تسعى إليه، حتى تستطيع أن تستمر على جودتها و خدماتها بأفضل شكل ممكن.

سامسونج

خطت Samsung أولى الخطوات سابقة باقي الشركات كأبل وفيسبوك في تأسيس مدينتها التقنية المصغرة على مساحة مليون ومائة ألف قدم مربع بتصميم من شركة nbbj المعمارية.

صُمم الحرم الجديد بشكل يدعم التفاعل بين موظفي الشركة كافة، ويجذب موظفين ذوي كفاءة عالية في السوق التقني ليندمجوا مع الشركة مستقبلا. تم تصميم المبنى الرئيسي للحرم بالمعدن الأبيض والزجاج، موقف خاص بالسيارات مطلي باللون الأخضر متناسقا مع الطبيعة والحدائق المحيطة بالمكان، كما يشتمل المبنى على أماكن مخصصة للياقة البدنية وممارسة الأعمال الفنية.

يتكون المبنى الرئيسي من عشرة أدوار بشكل جذاب جدا بكفاءة حرارية عالية ليستقبل بداخله ألفي موظف بالشركة، صُمم ليحد من المحتوى الحراري الكبير القادم من الشمس وبالتالي يقلل من تكاليف عمليات تكييف وتبريد المكان، كما تم استخدام زجاج خاص به يسمح للضوء الطبيعي أن يصل إلى داخل المكان.

هذا عن مقر Samsung بالولايات المتحدة الأمريكية، فماذا عن مقرها ببلدها الأصلي كوريا الجنوبية؟!

تمتلك هذه الشركة العملاقة مدينة كاملة باسم «Samsung Digital City» على مساحة 390 فدانا تحتوي بداخلها 39 ألف موظف، كما تشتمل المدينة على 131 بناية للعمل أو للترفيه كما هناك بنايات مخصصة فقط لاستقبال الزوار من الباحثين.

لم تكتف Samsung بذلك فقط؛ بل أضافت لتلك المدينة متحف يعرض تطور صناعة الإلكترونيات في جميع أنحاء العالم مع العديد من الأجهزة الأصلية التي تم اختراعها على مدار الـ270 سنة السابقة. من الطريف أيضا أنها توفر 9000 شمسية في حالة وجود شتاء في أحد الأيام يستطيع الموظفون استخدامها بحرية.

فيسبوك

أعلن مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك في أغسطس عام 2012 عن خطة توسعية لمقر فيسبوك الجديد بتصميم من المهندس المعماري الشهير فرانك جهري.

شمل الإعلان بعض التفاصيل بخصوص المقر الجديد حيث سيكون ضخما، مكونا من غرفة واحدة، يجلس الجميع فيها في الفضاء بمكاتبهم التي يُمكن دمجها عند الحاجة لذلك ويمكن فصلها كذلك مرة أخرى، سيتواجد الكثير من المطابخ الفرعية الممتلئة بالوجبات الخفيفة، كذلك ستتم زراعة الآلاف من الأشجار محيطة بالمبنى وعلى سطحه حتى تكون المنطقة بأكملها صديقة للبيئة. لم يكتفوا بهذه التفاصيل فقط؛ بل أعلنوا كذلك عن المحافظة على الحرم القديم للشركة والربط بنفق تحت الأرض بين الحرمين الجديد والقديم.

يسعى فيسبوك في العام الحالي على توسعة الحرم الخاص به أكثر ليشمل إقامة سكنية لموظفيها بعدد 1500 شقة سكنية، كذلك محلات للتسوق وصيدليات وحدائق عامة، كما أنه سيشمل محطة قطار لنقل الموظفين. سيكون المشروع الجديد على مساحة 125000 قدم مربع، وسيطلق عليه Willow Campus.

أبل

يشبه المقر الجديد لشركة أبل Apple سفينة الفضاء، فهو على شكل مبنى دائري يتسع لحوالي 12000 ألف شخص، يعكس المقر الجديد رؤية مديرها الراحل ستيف جوبز بالعمل في الهواء الطلق والطبيعة، فسيتجنب العمليات التقليدية في تكييف الهواء أو استخدام المراوح وفتح النوافذ لإعادة ضبط درجة الحرارة لكنه سيعتمد على نظام جديد معتمد على الطبيعة. فالمبنى الدائري العملاق مزود بحساسات ترصد اتجاه حركة الرياح حول المبنى للتحكم في دخولها للمبنى وخفض درجة حرارته، وكذلك وجود أنابيب مياه تمر في الأرض والجدران يمكنها تبريد أو تدفئة المبنى وقت الضرورة فقط.

صرحت المديرة التنفيذية ليزا جاكسون لموقع Wired بأنها لا تريد لموظفيها أن يشعروا وكأنهم بملهى ليلي، فهي تريد لهم أن يعرفوا الوقت أثناء عملهم ودرجة الحرارة بالخارج وملاحظاتهم لهبوب الرياح إن حدثت، وتشير إلى أن هذا ما كان يريده ستيف جوبز فكان يرى من الدمج بين الطبيعة إحساس الأشخاص بها ستساعده في إيقاظ حواسه.

يُغطى المبنى بحوالي 805 آلاف قدم مربع من الألواح الشمسية ليعتمد بالكامل على مصادر الطاقة المستدامة، كما أنه مصمم ليتحرك في حالة حدوث أي زلزال لمسافة 4.5 قدم في أي اتجاه كان، كما يحتوي على 9000 شجرة مقاومة للجفاف في جميع أنحائه.

هكذا تسعى الشركات التقنية العملاقة على التوسع وإقامة مجتمعاتها المتطورة الخاصة، تسعى من خلالها راحة موظفيها وزيادة ربطهم بمكان العمل والتعزيز من قدراتهم، كما أنها بكل قوة تعطي انطباعا للعالم على مدى تطورها وقدرتها على صنع كل ما هو جديد.