تمسك هاتفك لتقرأ آخر أخبار الشركات الناشئة والمستجدات في عالم ريادة الأعمال فتجد خبرًا عن استحواذ شركة مايكروسوفت على شركة سايبر إكس CyberX بـ165 مليون دولار. ما الذي يلفت انتباه تلك الحيتان إلى مثل هذه الأسماك الصغيرة؟ هل تعلم أن تطبيق واتسآب الذي تستخدمه يوميًا في التواصل مع أصدقائك كان في يومٍ ما من بين هذه الأسماك الصغيرة قبل استحواذ فيسبوك عليه مقابل 19 مليار دولار في 2014؟

صفقات الاستحواذ: لماذا تبتلع الحيتان الأسماك الصغيرة

تلجأ الشركات الكبيرة إلى الاستحواذ على الشركات الأصغر لعدة أسباب منها: زيادة حصتها السوقية، أو الاستفادة من التقنيات المُستخدمة في الشركات الناشئة لتحسين منتجاتها، أو الاستفادة من الكوادر المتميزة الموجودة في الشركات الصغيرة، أو التخلص من الشركات المنافسة في السوق.

1-زيادة الحصة السوقية والتوسع الجغرافي

يعد الاستحواذ من أهم الأدوات الاستراتيجية التي تتميز بقدرتها على تسريع وتيرة وقت وصول المنتج إلى السوق والحصول على عملاء جدد إضافةً إلى تمكين الشركة المستحوِذة من التوسع الجغرافي والأفقي. الاستحواذ المدروس والناجح يؤتي ثماره أيضًا في زيادة الأرباح ودخول السوق وتنوع العملاء.

تأسست شركة هوايا (هارمونيكا سابقًا) في مصر في 2017 بهدف التعارف وتوفيق الزيجات باستخدام التكنولوجيا مع المحافظة على الثقافة والتقاليد العربية والإسلامية. في عام 2019 استحوذت شركة Match Group الأمريكية المتخصصة في مجال التعارف والمواعدة على هوايا بهدف تقديم خدماتها في السوق العربي والإسلامي على مستوى العالم، وبفضل الاستحواذ نجحت الشركة في تقديم خدماتها في الإمارات والكويت والسعودية إضافةً إلى كندا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة.

في 2017، استحوذت أمازون على سوق مقابل 580 مليون دولار، وهي أكبر صفقة من نوعها في ذلك الوقت في منطقة الشرق الأوسط. ولأن استقطاب العملاء مسألة تستغرق وقتًا وجهدًا، فقد فضلت أمازون خيار الاستحواذ بدلاً من الدخول بنفسها إلى السوق في الشرق الأوسط.

2-الاستفادة من التقنيات المتطورة في الشركة المستحوذ عليها

قد يكون من الصعب على الشركة تطوير تقنية معينة تحتاجها لتقديم خدمات ومنتجات أفضل، وبدلاً من إهدار الوقت في محاولات قد لا تحقق النتائج المطلوبة تلجأ الشركة إلى الاستحواذ على شركة أخرى نجحت بالفعل في تطوير التقنية المطلوبة.

استحواذ جوجل على أندرويد خير مثال على ذلك، في عام 2005 اشترت جوجل شركة أندرويد مقابل 50 مليون دولار. بعد الاستحواذ استمرت جوجل في تطوير نظام تشغيل للهواتف المحمولة لمدة 3 سنوات وأطلقت أول نسخة من أندرويد في 2008. والآن يعد نظام أندرويد من أشهر نظم تشغيل الهواتف المحمولة على مستوى العالم واستطاع التفوق على النظم المنافسة الأخرى مثل مايكروسوفت ويندوز ونظام سيمبيان الخاص بنوكيا وبلاك بيري.

3-الاستفادة من الكوادر المتميزة

وجود كوادر ومواهب متميزة في الشركة أو المؤسسة من عوامل الجذب للشركات المستحوِذة، فوجود فريق عمل متميز وذي كفاءة وقادر على الإبداع والابتكار وتحقيق النتائج من أهم الأسباب التي تدفع الشركات الكبرى إلى الاستحواذ على الشركات التي توظف هذه المواهب.

في عام 2018 استحوذت مايكروسوفت على منصة Github في مقابل 7.5 مليار دولار. ما الذي تراه مايكروسوفت في هذه المنصة يجعلها تدفع هذا المبلغ مقابل شرائها؟ المنصة يستخدمها 56 مليون مستخدم تقريبًا وهي أكبر منصة لتطوير البرمجيات على مستوى العالم، وهذا يعني أن صفقة الاستحواذ تمنح مايكروسوفت إمكانية الوصول إلى أكبر مجتمع يضم مطوري البرمجيات والعاملين في مجال البرمجة.

وفي ريادة الأعمال، تحتاج الشركات الناشئة كذلك إلى الوصول إلى أفضل المبرمجين وغيرهم من التخصصات، والذين يمكن الوصول إليهم من خلال موقع مستقل الذي يوفر مجموعة متنوعة من المستقلين المحترفين في الكثير من المجالات وتستطيع من خلال المنصة الاستفادة من الكوادر المتميزة التي تقدم لك أفضل الخدمات.

4-التخلص من شركة منافسة

هذه السياسة تتبعها بعض الشركات الكبرى عندما تبدأ شركة منافسة في الظهور وتحقيق انتشار واسع بين المستخدمين، ويعد استحواذ أوبر على كريم من أبرز الأمثلة.

3.1 مليار دولار قيمة صفقة استحواذ شركة أوبر على منافستها في الشرق الأوسط كريم مع استمرار الشركتان في تقديم خدماتهما والاحتفاظ بالعلامة التجارية لكلٍ منهما. تعد هذه الصفقة الأكبر على مستوى الشرق الأوسط، إلا أنها واجهت بعض الاعتراضات من جهاز حماية المنافسة في مصر الذي اشترط الالتزام ببعض الشروط لحماية حقوق الركاب والسائقين والمستثمرين.

تحليل لأهم الصفقات: ما وراء صفقات العمالقة الكبار

في عام 2020 وبسبب ظروف الجائحة انخفض عدد الشركات التي استحوذت عليها عمالقة شركات التقنية (فيسبوك، أمازون، مايكروسوفت، جوجل، آبل) من 46 شركة في 2019 إلى 25 حتى تاريخ 2 سبتمبر 2020.

يوضح الرسم البياني التالي عدد الشركات التي استحوذت عليها كل من فيسبوك وآبل ومايكروسوفت وجوجل وأمازون في الفترة من 2016 إلى 2020.

عدد الشركات التي استحوذت عليها كل من فيسبوك وآبل ومايكروسوفت وجوجل وأمازون في الفترة من 2016 إلى 2020
 
/

والآن لنلقي نظرة على استحواذات الخمسة الكبار

1- مايكروسوفت

في أكبر صفقة استحواذ للخمسة الكبار، كانت صفقة استحواذ مايكروسوفت على لينكدإن التي تقدر بـ 26.2 مليار دولار، والتي أتاحت لمايكروسوفت فرصة الوصول إلى أكثر من 575 مليون محترف من مستخدمي المنصة والاستفادة من هذه الكوادر المتميزة.

أما استحواذها على تطبيق سكايب مقابل 8.5 مليار دولار، التطبيق الذي يستخدمه الملايين يوميًا في إجراء المكالمات الصوتية والمحادثات باستخدام الفيديو والدردشة فرصة جيدة لتقديم خدمات جديدة إلى عدد أكبر المستخدمين وزيادة حصتها السوقية، والاستفادة من تقنيات المحادثات المرئية بين الأقران Peer-to-Peer.

استحواذات مايكروسوفت
استحواذات مايكروسوفت

2- أمازون

نجحت أمازون في ضم أحد منافسيها إلى صفوفها بعد استحواذها على Zappos في 2009 مقابل 1.2 مليار دولار والتي تتميز بثقافتها التي ترتكز على رضا العملاء الأمر الذي يتوافق مع ثقافة ورؤية أمازون.

من الشركات التي انضمت إلى أسطول أمازون في عام 2014 منصة Twitch لألعاب الفيديو في صفقة قيمتها 970 مليون دولار أتاحت لأمازون الدخول إلى سوق ألعاب الفيديو واكتساب عملاء جدد.

في 2017، أُبرمت صفقة أخرى مع سلسلة متاجر Whole Foods Market مقابل 13.7 مليار دولار أتاحت لأمازون بيع منتجاتها في المتاجر التقليدية إضافةً إلى الاستفادة من بيانات التسوق ومعرفة المزيد عن عادات المتسوقين في المتاجر التقليدية.

استحواذات أمازون
استحواذات أمازون

3- جوجل

استحوذت جوجل على يوتيوب في عام 2006 مقابل 1.65 مليار دولار للتوسع في تقديم خدمات الإعلانات على الإنترنت. فبعد فشل جوجل في مجال الفيديو قررت ضم يوتيوب إليها للاستفادة من نجاحها والمواهب المتميزة الموجودة بها.

دفعت جوجل 3.2 مليار دولار لشراء Nest المتخصصة في الأجهزة المنزلية الذكية في خطوة لزيادة حصتها في سوق إنترنت الأشياء. وقد سبقت هذه الصفقة محاولة إطلاق جهاز تلفزيون ذكي لكن المحاولة لم تحقق النتائج المرجوة.

أما استحواذها على Looker الشركة الناشئة التي تعمل في تحليل البيانات في صفقة قيمتها 2.6 مليار دولار يمثل محاولة للاستفادة من الكوادر والخبرات الموجودة في Looker والجمع بين أفضل المواهب في الشركتين في مجالي تحليل البيانات والبنية التحتية السحابية.

استحواذات ألفابت/جوجل
استحواذات ألفابت/جوجل

4- آبل

في 2014 استحوذت آبل على Beats Electronics مقابل 3 مليارات دولار، وهي شركة حققت نجاحًا ملحوظًا في صناعة سماعات رأس حظيت بشهرة كبيرة بين الفنانين والمشاهير. استطاعت آبل بفضل هذه الصفقة الاستفادة من التقنيات المستخدمة في Beats في إنتاج Airpods والتي أصبحت من أكثر منتجاتها نجاحًا.

400 مليون دولار قيمة استحواذ آبل على تطبيق Shazam للتعرف على المقاطع الموسيقية. هذه الخطوة تزيد من سيطرة آبل على سوق الموسيقى ويمكن استخدام التطبيق في توجيه المستخدمين إلى Apple Music. هذا إضافةً إلى البيانات التي يمتلكها التطبيق مثل الأغاني الأكثر شعبية أو تلك التي لا يستطيع المستمع التعرف عليها ويحتاج إلى التطبيق لمعرفتها.

يوضح الإنفوجرافيك التالي أهم صفقات الاستحواذ التي أبرمتها آبل

استحواذات أبل
استحواذات أبل

5- فيسبوك

عملاق التواصل الاجتماعي عقد صفقة استحواذ على إنستجرام بقيمة 1 مليار دولار في 2012 بهدف تقديم أفضل تجربة للمستخدمين في مشاركة الصور وتوسيع نطاق الخدمات التي يقدمها.

بعدها بعامين في 2014 اشترى فيسبوك تطبيق واتسآب الذي ينافس ماسنجر مقابل 19 مليار دولار وأصبح يمتلك أشهر تطبيق رسائل كان يمثل تهديدًا لهيمنة فيسبوك على تطبيقات التواصل الاجتماعي.

استحواذات فيسبوك
استحواذات فيسبوك

عاد بخفي حنين: صفقات استحواذ لم يحالفها النجاح

على الرغم من التغطية الإعلامية التي تحظى بها صفقات الاستحواذ والمبالغ الطائلة التي تنفق عليها، فبعضها لا يكلل بالنجاح ولا يحقق الأهداف المرجوة، ومن أشهر الأمثلة في هذا السياق:

جوجل وموتورولا

12.5 مليار دولار أنفقتهم جوجل على صفقة استحواذها على موتورولا في عام 2011، وكان الهدف من الشراء تطوير أجهزة هاتف محمول من الدرجة الأولى بعد أن استطاع نظام تشغيل أندرويد جذب عدد كبير من المستخدمين، إلا أن النتائج الفعلية جاءت مخيبةً للآمال. لم تتمكن الشركة من إنتاج هواتف بالجودة المطلوبة وفشلت في تحديث نظم التشغيل الموجودة على هواتف موتورولا الموجودة بين أيدي المستخدمين إلى أحدث نسخة من أندرويد. وبعد عامين باعت جوجل موتورولا لشركة لينوفو مقابل 2.9 مليار دولار.

مايكروسوفت ونوكيا

في عام 2014 استحوذت مايكروسوفت على نوكيا مقابل 7.9 مليار دولار، وكانت نوكيا في ذلك الوقت قد خسرت جزءًا كبيرًا من حصتها السوقية لصالح الشركات المنافسة. هذا الاستحواذ لم يؤتِ ثماره بسبب فشل خط الهواتف لوميا مما اضطر الإدارة العليا إلى إعادة هيكلة الشركة والاستغناء عن عدد كبير من الموظفين.

 ابن سينا وعلاجي

وفي السياق العربي والمصري، استحوذت شركة ابن سينا على 75% من تطبيق علاجي في مقابل 25 مليون جنيه مصري. التطبيق مخصص لطلب الأدوية ومنتجات التجميل من الصيدليات القريبة من المستخدمين واستفاد من خدماته ما يقرب من 600 ألف مستخدم منذ إطلاقه في 2018. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فبعد الإعلان عن الاستحواذ قررت نقابة الصيادلة في مصر وقف التعامل مع شركة ابن سينا لأنها بذلك تبيع الأدوية مباشرة للجمهور مما يمثل مخالفة قانونية جسيمة. انتهى الأمر برضوخ ابن سينا لحملة المقاطعة التي أطلقها الصيادلة وإلغاء الاستثمار.

خطط التخارج: الاستحواذ أحد الخيارات وليس الوحيد

بصفتك رائد أعمال أو صاحب شركة ناشئة قد يكون كل اهتمامك في البداية منصبًا على بناء شركة ناجحة وتقديم خدمات أو منتجات متميزة تحقق أرباحًا لشركتك. لكن كيف ترى مستقبل شركتك بعد 10 أو 20 عامًا من الآن؟ هل تريد توريثها إلى أبنائك أم أنك تنوي العمل فيها لفترة معينة ثم بيعها لشركة أخرى؟ الاستحواذ ليس الخيار الوحيد للتخارج، فإن كنت تريد بيع شركتك أو حصتك فأمامك عدة خيارات:

  1. بيع الشركة إلى أحد المعارف أو الأقارب: يمكنك بيع حصتك أو شركتك لأحد الأقارب أو الشركاء المؤسسين أو الموظفين الكبار، وما يميز هذا الخيار هو أن عملية البيع سوف تكون بينك وبين شخص تعرفه وتثق به، لكن يعيبه افتقاره إلى الموضوعية فقد لا تحصل على أعلى سعر للبيع بسبب معرفتك السابقة بالمشتري.
  2. الاستحواذ: يعني بيع شركتك إلى شركة أخرى أكبر مثلما حدث مع أوبر وكريم. يتميز الاستحواذ بارتفاع قيمة الصفقة بسبب احتياج المشتري إلى المنتج أو الخدمة التي تقدمها شركتك وفي حالة البيع لشركة منافسة فمن المحتمل أن تُقيم شركتك بقيمة أعلى مقارنةً بقيمة بيعها إلى الغير.
  3. طرح أسهم الشركة في الاكتتاب العام (IPO): هذا الخيار يعني أنك تعرض جزءًا من الشركة في صورة أسهم في البورصة. يستطيع أي شخص شراء جزء من شركتك ويظل فريق العمل في شركتك يمارس نفس مهامه إلى حدٍ كبير كما كان قبل الاكتتاب. هذا الخيار لا يناسب كل الشركات حيث يجب أن تستوفي الشركة بعض الشروط وفقًا للقوانين السارية في كل دولة.

الأرقام التي تستثمرها الشركات الكبرى في صفقات الاندماج والاستحواذ ليست ضمانًا لنجاحها في المستقبل، واتجاه الشركات العملاقة لضم الشركات الصغرى لفت انتباه الجهات المسؤولة عن تنظيم المنافسة في مختلف دول العالم لحماية حقوق وبيانات المستخدمين ووضعت الشركات المستحوِذة تحت المجهر.