من فترة كنت بتمشى على النيل، وما أدراكم ما حلاوة النيل، الواحد كان مبسوط كدا ومرتاح وهو ماشي على النيل، بحب أوي أمشي على النيل.
إسراء أحمد من كتابها «روح حلوة»

في أبريل/نيسان من هذا العام 2019، أعلنت دار الرسم بالكلمات إصدار كتاب «روح حلوة» لإسراء أحمد وهي فتاة مصرية بالعشرين من عمرها تدرس في كلية الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، ووُلدت بتشوهٍ أثّر قليلاً على شكل وجهها وطريقة نُطقها للكلمات.

إسراء واحدة من مشاهير السوشيال ميديا بسبب طريقة تحديها ظروفها الصحية، وإعلانها دوماً راية الحرب على هذه الظروف، وأنها لن تستسلم لها أبدًا، فظهرت في عشرات اللقاءات التليفزيونة والندوات محاربة لإعاقة ظاهرية وصاحبة «روح حلوة» تكافح المجتمع يوميًا كي لا تسقط أرضًا، ولكن هل تكفيها هذه السيرة الذاتية لتكون صاحبة كتاب في المكتبات يُباع جوار روايات نجيب محفوظ ويحيى حقى ورضوى عاشور.

القراءة الأولية للكتاب تؤكد أننا لا نقرأ كتابًا، وإنما مجرد «بوستات» تم حشدها من على صفحة «فيسبوك» ووُضعت خلف بعضها لتصنع عملاً، حيث تسرد إسراء ذات الـ20 عاماً – بلجهة عامية صرفة – نصائحها وحكمها عن الحياة وكيفية التعامل مع الناس. ورغم أنه من الصعب الحصول على إحصائيات دقيقة بأرقام مبيعات الكتب في مصر، لكن حالة الصخب التي أحدثها الكتاب على السوشيال ميديا وتفاؤل الناشر في حديثه مع «إضاءات» بأنه سيطرح الطبعة الثانية قريبًا، هي أمور تنبئ بأن العمل سيحقق أرقامًا جيدة في هذا الصدد.


أدب أم تجربة شخصية؟

تعتبر الناقدة الأدبية سارة قويسي تجربة إسراء ليست جديدة في مجال النشر المصري، الذي شهد من قبل عشرات التجارب التي اعتُبرت نصوصًا ضعيفة فنيًا، منها ما قُدّم بشكل جيد على أنه مجرد تجربة إنسانية، فلم يُحاكمه الناس إلا من خلال هذا المنظور مثل تجربة أنيسة حسونة مع السرطان، وآخر مثل كتاب «تافه إكلينيكًا» لم يتم تقديمه بشكل مناسب فنال الانتقادات، رغم أنه كان يمكن عرضه على إنه «كتاب لايت لجمهور عايز حاجة تضحكه».

وتضيف: أنيس منصور كان يقدم كتبًا خفيفة تحكي عن مواقفه الشخصية أو حكايات عن رحلاته أو تعليقاته بطريقة ساخرة أو غاضبة، إذا قسناها بمنظور أدبي لاعتبرناها تندرج أيضًا تحت الفئة «الخفيفة»، لكن وقتها كانت الساحة الثقافية مهيئة لمثل هذ النوعية وكان هناك انفتاح على القراءة بشكل كبير.

وتتبع، أما الآن فالسوق الأدبية غير مهيئة لظهور كتاب كبار من جديد، لأنه أصبح معتمدًا على ثقافة البيع، فأي شخص يأمل فيه الناشر أن يبيع أكثر يكون هو من يستحق أن يُنشر له كتابًا.

وعن الاعتراضات التي طالت كتاب إسراء، وعن كيفية السماح لمثل هذه النوعيات من الكتب بالصدور، أوضحت: إذا كانت هذه الكتب تعبّر عن فن سيرة ذاتية أو حتى يوميات فأنا مع نشرها، أما إذا كانت لا تقدم أي شيء من هذا فلا أوافق على نشره.

«لا أوافق على وجود رقيب على الكتب، لكني مع وجود وظيفة التحرير الفني للأعمال» هكذا أجابت سارة على سؤال يتعلق بالمطالبة وضع رقابة مسبقة على الكتب قبل نشرها، وأتبعت: «ظهور هذه الوظيفة في الساحة الأدبية المصرية والعربية لتحسين الإنتاج الموجود على الساحة، ومساعدة الكتاب وتهيئتهم لساحة العمل والإبداع».

من جانبه، أوضح الناشر محمد المصري، صاحب دار النشر بالكلمات، الذي تصدى لنشر العمل، أنه رفض كتابة تجربة إسراء من خلال محرر الدار الأدبي، كي لا يقوموا بالتدليس على القراء وإفراغ الفكرة من مضمونها باعتبارها مجرد فضفضة بالعامية البسيطة، تحمل روحًا إيجابية من صاحب تجربة تستحق أن تُروى.

ويضيف، أن خطة الدار تقوم على نشر أنماط مختلفة من الكتابة، تناسب جميع القراء، وتشمل الكتابات الفكرية والأدبية والتجارب الشبابية، وقد ترشح عدد من الروايات الصادرة عنها لجوائز كبرى وأشاد بها النقاد، لكن كتاب إسراء يندرج ضمن الفئة الأخيرة للتجارب وليس الأدب.

وتهتم الدار بمناقشة ظواهر المجتمع، كما يشير محمد المصري؛ وبعض تلك الهموم هو تحدي المرض والإعاقة، وقد سبق أن نشرت الدار رواية تتحدى مرض التوحد من خلال تجربة أم مع ابنها وهي رواية «ريستال» وكانت هي تجربتها الأولى في الكتابة، ثم قامت الدار بربط الكاتبة والقراء بجمعيات مواجهة التوحد، وهو الدمج المفيد بين أطراف المجتمع.

ويشير «المصري» أيضًا لتبني الدار من قبل نشر أعمال تواجه العنصرية في المجتمع، من خلال رواية «دماء ودموع»، كما ناقشت انحدار سلوكيات المصريين من خلال 6 كتب وبينها «من فضلك نحن نتقدم للخلف»، وظاهرة زيادة معدلات الطلاق من خلال كتاب «تيجي نتطلق».

ويرد الناشر على من أساء للمؤلفة باعتبار أن ما تكتبه رديء لو قورن بمستوى السرد المتوقع من رواية، وهي تهمة لا ينفيها الناشر؛ قائلًا:

أن إسراء فتاة تحب القراءة ولكنها لا تتمتع حتى الآن بملكة الكتابة الحقيقية، ولم يكن ذلك مطلوبًا منها بقدر التعبير الحر عن تجربتها والوصول لأكبر فئة من الذين يشاركونها نفس الألم، ودعم روحهم المعنوية من خلال تجربة عملية تثبت أن الحياة لا بد أن تستمر من خلال الإرادة.

وكشف المصري، أن الطبعة الثانية من الكتاب ستحظى بمقدمة رصينة من استشارية شهيرة في الطب النفسي تتحدث عن تلك الحالة كنموذج لآلاف الأطفال والشباب ممن يحملون نفس المرض منذ طفولتهم، مضيفًا أن كثيرًا من التجارب الشهيرة عالميًا لذوي الحاجات الخاصة لم يحدث أن قوبلت بهذا الهجوم بسبب مستوى السرد.

ويضيف الناشر: تم انتقادنا بعد وضع صورة إسراء على الغلاف، وهذا كان عمل مقصود، لأننا نرغب بكسر حاجز الرهبة من أصحاب الحاجات، وهم في الحقيقة أصحاب قدرات خاصة لا نعرفها، وروحهم تحمل عزيمة وأمل ورغبة في الإنجاز يطمسها المجتمع، وذلك من خلال تعليقات مزرية يرفضها الدين والخلق والتحضر، وتضيف لمعاناة هؤلاء النفسية بدرجة كبيرة، وهو ما تعرضت له إسراء في كتابها بالشرح.

أما عن فكرة استغلال شهرتها، فهو أمر لم يكن مقصودًا لذاته، إلا لكسب التعاطف بالفعل مع إسراء ومن يحمل تجربتها، وليس عيبًا تقديم نماذج متحققة اجتماعيًا من خلال وسائل التواصل، فهذه طريقة لتعرفنا عليهم.


رقابة الكتب

أنا مش ببدع أنا بقدم نصيحة، مش عمل إبداعي، ممكن ندخل فيه في مسابقة إبداع وكتابة، أنا مش أديبة ولا كاتبة.
إسراء أحمد، عبر صفحتها الشخصية على موقع «فيسبوك»

عن المطالبة بوجود آلية ما لرقابة الكتب في مصر تضمن ألا يخرج للمكتبات إلا الأعمال ذات المستوى الجيد، اعتبر محمد عبيه المدير السابق للنشر في «دار دلتا»، أن هذه الفكرة تعني إعلان وفاة لمهنة النشر بشكل نهائي، لأن المهنة نفسها تمر بعملية شديدة البطء من الإجراءات الإدارية المعقدة قبل أن يخرج الكتاب للنور.

إن اقتراح إضافة «الموافقة السابقة» كشرط جديد للنشر يعني أعباء جديدة على مهنة بالأصل تعاني من مشاكل متفاقمة، هذا من ناحية الإجراءات التي تخص دار النشر، أما من الناحية الأخرى التي تخض المُبدع أو الكاتب، أيًّا كان مستواه، فإن هذا المقترح يعني خلق رقيب عسكري داخل نفس كل مؤلف يحاول كتابة ما سيكون مقبولًا للنشر، وفي أغلب الأحوال يكون الناتج أبعد ما يكون عن الإبداع، وفي النهاية لن يحقق الغرض النهائي لأصحاب المقترح.

ويوضح رأيه بقوله:

إن الكتابة السيئة هي شيء خالد يعاني منه أي سوق نشر بالدنيا ولا يمكن القضاء عليها وتبقى أشبه بالضريبة التي يجب أن ندفعها من أجل الحصول على الكتابة الجيدة، وعلينا جميعًا أن نأمل في أن تسعى دور النشر لتنمية وعي الجمهور تدريجيًا حتى يقاطع بنفسه البضاعة الرديئة دون حاجة لـ«فلتر» مسبق ينتقي وينقي بدلاً منه.

يقول يوسف ناصف مدير دار المصري للنشر والتوزيع، إن الناس يتناسون في بعض الأحيان أن دار النشر هي مشروع تجاري أولاً وأخيرًا، فالجميع يتحدثون عن القيم الأدبية والثقافية من باب المزايدات، لكن عند ظهور الأزمات المالية، يواجهها الناشرون وحدهم، ولا أحد يشاركهم معاناتهم.

ويتابع، الفترة الأخيرة مررنا بأزمات طاحنة، وتعرضت سوق النشر لمشاكل كبيرة؛ من ارتفاع أسعار الخامات، مروراً بتكلفة الطباعة، وتعثر بعض المكتبات الكبرى في دفع مستحقات دور النشر، بخلاف سوق الكتب المضروبة التي تتربّح من أعمالنا «على الجاهز»، وفي النهاية يأتي «اللي إيديهم مش في النار» ليُزايِدوا علينا.

ويضيف: أنا مع ما أي ناشر «يشوف مصلحته»، فكل من ينتقدونه الآن لن يسعوا لدعمه أبدًا، أنا كنت أقدّم عبر كُتبي «خلطات متنوعة» من مختلف الأنواع، منها روايات أدبية شديدة الرقي نال بعضها جائزة ساويرس أكثر من مرة، ومنها أعمال تجارية لبعض مشاهير السوشيال ميديا، وللجمهور الحق في شرائها أو اقتناء غيرها، فلستُ أحجر على أحد، ولو أن كتاب «إسراء» أو غيرها نجح في تحقيق مبيعات جيدة، فذلك نجاح يُحسَب لها لا عليه، وعلى المتابعين أن يراقبوا أسبابه ويقلدونه لا ينتقدونه ويحاولون منعه.