هل يمكنك أن تُصدِّق أن هناك من يمتلك القدرة على التنصت عليك طوال الوقت، وأنَّه أقرب إليك ممَّا تتخيل؟ الإجابة بسيطة لو كنت تعيش في المنطقة العربية حيث أنَّ هذا هو ديدن الأنظمة الحاكمة وكنت ناشطا سياسيا مثلا. لكن الأمر هذه المرة خارج نطاق سيطرتهم السياسية، كما أنه أيضا ليس بشكل واضح لأهداف سياسية. لكن هل يمكنك أن تصِّدق بالأصل أنه يمكن لجهةٍ ما الإنصات لكل ما تقوله -بدون علمك- لأغراض بريئة تحمل فائدتك فقط؟ حسنا، هذا ما تحاول الشركات التقَنِيَّة العملاقة إقناعك به؛ أنَّ التنصت عليك هو لمصلحتك ولفائدتك فقط.

ميكروفون هاتفك يتنصت عليك

تؤكد الفيسبوك أنها لا تستمع لنا بدون تصريح للتطبيق بالاستماع، وأنها تستخدم هذا فقط أثناء تحديث الحالة أو تسجيل الفيديو أو أي ميزة تتطلب تسجيلا صوتيا

حسب الاندبندنت، ربَّما يكون الفيسبوك يستمع لكل ما يدور حول الهاتف من خلال تطبيقه المثبت عليه، وهي الميزة التي مر علي وجودها سنتان دون أن نعلم تفاصيلها. وتدافع الفيسبوك عن هذا الأمر بالطبع، حيث تقول أنَّها تسمع ما يدور حول الهاتف بهدف معرفة الأنشطة التي يقوم بها المستخدم وذلك لاقتراح تحديثات للحالة متناسبة مع ما يقوم به، كأن تقوم باقتراح الأغنية التي تسمعها عندما تستخدم خيار «يستمع إلى» عند تحديث الحالة.

لكن حسب كيلي بيرنز Kelli Burns أستاذة الاتصالات بجامعة جنوب فلوريدا، فالفيسبوك يتنصت علينا وذلك لأغراض إعلانية. وتقول كيلي أنها اختبرت بنفسها الحديث في موضوعات محددة بجانب هاتفها لتجد بعدها موضوعات إعلانية متعلقة على الخط الزَّمني الخاص بحسابها. وعلى الرغم من عدم تأكدها بأن الاستماع المباشر من قبل تطبيق الفيسبوك لحديثها هو السَّبب، إلا أن ما حدث يثير شكوكا وتساؤلات حول أخلاقية ما تقوم به الفيسبوك.

قامت الفيسبوك فورًا بالرَّد على تقرير الاندبندنت بنفي الهدف من الإنصات، أو استخدام حديثنا لاختيار إعلانات متناسبة مع حديثنا تزيد من فرص تفاعلنا معها، حيث تؤكد الفيسبوك في بيانها أنها لا تستمع لنا بدون تصريح للتطبيق بالاستماع، وأنها تستخدم هذا فقط أثناء تحديث الحالة أو تسجيل الفيديو أو استخدام أي ميزة تتطلب تسجيلا صوتيًا، وأيضا فتلك الخاصيَّة لا تعمل سوى في أمريكا. كما أكدَّت أنها لا تُخزِّن أي بيانات صوتية، وأنها فقط تستغل الإنصات بشكل فوري. هذا بالنسبة للفيسبوك.


جُوجل، الكارثة الأكبر

إذا كان ما يقال عن الفيسبوك مجرد تكهنَّات تثير قلقنا وتنكر وجودها الفيسبوك، فالأمر مختلف بالنسبة لجوجل، والتي تقوم بشكل مؤكَّد بالتنصت على ما يقال حول أي جهاز يستخدم أيًا من خدماتها إذا قام المستخدم بتفعيل البحث الصوتي والأوامر الصوتية. وتستخدم جوجل تلك التسجيلات في تحسين خدماتها اللُّغوية والصَّوتية – حسبما تقول -. وتوفِّر لك الشَّركة طريقة سهلة للاستماع أو التخلُّص من كل أحاديثك المسجَّلة على خوادمها من خلال صفحة خاصة بداخل حسابك. توفر لك تلك الصفحة جميع أحاديثك التي سجلها لك هاتفك الأندرويد، أو أي جهاز آخر تستخدم عليه خدمات جوجل الصَّوتية كخدمة Ok Google التي تُفِّعل البحث الصَّوتي. الأفضل هنا -فقط- أنَّ جوجل لم تُنكِر الأمر وتوفِّر لك أيضا إمكانية التحكُّم فيه وإلغاءه ومسح المسجَّل من قبل، وهذا عكس الفيسبوك والتي لا ندري بالضبط ما الذي تقوم به.


ما مدى خطورة الأمر؟

تقوم جوجل بشكل مؤكد بالتنصت على ما يقال حول أي جهاز يستخدم أي من خدماتها إذا قام المستخدم بتفعيل البحث الصوتي والأوامر الصوتية
جوجل والفيسبوك تتنصتان على جميع المستخدمين وليس مجموعة محدَّدة، ممَّا ينفي أنَّ الأمر له أهدافا سياسية أو أمنية بشكل رئيسي مباشر

انتهاك الخصوصية، كلمتان تفسران كل ما نتحدث عنه هنا. فجوجل والفيسبوك تتنصتان على جميع المستخدين وليس مجموعة محدَّدة، مما ينفي أن الأمر له أهدافا سياسية أو أمنية بشكل رئيسي مباشر. فلن تقوم أجهزة المخابرات الأمريكية – أو غيرها – بالتعاون مع شركتين عملاقتين بهذا الشَّكل المفضوح للتنصت على مئات الملايين من المستخدمين لأغراض أمنية. فلنتجنَّب إذاً الحديث عن نظرية المؤامرة التي تشغل الوجدان الجمعي العربي حاليا ونتحدث بطريقة أكثر عملية؛ الهدف الرئيسي هو امتصاص أكبر قدر ممكن من أموالك عن طريق جعل تجربة الاستخدام أكثر راحة وسلاسة ومن ثَمَّ إظهار إعلانات أكثر تماهيا مع حالتك؛ تحسين تجربة المستخدم وكسب الأموال من المعلِنين هو هدف هؤلاء المديرين المرابطين في وادي السيليكون، ولهذا بشكل أساسي ينتهكون خصوصيتك يومًا بعد يوم. وهناك طرقٌ بسيطة جداً للتحكم هذا الأمر قدر الإمكان، التوقف عن استخدام الفيسبوك وجوجل؛ وهو خيار غير عملي بالمرة كما جاء على بالك، فلن يستطيع أحد في هذا العصر أن يتوقف عن استخدام الفيسبوك وجوجل للأسف، وهذا سيأتي بالتأكيد على حساب جزء من الخصوصية، لكننا على الأقل سنحاول إيقاف التسجيل الصوتي، فلا أعتقد أنك – أو أنا على الأقل – سيهنأ لك بال لو كنت تعلم أن كل كلمة تقولها تسجل على مخدمات في دولة أخرى وتحلِّلها خوارزمية ما للاستفادة منها بأي طريقة!.

إذا كنت من مستخدمي خدمات البحث الصوتي الخاصة بجوجل على أي منصة (أندرويد، iOS، كروم) فيجب عليك أولا إلغاء خدمات البحث الصوتي بالأمر المباشر Ok Google وتتنازل عن مميزات هذه الخدمة. أما بالنسبة للفيسبوك فسنعطل وصول التطبيق لصلاحية استخدام الميكروفون الخاص بهاتفك، ولهذا خطوات سهلة حسب نظام التشغيل العامل به.

على أجهزة أبل iOS: اذهب لتطبيق الإعدادات Settings app، ثم اختر تطبيق الفيسبوك، ثم إعدادات Settings، قم بإلغاء اختيار الميكروفون Microphone.

على أجهزة الأندرويد (نسخة مارشميللو): اذهب للإعدادات settings، ثم اختر إعدادات الخصوصية والأمان Privacy and safety، ثم صلاحيات التطبيقات App permissions. اختر منها الميكروفون ثم قم بالغاء تطبيق الفيسبوك. تختلف الاختيارات من شركة لأخرى لكنها تحمل نفس الطابع والمسمَّيات.

هذا أقصى ما يمكنك فعله، ولفهم أكثر للعبة الخصوصية والإعلانات وكيف تربح شركات مثل الفيسبوك وجوجل المليارات سنويا، أنصحك بقراءة مقالاتنا عن الخصوصية على الانترنت في زمن السوشيال ميديا