ما يقرب من نصف مليون حساب على موقع Google+ كان عرضة للاختراق منذ عام 2015، دون علم الشركة بذلك.

هل أفزعك الأمر، أم أنك اعتدت على مثل هذه العناوين؟

أيًا ما كانت إجابتك فقد أعلنت Google يوم الثامن من أكتوبر الجاري عن إيقاف موقع التواصل الاجتماعي Google+ خلال الأشهر العشرة القادمة؛ أي في أغسطس 2019، وذلك بعد نشر تقرير عن فشل الشركة في تأمين بيانات مستخدميه، حيث تمكن مطورو التطبيقات من استغلال ثغرة سمحت لهم بانتهاك حسابات Google+ منذ عام 2015، ومكنتهم من جمع بيانات شخصية لمستخدميه، وهي مشكلة لم تكن Google على دراية بها حتى مارس الماضي، حينها قررت Google عدم إبلاغ المستخدمين؛ لأن ذلك سيجعل الشركة «في دائرة الضوء جنبًا إلى جنب أو حتى بدلاً من Facebook في فضيحة (كامبريدج أناليتيكا)، على الرغم من بقائها تحت الرادار»، وفقًا للتقرير المنشور.


«وول ستريت» تكشف الفضيحة

نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريرًا عن مذكرة داخلية لـ Google، تؤكد أنه في مارس 2018، وقتما كان مارك زوكربيرج يخضع لتحقيق أمام الكونجرس حول جمع البيانات لصالح (كامبريدج أناليتيكا)، في الوقت نفسه اكتشفت Google ثغرة في Google+ سمحت لمطوري التطبيقات بالوصول إلى البيانات، ليس فقط ممن منحوا الإذن لهذه التطبيقات، ولكن من أصدقائهم أيضًا.

حينها اختارت Google عدم الكشف عن تسرب البيانات، بدعوى أن القضية لم تكن خطيرة بما يكفي لإعلانها للرأي العام، كما أن القيام بذلك سيحدث ضجة إعلامية، في ظل استدعاء الرئيس التنفيذي لـ Google لجلسة استماع أمام الكونجرس، على هامش فضيحة (كامبريدج أناليتيكا)؛ بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية، والتحيز في نتائج البحث، والممارسات المعادية للمنافسة.


بيان جوجل: أن تتخلص من المرض بقتل المريض

في 8 أكتوبر 2018، كشفت Google في تدوينة لها عن تسرب بيانات حوالي 500 ألف حساب من حسابات Google+، وهو ما قد يصل تأثيره إلى الوصول للمعلومات الخاصة لحوالي 438 تطبيقًا مرتبطًا بهذه الحسابات، ولكن الشركة أعلنت أنها لا تملك وسيلة للتأكد من حدوث ذلك؛ لأنها تحتفظ بسجلات API لمدة أسبوعين فقط، فاكتفت بالقول إنه لا يوجد دليل على أن أيًا من مطوري التطبيقات المتأثرة كان على علم بالاختراق أو تسريب بياناته، قائلة: «لم نعثر على أي دليل على أن أي مطور على علم بهذا الخطأ، ولم نجد أي دليل على إساءة استخدام بيانات الملف الشخصي».

وجاء بالتقرير: «بالنظر إلى نوع البيانات المعنية، سواء أمكننا تحديد المستخدمين بدقة، وما إذا كان هناك أي دليل على سوء الاستخدام، وما إذا كانت هناك أي إجراءات يمكن لمطور أو مستخدم اتخاذها- ولم يتم التحقق من أي منها».

كما دافعت Google عن تسترها على الأمر، بقولها: «كلما تأثرت بيانات المستخدم نتجاوز متطلباتنا القانونية، ونطبق العديد من المعايير التي تركز على مستخدمينا في تحديد ما إذا كان يجب تقديم إشعار».

وأعلنت Google عن سلسلة من الإصلاحات؛ لمنح المستخدمين مزيدًا من التحكم في البيانات التي يشاركونها مع مطوري التطبيقات، فضلاً عن تقييد وصولهم إلى البريد الإلكتروني، والرسائل القصيرة، وجهات الاتصال.


تاريخ محاط بالفشل

يعد Google+ أحدث شبكة اجتماعية من Google تدخل إلى قبر وادي السليكون، ففي عام 2004 أطلقت الشركة شبكة اجتماعية تسمى Orkut، اكتسبت قاعدة مستخدمين كثيفة في الهند والبرازيل، ثم تم إغلاقها في سبتمبر 2014، كما واجه Google Buzz مخاوف الخصوصية في غضون أيام من ظهوره في 2010، مما أدى إلى اتهام الشركة بانتهاك سياسات الخصوصية وخداع المستخدمين، وقدم المستخدمون دعوى جماعية ضد الشركة، نتج عنها تسوية بقيمة 8.5 مليون دولار.

وفي عام 2011 تم إطلاق Google+، كمحاولة يائسة لمنافسة Facebook؛ أملاً في الاستفادة من البيانات الغنية لمستخدمي الشبكات الاجتماعية، ومنذ إطلاقه تتابعت دلائل الإخفاق من سوء أدائه، وقلة استخدامه، وضعف قدرته على منافسة مواقع التواصل الأخرى، وتأكدت التكهنات بفشله بعد إعلان Google الأخير عن إيقافه. وبعد أن كان Google+ يمثل فشلاً رقميًا ضخمًا، أصبح الآن صداعًا تنظيميًا لـ Google، مما حدا بها إلى القيام بالحل الأسهل، على غرار «الصباع اللي يوجعك اقطعه، ماتعالجوش»، فقامت بالتخلص من هذا الصداع.


من الخاسر من توقف Google+؟ بالطبع لا أحد

قد لا يعلم العديد من الأشخاص امتلاكهم لحساب Google+، وهو ما دعا بعض المواقع لشرح طريقة التحقق وإلغاء الحساب، وهذا يعني ضمنيًا أن الموقع لم يكن ذا تأثير أثناء عمله، وكذا أثناء إيقافه.

وعلى مستوى المتخصصين، أكدت شركة (Search Engine Land) أنه بنظرة على أثر الموقع في نتائج البحث فإن إيقافه «لا ينبغي أن يكون مفاجئًا»،وقالت الشركة على موقعها الإلكتروني: «نادرًا ما كنا نغطي إعلانات Google+ أو التغييرات التي حدثت له؛ لأنه كان منتجًا بعيدًا عن الأعين».

وقد أكد موقع (marketing land) لبحوث التسويق أن Google+ خضع لتغييرات وتحديثات على مدار 7 سنوات، لكنه لم يكن قادرًا على منافسة Facebook أو Instagram أو Pinterest، ونظرًا لأن معظم جهات التسويق لا تعتمد على Google+فلن يكون لإغلاقه تأثير كبير.

وبالنسبة للشركة نفسها، فقد قللت Google من أهمية الأمر، حيث قالت إن «90٪ من جلسات مستخدمي Google+ أقل من 5 ثوانٍ»، وهي نسبة متدنية جدًا تعني أن الشركة لن تتأثر بإغلاقه.

وجدير بالذكر أن التأثر المرصود لإغلاق Google+ هو تراجع الأسهم في الشركة الأم Alphabet بنسبة 1.23٪، بعد الإعلان عن إغلاق الموقع، مع توقعات بتراجع عائدات الإعلانات، والتي تحقق عائدًا ماديًا ضخمًا يمثل الغالبية العظمى من الأرباح، حيث يمثل 86٪ من أرباح Alphabet صاحبة Google+، و98٪ من أرباح Facebook، في الربع الثاني من عام 2018، لكن تظل نسبة التراجع لا تُذكر تقريبًا.


تناقضات في بيان Google

أعلنت Google إيقاف Google+، وفي الوقت نفسه أعلنت استمرار الخدمة للمؤسسات التي تستخدمه لتسهيل المحادثات بين موظفيها، وهو أمر غريب أن يُعلن عن شبكة اجتماعية مؤمنة للشركات في ظل الفشل في حماية الملفات الشخصية للمستخدمين، وهو ما واجهته الشركة بالإعلان عن تعديل إجراءات الخصوصية وقواعد الأمان، كما أكدت على ضرورة مراجعة المستخدمين للتطبيقات التي يمكنها الوصول إلى حساباتهم، وإلغائها عند الضرورة، وأعلنت أنها ستتوقف عن فحص بيانات مستخدميها لأغراض إعلانية، ورغم ذلك لا تزال لدى الشركة الكثير من البيانات التي يمكن استهدافها، مثل سجلات البحث، ومشاهدات YouTube، وإجراءات Chrome الأخرى.

أشارت Google إلى إيقاف Google+ لقلة مستخدميه، وانتهاك الخصوصية الأخير، وهو ما يعني 7 سنوات متواصلة من الفشل في التوسع والتطوير والتأمين، مما يُفقد الثقة في منتجات الشركة المستقبلية، وبالطبع في منتجاتها الحالية.

وقد جاء إعلان الشركة ليبرز أنها أرادت التستر على الفضيحة لا معالجتها، بعد أن اختارت عدم الكشف عن الأمر سابقًا؛ حفاظًا على سمعتها، وهو ما يعني أن الشركة تهتم بسمعتها على حساب مستخدميها وخصوصيتهم، مما يهدد باستمرار انتهاكات الخصوصية.

ووفقًا لتقرير (وول ستريت جورنال)، فإن فريق Google القانوني نصح بعدم الإعلان عن الانتهاك؛ لأن ذلك قد يضعهم ضمن دائرة الاتهام في فضيحة (كامبريدج أناليتيكا)، وهو ما يعني أن قانونيي الشركة قد يستغلون أمورًا غير قانونية لمجرد أنها لا تنتهك قانونًا مُعلنًا، فما الفارق إذن بين مخترقي البيانات من خارج Google ومخترقي القانون من داخل Google؟

أعلنت Google أنها تحتفظ بسجلات البيانات لمدة أسبوعين فقط، وهو ما لم يمكّنها من معرفة تأثير الانتهاكات بدقة، وهو تصريح فضفاض يعبر عن عجز الشركة تقنيًا، وتهربها من المسؤولية بالاعتراف بثغراتها، مما يبرز تناقضًا تقنيًا شديدًا.

كما عارضت Google توصيف الحادث بأنه خرق للبيانات، ونفت مسؤوليتها بالحديث عن إرسال ملايين الإشعارات إلى المستخدمين حول أخطاء وقضايا الخصوصية والأمان، وتطبيق عدة معايير لحمايتها، ورغم ذلك قالت في البيان نفسه: «أبرزت مراجعتنا تحديات مهمة للحفاظ على Google+ ناجحًا ملبيًا توقعات المستهلكين، ونظرًا لهذه التحديات والاستخدام المنخفض جدًا، قررنا إلغاء إصدار المستهلك من Google+»، وهو تناقض واضح وقعت فيه الشركة، إذ ألقت المسؤولية على المستخدمين ثم اعترفت بعدم قدرة موقعها على الاستمرار.


قد يعزز ذلك الخصوصية.. ولكن

يأتي إيقاف Google+ في وقت عصيب تواجه فيه شركات التكنولوجيا الكبرى هجومًا متزايدًا بشأن تعاملها مع بيانات المستخدمين، ويمثل الأمر دليلًا جديدًا على أن عمالقة التكنولوجيا بحاجة إلى المزيد من الرقابة؛ لأن منصاتهم الاجتماعية غير مؤمنة ضد الثغرات، لذا يجب تناول الأمر في ظل رؤية أوسع عند تناول خصوصية البيانات وأمانها؛ وذلك استمرارًا للضغط على الشركات الكبرى لتعزيز إجراءات الأمان، وقد تدعم هذه الحادثة الدعوة إلى وضع لائحة شاملة لاستباق أي ثغرات جديدة، في ظل أن Google لم تنتهك أي قوانين اتحادية بعدم إخطارها للمستخدمين، ولكن يمكن أن يؤدي الأمر إلى مزيد من التدقيق للوصول إلى قوانين أكثر صرامة، وهو ما قد يعود بالنفع على المستخدمين، لكن في الوقت نفسه تبقى التخوفات أمرًا طبيعيًا.

ويكمن الخطر في عدم وجود قانون يُلزم Google بالكشف عن تسرب البيانات، كما أن قوانين ولاية كاليفورنيا – حيث تقع Google – تطلب من الشركات الكشف عن تسرب البيانات إذا كان يتضمن – فقط – اسم الفرد ورقم الضمان الاجتماعي أو بطاقة الهوية أو رقم رخصة القيادة أو لوحة الترخيص أو المعلومات الطبية أو معلومات التأمين الصحي، وهو أمر غير كافٍ لإدانة الشركة أو الضغط عليها.

يدعم ذلك تصريح ديفيد كارول، صاحب الدعوى القضائية ضد (كامبريدج أناليتيكا)، الذي توقع أنه بالنظر إلى المشكلات القانونية التي يواجهها Facebook، فإنه ليس غريبًا أن تحاول Google إبقاء التسرب بعيدًا عن أعين الناس؛ خوفًا من مواجهة نفس المصير. و قال كارول: «إن إغلاق Google+ يُظهر كيف أن التخلص من الأشياء هو أفضل من التعرض للمساءلة».

الأمر ليس بجديد، ومن المؤكد أن Google ستستفيد منه تسويقيًا وتنظيميًا وتقنيًا، وقد تخرج منه بمكاسب تفوق الخسائر، إذ شتان بين Google+ وغيره من التطبيقات كثيفة المستخدمين، مما يعني أن الشركة لن تخسر شيئًا تقريبًا.

ما يهمنا هو أن طرق انتهاك البيانات أصبحت أكثر فجاجة عن ذي قبل، مما يؤكد استمرارها، وعدم قدرة الشركات على مواجهتها، في ظل اهتمامها بتحقيق الربح والتوسع على حساب الخصوصية والأمان، ويبقى أمر أخير وهو أنك يجب أن تكون على دراية بأن تلك التطبيقات تحرص على انتهاك خصوصيتك، والحصول على بياناتك بقدر ما يحرص مخترقوها، إذن فالأمر مجرد تنافس بين مخترق تعطيه بياناتك بإرادتك وآخر يخترقها دون علمك.