أعلنت جوجل في مؤتمرها الأخير للمطورين عن تحديثات جديدة لأغلب خدماتها تدفع بالذكاء الاصطناعي لمرحلة متقدمة من التفاعل والتداخل مع أحداثك اليومية واستخدامك لخدمات جوجل. الآن «المساعد الشخصي – Google assistant» أكثر ذكاءً، خرائط جوجل تستخدم الذكاء الاصطناعي مع الكاميرا، الذكاء الاصطناعي يحسن صورك في «Google photos»، يمكن لمساعد جوجل أن يحجز لك مواعيدك بمكالمات هاتفية بديلاً عندك، كذلك يكمل لك ما تكتبه في بريدك الإلكتروني ويقترح ردودًا على الرسائل القادمة إليك، وهذا ليس كل شيء بالتأكيد.

اقرأ أيضًا:أبرز 5 تحديثات تهمك في مؤتمر جوجل السنوي

حسنًا، هذه خدمات جميلة جدًا وتسهل الحياة بالفعل، لكن ما السعر؟ المقابل؟ ما الذي تستفيد منه جوجل مقابل تقديم كل هذه الخدمات للمستخدم العادي بدون مقابل؟ أظن أنك تتوقع الإجابة بالفعل.


تجربة شخصية

شخصيًا، أستخدم كل خدمات جوجل مع إلغاء تفعيل كل خيارات تتبع نمط وتاريخ الاستخدام والتحرك والبحث وتاريخ مشاهدة اليوتيوب وكذلك تسجيل الكتابة والتنبؤ بها في لوحة مفاتيح جوجل، وهو ما توفره لك جوجل بسهولة شديدة من خلال صفحة واحدة بها كل الخيارات من خلال حسابك في جوجل.

وعند الإعلان عن «مساعد جوجل – Google assistant» لأول مرة وبعد أن وصل التحديث لهاتفي الأندرويد قررت أن أجربه. بدأت في التفعيل وإذا بأول خطوة هو وجوب إتاحة تسجيل كل أنواع النشاط كاملاً على مختلف خدمات جوجل ليستطيع المساعد العمل. جوجل تريد إذن كل بياناتك لكي تقدم لك تجربة استخدام ذكية، لماذا؟

نعود سويًا عامين للوراء لنتذكر انتصار ألفا جو التاريخي على أبطال العالم في لعبة جو، وألفا جو هو تطبيق ذكي من شركة «Deep Mind» المملوكة لألفابت؛ الشركة الأم لجوجل. حققت ألفا جو هذا الانتصار من خلال تدريب نفسها بنفسها والتعلم من أخطائها، فيما يسمى «Machine learning» وتستخدم في هذا «شبكات عصبونية رقمية neural networks» تتيح لها معالجة كم هائل من البيانات في وقت قليل، كانت وقتها تستخدم كل مخدمات جوجل السحابية للتطوير، لكن جوجل الآن تطور شرائح المعالجة الخاصة بالذكاء الاصطناعي لتتيح قدرات معالجة أكبر بكثير لذكائها الاصطناعي ليطور من نفسه.

اقرأ أيضًا:الذكاء الاصطناعي يفوز: جوجل تنتصر في التحدي التاريخي ضد GO

هنا نعود مرة أخرى لمساعد جوجل، وهو ببساطة مساعد صوتي شخصي تسأله فيجيبك، أو تطلب منه طلبًا محددًا فينفذه لك، أو يقدم لك طوال اليوم اقتراحات متناسبة مع نشاطك اليومي. مساعد جوجل يطور من نفسه بنفس الطريقة بالضبط، تعلم الآلة، وهذا يعني أنه كلما زاد عدد المتحدثين معه كلما أصبح أفضل في فهم حديثهم وفي تنفيذ طلباتهم، والتي كانت أبسط في بداياته، قبل أن تعلن جوجل عما أصبح قادرًا على فعله.

فالمساعد الذكي أصبح الآن قادرًا على تحليل جملة مركبة من طلبين مختلفين والإجابة عليهما سويًا، تقديم النصائح لك فيما يخص جدولك اليومي وأهم رسائلك ومواعيدك، الحجز المسبق بمكالمة تليفونية لمواعيدك في المطاعم وأماكن التسوق المختلفة، نعم هو من سيقوم بالمكالمة بدلاً عنك فيما يعرف بخدمة «Google Duplex»، غير الكثير من المميزات الأخرى.

مساعد جوجل أيضًا يسمعك دائمًا، لكنه لا يسجل حديثك إلا بعد أن تقول «Ok Google»، الآن أنت تعلم هذا.

يتحسن مساعد جوجل كلما استخدمته أكثر، ولهذا تمتلك جوجل أرشيفًا بكل بياناتك؛ مدخلات البحث التي قمت بها، والمحادثات الصوتية التي تمت بينكما، وكل أمر وجهته إليه، ويمكنك الاطلاع عليه وحذفه، لكن يجب إتاحته ليتطور المساعد، وتصبح تجربة استخدامك مخصصة لك، فهو سيفهمك أنت أكثر مع طول فترة الاستخدام.

نأتي الآن لصور جوجل، والذي بدأ في بدايته كتطبيق يوفر لك مساحة لا متناهية (أو محدودة للجودة العالية) لرفع الصور على مخدمات جوجل للاحتفاظ بها ومشاهدتها بين مختلف أجهزتك المرتبطة بحسابك على جوجل، مع تقديم بعض الأدوات البسيطة لتحسين الصور.

لم يتوقف الأمر أيضًا عند كونه أرشيفًا، بل تدخل الذكاء الاصطناعي ليطور من مميزات الخدمة كثيرًا، الآن أصبحت صور جوجل تصنف صورك حسب الأشخاص، والأماكن، والأحداث بشكل تلقائي. تحسين الصور أصبح يستخدم الذكاء الاصطناعي ليعدل الصورة لأفضل ظروف إضاءة وألوان ممكنة، أو يقوم بتلوين الصور القديمة الأبيض والأسود، وكذلك يتدخل في مكونات الصورة ليحذف أجزاء تفسد جمال الصورة كسور مبنى يغطي جزءًا من شخص أو سلك شائك يقف أمامك في الصورة.

كيف يفعل هذا؟

أيضًا بتدريب نفسه على مليارات الصور التي ترفع على مخدمات جوجل من قبل المستخدمين، وتفاعل المستخدمين مع التعديلات بالموافقة والرفض، فالموافقة يعني أن هذا تعديل جيد، والرفض يعني أن هناك خطأ ما تتعلم منه الخدمة ألا تكرر هذا مرة أخرى، يحدث هذا مليارات المرات في مخدمات قوية جدًا مخصصة لمعالجة الذكاء الصناعي في مقرات جوجل حول العالم. ولهذا فلكي تستخدمه بمميزاته يجب أن تقدم له بياناتك وصورك، ببساطة.

ماذا عن بريد جوجل Gmail؟

هو الآخر أصبح يستخدم تعلم الآلة في إكمال الجمل التي تكتبها حسب نمط استخدامك، ويقترح عليك ردودًا، يحلل رسائلك ليخبرك الأهم منها، يقدم لك الحجوزات والتذاكر في كروت منفصلة بداخل مساعد جوجل، وكل هذا عبر تحليل بياناتك بالطبع.

خرائط جوجل كذلك تقدم لك خدمات ذكية، واستخدام مباشر للكاميرا في التنقل والتوجيه بدقة، كما تدعم الآن مساعد جوجل بداخلها بشكل مباشر لتطلب منه ما تريد. أجهزة كـ «Google Home» و«Android TV» لا تختلف كثيرًا كذلك، لكن على نطاق المنزل وليس الاستخدام الشخصي فقط.

البطارية في نظام أندرويد الجديد تعتمد على الذكاء الاصطناعي كذلك فيما يعرف بـ«adaptive battery»، فهي تحلل استخدامك للتطبيقات حتى تستطيع تنسيق العمل لصالح الحفاظ على زمن البطارية.

ما أريد قوله هنا، أنت تدفع بالفعل ثمن استخدام خدمات جوجل، الثمن هو بياناتك تلك. لكن، ألا تستخدم تلك البيانات في تحسين جودة الخدمات وتخصيصها لتجربتي الشخصية لتصبح أكثر تناسبًا مع نشاطي اليومي وعاداتي؟ كيف تقدم هذه الميزة ونقول عليها الثمن في نفس الوقت؟


جوجل ببساطة شركة إعلانات

تقنية, جوجل, خصوصية
هنا يجب أن نتحدث عن مصدر دخل جوجل الرئيسي حتى الآن؛ الإعلانات.

جوجل شركة إعلانية، لو لم تعلم هذا بعد، ومصدر دخلها الرئيسي ويكاد يكون الوحيد هو الإعلانات. في الربع الأول من 2018 بلغ الدخل أكثر قليلاً من 31 مليار دولار، أغلبه بالطبع من الإعلانات.

ما هي علاقة بياناتك بالإعلانات إذن؟ نفس العلاقة بين البيانات وتجربة الاستخدام، يهدف تحليل البيانات بالذكاء الاصطناعي إلى تخصيص تجربة إعلانية مخصصة لك، تمامًا كتجربة استخدامك لمختلف بيانات جوجل.

فالإعلانات التي تظهر لك في يوتيوب وجوجل ومختلف مواقع الإنترنت التي تستخدم خدمات جوجل الإعلانية وكذلك تطبيقات الهاتف، كلها تعتمد على تحليل بياناتك (التي تأخذها من استخدامك لكل خدمات جوجل الأخرى، ومن التصفح عمومًا) لتقدم لك أفضل إعلانات تجذب انتباهك وتفاعلك، مما يعني المزيد من الأموال لعارض الإعلان ولجوجل نفسها. لكن نأتي للسؤال الأهم هنا: هل هناك خطر ما؟

يجب أن تعرف أولاً أنك موافق تمامًا على استخدام بياناتك بهذا الشكل، فعند التسجيل في جوجل (أو أي شركة تقدم خدمات إعلانية كنموذج) تقوم بالموافقة على اتفاقية الاستخدام وحقوق المستخدم دون أن تقرأها بالتأكيد، وهذه موافقة كاملة منك (شيك على بياض كما يقول المثل الشعبي) على استخدام بياناتك بكل الطرق الممكنة.

أما عن خطورة هذا فلنا فيما حدث في فيسبوك وكامبريدج أناليتكا عبرة، حيث سربت بيانات ملايين المستخدمين الأمريكية للشركة التي استغلتها في حملة ترامب الانتخابية مما جاء به كرئيس في النهاية، وتم استجواب مارك زوكربيرج أمام مجلسي الشيوخ والكونجرس الأمريكي بسبب هذه الفضيحة، وغيرت فيسبوك من كثير من سياستها تجاه الخصوصية وحماية البيانات نتيجة لذلك.

اقرأ أيضًا: أهم 11 سؤالاً تهرب منها «مارك زوكربيرج» أمام الكونجرس

شخصيًا توقفت عن استخدام خدمات مساعد جوجل الشخصي وخدمات جوجل الذكية عمومًا، وأعدت خصائص الخصوصية وتاريخ الاستخدام لما كانت عليه من قبل، على الأقل طالما تتيح لي الشركة السيطرة على جزء من بياناتي فأظن أنه يجب عليّ استغلاله. أما عما فقدته من ميزات كثيرة مقابل ذلك، فصدقًا لا أهتم.