يتساءل الآباء دائمًا عن كيفية تعليم الطفل الكتابة: «متى نبدأ؟ وكيف نقوم بذلك؟ ما هي الطرق الصحيحة لبدء تعليم الكتابة لأطفالنا؟»

تُقسم عملية تعليم الكتابة إلى ثلاث مراحل:


المرحلة الأولى: ما قبل الكتابة

1. متى تبدأ؟

متى نبدأ؟ سؤال طُرح كثيرًا وطال عنه البحث طويلًا، هناك من يرى أنه يجب البدء فورًا متى أبدى الطفل استعداده، وهناك آراء علمية قوية تؤكد على أهمية تأخير القراءة والكتابة والتعليم الأكاديمي حتى السادسة أو السابعة، وأن هناك مهارات أخرى كثيرة أهم من التعليم الأكاديمي في تلك السنوات الأولى وتلك المهارات الهامة هي ما تطور دماغه ليكون مستعدًا فيما بعد لتعلم المواد الأكاديمية والقراءة والكتابة والحساب.

2. إعداد الطفل

قبل البدء في الكتابة يجب علينا إعداد الطفل لتلك المرحلة، فعلينا:

1. البدء في تدريب يد الطفل وتقوية عضلات يده الدقيقة وذلك عن طريق ألعاب وأنشطة كثيرة مثل:

  1. العجين.
  2. الصلصال.
  3. استخدام المقص في قص الأوراق.
  4. صنع مشغولات بالخرز والأزرار وأعمال الخيوط المختلفة.
  5. استخدام الملصقات في الألعاب والأنشطة.
  6. استخدام رشاش المياه لسقي النبات أو ملمع الزجاج.
  7. اللعب بالمكعبات وتركيبها.
  8. بعض الأنشطة داخل المطبخ مثل تقطيع الخضراوات ورش التوابل وغسل الصحون.
  9. نشجع الطفل على التلوين واستخدام أقلام ذات أنواع وأحجام مختلفة وفرش تلوين أو طباشير مثلاً وبشكل حر تمامًا وليس صورًا جاهزة أو ما شابه، فقط ورق أبيض وألوان مختلفة، ورسم أشكال وخطوط حرة.

كل تلك الأنشطة تدرب عضلات الطفل الدقيقة ليستطيع إمساك القلم بشكل صحيح فيما بعد، وعلينا بعد أن يأخذ الطفل وقته في مرحلة الإعداد تلك والتي بالطبع قد تأخذ أكثر من عام بشكل تدريجي حسب عمر الطفل ودرجة تفاعله مع تلك الأنشطة الحياتية المختلفة، يمكننا البدء في المرحلة الثانية وهي مرحلة تعلم الحروف للاستعداد للكتابة.


المرحلة الثانية: تعليم الطفل حروف الهجاء

هناك العديد من الفلسفات التعليمية التي تقدم طرقًا مختلفة لتقديم الحروف وتعليمها للأطفال، ومن ضمن تلك الفلسفات فلسفة والدورف التي تقدم شكلًا مختلفًا في بداية تعلم الحروف أو بعض المبادئ العلمية الأخرى، فهي تعتمد على خيال الطفل وعلى الرسم والألوان والقصص وعلى استخدام الحركة والصوت، فهي تخاطب الروح والجسد والعقل وتعتبر أن التعليم لا يتم إلا بمخاطبة هؤلاء الثلاثة.

1. يبدأ تعلم اللغة في والدورف في مرحلة الروضة عن طريق تعليم اللغة المنطوقة أولاً، وذلك عن طريق حكي قصص عن الطبيعة وقصص شعبية وخيالية وأيضًا عن طريق الغناء والأناشيد، وتكرار نفس القصص والأناشيد لأسابيع عديدة حتى يحفظها الطفل وهذا يجعل حصيلة الطفل اللغوية كبيرة.

2. بعد ذلك يبدأ الطفل في تعلم الأشكال والخطوط المختلفة التي تساعده على كتابة الأحرف، فلا يمكن لطفل لا يستطيع رسم دائرة أو خط متعرج أن يطلب منه رسم حروف مركبة مثل الهاء والواو… إلخ. في تلك المرحلة يتم التركيز على الخطوط والأشكال المختلفة، فيتم تقديمها بنفس طريقة تقديم كل العناصر في والدورف، قصة في البداية ثم إعادة حكي القصة مع الرسم وبداخل الرسمة التي تعبر عن مشهد في القصة، يأتي الخط أو الشكل مثل الخط المستقيم أو المتعرج أو المنحنى، الدوائر والأمواج وما إلى ذلك من خطوط وأشكال يتم التدرب عليها بالخيال والرسم والألوان حتى يتقنها الطفل، ومن ثم يسهل عليه بعد ذلك كتابة الحروف والأرقام بشكل سهل وانسيابي.

3. يعلم والدروف الخطوط عن طريق القصص والرسومات المتضمنة للخطوط والأشكال.

4. بعد إتقان تلك الخطوط المختلفة يبدأ تعلم الحروف الأبجدية بشكل حي تخيلي غير مجرد، فكل حرف يقدم في هيئة صورة مرسومة لعنصر ما داخل قصة يتم حكيها للطفل.

5. يرسم المعلم الرسمة المتضمنة للحرف أثناء حكيه للقصة ونطقه للصوت وبألوان معبرة ويقلده الطفل، فيجد الطفل الحرف داخل رسمة متكاملة مع ما في خياله جراء الاستماع إلى القصة، وبهذه الطريقة تنشأ علاقة حية بين الطفل وبين كل حرف، علاقة بالحركة والصورة والصوت، وتعتبر تلك الصور هي الجسر الفاصل بين تفكير الطفل التخيلي الحي وبين تفكير الكبار المجرد.

فمثلاً في تعلم حرف الـ(ض) تكون القصة حول ضفدع ويحكي المعلم القصة بدون صور لترك العنان لخيال الطفل، ثم يرسم أثناء الحكي مشهدًا من قصة الضفدع بها رسمة الضفدع المذكور وبداخلها حرف الـ(ض) مع نطقه ويقلده الطفل ويرسم معه أثناء الحكي وبألوان عريضة غير محددة وبشكل بسيط، فيبدأ الحرف في دخول مخ الطفل بشكل حي خيالي غير مجرد ويبحث عن كلمات أخرى بها نفس الصوت ويتدربون أيضًا على رسمها بحركات بأيديهم وأجسامهم في الهواء.

هناك العديد من المصادر والقصص والرسومات للحروف بالعربية أو الإنجليزية باستخدام فلسفة والدورف.

6. يبدأ الأطفال بعد تعلم الحروف في نسخ ما يكتبه المعلم من كلمات وجمل يحفظونها عن ظهر قلب في دفتر دروسهم، فيتجسد ما يحفظونه أمامهم على الورق في شكل حروف ومن ثم تبدأ القراءة مما كتبوه بأيديهم!

بعد تلك البداية اللطيفة الخيالية في تعلم الحروف، تبدأ المرحلة الثالثة؛ مرحلة ما بعد تعلم الحروف.


المرحلة الثالثة: ما بعد تعلم الطفل الحروف، تدريبات أكثر على الكتابة.

يمكن في هذه المرحلة الدمج بين فلسفات أخرى مثل المنتسوري وغيرها، يبدأ التدرب مثلاً على أشكال الحروف وإتقانها بأنشطة مختلفة مثل:

1. تشكيل العجين بأشكال الحروف وخبزها أو بالصلصال الملون.

2. الرسم على الرمال أو الملح، يمكن استخدام الفرشاة والألوان المائية أو حتى الكتابة بأصابعه، أو أغصان الأشجار.

3. الرسم على الطين فيمكن تشكيل الحروف باستخدام الحجارة أو ثمار الصنوبر، مئات الأشكال من التدريبات الممتعة للطفل لإتقان أشكال الحروف ومن ثم كتابتها، وأثناء كل ذلك يتدرج الطفل بشكل طبيعي في إجادة مسك القلم والكتابة بشكل صحيح.

4. التركيز على الحروف في محيطنا فمثلاً نستخرج الحروف التي تعلمناها من لافتة المتجر أو مطعمه المفضل، أو من على ألواح السيارات وهكذا.

5. يمكننا أيضًا في تلك المرحلة التدرب بشكل أكبر على كتابة الحروف بشكل مجرد، مثلاً يتدرب على كتابة اسمه واسم أفراد عائلته ثم كتابة أسماء حيواناته المفضلة أو طعامه المفضل، يمكننا تدريبه على نسخ كلمات أو جمل من قصته المفضلة، يمكننا تدريبه على كتابة بعض الرسائل ونتبادلها سويًا بشكل ممتع ومرح، كل هذا بالتدريج وبحسب قدرة وتقبل كل طفل.

6. استخدام مجسمات الحروف مثل صندوق الحروف الخاص بفلسفة منتسوري وغيره من المجسمات المحببة للأطفال وتشجيعهم على استخدام تلك المجسمات في تكوين الكلمات والجمل وكتابتها.

7. شجع طفلك مع مرور الوقت على استخدام الكتابة بأشكال عديدة، مثلاً التعبير عن مشاعره المختلفة وكتابتها.

8. اطلب منه المساعدة في كتابة قائمة الطلبات بدلًا منك، شجعه على تأليف قصة وكتابتها بشكل مرح، أو أن يكتب يومياته أو يحكي عن شيء يحبه مثل مكان محدد أو شخص وهكذا.

9. كن قدوة له في استخدام الكتابة بصور متنوعة خلال اليوم.

وهكذا تصبح الكتابة نشاطًا ممتعًا بالنسبة له يمارسه يوميًا في حياته النشطة الحرة بطرق متنوعة وبدون أي ضغوط، فالمرور بسلاسة بين المراحل الثلاثة مع مراعاة حق الطفل في التطور بالمعدل المناسب له دون المقارنة بأي طفل آخر، يجعل عملية تعلم الكتابة وبعدها القراءة عملية سهلة طبيعية محببة للطفل.