حقوق الإنسان شعارٌ يرفعه البعض ليرتقي بالمستوى السياسي لبلاده، في حين أن الحقيقة تنعكس في مرآة الممارسة السياسية لتكشف زيف الشعارات الرنانة التي يتبناها الساسة.

فبدلاً من شعارات حقوق الإنسان والحريات، جاءت الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران 2017 لتُعلي شعارات تكميم الأفواه، وغلق المنابر الإعلامية، وتشريد عائلات، وتسريح عمالة، وفرض الغرامات المالية، وغلق حدود، وسحب سفراء، وتقييد حريات. وكأن الخليج قرر أن يحارب العدو ولكنه في ذلك الحين العدو من داخل الخليج نفسه.

كما كانت الأزمة كاشفة للانتهاكات الحادثة للخليج ولم يكن يُسمع لها صوت من ذي قبل، واُستغلت الأداة الإعلامية لكل من دول الخليج لكشف تلك الانتهاكات التي بينت صورًا مغايرة عن المستقرة في أذهان متابعي تلك الدول.


الأزمة الخليجية

جاءت الأزمة الخليجية في 5 يونيو/حزيران 2017 كاشفة عن وجه مغاير لدول الخليج العربي، مبينةً أن الجار قد يحاصر جاره ويعتدي على حقوق الغير. فقامت الإمارات، والسعودية، ومصر، والبحرين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، كنتيجة لتصريح لأمير قطر «الشيخ تميم آل ثاني»، والذي زعمت الحكومة القطرية أنه مفبرك وأن الوكالة الإخبارية التابعة لحكومة قطر قد تعرضت للقرصنة، كما أنها لم تكتفِ بذلك بل قامت بالمطالبة بطرد المواطنين القطريين من بلادها وعودة مواطنيها من قطر في غضون 14 يومًا.

كما أنها تعسف وفرضت قيودًا قاسية على السفر في 23 يونيو/حزيران 2017، فجاء ذلك ناقضًا للمادة 26 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان والتي تتضمن (حظر الطرد التعسفي للأجانب وأي طرد جماعي).


حرية التعبير

مبادئ مثل حرية الرأي والتعبير ومهنية المنابر الإعلامية تكاد تكون غائبة عن الإعلام التقليدي في الوطن العربي عمومًا. وعلى غرار الأزمة الخليجية فإن دول الخليج قامت بتكميم الأفواه الإعلامية وفرض غرامات على من يعبر عن رأيه، كما أنها هددت بالاعتقال لمدة قد تصل إلى 15 عامًا لمن يتعاطف مع الدوحة أو ينتقد سياسات تلك الدول تجاه قطر.

واستكمالاً لتكميم الأفواه وغلق الأبواق الإعلامية قامت السعودية والإمارات بحجب منابر إعلامية قطرية أهمها قناة الجزيرة. وجاءت مصر لاحقة بالركاب الخليجي مقدمة مثالاً يحتذي به في الكبت الإعلامي، فقامت بحجب 61 موقعًا إعلاميًا بزعم أنها تحابي جماعة الإخوان المسلمين التي تم إزاحتها في يوليو/تموز 2013، وأنها تدعم الإرهاب وتنشر الأكاذيب، وكان من أهم المنابر الإعلامية المحجوبة الجزيرة الإعلامية ووكالات الأنباء قطرية.

كما لم تتوقف عملية تكميم الأفواه على القنوات والمواقع ووكالات الأنباء فقط بل طالت أيضًا الصحفيين ومؤسسي جمعيات المجتمع المدني، فقامت السعودية في مارس/آذار الماضي بالحكم خمس سنوات على الصحفي «علاء برنجي» وحظره من السفر لمدة ثماني سنوات على غرار تغريده على تويتر، وهو ينتقد السلطة الدينية في السعودية ويدافع عن حق المرأة في قيادة السيارة.

وطبقًا لتقرير هيومن رايتس واتش لعام 2017 جاءت الإمارات بخلفية مزرية لحقوق التعبير عن الرأي، فقامت الحكومة الإماراتية في أغسطس/آب 2015 بإخفاء الأكاديمي الإماراتي ناصر بن غيث قسريًا وذلك على غرار ست تدوينات على تويتر ينتقد فيها الرئيس المصري وحكومته.

وجاءت قطر أقل حدة وتعسفًا، فبينما أقرت قانونًا يقضي بالحكم خمس سنوات على من ينتقد أمير قطر، إلا أنه في مارس/آذار 2017 أصدر أمير قطر عفوًا عن الشاعر «محمد العجمي» وأطلق صراحه بعد أن حُكم عليه بـ 15 عامًا بعدما نشر شعرًا ينتقد فيه العائلة الحاكمة في قطر وحكامًا آخرين.


العمالة الوافدة

جاء ملف العمالة الوافدة أكثر الملفات خطورة في الأزمة الخليجية، فبينما يعيش بعض مواطني الدول ورعاياها في بلدان مجاورة، جاء ناقوس الإنذار مدويًا على عائلات سعودية وإماراتية ومصرية تعيش في قطر أو رعايا قطريين يعيشون في الدول الجوار الثلاثة. فصدر قرار بمنح الرعايا القطريين 14 يومًا لمغادرة دول الحصار، فشُردت عائلات ومنعت أخرى من التعليم والعلاج الطبي وغيرها من الانتهاكات الإنسانية.

فبعض المتزوجين من سعوديات أو لديهم أطفال سعوديين لم يتمكنوا من رؤية أطفالهم أو زوجاتهم لفرض حصار السفر من وإلى قطر. كما تم إيقاف عمليات طبية مجدولة، فكان هناك طفل قطري يبلغ من العمر 15 عامًا وكان من المقرر له إجراء عملية في العمود الفقري في الرياض فقامت أمه بإلغاء العملية للظروف المفروضة من دول الحصار، وآخر عاد من قطر لبلاده وفوّت ميعادين للفحص الطبي خوفًا من ألا يسمح له برؤية عائلته المقيمة في السعودية.

أما بالنسبة للمقيمين في الإمارات ويتلقون برامج تعليمية فالحكومة الإماراتية قد سحبت سجلاتهم وطالبتهم بالرجوع إلى الدوحة، فعرقلت الحياة التعليمية لهؤلاء الرعايا وتسببت في مشاكل جسيمة لآخرين.

أما بالنسبة لقضايا توثيق الهوية فإن الأطفال حديثي الولادة ستواجههم مشاكل جسيمة للحصول على وثائق ميلادية لأطفالهم، وذلك لأن دول الحصار سحبت سفراءها وموظفيها من قطر، فأصبح توثيق الأوراق لهؤلاء الرعايا المقيمين في قطر أمرًا في حكم المستحيل، وبالتالي سيعانون من مشاكل جسيمة.

بينما جاء ذلك الملف في قطر من أكثر الملفات انتهاكًا لحقوق الإنسان حيث انتهكت قطر العمالة الوافدة بشكل غير إنساني، وذلك تزامنًا مع استضافة قطر لكأس العالم 2022. حيث إن العمالة قد عانت نوعًا من أنواع السخرة فكان يعمل العمال لمدة خمسة أشهر بدون أن يتخللها راحة، بل إن بعض العمال قد يتلقون مبالغ أقل من التي تم الاتفاق عليها في عقد العمل، كما أن بعض الحالات التي أُصيبت بإصابة من إصابات العمل لم تلقَ الرعاية الطبية اللازمة لهذه الإصابة وقد تحملت تكاليف العلاج من جيبها الخاص.

وزاد على ذلك تعسف أصحاب العمل في استخدام حقهم وسلبوا العمال حقهم في تحقيق مصيرهم إما بالانتقال لعمل آخر أو مغادرة البلاد؛ حيث إن انتقالهم لعمل آخر يتطلب موافقة صاحب العمل وهو مما لا يجده العمال. أما بالنسبة لمغادرتهم للبلاد فإن جوازات سفرهم محجوزة لدى الشركات التي يعملون بها مما يؤدي في الأخير إلى عدم إمكانيتهم لمغادرة البلاد مما يؤدي لإخضاعهم للعمل قسرًا في مشروع من المفترض أنه سيدخل السعادة على الملايين من محبي كرة القدم.


حرب اليمن

جاءت حرب اليمن في مارس/آذار 2015 لتوحد الصف الخليجي – نسبيًا – في مهاجمة الحوثي ودفاعًا عن حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ولكن سرعان ما تفجر الخلاف بين الخليجيين، وحوصرت قطر وتم استبعاد قواتها البرية من المشاركة في حرب اليمن، وتم اتهامها بالتقرب من إيران والحوثي في اليمن.

كانت الحرب في اليمن ساحة للمشاركة الدولية العسكرية لدول الخليج ، فالسعودية التي شنت الهجوم على اليمن بقيادة وزير الدفاع وولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن طريق ما أسمته بعاصفة الحزم والتي تمت التعبئة لها بمائة طائرة مقاتله و150 ألف مقاتل ووحدات بحرية.

جاءت حرب اليمن بانتهاكات إنسانية أدت إلى مطالبة منظمات غير حقوقية مثل منظمة العفو الدولية بتعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان على غرار انتهاكات جسيمة في اليمن.

وجاءت الإمارات كحليف للسعودية في حملتها العسكرية ضد الحوثي، فقامت بالمشاركة بثلاثين طائرة مقاتلة وأسكنت قواتها البرية جنوب البلاد حتى الآن.

بينما قطر شاركت بعشر طائرات مقاتلة وحافظت على التواجد البري هناك، والذي أدى إلى تغطية غير مهنية من إعلام الجزيرة، والذي اُعتبر نوعًا من ازدواجية المعايير، ورغم ذلك لم تشفع هذه القوات لدى كل من السعودية والإمارات لعدم فرض الحصار على قطر.

وهذا يعكس ما عاناه الإنسان في بلاد الخليج؛ فمن عمالة تُستغل، ومن رعايا تُطرد، وساسة يقفون في وجه كل ثورة، صعدت خلافات دول مجلس التعاون وبانت حقائق وفُبركت أخرى، ولكن الحقيقي هو أن الإنسان في الوطن العربي ما زال أمامه كثير من الوقت كي ينال حريته، وأن ثراء دول الخليج ما هو إلا مُسكّن وحاجب عن حقوق وحريات للإنسان القابع في تلك الدول.