محتوى مترجم
المصدر
Open Democracy
التاريخ
2018/11/01
الكاتب
هانز باومان

يبدو رد الفعل السعودي على مقتل جمال خاشقجي تكرارًا لتحدي الحقيقة. نفى النظام الملكي بدايةً أي مسئولية. وعندما أصبحت الأدلة التي سربها المحققون الأتراك ساحقة، غيّروا القصة بالإشارة إلى أنها كانت مشاجرة جسدية مفاجئة أعقبها موت عارض. ثم اعترفوا بأن عملاء سعوديين كانوا وراء عملية القتل، لكنهم زعموا أنها كانت عملية فساد. تُرى الروايات الثلاثة مفتقرة للمصداقية بدرجة كبيرة. هل هذا مجرد سوء تقدير؟جزء من الإجابة يكمن في أن ولي العهد محمد بن سلمان يبدو كأنه فوجئ حقًّا بالرد العنيف على الجريمة، غير أن المفاجأة ليست السبب الوحيد المحتمل لمخاطرة الرياض بكل شيء.


على خطى حافظ الأسد

بمجرد إنكار النظام مسئوليته عن الجريمة، أصبح تكرار القصة الرسمية – مهما كان لا يصدق – اختبار ولاء للمواطنين السعوديين، هذا هو الجدل الذي طرحته لاله خليلي، أستاذة السياسة الشرق أوسطية في جامعة مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS) في لندن، وأشارت إلى أنها طريقة الرياض في ممارسة سياسة «كما لو». هذه فكرة طورتها الباحثة ليزا ويدين لأول مرة في علاقة سوريا والطائفة الموالية التي كانت تحيط في الماضي بحافظ الأسد، والد الرئيس بشار الأسد.بعد استيلائه على السلطة عام 1970، أجبر حافظ الأسد السوريين على ترديد ادعاءات سخيفة بشكل متزايد. نتيجة لذلك، لم يقل فقط إنه كان الأب الحبيب للأمة، بل أيضًا الصيدلي أو المحامي أو الطبيب «الأول» للأمة. لم يكن الغرض من هذه الادعاءات السخيفة تحقيق الشرعية الأيديولوجية عبر تقديم تفسير معقول للواقع. لقد كان – كما تدعي ويدين – لإظهار قوة النظام عبر إجبار الشعب على تكرار مخطط حزبي كان خاطئًا بشكل واضح. يبدو أن ديناميكية مماثلة تلعب دورها في الرياض.كان تعليقًا حديثًا عارضًا بالإنجليزية في جريدة سعودي جازيت، ظهر في 18 أكتوبر/ تشرين الأول، عندما كانت الرياض لا تزال تؤكد براءتها بشدة. أكد المقال أن اختفاء جمال خاشقجي «لم يكن سوى عمل كوميدي»، «نظمه الكارهون والمشردون في قطر» عدو السعودية في الخليج. ستُكشف قريبًا خدعة الدوحة الخبيثة وستنتصر المملكة العربية السعودية. كان هناك أيضًا «مجموعة تلعب دورًا خطيرًا في الظلام»، وهي إشارة غير مباشرة للسعوديين الذين كانوا يشككون في الرواية الرسمية «عبر نشر الشائعات والأخبار الزائفة بين السعوديين في محاولة لتشكيكهم في حكومتهم».بدأ التعليق بوضوح ما كان متوقعًا من رعايا السعودية. كان أي شخص يشكك علانية في الرواية الرسمية للأحداث يعد «طفيليًّا» يُستهدف «للتخلص منه». في غضون ذلك، أفادت التقارير أن النظام السعودي أطلق العنان لجيش من المتصيدين لقمع المعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي واستهداف النشطاء على الإنترنت. يجب فهم مقال جريدة سعودي جازيت كتحذير للشعب: اللعب إلى جانب سياسة «كما لو» أو مواجهة العواقب.


كلاكيت ثاني مرة

مثال آخر لمناورات الرياض الوقحة كان صورة للملك وابنه ولي العهد يقدمان تعازيهما لنجل خاشقجي في 24 أكتوبر/ تشرين الأول. يظهر الشاب بملامح صارمة، و يقال إنه غادر البلاد بعد وقت قصير من نشر الصور.كما أشارت إليزابيث تسوركوف في مؤتمر التفكير الإقليمي، تكرر لقاء مماثل قبل 30 عامًا بين حافظ الأسد والزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، في إطار الحرب الأهلية اللبنانية. عُقد هذا اللقاء بعد بضعة أسابيع من اغتيال والد جنبلاط، الذي كان بترتيب حافظ الأسد على الأرجح. كان اللقاء مقامًا لاستنزاف العامة، ولإظهار ولاء الابن للحاكم. هذا هو السبب في أنه كان عليه مصافحة يد الدكتاتور السوري، والتصرف «كما لو» كان الأسد حقًّا مجرد شخص آخر مهتم بالآخر العظيم.دعا محمد بن سلمان المستثمرين الأجانب لإنهاء الاعتماد على نفط البلاد وإجراء إصلاحات اجتماعية في المملكة المحافظة. رفع الحظر عن قيادة النساء وعن خيارات الترفيه الحديثة، مثل دور السينما والحفلات الموسيقية. حجب هذا التلطيف من صورة النظام الملكي حملة قمع وحشية ضد المعارضة. ففي 2017، سجن ابن سلمان العشرات من كبار رجال الأعمال لتأديب النخب الاقتصادية السعودية. وملأت أجهزته الأمنية سجون البلاد باضطهاد النشطاء الشيعة و رجال الدين المؤثرين و النشطاء في مجال حقوق المرأة. التحكم في الخطاب العام عبر سياسة «كما لو» هو جزء من مرجعية النظام السلطوي السعودي الجديد.محمد بن سلمان لا يتحدى الحقيقة، بل يجبر السعوديين على تحديها كدليل على ولائهم. بهذه الطريقة، فإن الحقيقة البديلة التي تتبناها الرياض ليست دليلًا على فقدانها للسيطرة، بل إن ولي العهد يشدد من قبضته.