أعلن رئيس الوزراء الماليزي، إسماعيل صبري يعقوب، تأسيس لجنة الامتثال للشريعة الإسلامية لتنظيم الاقتصاد «الحلال» في 30 مايو/ آيار 2022، بهدف جعل ماليزيا النموذج المرجعي الرئيسي على مستوى العالم في مجال الاقتصاد الإسلامي، فاللجنة جاءت لمهمة توحيد لوائح العمل في هذا المجال، فرغم أن كوالالمبور قطعت أشواطًا كبيرة في هذا المجال فإنها اليوم تحاول جمع تلك الجهود ونظمها في مشروع موحد يرسخ مكانتها الدولية، بعد أن كانت المنتجات الغذائية الحلال ضمن اختصاص دائرة التنمية الإسلامية، والمعاملات المالية الإسلامية من اختصاص البنك الوطني وهيئة الأوراق المالية.

وإلى جانب المعاملات المالية، تأمل الحكومة تحقيق إنجازات كبيرة في ستة قطاعات أخرى، وهي الطعام، والسياحة الحلال، والأزياء، ومستحضرات التجميل والأدوية، والإعلام، والترفيه، وفقًا لما أعلنه رئيس الوزراء الذي يتبنى برنامجًا يهدف لتغيير النظرة إلى الاقتصاد الحلال بوصفه يتركز حول قطاعي المال والغذاء، ويسعى لتوسيع مجالاته وغزو أسواق جديدة بخاصة في الدول غير الإسلامية، عبر صياغة مفهوم لـ«الحلال» لا يقتصر على القواعد الدينية المباشرة فقط بل يشمل قضايا عالمية مثل سلامة الغذاء والوعي البيئي والاستدامة الاقتصادية ورعاية الحيوان، وغيرها من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، التي تهم المسلمين وغيرهم على حد سواء، فمثلًا تعد اليابان سوقًا واعدة في هذا الصدد لكونها رابع أكبر شريك تجاري وخامس أكبر وجهة تصدير لماليزيا.

كما أطلق الماليزيون أيضًا صندوق وقف الاقتصاد الحلال الذي تُشارك به كلية الاقتصاد والإدارة في الجامعة الوطنية، بتمويل أولي قدره مليون رينجت (الدولار أقل من 4.5 رينجت)، بهدف تطوير البحوث في اقتصاديات الحلال.

وتحتل ماليزيا المرتبة الأولى وفقًا لمؤشر الاقتصاد الإسلامي العالمي، متفوقة على 81 دولة ومنطقة في المؤشر الإسلامي العالمي للعام التاسع على التوالي نتيجة لسوقها المزدهرة للتمويل الإسلامي، ومجموعة المنتجات والخدمات الحلال.

ويقارن المؤشر المنشور في تقرير الاقتصاد الإسلامي العالمي السنوي الصادر عن مؤسسة دينار ستاندرد للبحوث والاستشارات (DinarStandard) ومقرها الولايات المتحدة، الاقتصادات في جميع أنحاء العالم من حيث حجم السوق والابتكار والمشهد التنظيمي في ما يتعلق بالشريعة الإسلامية.

واستنادًا إلى تقرير حالة الاقتصاد الإسلامي العالمي لعام 2021، من المتوقع أن يصل إنفاق المستهلكين المسلمين إلى 2.4 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2024، ومن المرجح أن يمثل الإنفاق على الغذاء وحده أكثر من تريليون دولار أمريكي من الرقم الإجمالي، مما يعني وجود سوق هائلة حول العالم تحاول ماليزيا الاستفادة منها تشمل المنطقة العربية ووسط آسيا وإندونيسيا المجاورة، أكبر دولة إسلامية في العالم.

مؤتمر الحلال

بصفتها الدولة الرائدة في مؤشر الاقتصاد الإسلامي العالمي لمدة ثماني سنوات متتالية، تحاول الدولة الآسيوية التشبث بهذا المركز الذي يضمن لها مكانًا مميزًا في الاقتصاد العالمي، ويمنحها سمعة حسنة تسهل وصولها إلى الأسواق.

وبصفتها عضوًا في منظمة المؤتمر الإسلامي (OIC)، فإن شهادة الحلال الماليزية معترف بها عالميًا من قبل جميع الدول الإسلامية، مما يجعلها سوق انطلاقة مثالية للمصدرين، ونقطة جذب للاستثمار الأجنبي.

وفي سبيل ذلك تنظم سنويًا ما يعرف بـ«مؤتمر الحلال» وهو حدث كبير يهدف للترويج لاقتصاد الحلال والالتقاء برجال الأعمال الأجانب وتوفير فرصة لفهم نظام الحلال بشكل أفضل والتعريف بالإمكانيات الاقتصادية لماليزيا.

وقد استقطب هذا المعرض العام الماضي 16512 زائرًا و 549 عارضًا من 43 دولة، وحقق مبيعات تقارب 600 مليون دولار، ومن المقرر أن يتم إقامة معرض العام الجاري في الفترة من 7 إلى 10 سبتمبر/ أيلول في كوالالمبور تحت عنوان «تنويع إمكانيات الحلال».

ويُقام هذا المعرض السنوي منذ سنوات طويلة لكن هذه المرة تتبنى الحكومة مشروعًا مركزيًا متكاملًا لتقديم نموذج إسلامي عصري يشمل مجالات الحياة المختلفة.

منافسة الكوشر

ويمثل مشروع اقتصاد الحلال الماليزي منافسًا قويًا لمشروع الكوشر (kosher)، أي الطعام والشراب المعد وفق اليهودية، والذي يُقبل عليه بعض المسلمين في الغرب بسبب شموله للمحرمات الدينية لديهم باستثناء الخمر، إذ يتضمن تشديدات إضافية كثيرة مثل نقع اللحم في ماء وملح حتى يتخلص من أي نقطة دم به، وتحريم أكل الجمال والأرانب وثمار الشجر الذي تم غرسه منذ أقل من أربع سنوات.

وتُحصل الهيئات الدينية اليهودية نفوذًا كبيرًا بسبب إشرافها على سوق الكوشر الدولي المتعاظم، فهم من يمنحون شهادات الاعتماد للشركات، ويتم الترويج للثقافة اليهودية عبر هذه المنتجات التي لا تُقدم لليهود فقط، بل يُقبل عليها أتباع عقائد أخرى بسبب السمعة الحسنة التي تتمتع بها في الدول الغربية، وينفق المستهلكون أكثر من 200 مليار دولار سنويًا عليها.

ومنذ عام 1989 تشهد ولاية نيو جيرسي، بالولايات المتحدة الأمريكية، معرض «كوشيرفيست» (Kosherfest) السنوي، الذي يوصف بأنه «أكبر معرض تجاري للمنتجات الحاصلة على شهادة كوشير وأكثرها حضورًا في العالم»، وتحضره شركات أغذية عالمية، ويشمل عروض ومسابقات طهي بين المشاهير.

ولا يقتصر الكوشر على الطعام بل يشمل المكملات الغذائية ومستحضرات التجميل وغيرها من المنتجات التي تتوافق مع المتطلبات المنصوص عليها في «هالاخاه» (الشريعة اليهودية) وفق معايير أصبحت متعارف عليها عالميًا.

التعافي من كورونا

يعول رئيس الوزراء الماليزي، إسماعيل صبري يعقوب، على نجاح مبادراته الخاصة بمشروع الاقتصاد الحلال في تعزيز وضع التحالف الحاكم الذي يضم حزب «أبناء الأرض» و«الحزب الإسلامي» إضافة إلى «أمنو» الذي ينتمي إليه يعقوب، وهو ائتلاف يرتكز على كتلة الأغلبية الإسلامية المالاوية، ويحظى حاليًا بشعبية كبيرة تشجع الحكومة على الدعوة إلى انتخابات مبكرة قبل موعدها المقرر العام المقبل، استغلالًا لتشرذم المعارضة وضعف موقفها شعبيًا.

وتسعى الحكومة بقوة لتجاوز التداعيات السلبية لفترة انتشار فيروس كورونا والعودة إلى مرحلة ما قبل الوباء في كل القطاعات، عن طريق استعادة عافية قطاعات السياحة والاستثمار وغيرها، وتعزيز قوتها الناعمة عالميًا، واجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية، وأن تكون البلاد نقطة جذب قوية لسوق المسافرين المسلمين التي كان تشهد نموًا قويًا وصل إلى 160 مليونًا في عام 2019، ومن المفترض أن ينتعش الآن مرة أخرى مع إعادة فتح حركة السفر الدولي، مع توقع سفر 230 مليون مسلم بحلول عام 2028.

ويعي المسئولون الماليزيون جيدًا أن السفر الهادف بالنسبة للمسلمين يكتسب زخمًا كبيرًا، حيث يبحث المسلمون الأصغر سنًا عن التنمية الشخصية أثناء استكشاف العالم، ولا يريدون فقط رؤية العالم، بل عيش تجارب مختلفة، لذلك هناك اتجاه الآن لتطوير برامج سياحية لا تقتصر على رؤية المزارات التاريخية والمتاحف بل الاختلاط بالمجتمع المحلي والمشاركة في أنشطة مثل الذهاب إلى المدارس الدينية مثلاً أو حتى المشاركة في أنشطة خدمية، مع إدراك أن المسافر المسلم المعاصر لديه الآن احتياجات أكثر تطورًا عن ذي قبل، حيث يبحث عن تجارب هادفة وملهمة، وهو ما تسعى ماليزيا لتحقيقه.