نحسبه عام التعافي في شباك التذاكر السينمائي، لكنه أيضاً عام المفاجآت والتقلبات والاكتشافات في أذواق الجمهور، في الأدق هو كان نصف عام من كل هذا.

ماذا حدث لشباك التذاكر المصري

ماذا لو لم تكن هناك كورونا على الإطلاق؟ لا إغلاق للسينما، لا توقف في الإنتاج، ولا هجرة لوسائل العرض المنزلية. في هذه الحالة، وبسيناريو متوسط التفاؤل (فيه نسبة النمو السنوي 10%)، ومن دون كوارث أخرى غير منظورة، كان من المتوقع أن تصل إيرادات العرض في مصر بعام 2021 إلى 1.2 مليار جنيه.

في الواقع، حققت دور العرض المصرية نصف هذا الرقم تقريباً (562 مليون جنيه)، هذا إذا أردت أن تكون متشائماً. ثلاثة أرباع هذه الإيرادات (406 ملايين) تحققت في النصف الثاني من العام، هذا للمتفائلين.

ما حدث هو أن الربع الأول من العام تأثر بتردد المنتجين في إطلاق أفلامهم به رغم كل الإشارات الإيجابية التي أتت من مبيعات تذاكر الأفلام المصرية به، بينما كان الربع الثاني يتضمن رمضان الذي تكاد تكون دور العرض فيه مغلقة تماماً، ثم موسم عيد الفطر هذيل بسبب تأكيد إجراءات التباعد الاجتماعي وتحديد السعة القصوى لدور العرض. بينما تمتع النصف الثاني بعودة الأفلام الضخمة بعد قبول المنتجين لتخفيض سقف آمالهم، واستأنفت الاستوديوهات الأميركية إطلاق أفلامها، وتراجع دور منصات العرض الإلكترونية في إطلاق الأفلام الجديدة حصرياً. 

أعلى 10 أفلام مصرية في الإيرادات

وماذا حدث للمصريين؟

قائمة أعلى 10 أفلام مصرية في الإيرادات تقدم أكثر من مفاجأة في توجهات الجمهور المصري. أولها كانت عودة محمد هنيدي للمنافسة بعدما تراجعت إيرادات أفلامه بشدة في آخر 10 سنوات (فيلمه السابق «عنتر ابن ابن ابن شداد»: 7.4 مليون جنيه في 2017). انطلق فيلم «الإنس والنمس» في الأسبوع الثاني بعد موسم عيد الأضحى، وسجل 16.4 مليون في الافتتاح، وهو ثاني أعلى افتتاح بعد «العارف» للنجم أحمد عز (20.5 مليون) الذي انفرد بشباك التذاكر في العيد، وطوال الأسابيع التالية حافظ هنيدي على تفوقه على عز، لكن الفارق الذي أدركه «العارف» في مجموع أول 3 أسابيع حسم السباق بينهما في النهاية.

المفاجأة الثانية كانت لفيلم «وقفة رجالة» الذي عُرض في يناير، خلال ذروة الموجة الثالثة من جائحة فيروس كورونا، ومن بطولة مجموعة من “الفنانين الكبار” الذين لا يشعلون شباك الإيرادات ولا مواقع التواصل الاجتماعي. كانت هذه وقفة الجمهور ضد كورونا، فتصاعدت إيرادات «الرجالة» في أول 4 أسابيع على التوالي بظاهرة فريدة، ثم انخفضت بتماسك دفعه للاستمرار لما بعد عيد الفطر.

حقق «موسى» عدة مفاجآت مركبة، فهو فيلم خيال علمي حُشدت فيه كل الخبرات المتاحة لتقديم صورة على مستوى عالمي، كما أنه مقدمة لعالم «المستضعفون» (The Underdogs) الذي أعلنه المخرج بيتر ميمي على غرار عالم مارفل السينمائي. المفاجأة الأخيرة كانت تحقيقه لإيرادات عادية تتناسب مع مستوى الفيلم ونجومه، وبعيدة تماماً عن التوقعات ورائه.

إذا كان هناك Underdog بين أفلام هذا العام، سيكون “ماكو”، فهو فيلم مغامرات غوص تحت الماء تحت تهديد أسماك القرش، من دون نجوم كبار، وفي أسبوع افتتاحه التهم 5.8 مليون جنيه.

تشكل هذه المحطات معالم مهمة لرصد تغير ميول الجمهور، الكوميديا الرومانسية أصبحت ركناً أساسياً بنسبة ربع إيرادات الأفلام المصرية، أقل بنسبة بسيطة من الأكشن الذي تسيد الأعوام السابقة، لكن ثلث إيرادات الأفلام المصرية كان لقصص فانتازيا تدور في عالم آخر مختلف.

لمن يذهب المال؟

الشكل البياني التالي يُظهر انقلابات درامية في حصص وأدوار شركات التوزيع، وفيه القمة لشركة تخطو أولى خطواتها بالتوزيع، تراجع كيانات كانت الأهم قبل سنتين، كيانات أقدم تحاول إحياء قصص من الماضي البعيد، وشركة تخترق المقدمة في آخر أسبوعين بفيلم واحد غير متوقع.

أشهر 10 شركات توزيع وحصتها بالسوق

كيف نشأ تحالف الفيل؟

«سينرجي فيلمز» التي حصدت ربع الإيرادات في 2021، كانت قد ظهرت منذ 3 سنوات كذراع إنتاجية سينمائية لشركة «سينرجي للإنتاج الفني» (تامر مرسي)، وهي إحدى شركات مجموعة «المتحدة للخدمات الإعلامية» (UMS) التي تسيطر على معظم سوق الإعلام الخاص، وتضم مظلة المتحدة قنوات تلفزيونية، جرائد، مواقع، وشركات دعاية وإعلانات وخدمات إنتاجية وتسويقية، وتعود ملكية المتحدة لشركة إيجل كابيتال المعروف تبعيتها لجهات أمنية.

في 2018 أنتجت «سينرجي» أفلام «ليلة هنا وسرور» و«الكويسين» و«بني آدم»، بميزانيات ضخمة تعتمد على نجوم الصف الثاني بوقتها. في العام التالي انتقلت الشركة لنجوم الصف بالأول بالمساهمة في إنتاج «كازابلانكا»، «ولاد رزق 2» و«الفيل الأزرق 2»، الثلاثة أفلام احتلوا المراكز الأولى في شباك إيرادات 2019.

«الفيل الأزرق 2» كان بداية تحالف «سينرجي» مع «دولار فيلم – نيوسنشري» و«أفلام مصر العالمية» (MIF) وهما شركتا إنتاج وتوزيع وامتلاك وإدارة دور العرض، واستمر هذا التعاون خلال 2020 لعبور أزمة كورونا، وبحيث يتبادل أطرافه توزيع الأفلام التي يشارك في إنتاجها التحالف، مع دعم في دور العرض أيضاً، سينرجي هي الطرف الوحيد بالتحالف الذي لا يتحكم في دور عرض خاصة بها.

بالتوازي مع هذه الشراكة، دخلت «سينرجي» نشاط التوزيع في ديسمبر 2020 بفيلم «خان تيولا»  مضغوط التكلفة، وفي 2021 استمرت الشركة في خط توزيع الأفلام الصغيرة مثل «30 مارس» و«ماكو» الذي حقق مفاجأة بأول أسبوعي عرض، إضافة للأفلام ذات الطبيعة الفنية مثل «للإيجار» و«أبو صدام» الذي عُرض في مهرجان القاهرة خلال ديسمبر.

بالتوازي مع هذه الاستراتيجية الجديدة وزعت «سينرجي» فيلمي «مش أنا» بطولة تامر حسني، و«العارف» بطولة أحمد عز، الأول كان أول فيلم كبير توزعه الشركة منفردة، بينما وزعت الثاني من خلال التحالف لثلاثي. أطلقت «سينرجي» الفيلمين بفارق 3 أسابيع فقط خلال موسم يونيو ويوليو، بحيث ينفرد كل منهما بشباك الإيرادات لمدة أسبوعين بأقل منافسة، وكان «العارف» هو الفيلم الوحيد الجديد في موسم عيد الأضحى.

اقرأ أيضاً: الصعود إلى حافة المليار.. شباك تذاكر سينما مصر 2019

في شباك التحالف

«أفلام مصر العالمية» التي سيطرت على أكثر من ثلث إيرادات الأفلام المصرية في 2019، بتنوع بين الأفلام الأجنبية والمصرية، وتضمن أفلاماً ضخمة وأخرى متوسطة ومن نمط الآرتهاوس؛ تخلت عن هذه الصدارة، واستقرت في المركز السابع، فقط بفضل «وقفة رجالة» الذي حقق مفاجأة إيجابية خلال شهر يناير، وهو أصعب أوقات العام في التشديد على إجراءات التباعد الاجتماعي. يُضاف للشركة عدة ملايين أخرى من خلال أنشطة «زاوية» لتوزيع أفلام الآرتهاوس، وإيراداتها غير معلنة، لكنها لن تغير من ترتيب أو نسبة الشركة الأم.

الطرف الثالث في التحالف هو «دولار – نيوسنشري»، وهما شركتان لعائلة الكردي تتخصص الأولى في التوزيع والثانية في الإنتاج ودور العرض؛ كان نصيب دولار توزيع فيلمي «ماما حامل» و«موسى» من خلال التحالف خارج موسمي العيدين، إضافة لفيلمي «فرق خبرة» و«برا المنهج» خارج التحالف. كان «موسى» هو الوحيد الذي سجل نجاحاً متوسطاً بالإيرادات، ولم ينجح الآخرون في الوصول إلى 5 ملايين جنيه.

بأقل مجهود

في المركزين الثالث والرابع أتت شركتا الماسة وأوسكار بأقل عدد من الأفلام، الأولى بتوزيع فيلم واحد فقط «النمس والإنس»، والثانية كان أهم أفلامها «البعض لا يذهب للمأذون مرتين» الذي عُرض قبل عيد الأضحى بأسبوع، محاصراً في التوقيت وشاشات العرض بفيلمي «سينرجي».

وجود السبكي في القائمة كان بإنتاج وتوزيع أفلامه من خلال دور العرض الخاصة بالشركة العربية (إسعاد يونس)، الشركة التي كانت أحد أكبر كيانين تنازعا السيطرة على السينما المصرية قبل الثورة، ثم اختفت تماما بالسنوات الأخيرة، وعادت بفيلم واحد هو «200 جنيه» الذي صُنع بنفس نمط أفلامها القديمة الناجحة «كباريه» و«الفرح» (عدد ضخم من النجوم بتيمة درامية تدور في زمن ومكان محدودين وقصص إنسانية مؤثرة)، وتوقفت إيراداته عند 8 ملايين جنيه.

الأرض الوسطى ثلاثية الأبعاد

إعادة استغلال أفلام قديمة نجح بالنسبة لشركة UMP (أنطوان زند) التي منحت الجمهور فرصة ارتداء النظارات ثلاثية الأبعاد في الأرض الوسطى بسلسلة “The Lord of the Rings” خلال شهري فبراير ومارس (أصعب شهور العام)، بعد ما يقارب 20 سنة من عرضها، وكانت الشركة الأكثر استفادة من عودة النشاط لدور العرض عالمياً بالاعتماد على الأفلام الأميركية، وهو ما سمح للشركة بإصدار فيلم واحد كبير شهرياً بمعظم شهور العام، لكن تأثرت إيراداتها بخطط عرض بعض الأفلام بالتوازي على منصات إلكترونية، مما سمح بتسربها سريعاً لمواقع القرصنة.

“F9: The Fast Saga” المؤجل من 2020، وزعته Four Star وكان متوقعاً له أن يتسيد إيرادات العام مثلما فعل الجزء الثامن من السلسلة في 2017، وبالفعل كان هو أول فيلم أجنبي يتمكن من تخطي حاجز 10 ملايين جنيه خلال العام، لكن محركاته لم تتحمل حرارة المنافسة في الصيف، ليتجاوزه فيلم جيمس بوند الجديد “No Time to Die” لموزع فردي، حتى هبط العنكبوت.

أعلى 5 أفلام أجنبية في الإيرادات – 2021

آخر مفاجآت العام كان بطلها الرجل العنكبوت “Spider-Man: No Way Home” ليس فقط لأنه شخصية متوسطة الشعبية ولا تزال ناشئة في عالم مارفل السينمائي، وليس لأنه حقق أعلى أسبوع افتتاح لفيلم أجنبي في تاريخ شباك التذاكر المصري (21.6 مليون)، وغير ملامح السوق في آخر أسبوعين من العام ورفع حصة شركة توزيعه AFD إلى المرتبة الثانية بالسوق، وهي أول مرة تصل شركة توزيع أفلام أجنبية لهذا المركز.

المفاجأة ليست في أي من هذا: فلنتذكر أنه العام الذي انخفضت به كل الأرقام إلى النصف، وها هو العنكبوت يحقق أرقاماً أفضل حتى من أكثر أعوام انتعاشاً وتضخماً، ومن المتوقع في أسبوعه الثالث أن يجمع أعلى إيرادات لفيلم آجنبي في مصر على الإطلاق.