ستيفن هوكينج أقرب خطوةً إلى نوبل

تُعطى جائزة نوبل عادةً للاختراعات والتطبيقات التي تساعد البشرية، بعيدًا عن النظريات والفرضيات، وقد يحصل دارسو الفيزياء النظرية عليها بعد أن يتم إثبات نظرياتهم بواسطة التجربة، وأقرب مثال على ذلك هو بيتر هيجز، الذي حصل على جائزة نوبل مؤخرًا في 2013 عن نظريته التي طورها في ستينات القرن الماضي. الآن تبدو فرصة لامحة لأحد أبرز الفيزيائيين على قيد الحياة للحصول على هذه الجائزة، كيف ولماذا؟ علينا في البداية العودة إلى السبعينات.

الثقوب السوداء وهوس هوكينج

في عام 1974 صرّح هوكينج بفرضيةٍ تقول إنّ حقل الجاذبية القوي المتشكّل حول الثقب الأسود قويٌ بما فيه الكفاية لإنتاج ظاهرةٍ غريبة، حيث يُنتَج وبشكلٍ عفوي زوج من الجزيئات، سالبٌ وموجبٌ، وكما يحصل في أنحاء الفضاء طبقًا للفيزياء الكمومية تقوم هذه الجزيئات العفوية الظهور بإفناء بعضها لتختفي من الوجود مرةً أخرى.

زوج جزيئات هوكينج يتكون بشكلٍ عفوي قرب أفق الحدث

لكن عند وجود هذه الجزيئات قرب أفق الحدث، فإنّ شيئًا مختلفًا يحدث: يسقط الفرد السالب من هذا الزوج داخل الثقب الأسود، وينطلق الموجب بعيدًا عنه ويُلاحظ كإشعاعٍ حراري مُطلقٍ من الثقب الأسود، ويؤدي سقوط الجزيء السالب داخل الثقب إلى خسارة الأخير جزءًا من كتلته، شيئًا فشيئًا، وكما أسلفنا في مقال سابق فإنّ الثقب يبدأ بخسارة الكتلة نتيجة الإضافة المستمرة للجزيئات السالبة ويضمحل نحو العدم مرسلًا إشعاعات هوكينج، وبعد خسارة الكمية الأكبر من كتلتها تصل الثقوب السوداء إلى نهايتها بانفجارات عديدة مصدرة لأشعة غاما. كل ذلك كان محض فرضيةً لا يُمكن إثباتها، حتى الآن.

هذه الجزيئات تُعرف باسم «إشعاع هوكينج»، والتي قد تحمل حلًا لأكثر ألغاز كوننا صعوبةً، لغز ضياع المعلومات عند دخولها الثقب الأسود، لكن رغم أنّ هذه الفكرة موجودة منذ أكثر من أربع عقود، إلا أنّه لم يستطع أحد إثباتها حتى الآن، لتبقى فرضيةً فقط.

إذًا كما نرى فإنّ إشعاعات هوكينج تجيب على كثير من الأسئلة عن الثقوب السوداء وآلية عملها (أهمها سؤالين: ضياع المعلومات وكيف تموت الثقوب السوداء)، لكن في الحين ذاته، فإنّ هناك العديد من الأسئلة تنتج عن تواجد تلك الإشعاعات. وبسبب بعدها الشديد عنّا، حيث أنّ أقرب ثقبٍ أسود إلينا يبعد حوالي آلاف السنين الضوئية، لا نستطيع قياس كميات الطاقة المتناهية في الصغر الصادرة عن الثقوب السوداء بشكل فوتونات في كلّ مرةٍ يُطلق فيها الثقب الأسود إشعاعات هوكينج.

ثقوب سوداء صوتيّة في المختبر

ومن مبدأ: إن لم تستطع الذهاب إليه فأحضره إليك، قام جيف شتاينهاور بمحاولةٍ لإثبات وجود هذه الإشعاعات بتجارب في المختبر، وفعلًا قام د. جيف شتاينهاور Jeff Steinhauer بصنع ثقب أسود «صوتي»، وعندما راقبه لاحظ انبعاث جزيئات منه سارقةً طاقته شيئًا فشيئًا.

كتب شتاينهاور نتائجه في ورقةٍ بحثية على موقع arXiv.org، ويقول الباحث أنّه برّد الهيليوم إلى درجةٍ قريبةٍ جدًا من صفر كالفن (الصفر المطلق) ثم حرّكها بسرعةٍ كبيرةٍ جدًا، فشكلت حاجزًا حولها لا يستطيع الصوت اختراقه، مشابهةً بذلك «أفق الحدث».

في خلاصة الورقة البحثية يكتب شتاينهاور:

«لقد تمّت ملاحظة إشعاعات هوكينج الحرارية المحرّضة بواسطة الاضطرابات الكمومية المسببة بواسطة محاكاة كمومية لثقبٍ أسود. يثبت ذلك توقعات هوكينج حول تشكل الزوج بشكلٍ عفوي قرب أفق الحدث، وتمّ ملاحظة علاقة بين إشعاعات هوكينج الخارجة من الثقب الأسود وزوج الجزيئات المتشكل داخلها»

أكّد شتاينهاور أنّه قد وجد إشارات على وجود الفونونات وهي كميات صغيرة من الطاقة (حالات اهتزاز كمومية) تظهر نتيجة انتشار الصوت وتشكل الموجات الصوتية، كانت هذه الفونونات تخرج من الثقب الأسود الصوتي، كما توقع هوكينج تمامًا. حتى الآن لم تُراجع الورقة علميًا، ولكنها موجودةٌ بشكل رسمي ومفتوح للعامة على موقع arXiv.org، والآن هي تُفحص من قبل الفيزيائين من حول العالم، حتى أنّ فيزيائيين مثل سيلك فاينفورنتر Silke Weinfurtner من المملكة المتحدة – الذي يقوم بإدارة تجربة مماثلة لرصد إشعاعات هوكينج من الأرض- أُعجب بهذه الدراسة ولكنّه مستعد لمزيد من المناقشة مع د.جيف.

منحنيات بايج ومحاكاة لحياة الثقب الأسود

بالإضافة إلى ذلك، فقد نُشرت ورقة الشهر الماضي في دورية Physical Review Letters تحاول إثبات إشعاعات هوكينج، فقد قام كل من كريس آدمي Chris Adami بروفسور الفيزياء والفلك في جامعة ميشغان، و زميله كاميل برادلر Kamil Bradler من جامعة أوتوا بتطوير نظريةٍ جديدةٍ تسمح لنا بمراقبة حياة الثقب الأسود لمدةٍ زمنيةٍ طويلة، ونتج لديهم أنّ المعلومات التي تدخل الثقب الأسود لا تضيع فعلًا، بل تبقى وتخرج من الثقب بشكلٍ بطيء مع تبخّر هذا الثقب.

قام الباحثون باستخدام فرضية إشعاعات هوكينج وتطبيقها بواسطة كمبيوترات عالية الأداء لمحاكاة كيفية دخول المعلومات وخروجها من الثقوب السوداء، ولإجراء هذه الحسابات الرياضية، كان علينا فقط أنّ نخمن كيفية تعامل الثقوب السوداء مع حقول إشعاعات هوكينج المحيط بها، ولعدم وجود نظرية كمومية للجاذبية تدرس التأثير المتبادل بينهما.

ويقول د.برادلر:«وقد استطعنا فعلًا إثبات أنّ أي تأثير متبادل بين الثقوب السوداء وإشعاعات هوكينج على المستوى الكمومي يتطابق مع نموذجنا».

إذًا قام الباحثان فعلًا بإنتاج عملي لفكرة ونظرية منحنيات بايج Page Curves والتي حاول كثير من فيزيائيو الثقوب السوداء البحث عنها وإثباتها. باختصار تتوقع النظرية المنحنيات التي تظهر دخول المعلومات الكمومية ثم خروجها من الثقوب السوداء، وبذلك يكون الباحثانقد وصلا لأول حساباتٍ أنتجت منحيات مشابهة للفكرة النظرية لبايج.

وكما ناقشنا في مقالنا السابق «مشكلة المعلومات»، فإنّ هذه القضية تصب في صالح الادعاء الذي قام به هوكينج والذي يقول أنّه في النهاية المعلومات تتبخر خارج الثقب الأسود على شكل إشعاعات هوكينج.

بعد أن قاموا بتخمين كيفية تعامل الثقب الأسود مع الحقل الذي ينتجه إشعاع هوكينج المحيط، حصل الباحثون على نموذج مشابهٍ بشكلٍ كبير للنموذج الذي اقترحه هوكينج، وكان لا بد من التخمين لعدم وجود نظرية تظهر التفاعل بين الثقوب وإشعاعات هوكينج في المستوى الكمومي.

ماتزال التجارب، كلتا التجربتين: شتاينهاور وآدمي-برادلر، تحتاج إلى إعادة التجربة من قبل علماء وباحثين آخرين، لتوثيق هذه المعلومات والتأكد من صحتها، وما زال أمامنا الكثير لإثبات وجود هذه الإشعاعات، ولكن مجرد الوصول إلى هذه المرحلة هو شيء رائع للفيزياء ولهوكينج ولإمكانية حصوله على الجائزة الأكبر، نوبل.