في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول الجاري، أقلعت المركبة الفضائية الروسية «سويوز إم أس 15»، التي يحملها الصاروخ «سويوز إف جي»، من محطة «بايكونور» الفضائية في كزاخستان، باتجاه محطة الفضاء الدولية، وعلى متنها رائد الفضاء الإماراتي «هزاع المنصوري»، ليصبح أول رائد فضاء إماراتي وعربي يصعد إلى محطة الفضاء الدولية. وبهذا يصبح العربي الثالث الذي ينطلق إلى الفضاء، بعد الأمير السعودي «سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود» عام 1985، والسوري «محمد فارس» عام 1987.

استغرقت الرحلة نحو 6 ساعات لوصول المركبة إلى محطة الفضاء الدولية، والتي يرافقه فيها رائد الفضاء الروسي «أوليج سكريبوتشكا»، ورائدة الفضاء الأمريكية «جيسيكا مير»، وتابع الآلاف مرحلة الانطلاق عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر البث المباشر من مركز محمد بن راشد للفضاء. ومن المقرر أن يبقى هزاع المنصوري على متن المحطة لمدة ثمانية أيام، ليستكمل المهمة من بعده زميله الرائد «سلطان النيادي».

من طيار مقاتل إلى أول رائد فضاء إماراتي

يذكر «هزاع المنصوري» أن ولعه بالفضاء بدأ منذ كان طفلًا صغيرًا، وكانت استضافة الشيخ زايد، مؤسس الدولة، لرواد الفضاء الأمريكيين في أبو ظبي في السبعينيات، أحد مصادر الإلهام بالنسبة له. ولكن مع غياب برنامج فضاء إماراتي في ذلك الوقت، اتجه هزاع إلى الطيران. وبعد حصوله على بكالوريوس في علوم الطيران من كلية خليفة بن زايد الجوية في عام 2004، التحق بالقوات المسلحة كطيار مقاتل، حيث وصل لقيادة طائرات من طراز «إف 16»، بعد خبرة دامت أكثر من 14 عامًا في الطيران العسكري الإماراتي.

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2017، أعلن حاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عبر حسابه على تويتر عن إمكانية الالتحاق ببرنامج رواد الفضاء الإماراتي، ليتقدم أكثر من أربعة آلاف شخص، ولكن وقع الاختيار في النهاية عام 2018 على شخصين وهما «هزاع المنصوري» و«سلطان النيادي»، بعد أن خاضا الكثير من المقابلات والفحوص الطبية والنفسية في الإمارات وروسيا.

وفي أبريل/نيسان الماضي، اختار مركز محمد بن راشد للفضاء «المنصوري» ليكون رائد الفضاء الأساسي للرحلة الافتتاحية، وكجزء من الاتفاقية بين مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة الفضاء الروسية لتدريب رواد الفضاء الإماراتيين، خاض «المنصوري» تدريبًا في مركز «يوري جاجارين» لتدريب رواد الفضاء في روسيا، استعدادًا لمهمة الذهاب إلى محطة الفضاء الدولية.

ما هي مهمة «هزاع المنصوري» في الفضاء؟

الذهاب إلى الفضاء يتيح للبشر إجراء التجارب التي لا يمكن القيام بها هنا على الأرض، حيث يمكن الاستفادة من انعدام الجاذبية، ومعرفة تأثيرها على جسم الإنسان والمواد الأخرى. وسوف يشارك «المنصوري» في إجراء 16 تجربة علمية، خاصةً حول تأثير انعدام الجاذبية على الجسم البشري؛ فعلى سبيل المثال سيتم دراسة تفاعل المؤشرات الحيوية لجسم الإنسان داخل المحطة مقارنة بالأرض قبل وبعد الرحلة، كما سيشارك في المهمات العلمية والأبحاث الجارية بالفعل في المحطة.

بالإضافة لتقديمه جولة تعريفية مصورة باللغة العربية لمحطة الفضاء الدولية؛ حيث سيوضح مكونات المحطة، والأجهزة والمعدات الموجودة على متنها، وطريقة إجراء التجارب في ظل انعدام الجاذبية، وكذلك تجارب رصد وتصوير كوكب الأرض، والتفاعل مع المحطات الأرضية ونقل المعلومات والتجارب معها، بالإضافة إلى توثيق الحياة اليومية لرواد الفضاء على متن المحطة، حيث سيكون محتوى هذه الجولات بمثابة مرجع موثق باللغة العربية، ومتوفر لجميع المهتمين بقطاع الفضاء في الوطن العربي.

مستقبل برنامج الفضاء الإماراتي

أرسلت دولة الإمارات العربية المتحدة أول رائد إلى الفضاء، وهي خطوة مهمة في برنامجها الفضائي الطموح، الذي ما يزال في مهده. كما تخطط العام المقبل لإرسال روبوت فضائي إلى سطح كوكب المريخ، حيث يتحدث قادتها عن استعمار الكوكب الأحمر بعد قرن من الآن.

ويأمل المسؤولون الإماراتيون أن يساهم برنامج الفضاء في إلهام وتدريب جيل من المهندسين والعلماء الذين يمكنهم المساعدة في إعداد البلاد لمستقبل لا يعتمد على النفط. وستتيح رحلة «هزاع المنصوري» المزيد من الفرص الجديدة للبلدان التي تتطلع إلى دخول سباق الفضاء، إذ إن الإمارات ليست جزءًا من مجموعة الدول التي تشارك في محطة الفضاء الدولية، وقبل عامين فحسب لم يكن لديها أي رواد فضاء من الأساس.

دون أن يملك صواريخه أو مركباته الفضائية الخاصة به، اشترى مركز محمد بن راشد للفضاء مقعدًا على متن المركبة «سويوز» من وكالة الفضاء الروسية، بنفس الطريقة التي يشتري بها سياح الفضاء الأثرياء رحلاتهم إلى محطة الفضاء الدولية، ولهذا تشير وكالة ناسا للمنصوري بأنه «مشارك في رحلات الفضاء» وليس رائد فضاء محترف، وهو استثمار من أجل بدء تطوير البرنامج الفضائي للمستقبل.

كما ذكرت شركة الاستشارات الدولية المتخصصة في أسواق الفضاء «EUROCONSULT»، بأن الحكومة الإماراتية أنفقت نحو 383 مليون دولار على برنامج الفضاء العام الماضي، وهو أقل بكثير مما تنفقه الولايات المتحدة أو حتى الهند، ولكنه أكثر مما تنفقه كندا.

وفي مارس/آذار الماضي، وقّعت شركة رحلات الفضاء «Virgin Galactic» اتفاقية مع وكالة الفضاء الاماراتية، بهدف إنشاء ميناء فضائي في البلاد. وفي العام المقبل، تعتزم الإمارات إطلاق بعثة إلى كوكب المريخ، وهي مسبار فضائي يُسمى «الأمل»، وسوف يُحمل على متن صاروخ ياباني، وستكون مهمته دراسة فقدان غازات الهيدروجين والأكسجين من الأجزاء العليا في الغلاف الجوي للمريخ.