يدق جرس المدرسة معلنًا بداية اليوم الدراسي ومعه تتلفت الأم لترى صغيرها الذي اختفى بين الزحام ليلحق بطابور الصباح، ظهرت يداه الصغيرتان وهما تلوّحان لها من بعيد، تبسمت وتمنت له مستقبلاً واعدًا، تجوب عشرات الأسئلة في مخها: «هل هذه المدرسة حقًا تستحق طفلها الشغوف؟، هل سيحبها الصغير ويقبل عليها؟، ترى ما القصص التى سيقصها عليها كل يوم عندما يعود؟».

كل هذا دار في مخيلتها وأكثر، تركت فناء المدرسة واتجهت إلى الخارج وتنهدت تنهيدة طويلة تكاد تُسمع من يمشي على بعد أميال منها.

على الصعيد الآخر، رفضت أم أخرى إرسال ابنها إلى المدرسة معلنة عصيانها على المدارس، وبررت فعلتها بسوء الأوضاع الأخلاقية ولا سيما التعليمية، ولكن ما هي الأسباب الأخرى التي لم يعلن عنها المعلمون منزليًا لاتخاذ قرار مصيري يضع كل شيء على المحك مثل هذا؟.

دعونا نرى في النقاط التالية.


1. مجاراة السباق

في النظام المدرسي كل شيء سريع، منذ بداية اليوم واللحاق بالباص، إلى توالي الحصص إلى الرجوع للمنزل والأكل سريعًا لننتهي من واجباتنا ثم نذاكر بعض الشيء حتى اللحاق بميعاد النوم، لتتكرر العملية يومًا بعد يوم، وتنحت في العقل اللاواعي لتصبح هذه السرعة بديهية أساسية لا يمكن العيش بدونها، هذه السرعة ومحاولة الجري وراء الأطياف تخلق طفلاً مشتتًا شارد الذهن غير عابئ بنتائج ما يفعله، فهو في منظومة خلقت بنسق متتالٍ لا يسمح له فيها بالخروج عن النص، لا يسمح له حتى بالتفكير عن أسباب الجري في هذا السباق الذي يقطع الأنفاس.


2. نظام التدريس الهرمي

أسس النظام التعليمي في كل أنحاء العالم على النظام الهرمي الذي يضع في قمته المواد الأكثر أهمية مثل اللغة والرياضيات والعلوم وفي قاعدة الهرم تأتي المواد الأقل أهمية مثل الرسم والموسيقى والاقتصاد المنزلي والدين والخط، مما يخلق تفكيرًا لا يعزز إلا جزءًا صغيرًا من تركيز الطفل تاركًا باقي الأجزاء الأخرى مهملة، وهذا ما يخلق طفلاً غير مكتمل التفكير وغير قادر على أداء جميع مهامه بنفس المهارة، شخصًا عاديًا غير مبدع أو مبتكر، فالابتكار يحتاج لتنمية الذكاء والإبداعية، شخصًا مهتمًا بكافة المعارف والعلوم على خط مستقيم، لهذا الأمر يقيم الغرب مدارس للموسيقى ومدارس للرسم والنحت وغيرها ليخلقوا توازنًا في موهبة وتفكير الطفل، فطفل بإدراك غير كامل لا يمكنه استخدام قدارت مخه غير المحدودة، فقديمًا كان العلماء المسلمون مهتمين بأمور دينهم ودنياهم على حد سواء، فيغذون أرواحهم وينيرون عقولهم، فمنهم على سبيل المثال لا الحصر الرازي الذي اهتم بعلم التفسير والفقه وأصول الدين بجانب اهتماماته بعلم الفلك والطب والرياضيات والفيزياء، ومنهم الخليل ابن أحمد الفراهيدي من أئمة اللغة والأدب وواضع لعلم العروض الذي أخذه من الموسيقى وكان عارفًا بها.


3. انفصال العلوم عن الواقع

في المدارس تنفصل دراسة العلوم المختلفة عن الحياة، فيتعلم الطفل الرياضيات ولا يفقه شيئًا عند أول محاسبة تتم بينه وبين البائع، يتعلم عن العلوم ولا يعرف سبب انكسار الملعقة المعدنية في كوب الماء الزجاجي، فتظل المعرفة حبيسة داخله وقت الدراسة وتتبخر فيما بعد حتى لا يبقى منها شيء، ما سبب نسيان الطالب المدرسي معظم المعلومات التي درسها في إجازة الصيف؟، السبب أنها لا تمت للواقع بصلة، الواقع مختلف عن المعلومات الورقية الشفهية المضللة في بعض الأحيان، وكما تقول الحكمة «قل لي وسوف أنسى، أرني وقد أتذكر، أشركني وسوف أفهم»، إذن أين المشاركة وممارسة العلوم الحية في مدارسنا اليوم؟.


4. القواعد والقوانين

ربما تظن أن كل شيء تحكمه القواعد والقوانين هو شيء منظم جميل، بالطبع أوافقك الرأي، ولكن ماذا لو كانت هذه القوانين تفرض غصبًا؟ هل سيكون الأمر مريحًا؟، بالطبع لا، الطالب داخل أسوار المدرسة مطالب باتباع القواعد، لا يحق له الحديث أو الحركة أو الأكل أثناء الحصة الدراسية، مطالب أن يجلس كالصنم، وقت محدد للنزهة لا يكفي شغفه للحركة، على الرغم من أن دراسات وأبحاثًا كثيرة أوضحت أهمية الحركة وتأثيرها بالغ الأهمية على عملية التعليم وزيادة التركيز وثقل جوانب أخرى من مخ الطفل، خاصة في فترة الطفولة المبكرة التي تعتبر الحركة فيه ركنًا أساسيًا لتطوير عقل الطفل .

أما آن الأوان لتغيير واقعنا التعليمي بعد معرفة أسباب فشله وانحداره في قاع قائمة مستويات التعليم الأكثر تقدمًا في العالم؟، أما آن الأوان لتغيير مفاهيم مغلوطة ترسخت في أذهاننا وشكلت واقعنا الذي أصبحنا سجناءه؟، أما آن الأوان لننظر نظرة مستقبلية تليق بأبنائنا ومستقبلهم وتضعهم على طريق الأمم المتقدمة؟.