في طريقه إلى السوق، توجه «إرشاد خان» برفقة أخيه «عارف» ووالده «بهلو» (مسلمين هنود) إلى «جايبور» عاصمة ولاية «راجاستان»، حيث سيشترون مجموعة من الأبقار. وبينما يسيرون بطريقهم، إذ بهم يفاجئون بعصابة من 8 رجال يحاصرون السيارة ويتسألون عما تحمل بالخلف. أول ما تبادر إلى أذهانهم أن هؤلاء الرجال هم أفراد جماعة «باجران دال» تلك الجماعة الهندوسية المتطرفة والتي دائماً ما استهدفت التجار المسلمين تحت مسمى حماية الأبقار.

كان هذا صحيحاً بالفعل… فبمجرد إجابتهم بأنهم قادمون من معرض نظمته الحكومة لبيع وشراء الماشية، وتسليمهم الأوراق التي تُثبت هذا، قام أحد الرجال بتمزيق الأوراق، قائلاً: «نحن باجران دال لا نهتم بهذه الأوراق». وسرعان ما انهالوا بالضرب عليهم ليسقطوا غارقين بدمائهم فاقدي الوعي.

استمر الوضع هكذا إلى أن جاءت الشرطة، فقامت بتفكيك الحشد وحملت المصابين إلى المستشفى، لكن هذه لم تكن النهاية. فقد تجمع سكان القرية وأحاطوا بمبنى المستشفى وبدأ البعض منهم في تسلقه وسط تعالي الصيحات التي تنادي بقتلهم جميعاً. وخلال يومين، كان والد الشابان بهلو قد توفي متأثراً بجراحه، وحينما انتشر خبر وفاته عاد أفراد العصابة مرة أخرى مطالبين بجسده حتى يتمكنوا من تدنيسه والتمثيل به ليكون عبرة لمن يعتبر… بالنهاية تمكن الشابان بمساعدة من الشرطة ومئات الأشخاص من القرى المجاورة من العودة إلى منزلهم ولكن بعد أن فقدا أباهما.


مُسلمو الهند: بين قتيل ومسحول

قد يبدو الأمر وكأنه أحد أفلام بوليوود الشهيرة، لكنه ليس كذلك. فهذا واقع كثير من المسلمين بالهند الذين يتعرضون بشكل متزايد لجرائم كراهية، ويُعاملون في كثير من الأحيان على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية بل والثالثة. فرغم أن الهند تضم أكبر نسبة مسلمين بالعالم بعد إندونيسيا حيث يشكلون أكثر من 14% من السكان بما يقارب 186 مليون نسمة، فإنهم ما زالوا يتعرضون لتلك الجرائم على أيدي الهندوس المتطرفين.

ففي ولاية «جهارخاند» التي يحكمها حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم وبالتحديد يوم 18 يونيو/حزيران 2019، تعرض «تبريز أنصاري» البالغ من العمر 24 عاماً، لحادث كراهية مماثل حينما كان عائداً من زيارة أحد أقاربه، حيث أحاط به رجال عصابة هندوسية وانهالوا عليه بالضرب المبرح لساعات طويلة حينما علموا باسمه المسلم، ثم ربطوه بعمود خشبي، وأجبروه على ترديد الهتاف القائل «جاي شري رام»، الذي يعني بالهندوسية «يحيا الإله رام».

وعلى الرغم من توسله لأفراد العصابة للرأفة به، فإن الاعتداء استمر حتى صباح اليوم التالي، حيث فقد الوعي وتم تسليمه إلى الشرطة التي بدورها احتجزت الضحية بدلاً من الجاني، ومنعت عنه الزيارة إلى أن توفي بعد 4 أيام من احتجازه متأثراً بجراحه.

وفي مدينة «كالكاتا» شرقي الهند، وبعد يومين فقط من الهجوم على الأنصاري، تعرض حفيظ محمد شاهروخ -والذي يعمل مُدرساً في مدرسة دينية- لهجوم لفظي وجسدي بينما كان يستقل القطار. حيث كان المعتدون يرددون هتاف «جاي شري رام» أيضاً. وبدأوا بالسخرية من لباسه ولحيته، وحاولوا إجباره على ترديد الهتاف، إلا أنه رفض، فما كان منهم إلا أن ألقوا به من القطار أثناء مسيره.

أمّا في مدينة «هابور»، التي تبعد ساعة من العاصمة دلهي، فقد تعرّض مسلمان لهجوم من قبل هندوسيين متطرفين، حيث ضربوا أحدهما حتى فقد الوعي وجروه بالشارع إلى أن توفي، وسحبوا الآخر من لحيته، وكان رجلًا مسنًا، فسحقوه بعصيانهم حتى سالت الدماء من جميع أجزاء جسده المتهالك.


جرائم الكراهية في تزايد مستمر

على هذا المسار توالت جرائم الكراهية ضد مسلمي الهند وازدادت يوماً تلو الآخر حتى لفتت انتباه الكثير من المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة العفو الدولية، التي حذرت من ارتفاع معدل تلك الجرائم بشكل ملحوظ، حيث قال أكار باتيل، المدير التنفيذي للفرع الهندي للمنظمة:

ما يبعث على القلق العميق هو نمط جرائم الكراهية التي تُرتكب ضد المسلمين مع إفلات الجناة من العقاب، فيما يبدو. وتقع كثير من هذه الجرائم في ولايات يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا… وللأسف فإن رئيس الوزراء وعديد من رؤساء وزراء الولايات لم يفعلوا شيئاً يُذكر لإظهار رفضهم لهذا العنف.

وهو الأمر ذاته الذي أكده تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية صدر، مؤخراً، حول الحرية الدينية الدولية، حيث أوضح أن الهند قد شهدت ارتفاعاً في جرائم الكراهية الدينية ضد المسلمين من الطبقة الدنيا في عهد حكومة «ناريندرا مودي».

والحقيقة أن هذه التقارير لم تأت من فراغ، فالبيئة المُتسامحة التي تشجع ضمنياً أو علنياً على خطاب الكراهية تعززها بقوة، أيديولوجية القيادة السياسية في البلاد، والمتمثلة في حزب «بهاراتيا جاناتا» الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي. فمنذ توليه الحكم عام 2014، اشتعلت حملات شيطنة المسلمين، حيث تم تصويرهم على أنهم مفترسون للجنس ومتعاطفون مع الإرهاب. والنتيجة وقوع نحو 90% من جرائم الكراهية الدينية بالعقد الماضي، بعهد مودي فقط.

صحيح أنه لم يصدر عنه أي تصريحات استفزازية ضد المسلمين، لكنه اتبع سياسات عدة أعطت شرعية اجتماعية للتُحامل ضد المسلمين، وشجعت على خطاب وجرائم الكراهية ضدهم. من بين هذه السياسات الصمت إزاء القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المسلمين، وتعيين المتشددين في المناصب الرئيسية، كما هو الحال في تعيين «أميت شاه» وزيراً للداخلية، وهو الهندوسي المتطرف الذي سبق أن وصف المسلمين اللاجئين بالنمل الأبيض وتعهد بالقضاء عليه قائلاً:

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتبع بها مودي سياسات تشجع على الكراهية ضد المسلمين، فحينما كان رئيس وزراء ولاية غوجارات عام 2001، لم يفعل شيئاً ضد أعمال الشغب التي حدثت بالولاية عام 2002، حيث قُتل آنذاك ما يزيد على 1000 شخص، معظمهم من المسلمين، وشُرد عشرات الآلاف منهم على أيدي حُشود هندوسية متطرفة.


ضحايا حماة البقر

في ظل هذه السياسات أصبح عدد كبير من المسلمين، خصوصاً الطبقات الفقيرة، عرضة للاضطهاد الاجتماعي من قبل الهندوس وعلى رأسهم حماة البقر. ففي الهند لا يجوز قانوناً ذبح الأبقار أو استهلاك لحمها إلا في 5 ولايات فقط من الولايات الـ29، والتي تقع بالأساس في الجنوب والشمال الشرقي.

وبالرغم من أن قوانين حماية البقر كانت تُطبق بشكل ضعيف في الماضي، فإنه منذ فوز حزب «بهاراتيا جاناتا» بالانتخابات عام 2014، اكتسحت الهند موجة من النزعة الانتصارية الدينية، لم تجلب معها قوانين جديدة لحماية الأبقار فحسب، وإنما جلبت أيضًا مطالب بتطبيقها تطبيقاً صارماً، مما أدى إلى انتعاش «جمعيات حماية الأبقار»، التي انطلقت لمهاجمة كل من يخرج عن تلك القوانين وقتله، حتى دون التأكد من صحة الأمر.

وما زاد الأمر سوءًا، الدعم الذي تلقته تلك الجمعيات من الشرطة المحلية. ففي الكثير من الحالات وبدلاً من مُحاسبة الجناة،تقوم الشرطة بسجن الضحايا المسلمين، متهمة إياهم بكونهم مُهربي بقر، مما يضطر الكثير منهم إلى التنازل عن حقهم في مقابل الإفراج عنهم وعدم استهداف ذويهم بالسجن.

ولم يكن الدعم يقتصر على الشرطة فقط، بل تعداه إلى المسئولين السياسيين الذين يبررون هذه الهجمات علانيةً. ففي إحدى الحالات عام 2016،تم العثور على جثتي لتاجر ماشية مسلم وابنه معلقين بشجرة وأياديهما مقيدة خلفهما، وتبيّن أن الجناة هم مجموعة من حماة البقر، وبدلاً من تعقبهم، أعلن مسئولون بالحكومة عن تشكيل لجنة وطنية لحماية الأبقار.

وفي حالات أخرى تم تصوير الجُناة وهم يرتكبون تلك الجرائم ويشعرون بالاطمئنان من إفلاتهم من العقاب حتى عندما تظهر وجوههم، بل إنهم من يبادرون بالظهور كما حدث في ديسمبر/كانون الأول 2017، حيث تم اختطاف مسلم وإحراقه حياً علانيةً، وبادر القاتل بالوقوف أمام الكاميرا مردداً شعارات معادية للمسلمين. وذلك المقطع الذي انتشر، مؤخرًا، لتبريز أنصاري وهو يتوسل إلى الجناة للرأفة به وقد اختلطت دموعه بدمائه، في رسالة إلى المسلمين بشأن وضعهم بالهند الجديدة ذات الأغلبية الهندوسية.

وفي هذا الصدد، تصاعدت الهجمات تحت مسمى «حماية الأبقار»، وراح ضحيتها في الفترة بين مايو /آيار 2015 وديسمبر/كانون الأول 2018 نحو 44 شخصاً من بينهم 36 مسلماً، يُشتبه في تناولهم لحوم البقر أو الاتجار في الماشية، وهو الأمر الذي وثّقته هيومن رايتس ووتش في تقريراً من 104 صفحات.


تهميش وإقصاء وسحب جنسية

لم يقتصر اضطهاد المسلمين على الهندوس المتطرفين فقط، ولكن السلطات الحاكمة كان لها نصيب أيضاً، حيث عرّضت المسلمين للتهميش الاقتصادي والإقصاء السياسي.

اقتصادياً

أصبح المسلمون من بين أكثر الفئات فقراً في الهند، إذ بلغ متوسط إنفاقهم نحو 32.7 روبية (0.52 دولار) في اليوم الواحد للفرد، مقارنة بـ55.3 روبية للسيخ، و51.4 روبية للمسحيين، و37.5 روبية للهندوس. كما انخفضت نسبة العمالة بينهم إلى 33% من إجمالي عدد المسلمين العاملين مقارنةً بـ41% من الهندوس، و41.9% من المسيحيين، وهو الأمر الذي يرجع إلى ارتفاع معدل الأمية بينهم.

فوفقاً لمكتب المسح الوطني (NSSO) التابع لوزارة الإحصاءات الهندية، فإن 22.3% من المسلمين بين سنِّ 17-29 عاماً لا يعرفون القراءة والكتابة، وهي النسبة الأعلى بين جميع فئات المجتمع، حيث يبلغ المعدل الوطني 17%.

سياسياً

المتسلّلون مثل النمل الأبيض في البنغال… سنزيل كل متسلل باستثناء البوذيين والهندوس والسيخ.

تراجعت نسب التمثيل السياسي للمسلمين، ووصلت إلى أدنى مستوى لها منذ 50 عاماً. ففي انتخابات عام 1980، شغل المسلمون نسبة 10% من البرلمان الهندي. أما في الانتخابات البرلمانية عام 2014، انخفضت النسبة إلى 5% فقط، بما يشكل 22 عضوًا من بين 543 عضواً. وفي الانتخابات الأخيرة في مايو/آيار الماضي، بلغ عددهم 27 عضواً. وهو ما انعكس بالطبع على نسبة تمثيلهم بالحكومة حيث كان عضوان فقط في حكومة مودي الأولى 2014 مسلمين، وهو أمر لا يتناسب بأي حال مع نسبتهم بالمجتمع التي تصل لأكثر من 14% من السكان.

ولم يتوقف الأمر عند حد ضعف التمثيل السياسي، بل تعداه إلى حالات سحب الجنسية، حيث أعلنت السلطات الهندية، في 30 يوليو/تموز 2018، سحب الجنسية من 4 ملايين شخص في ولاية أسام (جنوب شرق) وكان معظمهم من المسلمين. وبموجب هذا القرار، بات على هؤلاء الأشخاص إثبات قدومهم إلى الولاية قبل عام 1971، ومن لا يتمكن من تقديم الأوراق الرسمية لإثبات ذلك فسيتم تجريده من الجنسية الهندية.

وإمعاناً في الاستهداف،أقرّ مجلس النواب الهندي، في يناير/كانون الثاني الماضي مشروع قانون يعطي حق المواطنة للاجئين في شمال شرقي الهند من أديان عدة، باستثناء المسلمين منهم. وبموجب هذا المشروع سيتم منح الجنسية الهندية للهندوس والمسيحيين والسيخ، الذين انتقلوا من باكستان وأفغانستان وبنجلادش وعاشوا بالهند منذ 6 سنوات على الأقل، أما المسلمون الذين انتقلوا من تلك الدول فسيُحرمون من الجنسية.

وقد بدا واضحاً أن هذا القانون كان في إطار السياسة التي يتبعها مودي لإرضاء الناخبين قبل الانتخابات التي أجريت في مايو/آيار الماضي، والتي أتت بثمارها بالفعل، وحقق مودي نجاحاً كبيراً. كما أنها تأتي في إطار أيديولوجية «الهندوتفا»، التي تُروج لانتصار الهندوسية ضد غيرها من الديانات في الهند، ويُعتبر مودي وحزبه «بهارتيا جاناتا» أبرز زعمائها والمبشرين بها.

فهذه الأيديولوجية المتطرفة، والتي اخُترعت في العشرينيات من القرن الماضي، وكان مؤسسوها يتراسلون مع هتلر لتشكيل حزبهم على غرار الخطوط الفاشية، ترى أن الهند هي أرض الهندوس؛ لا مكان فيها للأقليات مثل المسيحيين أو المسلمين، ويبدوا أنها ما زالت مُترسخة في الهند حتى اليوم.