محتوى مترجم
المصدر
OpenDemocracy
التاريخ
2019/06/03
الكاتب
سرمد إشفاق

درة مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية، الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. مشروع ضخم يتضمن العديد من المشاريع الاقتصادية والبنية التحتية في جميع أنحاء باكستان، وتشمل النقاط الرئيسية للممر شبكة من خطوط السكك الحديدية وأنابيب النفط والغاز، تصل بين البلدين، ويبلغ طولها 3000كم، بتكلفة 62 مليار دولار، بالإضافة إلى مشاريع جديدة للطاقة المتجددة.بمجرد الإعلان عن الممر، بدأ التحول في التحالفات الإقليمية. عارضت الهند في البداية مشروع الممر ومبادرة الحزام والطريق، على الرغم من طلب الصين مشاركتها فيهما في عدة مناسبات. ظاهريًا، تدّعي الهند أن رفضها المشروع بسبب مروره بمناطق كشمير وجيلجيت بالتستان الباكستانيتين، إذ تؤكد الهند ملكيتها هذه المناطق. والحقيقة، يرجع رفضها المشروع لسببين آخرين؛ أولًا، من شأن نجاح الممر أن يعزز مكانة الصين كقوة مهيمنة إقليمية، بل قوى عظمى. ثانيًا، إذا نجح المشروع، ستصبح باكستان – المنافس التاريخي للهند – جهة فاعلة أقوى وأكثر استقرارًا إقليميًا واقتصاديًا.لا يزعج هذا المشروع الهند وحدها، بل أمريكا أيضًا، إذ تعتبر المشروعين تهديدًا لـهيمنتها ووضعها كقوة عظمى. هدف الصين الأساسي الاستفادة من ميناء جوادر العميق والمتمركز استراتيجيًا في باكستان، بغية تأمين مجال الطاقة. بالتالي، يحقق كلا المشروعين ميزة استراتيجية واقتصادية لباكستان والصين. في الآونة الأخيرة، خاصة بعد تولي ترامب الرئاسة، استبدلت أمريكا بباكستان الهند كحليف رئيسي لها في جنوب آسيا، ودعمت الهند في محاولة لإبطال النفوذ الصيني. في 2018، علّق البيت الأبيض ملياري دولار من المساعدات العسكرية لباكستان، بينما دعم في الوقت نفسه الهند بشراكات اقتصادية وعسكرية. وفي الوقت الذي أصبحت فيه الهند في أحضان أمريكا الدافئة (التي لا يمكن الاعتماد عليها)، تجد باكستان نفسها مقترنة بحليفها الحديدي الصين.ولتعطيل الممر الاقتصادي، تُواصل أمريكا خلق ودعم الخلاف في مقاطعة بلوشستان الباكستانية، التي تقع في قلب الممر. على سبيل المثال، في يوليو/ تموز 2016، أضافت أمريكا جماعة «الأحرار»[1] إلى قائمتها الإرهابية، مما أثار قلق كل من الصين وباكستان، حيث إنه قديمًا استهدفت البيت الأبيض منظمات إرهابية على طول الحدود الأفغانية الباكستانية، وكان هناك زيادة في تفشي الإرهاب في باكستان.لسوء الحظ، تكرر هذا التوجه، ليس فقط بسبب التحرك الأمريكي، لكن أيضًا بسبب فرار العديد من الإرهابيين إلى بلوشستان، بسبب عملية عسكرية باكستانية مستمرة في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية المجاورة. بمجرد إعلان أمريكا جماعة الأحرار جماعة إرهابية في يوليو/تموز، انتشرت هجمات الجماعة في بلوشستان، مما أسفر عن مقتل 135 شخصًا معظمهم في كويته في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول 2016. يؤكد المحلل إيان برايس، أنه من غير المعروف ما إذا كان هذا الجهد الذي قامت به أمريكا لإلحاق الضرر بالممر متعمدًا أم لا، لكن النتيجة كانت متوقعة. يتفق العديد من المحللين والسياسيين وضباط الجيش الصينيين والباكستانيين مع السياسي الباكستاني الكبير بالواشا خان، الذي قال إن العلاقة الأمريكية الهندية تسعى جاهدة لتقويض المبادرة والممر.رغم أن بلوشستان ليست في وضع أفضل اليوم، لا يزال انتشار نشاط الهند وتمويل الجماعات الإرهابية المتمركزة في بلوشستان، مثل جيش تحرير بلوشستان (BLA)، لتخريب باكستان ومشروع الممر مستمرًا، بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية (CIA) وجناح البحث والتحليل الهندي (RAW) بالاشتراك في مشروع بلوشستان. تدرك وكالة الاستخبارات الباكستانية (ISI) مثل هذه المكائد وأحبطت العديد من الخطط الإرهابية وفقًا لمعلقين أمثال العميد أسلم غومان، وهو مسؤول متقاعد من وكالة الاستخبارات الباكستانية. في 2016، صرّح نزار بالوش، رئيس جبهة تحرير البلوش المدعومة من جناح البحث والتحليل الهندي، صرّح علنًا بترحيبه بكل مساعدات الهند، ووعد بمزيد من الهجمات على الممر. قام الجناح الهندي عبر وكلائه بتنظيم العديد من عمليات القتل لمهندسين صينيين في بلوشستان، وتُنظّم هذه العمليات على العمال الصينيين في الممر عمدًا لعزل الصين عن باكستان. على سبيل المثال، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، تعرضت القنصلية الصينية في كراتشي لهجوم من جيش تحرير بلوشستان، وبعد التحقيق أبلغ أمير شيخ المفتش العام للشرطة، الصحافة والجمهور بأنه جرى التخطيط للهجوم في أفغانستان من العقل المدبر لجيش التحرير، أسلم، ونُفّذ بدعم من جناح البحث والتحليل الهندي.بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، سعت الهند لتقوية العلاقات مع أفغانستان، المجاورة لبلوشستان، وأصبحتا أصدقاء مقربين على حساب باكستان. السبب الرئيسي الذي ذكره المحللون هو الضغط على باكستان بين أفغانستان الموالية للهند والهند المعادية لباكستان بالفعل. علاوة على ذلك، تستخدم الهند أراضي أفغانستان لتمويل وتدريب المنشقين البلوش. يؤكد الكاتب الأمريكي ويبستر تاربلي هذا، مشيرًا إلى أن جناح البحث والتحليل الهندي يجند إرهابيين من أفغانستان، «لمساعدتهم على الانخراط في الإرهاب داخل باكستان».في مارس/ آذار 2016، كشفت وكالة الاستخبارات الباكستانية عن اعتقال جاسوس لجناح البحث والتحليل الهندي، يدعى كولبوشان باداف، والذي اعترف في مقطع مصور بأنه عميل للجناح وقام بعمليات لزعزعة استقرار باكستان ومشروع الممر، وأبلغ السلطات أنه تمركز في مدينة الميناء الإيراني جابهار، تحت اسم «مبارك باتال». فيما يتعلق بالمجموعات البلوشية الإرهابية، كشف أن الاجتماعات التي كان ينظمها كانت تهدف إلى «معرفة أن وجهات وأهداف الجناح الهندي للقيام بالأنشطة الإرهابية المتنوعة داخل بلوشستان تسلّم بشكل صحيح إلى الإرهابيين»، وأي متطلبات كانوا بحاجة لها ونُقلت إلى مسؤولي الجناح. وقال فيما يتعلق بمشروع الممر «يجب تدمير وتعطيل المنطقة بين جوادر والصين» عبر بث «التمرد داخل بلوشستان ومنطقة كرانشي». تتواطأ أمريكا والهند في جميع هذه الجرائم ضد باكستان والصين. تدعم أمريكا باستمرار مكائد الهند لتسبب الفوضى في بلوشستان ومناطق أخرى من باكستان. مع ذلك، فشلت سياسة عزل باكستان وإضعاف مشروع الممر، إذ أدت الجهود الظاهرة التي بذلها الجيش الباكستاني في بلوشستان والمناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية إلى تطبيع الوضع الأمني. شهدت الدولة أدنى مستوياتها في أعمال العنف منذ 2014، وهزم الجيش الباكستاني حركة طالبان باكستان، عدوه الداخلي الأول، في عملية «ضرب العزب»، ويُشاد بقواته دوليًا كواحدة من أبرز مكافحي الإرهاب والقوى التقليدية. انخفض الإرهاب إلى مستويات قياسية، وترتفع مستويات السياحة والاستثمار باستمرار، لكن الأهم من ذلك هو أن مشروعي مبادرة الحزام والطريق والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني يسيران على الطريق الصحيح، تم الانتهاء من العديد من مشاريع الممر بنجاح، بينما يستمر العمل في العديد من المشروعات الأخرى.


[1] فصيل إسلامي مسلح، منشق عن حركة طالبان باكستان، يرمي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في باكستان، ويتبنى من حين لآخر هجمات ضد الأقليات الدينية والمؤسسات الحكومية.