أخبرتني أمي أنني أفضل طفل على الإطلاق، لماذا لا تفهمون ذلك؟ لا أحد هنا يستحق التقدير غيري.

خرجت تلك الكلمات من طفل يبلغ من العمر 7 سنوات، وهو يصرخ في معلميه بعد أن منحوا أحد زملائه لقب الطالب المثالي وشهادة تقدير بسبب تفوقه وأخلاقه الحميدة.

استدعته المديرة في مكتبها بعد أن انتهى من توبيخ من حوله، واتصلت بوالديه لتتحدث الأخصائية النفسية معهم بشأن ما حدث، وبعد أن قصت المديرة ما حدث بالكامل، ردت الأم مستنكرة: «أرى أنك تبالغين، طفلي يثق بنفسه، هذا كل ما في الأمر!» تنهدت الأخصائية النفسية وأدركت أنها ستبذل مجهودًا كبيرًا لتحل المشكلة، ولكن اكتفت بجملة قصيرة: «طفلك يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية يا سيدتي». 

تبادل الأبوان النظر بعدم فهم، ليتدخل الأب سائلًا: «ماذا تقصدين بهذا المصطلح؟ هل الأمر خطير؟» ردت الأخصائية النفسية: «تفضلا بالجلوس، سأشرح لكما النرجسية في الأطفال بالكامل».

ما هي النرجسية؟

نمتلك جميعًا نسبة بسيطة من النرجسية المحمودة، تمكننا من تقدير أنفسنا والثقة بها، ولكننا نستطيع الموازنة والتفرقة بين الثقة بالنفس وتقدير الذات وبين الإفراط في حب الذات وتقديرها وإيثارها عمن سواها، فإن نجحنا في الأمر واستطعنا الموازنة، فلا تسمى نرجسية، بل هي ثقة بالنفس وتقدير للذات بشكل معتدل. 

اضطراب الشخصية النرجسية (NPD) أو النرجسية هو أحد اضطرابات الشخصية، التي يشعر خلالها الشخص أنه محور الكون ولا أحد أهم منه أو أفضل منه، ويترتب على هذا الاضطراب الكثير من الأضرار لنفسه ولمن حوله.

نظرت الأخصائية للوالدين بعد أن انتهت من حديثها وقالت: «أظن أنكما الآن توقعتما ما هي النرجسية في الأطفال التي حدثتكما عنها» (إيماء بالسلب من الوالدين)، حسنًا، دعونا نتعمق في الأمر أكثر.

ما هي النرجسية في الأطفال؟

الطفل بفطرته أناني، يرغب في كسب اهتمام وحب من حوله، ولا يريد أن ينشغل أحد عنه، يرغب في الحصول على كل ما يريد. وذلك بدافع حماية نفسه من العالم الجديد عليه. تجد أن الطفل عادة لا يحب مشاركة ألعابه مع غيره، أو لا يحب أن يعطي أحدًا من طعامه، أو يشعر بالغيرة إن رأى والديه يدللان طفلًا غيره. كل هذه مشاعر فطرية لا تنم على أي سوء، ولكن يجب مراقبتها لكي لا يتحول الأمر إلى اضطراب حقيقي. أعلم أنكما تتساءلان الآن عن كيفية التفرقة بين النرجسية في الأطفال وبين المشاعر الفطرية التي تحدثت عنها. (إيماءات بالإيجاب). حسنًا، لننتقل إلى علامات الاضطراب.  

كيف تتعرف على السلوك النرجسي في طفلك؟

لكي أجيب على هذا السؤال، دعونا نفصِّل الكلمات التي قالها طفلكم: الطفل قال إن أمه أخبرته أنه أفضل طفل على الإطلاق، وقال أن لا أحد غيره يستحق التقدير.. هاتان الجملتان بهما الإجابة على السؤال المطروح. دعونا نفصِّل علامات النرجسية في الأطفال أكثر في نقاط واضحة: 

  • يشعر الطفل أنه أفضل من كل الأطفال.
  • شعور مبالغ فيه داخل الطفل بأهمية نفسه. 
  • يشعر بالأولوية على من سواه وأنه يستحق معاملة وتقديرًا خاصًّا.
  • يشعر أنه طفل ناجح بشكل غير مسبوق، ورائع ومحبوب ولامع أكثر من أي شخص آخر. 
  • يجب أن يكون محور الكون ومحط اهتمام الجميع. 
  • يرغب في السيطرة على أي حوار، ولا أحد يتكلم غيره. 
  • عندما يُهمَل، يشعر أنهم يستخفون به ويستصغرونه ويسيئون التعامل معه ويغضب غضبًا شديدًا حيال ذلك. 
  • يجد صعوبة في امتلاك أصدقاء. 
  • لا يدين بالعرفان والامتنان لوالديه أو لأي شخص كان طيبًا معه.
  • استقراره النفسي مهدد في أي لحظة، إذا فقد الرأي الذي يمجد فيه ويشير إلى استثنائه.
  • لا يتحمل نتيجة أفعاله. 
  •  يغضب عندما ينتقده أحد. 
  • يستاء من التوجيهات والأوامر.

جذور اضطراب النرجسية في الأطفال

أظن الآن أنكما صدقتما أن الطفل يعاني من المشكلة، ولكن يا ترى من أين أتت المشكلة؟ للأسف، فإن الجزء القادم لن يعجبكما كثيرًا، ولكن عليَّ أن أخبركما به. 

اضطراب الشخصية النرجسية من الأمراض الشائعة في المراهقين وخصوصًا من الرجال، وعادة تعود جذور النرجسية إلى مرحلة الطفولة، وعادة تبدأ من سن 7 سنوات، وهو عمر طفلكما. أما عن الأسباب فهي تتلخص في النقاط التالية: 

يكتسب الطفل شعور العظمة والتقدير المبالغ فيه من والديه، فمثلًا: طفلك سيدتي نطق بنفسه وقال: «أخبرتني أمي بأنني أفضل طفل على الإطلاق»، أنتِ من غرستِ الفكرة به! ردت الأم: «هل كان عليَّ التقليل من شأنه وإهماله؟»

بالطبع لا. لا يتسبب الاهتمام والتعظيم فقط في النرجسية في الأطفال والمراهقين، بل أيضًا المعاملة السلبية والسيئة تفعل، على سبيل المثال: 

عندما يجد الطفل نفسه موضع نقد وتحقير وتعنيف طوال الوقت، يسعى إلى إثبات العكس لنفسه وللآخرين، ولكن بطريقة خاطئة، حيث يمجد نفسه ويتعامل على أن الآخرين لا يدركون قيمته، وأنه يستحق كل الاهتمام وكل الحب وكل التقدير. لا شك أن الجميع يستحق الحب والاهتمام والتقدير، ولكن الإفراط هو المشكلة.

رد الأب: «ماذا نفعل إذن؟ نهتم أم نهمل، نقدره أم نقلل من شأنه؟» التوازن، نحقق التوازن. سأوضح لك.

النرجسية في الأطفال والبيئة التي نشئوا فيها، هل هناك علاقة؟ 

تنشأ النرجسية في البيئة المدمِّرة والمدمَّرة، البيئة التي لا تصلح لتربية طفل مسئول، طفل لا يُعتمد عليه، طفل اتكالي لا يرغب في تحمل عواقب أفعاله. تنشأ النرجسية في البيوت الخالية من الحب، والبيوت التي تزرع عشق الذات في نفوس أطفالها أيضًا، تنشأ في البيوت التي لا أساس لها، حيث الأبوان غير مؤهلين لتربية طفل سوي يثق بنفسه، ولكن لا يبالغ في تعظيمها، طفل يتحمل المسئولية ولا يلقي اللوم على كل شيء عداه، طفل يقدر نفسه ويقدر غيره، طفل يتقبل نفسه ويتقبل غيره، طفل واقعي، طفل راضٍ عن نفسه ويشعر بالامتنان لكل من يعامله بإحسان.

تأثير الطفل النرجسي في نفسه وفي من حوله

الشخصية النرجسية شخصية مؤذية، مكروهة، الارتباط بها ارتباط سام. كذلك النرجسية في الأطفال أمر منبوذ، لا أحد يتحمل طفلًا لا يهتم لأحد ولا يشعر بالعرفان لأحد ولا ينفع أحدًا ولا يُعتمَد عليه! التواضع دائمًا يخطف القلوب، أما جنون العظمة فهو فعل منفر، ولذلك فإن الطفل سيعاني من الآتي: 

  • الوحدة.
  • الاستنكار.
  • النقد المستمر.
  • لن يستطيع النجاح في أي علاقة.
  • استقراره النفسي مهدد دائمًا.

أما الآخرون فسوف يعانون من الآتي: 

هل فات الأوان؟ أليس هناك أمل؟

علاج النرجسية في الأطفال

أرى علامات الحزن على وجوهكما، أعلم أنه أمر مؤسف، ولكن هل هناك أمل في العلاج أو التغيير؟ إجابتي هي: «ربما»، وذلك لأنه يختلف كل طفل عن الآخر، وتختلف كل عائلة بظروفها عن الأخرى. ولكن عمر الطفل عامل فارق ومهم، كلما كان الطفل صغيرًا، كان علاجه ممكنًا، لأنه مع تقدم عمره تترسخ الأفكار في ذهنه أكثر، ويصعب إقناعه بأنه في حاجة إلى العلاج، ولكن إن اقتنع أنه مريض وذهب للطبيب النفسي، فهناك أمل كبير في تغييره وتحسن وضعه.

كيف تتجنب النرجسية في الأطفال؟

من المهم أن نعرف كيف نتعامل مع الطفل لكي لا تحدث مضاعفات: 

  • كلما كان صغيرًا، كان الأمر أسهل، حيث تنشأ أولى البوادر في سن السنتين. 
  • يجب تعليم الطفل أن يحترم الآخرين ويقدرهم. 
  • يتعلم أن يشكر من قدم له معروفًا. 
  • يتحمل نتيجة أخطائه ويحاول تصحيحها.
  • يشارك في أعمال جماعية، كأن يشارك في أعمال المنزل فيما يتناسب مع سنه. 
  • يتلقى حبًّا وتقديرًا معتدلًا. 
  • يثنى عليه إن فعل شيئًا إيجابيًّا. 
  • يُنتقد نقدًا بناءً بهدف تجنب الخطأ والتعلم منه، فالأخطاء فرص للتعلم. 
  • يحترم مساحات الآخرين. 
  • يُنَبَّه إلى مميزاته وعيوبه وطرق التعامل معه، ونتقبله على أي حال، ولكن التقبل يختلف عن حب العيوب، نحن نتقبل العيوب ونحاول تعديل ما يمكن تعديله، نتقبل كوننا جميعًا غير كاملين. 
  • الاستماع إليه بإنصات وإعطائه الفرصة أن يعبر عن مشاعره. 
  • يجب أن يتعلم فن الاستماع وأن الآخرين لهم حق عليه وأن العلاقات أخذ ورد. 
  • يجب أن يعتاد الاعتذار إن أخطأ ولا يتكبر على قول «آسف». 
  • يعتاد مساعدة المحتاج، كأن يتطوع في عمل خيري، أو يتطوع بملابسه للفقير، يفعل ذلك بنفسه.

وأخيرًا …

إذا أردت أن يكون طفلك خلوقًا ذا سلوك حميد، يجب أن تكون النموذج المثالي الذي حتمًا سيقتدي به. كل الصفات الإيجابية التي طرحناها منذ قليل يجب أن توجد فيك، لأنه لن يقتنع إن لم تكن تفعلها، والتقليد له أثر أقوى بكثير من التلقين.