محتوى مترجم
المصدر
KQED News
التاريخ
2014/08/18
الكاتب
Ingfei Chen

منذ بضع سنوات لاحظ عالم النفس ديفيد إيجر وزملائه -أثناء المقابلات الشخصية التي قام بها مع طلاب المرحلة الثانوية في منطقة خليج سان فرانسيسكو- أمرًا مثيرًا يتعلق بآمالهم وأحلامهم وأهدافهم في الحياة. لم يكن مفاجئا أن ما يهم أغلب الطلاب هو الربح المادي أو الشهرة أو مهنة تحقق لهم المتعة، إلا أن العديد منهم عبّر عن رغبة أخرى في ترك أثر إيجابي بدوائرهم الاجتماعية أو المجتمع، مثل أن يصبح طبيبًا ليعالج البشر، أو مصلحًا دينيًا يصنع فرقًا. ما يهم أن هؤلاء المراهقين أصحاب الطموحات الداعمة للمجتمع مالوا إلى تقدير عملهم الدراسي كعمل هادف جدًا على المستوى الشخصي.

وبناء على هذه المعلومة أراد ييجر وزملاؤه أن يعرفوا: هل يمكن أن يكون سمو الإحساس بالغاية غير الأناني هذا إلهامًا حقيقيًا ومؤثرًا في عملية التعلم؟، هم يؤمنون بإيجابية ذلك. ابتكر الفريق وسيطًا اجتماعيًا نفسيًا جديدًا يعزز عقلية «التعلم الهادف» كطريقة لتحفيز الطلاب للمواظبة على أعمالهم المدرسية. يقود ييجر الآن العمل بجامعة تكساس في أوستن بالتعاون مع زميلين بنفس الجامعة، مارلون والتون وديفيد باونيسكو، ورائدة مفهوم «العزم» أنجيلا داكورث، من جامعة بنسلفانيا وآخرين.

استكشف الفريق مؤخرًا التعلم الهادف من خلال سلسلة من أربع دراسات، ووضعوا الوسيط تحت الاختبار مجددًا مقابل واحد من منغصات العملية التعليمية وهو الملل. ترجح النتائج الأولية الواعدة أن الإستراتيجية النفسية قد تشجع الطلاب على التهرب من الواجبات والمهام الدراسية الصعبة والمملة على الرغم من أهميتها في الوصول إلى التعليم اللازم لبلوغ أهدافهم في الحياة.


هل يمكن فصل الجهد عن التعلم؟

إن فكرة الجهد المبذول في الأعمال المدرسية بغيضة في نظر كثير من التربويين المجددين هذه الأيام، وتعتبر طرق التعلم المبنية على اللعب أفضل بكثير من تدريبات «الحفظ والتلقين». وعلى الرغم من أن التأكيد على تحصين عزم الطلبة الأكاديمي وضبط النفس في عادات المذاكرة الخاصة بهم قد تم دراسته بعمق، لكنه ما زال محل جدل. يرى بعض الملاحظين -في ظل الانتقادات الموجهة لمدى عمق النتائج المرتبطة بالعِرْق والفقر– أن التركيز على العزم يهمل حاجة متعلمي اليوم إلى تحويل دروس الصف المملة لدروس تفاعلية مثيرة، كما كتب المؤلف التربوي ألفي كون (لا تستحق كل الأشياء القيام بها، ناهيك عن القيام بها لفترات طويلة، وليس كل من يجتهد في عمله يسعى وراء شيء يستحق).

إذا فكرت بالأمر بشكل مباشر، فسيكون عندك دافع حقًا وستجده أمرًا مثيرًا حتى لو بدا من الخارج أنه غير ممتع.

الأمر معقد إذن!، جاء في مشروع لـ بحث التعليم القابل للقياس التابع لجامعة ستانفورد حيث يعتقد باونيسكو إنه يجب على المعلمين والتربويين جعل التعلم أكثر تفاعلًا قدر الإمكان. يقول باونيسكو: «ومع ذلك غالبًا ما تكون الأعمال المدرسية في الواقع غير شيقة ولا مفيدة»؛ على الأقل ليفهمها الطلاب في الحال. «يصعب على الطلاب فهم أهمية دراسة الجبر مثلًا أو لماذا ستساعدهم على صنع فارق في حياتهم»، لكنه أشار أن هذا العمل مهم في الغالب لبناء المهارات والمعارف التي سيحتاجونها لبناء مستقبل باهر.

إن فكرة الجهد المبذول في الأعمال المدرسية بغيضة في نظر كثير من التربويين المجددين هذه الأيام، وتعتبر طرق التعلم المبنية على اللعب أفضل بكثير من تدريبات «الحفظ والتلقين». وعلى الرغم من أن التأكيد على تحصين عزم الطلبة الأكاديمي وضبط النفس في عادات المذاكرة الخاصة بهم قد تم دراسته بعمق، لكنه ما زال محل جدل.

يرى بعض الملاحظين- في ظل الانتقادات الموجهة لمدى عمق النتائج المرتبطة بالعِرْق والفقر– أن التركيز على العزم يهمل حاجة متعلمي اليوم إلى تحويل دروس الصف المملة لدروس تفاعلية مثيرة، كما كتب المؤلف التربوي ألفي كون (لا تستحق كل الأشياء القيام بها، ناهيك عن القيام بها لفترات طويلة، وليس كل من يجتهد في عمله يسعى وراء شيء يستحق).

بوضع كل ما فات في الحسبان، صمم ييجر وباونيسكي وسيطًا يوجه الطلبة برفق لربط جهودهم الأكاديمية بأهدافهم الداعمة للمجتمع طويلة المدى حتى يروا إذا كان سيفيد في إلهامهم لاجتياز الواجبات “المملة المهمة”. ومن هذا المنطلق تحرى فريق البحث أولاً عن عقلية التعلم الهادف الذي “يسمو بالذات” من خلال استقصاء شارك فيه 1364 طالبًا من محدودي الدخل بالسنة النهائية للمرحلة الثانوية في عشر مدارس بمدن كاليفورنيا وتكساس وأركنساس ونيويورك، حيث جلس الطلاب ليقوموا بمهمة تتطلب جهدًا أكاديميًا مستخدمين أجهزة الحاسوب تحت توجيه دكورث وسيدني دميللو من جامعة نوتردام. على المشتركين أن يختاروا -في بضع دقائق- إما أن يحلوا كثيرًا من مسائل الطرح الحسابية البسيطة والمملة، أو أن يشاهدوا مقاطع فيديو على موقع اليوتيوب، أو أن يلعبوا التترس.

بالنسبة للطلاب أصحاب التعلم الهادف (المؤيدين لعبارات موجهة اجتماعيًا مثل «أريد أن أكون مواطنًا متعلمًا يضيف للمجتمع»)، سجل هؤلاء درجات أعلى في قياس العزم وضبط النفس مقارنة بأقرانهم الذين صاغوا دوافع موجهة لحاجاتهم الشخصية للتعلم مثل الحصول على وظيفة جيدة أو لربح مال أكثر. وجد الباحثون أن الطلاب ذوي التعلم الهادف أقل تأثرًا بالمشتتات الرقمية، حيث أكثر إجابات المسائل الرياضية للمهمة الرقمية كانت تخصهم، كما أن احتمالية تسجيلهم بالجامعة في الفصل الدراسي التالي أعلى.


قوة العقلية الغائية

فيما يلي تجربة لقياس وسيط الحس بالغاية لبيان مدى تأثيره في تحسين درجات مواد الرياضيات والعلوم (وهي مواد متفق أنها مضجرة). طلب الباحثون من 338 طالبًا في المرحلة الثانوية بمدرسة Bay Area أن يجيبوا على تمارين للقراءة والكتابة مدتها تتراواح بين 20: 30 دقيقة على الإنترنت. قرأ المراهقون مقالًا مختصرًا وبعض المقتطفات لطلاب آخرين تحمل نفس الرسالة التي مفادها ان المراهقين يجتهدون دراسيًا ليس لطلب العلم الذي بدوره سيمكنهم من الحصول على وظيفة تليق بهم ولكن ليحققوا «المنفعة للعالم».

كتب المشتركون بالدراسة بعد ذلك إفادات قصيرة لطلاب المستقبل الآخرين يصفون فيها كيف دعمتهم المدرسة الثانوية ليصبحوا ما يريدون أو ليتركوا أثرًا في المجتمع. يقول أحدهم: «أؤمن أن دراستي بالمدرسة تُكسبني مهارات أولية لأحيا في العالم، فتمنحني مادة العلوم أساسًا جيدًا لمهنتي في الهندسة البيئية، فأنا أريد حل مشكلات الطاقة في عالمنا». طالب آخر في السنة التاسعة كتب أن التعليم «يسمح لي ببناء آراء مؤيدة ومدروسة عن العالم، ولن أكون قادرًا على مساعدة أي شخص ما لم أذهب أولًا إلى المدرسة».

بعد بضعة أشهر -في نهاية التقييم الربع سنوي- لاحظ الباحثون نتائج إيجابية عن الوسيط أبرزها كان في أضعف الطلاب مستوى: رأى الطلاب أن مجموعهم الضعيف يرتفع بنسبة 2,0 نقطة. قال هندرسون من جامعة تكساس إن ذلك تحسن مأمول لأن العديد من القرارات التعليمية البارزة تفقد توازنها على أساس النقص في المجموع، تستطيع بضع عشرات من النقاط أن تُرقي أو تلغي قبول الطالب لدى برنامج أو مدرسة والذي في النهاية سيؤثر على نوع الوظيفة التي سيشغلها وبالتأكيد على الراتب.

علقت الباحثة التربوية كاميل فارنجتون من جامعة شيكاغو أن «المجموع يعتبر متنبئًا طويل المدى وهو أفضل حقًا، ليس بالنسبة للمحصلة التعليمية فحسب ولكن لمحصلة الحياة الإيجابية أيضًا». يمكن لـ 2,0 نقطة أن ترفع المجموع إلى تقدير من B إلى B+ أو من B+ إلى A-. وأشارت أن لذلك تأثيرًا مهمًا لأي مدى كان تناول حس الغاية مختصرًا ومكلفًا نسبيا، فالعديد من الوسائط التربوية الأخرى تستغرق وقتًا ومجهودًا ومالًا أكثر. وأضافت كاميل: «لا يجب أن نمنح أي زيادة في المجموع أكثر من ذلك».


كيف يعمل الوسيط إذن؟

صرح هندرسون أن الفائدة من وسيط الحس الغائي –مثلها مثل الأنواع الأخرى من إ ستراتيجيات العقلية الأكاديمية– تبدو سحرًا، ولكنها بالطبع ليست سحرًا (كما أوضح ييجر ووالتون سابقًا). أجرى فريق البحث تجربتين أخريين (هذه المرة على طلاب الجامعة) للمساعدة في الإفصاح عن كيفية عمل الوسيط: عن طريق حث الطلاب على التفاعل في عملية تعلم أعمق وتعزيز ضبط النفس في مقاومة إغراء المشتتات عن الدراسة (وتم قياسها مرة أخرى عن طريق اختبار الجهد لدكورث ودميللو).

ما تفعله العقلية الغائية للطلاب هو كما يقول هندرسون: «عندما يواجه الطلاب تحديات أو صعوبات أو أشياء من المحتمل أن تعرقل تعلمهم، فإن ذلك يشجعهم على المثابرة وخوض الصعاب». لا يعرف الباحثون في علم النفس عمر التأثير الإيجابي، لكنهم يتوقعون أن تغييرًا بسيطًا في سلوك الطلاب قد يشعل تفاعلًا متسلسلًا من أداء أكاديمي وثقة أقوى مكونين بناء يعلو ويتحمل عبر الزمن.

من الصعب الإيمان بهذا المكسب، فلطالما روى البالغون لأطفالهم العديد من الأسباب عن أهمية التعليم الجيد بالنسبة لمستقبلهم. ولكن إليكم هذا: صُمم أسلوب تغذية عقلية الحس الغائي لكي «يملكه الطالب وبطريقة ما يجمع كل القطع مع بعضها في رأسه ولنفسه»، وأشارت فارينجتون: «وهذا أمر يختلف عما تخبرك به أمك أو معلمك أن تفعل هذا لأنه مهم لأسباب كذا وكذا…، إلخ».

وعلى جانب آخر، لا تبدو الأهداف الموجهة لحاجات شخصية -مثل الربح المادي أو الاستقلال عن الأهل- ملهمة للطلاب كتلك التي تسمو بالذات كما اتضح في الأبحاث. قالت فارنجتون: «لا قيمة لهذا خاصة أن ما يحض الشباب من محدودي الدخل على الدراسة بجهد هو الخروج من أحيائهم المعوزة والذهاب للجامعة أو السعي إلى وظيفة. إذا صحت نتائج البحث، فهؤلاء لديهم ما يحرّكهم لمسافة أكثر بكثير بغض النظر عن الهدف المتعلق بتقديم مساهمة هادفة للعالم، وهذا متسق مع ما نعرفه في علم النفس الاجتماعي: أن ما يدفع الناس هو اهتمامهم بتحقيق معنى حياتهم».

يعد العمل على الإحساس بالغاية في مراحله الأولية، فلا زال علماء النفس يعدّلون ويصلحون لتحسين الوسيط. وضح هندرسون أنهم يريدون أن يعرفوا هل بإمكان هذا الأسلوب المساهمة في تقليل الغش بين الطلبة؟، وهل بإمكان المدرسين تنشيط عقلية التعلم الهادف من خلال كتابة رسائل بسيطة وراقية ومصممة بعناية عن التغذية الراجعة بالصف؟.


البحث عن معنى العمل الدراسي

ما يدفع الناس هو اهتمامهم بتحقيق معنى حياتهم.

تتجنب التجارب في الإستراتيجية الجديدة ما إذا كان الباحثون يعززون بشكل ضمني أسلوب التعلم بالحفظ والتلقين، وينفي باونيسكو ذلك دون تردد، فكل ما يهمه التعلم القائم على المشروع وجهود أخرى لتهيئة المدرسة لتكون ملائمة وجذابة للطلاب، ومع ذلك ليس عمليًا ولا ممكنًا أن نوفر لكل درس وتكليف في المرحلة الابتدائية «أقصى المتعة واللعب» للأطفال، وحتى إن حدث ذلك سيكون مضرًا فيما بعد. فما الذي سيفعلونه إذا التحقوا بكلية الحقوق عندما تواجههم ضرورة حفظ قوائم طويلة من القوانين؟، أو عندما يستقرون في وظيفة تتطلب إجادة التعامل مع معلومات لم يعلمها لهم أحد في شكل لعبة؟.

ويستأنف باونيسكو الحديث قائلا إن الطلاب لا يذهبون للمدرسة لتلقي معلومات معينة فحسب، إنهم يتعلمون كيف يتعلمون ويمارسون ضبط النفس ويشجعون أنفسهم لتخطي العقبات المحبطة، وهم بذلك يستعدون لمرحلة البلوغ وهذا مهم حتى ولو لم يكن رائعًا. إلا أن امتلاك حس غائي أسمى -تلك المهمة الشخصية لإحداث فرق إيجابي في العالم- قد يساعد الطلاب في الوصول لجدوى عملهم المدرسي الصعب الممل، وكما قال باونيسكو «إذا فكرت بالأمر بشكل مباشر، فسيكون عندك دافع حقًا وستجده أمرًا مثيرًا حتى لو بدا من الخارج أنه غير ممتع».