الحياة بعد الديدلاين… هي حلم جميل، ربما لم يحققه كثير من الفريلانسرز بسبب عدم التزامهم بالديدلاين، الذي ما إن تنتهي منه حتى تبدأ في مواجهة آخر، وهكذا دواليك؛ لأنك لو لم تفعل ذلك فقد تخسر «أكل عيشك»، وتضطر إلى العمل «شحاذ فريلانسر».

إذا كنت فريلانسر فيجب عليك تعلم التعايش والتأقلم والنجاة، وتناول أدوية الضغط والإجهاد، والمسكنات والمنشطات، وذلك للتغلب على الديدلاين الذي يُفسد عليك حياتك، ويؤرق نومك، ويقضّ مضجعك، إذ يمكن أن تتفق على تفاصيل العمل كلها، وقد تتنازل، وتقبل ما لا تقبله ولا تقتنع به. أما بخصوص الديدلاين فإن نقاشك حوله، و«فصالك» مع العميل أو المدير هو أمر مُقلق، قد يُنهي العلاقة والعمل.

فما العمل إذن؟ لقد حددت موعدًا، وحاولت الالتزام به، وكتبته بالحبر الأحمر على الحوائط ليكون بارزًا، وضبطت عدة تذكيرات مزعجة، كذلك وضعت خطة، ولم تتوانَ في إتمامها، ولم ينجح الأمر، وها أنت تصرخ متسائلًا: «أعمل إيه تاني يعني؟»

يجب أولًا أن تعلم أن الديدلاين كائن أليف، ونحن من جعلناه وحشًا مخيفًا لأننا نجهل كيف نستأنسه، لذا «هات ودنك»، واستمع لهذه النصائح كي تجعل الديدلاين أليفًا.


بهدوء .. تعرف على الديدلاين

من الذي لا يحب الديدلاين؟

معظمنا بالطبع، فالديدلاين لعنة وظيفية، ومصدر للضغط المستمر والقلق، لكنه مهم لتسيير الأعمال، لذلك فلنجعل السؤال: لماذا يجب أن يكون لدينا ديدلاين؟

الإجابة هي أن الديدلاين يساعدنا على بعض الأمور الإيجابية، فهو يضمن الالتزام بالعمل، إذ من السهل تأخير أو نسيان عمل ليس له موعد نهائي مُلزِم، كما يساعدنا على التعاون لإنجاز عمل مشترك، ويوضح ما نتوقع تقديمه ومتى، مما يمكّننا من السيطرة على الأعمال، كما أنه يقلل التباطؤ والتكاسل، ويجعل العمل والالتزام أولوية، ويشحذ التركيز، ويرتب الأولويات، ويساعد على تقييم الأعباء، ورفض الأمور المعطلة، والتغلب على المخاوف، كما يوفر مساحة للابتكار وطرح الأفكار، ويزيد قدرتنا على العمل، والتكيف مع الظروف، ويوفر لنا شعورًا بالرضا عند تحقيق النتائج، ويساعدنا على التقدم المستمر.

ورغم ذلك فإن للديدلاين عواقب كارثية يمكن أن تضر سمعتك وحياتك المهنية، خاصة إذا تكرر، وقد يؤثر على سمعة شركتك، أو يجبرك على دفع شرط جزائي بالعقد، وقد يؤدي إلى فشل العمل وفقدان الثقة، لذا قد يكون الديدلاين أهم من القدرة على العمل أو القدرة على الابتكار، وقد يكون تحديد ديدلاين للعمل أهم من العمل نفسه، والالتزام به أهم من تحديده، وهذا ما يجعل الديدلاين من الأمور المحيرة في إدارة الأعمال.

تشير الأبحاث إلى أن الانشغال بالديدلاين يرفع مستويات التوتر والقلق، ويصيب بالإجهاد والتشنجات، مما يضعف قدرتنا على مواصلة الأعمال.

من ناحية أخرى فإننا غالبًا ما نضع ديدلاين يصعب الوفاء به؛ لأننا نريد إرضاء العميل، أو نبالغ في تقدير قدرتنا على الالتزام، أو لأننا غير قادرين على إدارة الوقت، أو ربما نعتقد أننا نعمل بشكل أفضل تحت ضغط شديد.


كيف نروّض الديدلاين؟

تعامل مع الديدلاين بصفته صديق عمرك، فعندما كنت طالبًا كانت لديك واجبات وامتحانات وحصص محددة التوقيت، وكان عليك الالتزام بموعد تقديم أوراق الكلية، والالتزام بموعد (إنترفيو) العمل، وموعد تجنيدك، وفي زواجك كان عليك الالتزام بتوقيتات الفرح وخلافه، ثم الالتزام بموعد سداد مصروفات مدرسة ابنك، وغير ذلك الكثير. إذن الديدلاين صديق حميم، أو صديق فقط بلا حميمية.

أنشئ قائمة لجميع مراحل وتفاصيل العمل، ودوّن النتائج والملاحظات كلها، حتى التي ليس لها تواريخ محددة، فذلك من أكبر مخفضات الإجهاد لأنه يُظهر الصورة الكاملة وتفاصيل العمل كلها، مما يزيد الاطمئنان والثقة، ويحفز على الاستمرار، فعندما ننجز الأعمال وفقًا للجدول الزمني فإن ذلك يساعدنا على إتمام العمل، عندها سيقل الشعور بالقلق.

وكلما كان العمل أكثر إرهاقًا كلما كان تقليل الإبداع وسيلة فعالة للوفاء بالديدلاين، فأحيانًا نهتم بالتفكير خارج الصندوق، في حين أن ما بداخل الصندوق يكون الأنسب.

استفد من الديدلاين بتسجيل تجاربك كلها، وما تعلمته منها، وما أضافته إلى مهاراتك الشخصية والعملية، وذلك قبل أن تهتم بمعالجة الأخطاء. كافئ نفسك أولًا ثم حاسبها، ولا تبالغ في الحالين، وتعامل مع الديدلاين على أنه حلم له موعد محدد، فالمواعيد المحددة تساعدك على تنظيم وقتك، وتحديد الأولويات، والالتزام بها هو أكبر محفز للنجاح.


أمور قد تغفلها عن الديدلاين

يجب الحفاظ على موثوقيتك وسمعتك كفريلانسر، واللذين يعتمدان على جودة عملك، ومدى التزامك بالمواعيد. ولكي تقف على مدى قدرتك على الوفاء بالديدلاين، يجب أن تعرف قدراتك، ونقاط قوتك، وكذلك التزاماتك الحياتية، ثم قم بالتخطيط وفقًا لذلك. ولمواجهة صعوبة الالتزام بالديدلاين ستحتاج إلى تحسين مهاراتك في إدارة الوقت، وإدارة الطاقة، وإدارة الجهد.

للوفاء بالديدلاين يجب عليك إدارة الوقت، التي تتوقف على دراسة الفرص المتاحة كلها قبل الالتزام بالعمل، مع الانتباه إلى أن الوقت أمر نسبي، متغير لا ثابت، وتتخلله بعض الظروف الاعتيادية والطارئة، والتي يفشل معظمنا في حسابها قبل تحديد الديدلاين. كل ما عليك فعله هو أن تكون واقعيًا وصريحًا، وتحاول النجاح قدر المستطاع، مع ترك مساحة للفشل أو التأخير، فهذه طبيعة بشرية. لذا، ببساطة تعامل على طبيعتك.

لا تُطِل مواعيد الديدلاين، وتجنب المشروعات التي تتطلب ديدلاين بعيدًا حتى لا يكون بُعد تاريخ التسليم دافعًا للكسل والتراخي، وإذا اضطررت لقبول ديدلاين بعيد فليكن بمعاونة فريق عمل كي يتم توزيع المهام على الجميع فلا يشعر أحد ببعد المدة، بل يشعرون وكأنها مهام صغيرة وسريعة وبسيطة.

يختلف الوفاء بالديدلاين مهما تشابهت طبيعة العمل ومدته، لأن الأمر لا يتوقف على العمل بقدر ما يتوقف على الشخص الذي يعمل. ويمكن تقسيم الأشخاص إلى 4 فئات: أصحاب الأولويات، والمخططين، والنظاميين، والبصَريين. فأصحاب الأولويات والمخططون يهتمون بالمدة الزمنية للعمل، ويهتم النظاميون بالتخطيط، ويهتم البصريون بالصورة النهائية والعمل المجمل.

لذا، صنف نفسك لتدرك ما يحفزك ويجعلك أكثر التزامًا.

من أسباب عدم الوفاء بالديدلاين أنك لا تتعامل مع نفسك بجدية، فتنتظر أن يفرض عليك المدير أو العميل ديدلاين وتلتزم به حتى لا تفقد وظيفتك أو عميلك، لكنك قد لا تلتزم من تلقاء نفسك لأنك لا تجعل محاسبتك لنفسك كمحاسبة الغير لك، رغم أن محاسبة النفس يجب أن تكون أكثر حدة. وإذا كنت تظن أن تحديد المدير أو العميل للديدلاين سيجعلك تنجز عملك، فعليك أن تفعل هذا مع نفسك بقدر أكبر من الجدية.


مهارات ضرورية للوفاء بالديدلاين

البداية:

لا تبدأ العمل قبل الاتفاق على كل شيء، حتى لو تأجل الاتفاق لبضعة أيام، وركز على الخطوات الصغيرة المؤدية للنهاية أكثر من تركيزك على الشكل النهائي.

التفاصيل:

حدد الديدلاين بالضبط، باليوم والساعة، وحدد فترة السماح بعده، وأسبابها، وقلل النتائج، بمعرفة المراد تفصيليًا، دون فتح باب للتعديلات المستمرة.

التفاوض:

تفاوض حول التفاصيل كلها، اقترح ديدلاين بديلاً، حدد مراحل تسليم العمل، تفاوض حول التعديلات.

الروتين:

قسّم العمل إلى مراحل متساوية جهدًا وزمنًا، واجعلها بندًا أساسيًا من روتينك اليومي.

الطوارئ:

اجعل في جدولك متسعًا للأمور الطارئة، كالمرض والإجهاد والمناسبات الاجتماعية، وإذا لم تتعرض لأحدها فخصص وقتها للراحة لا العمل، ويجب عليك إدراك مهارة التعامل مع الطوارئ إذا طرأ أمر لم يكن بالحسبان.

البطولة:

البطولة ليست في التضحية والانتحار، إنما في تحقيق النجاحات، وربما تكون البطولة في طلب تعديل موعد الديدلاين.

الاعتراف:

اعترف بالمشكلات، ولا تتظاهر بأن كل شيء على ما يرام، ومن الأفضل رفض العمل، بدلًا من الفشل في الالتزام به وتقديم مبررات؛ واعلم أن الناس لن يتذكروا كم كان عذرك مقبولًا، لكنهم سيتذكرون أنك لم تلتزم بما حددته.

الخصوصية:

يجب أن تلتزم بالديدلاين، لكن لا تجعله يدير حياتك، فهو مرحلة من عمل تعمله مهما كانت أهميتها.

الصدق:

لا تتهرب بعدم الرد على هاتفك أو ابتكار الأعذار، وإذا فشلت في الوفاء بالديدلاين فلا تحدد ديدلاين جديدًا بالطريقة نفسها وتتوقع نتائج مختلفة.


إستراتيجيات ذكية

المباراة ليست 90 دقيقة فقط

لا يمكن التخطيط للاحتمالات كلها، لكن يمكن تعويض وقت الأزمات والطوارئ، وذلك بتحديد وقت بدل ضائع. فإذا كان الديدلاين أسبوعين، فخطط لإنجاز العمل قبل يومين من نهاية المدة، وإذا كان شهرين فاجعل المدة 5 أيام، وكلما زاد عدم اليقين في الالتزام كلما كبرت فترة السماح، فذلك سيمنحك مهلة زمنية مرنة للتعامل مع المشكلات غير المتوقعة، وتخيل مدى زهوك عند تفسير تعافيك من الأزمات بدلًا من استخدامها كعذر، وإذا انتهيت قبل المدة فسيمنحك هذا تميزًا. الأمر ناجح على الوجهين.

أنت تملك 10 أصابع

قد لا تكون بحاجة إلى العمل بمفردك، أو بأدواتك فقط، لديك زملاء أو متدربون أو أصدقاء يمكنهم مساعدتك، لذا عليك الاستفادة من أصابعك العشرة كلها، فمن الأسهل إنجاز الأمور عندما تتوفر المساعدة.

«ابعد يا شيطان»

إذا كان الديدلاين بعيدًا فقد لا تبدأ العمل مبكرًا، فلا حاجة للإلحاح والاستعجال. نحن جميعًا نقع فريسة لهذا الشعور، لدينا متسع من الوقت يشجعنا على عمل شيء آخر، وفجأة مر أسبوع ولم تفعل شيئًا.

عليك أن تبقى مرتبًا، ولا تؤجل العمل، فالتسويف والفوضى هما أول ما عليك مواجهته وتطويعه قبل مواجهة الديدلاين.

شد اللحاف، ونم

لن يساعدك النوم على الوفاء بالديدلاين، لكن سيساعدك على التفكير بشكل أفضل، فقد أظهرت الأبحاث أن القيلولة يمكن أن تزيد من المزاج الإيجابي، وتحسن الأداء المناعي، وتفيد في الحد من النعاس والإرهاق، فما بالك بالنوم؟

ولأن الاستيقاظ المطول أصبح أكثر شيوعًا بسبب تراكم الأعمال وضغط الديدلاين، فقد أصبح من المهم مواجهة الإجهاد الناتج عن الإرهاق والنعاس وقلة التركيز، لذا قبل أن تقترح ديدلاين يجب أن تحصل على قسط وفير من النوم؛ ليكون عقلك صافيًا.

ابدأ بالنهاية

تحديد ديدلاين دون تفكير منطقي هو طريقة مؤكدة للفشل، ولكي تكون منطقيًا يمكن أن تفكر في المرحلة التي يجب أن تتم قبل الديدلاين، ثم استمر في الرجوع إلى الوراء حتى تصل إلى نقطة البداية. قد يساعدك التفكير المعكوس على وضع مسار محدد للعمل، وبالتالي تحديد ديدلاين عملي.

لا «للأﭭْورة»

لماذا يصعب الالتزام بالديدلاين؟

لا تبالغ في تقدير قدراتك، ولا تجعل العمل يبدو كسباق مع الزمن، في حين أنه مجرد التزام بالوعود، وحين يتطلب العمل سباقًا مع الزمن فلا تتأخر، وحين تضطر لتعديل الديدلاين فيجب أن تأخذ وقتًا لتكون أكثر تحديدًا هذه المرة، فالتزامك في الموعد الثاني يُنسي عدم الوفاء بالموعد الأول.