محتوى مترجم
المصدر
aeon
التاريخ
2017/09/02
الكاتب
سام دريسر
في 29 أكتوبر 1613 ابتدع الكاتب المسرحي اليعقوبي «توماس ميدلتون» مفهوم «الشعب الأبيض»، وهو هو التاريخ الذي عُرضت فيه مسرحيته «انتصارات الحقيقة» لأول مرة. وكان أول من لفظ هذا التعبير شخصية لملك أفريقي يتطلع إلى جمهور إنجليزي ويقول: «أرى دهشة تعلو الوجوه، من هذا الشعب الأبيض، تساؤلات ونظرات غريبة». بمقدوري أن أقول كما الآخرين أن مسرحية «ميدلتون» هي أقرب مثال مطبوع من مؤلَّف أوروبي يشير إلى رفقائه الأوروبيين بـ «الشعب الأبيض». بعد عام، تزوج إنجليزي من عامة الشعب يدعى «جون رولف» يسكن العاصمة «جيمس تاون» لولاية «فرجينيا» من أميرة ألجونكون «ماتوكا»، والتي ندعوها «بوكاهونتاس».يقول الناقد الأدبي «كريستوفر هودجكينز» إن الملك جيمس الأول كان «مرتبكاً عندما علم بالزواج في بادئ الأمر». ليس خوفا من اختلاط الأنساب: فكما أوضح «هودجكينز» أن قلق جيمس سببه أن «رولف» العامّي، تزوج ابنة أمير أجنبي دون إذن سيده». ولم يكن الملك جيمس قلقا بشأن تخطي «رولف» لحدوده؛ ولكن بسبب انتهاك «ماتوكا».قد يبدو كلا المثالين مفاجئين للقرّاء المعاصرين، لكنهما يساعدان على إثبات ما ذكرته المؤرخة «نيل إيرفين بينتر» في مذكرتها «تاريخ الشعب الأبيض» عام (2010) بأن «العنصرية فكرة وليست حقيقة». لم يخترع ميدلتون فكرة الشعب الأبيض وحده، ولكن الحقيقة أن أي شخص بلا شك يمكن أن يكون المؤلف لمثل هذا التعبير، والذي سيبدو بديهيا جدا من وجهة نظر حديثة، مؤكدة وجهة نظر بينتر. ومن خلال دراسة كيف ومتى أصبحت المفاهيم العنصرية أقوى، يمكننا أن نرى أنها مشروطة تاريخيا. وألا شيء أساسي حولها. وكما يذكّرنا عالم الأدب «روكسان ويلر» في «السباق العنصري» عام (2000)، أنه في وقت ما من قبل، حيث العنصرية البيولوجية، لم يكن لابد منها. وبما أن الأوروبيين لم يفكروا دائما بأنفسهم أنهم «بيض»، فهناك سبب وجيه للاعتقاد بأن العنصرية مترسخة اجتماعيًا، بل تعسفيًا. إذا كانت فكرة أن «الشعب الأبيض» -وكذلك كل «عرق» آخر- ذات تاريخ -وهو قصير في هذه الحالة- إذن فإن المفهوم نفسه يعتمد على الواقع البيولوجي أقل مما هو عليه الحال في الاحتمالات المتغيرة للبناء الاجتماعي.هناك الكثير من الطرق التي يمكن للمرء تصنيف الإنسان من خلالها، واستخدام اللون هو طريقة حديثة نسبيًا. في الماضي، استُخدمت معايير أخرى غير لون البشرة، بما في ذلك الدين والآداب، وحتى الملابس. على سبيل المثال، غالبا ما كان يقارن بين الهنود الأمريكيين والبريطانيين القدماء، وكان وجه المقارنة هو الاستعمار، الذين كانوا أحفاد البريطانيين. ولم تكن المقارنة جسدية بقدر ما كانت ثقافية، وهو تمييز يسمح بالميوعة العنصرية. وبحلول وقت كتابة «ميدلتون» لمسرحيته، بدأ التصنيف على أساس اللون يتخذ طابعًا أوضح، وفي عصرنا الحالي، بدأنا بتصنيف الأشخاص على أساس المظهر، وإن كان هذا أمرًا تعسفيًا ظالمًا.
الشخصيات السوداء في الدراما الحديثة المبكرة غالبًا ما استخدمت إلا لجعل البياض مرئيًا. لم يشر «الأسود» و«الأبيض» أبدًا إلى مجموعات معروفة من الناس؛ فهما تركيبات مجردة
يوضح الباحث «كيم هول» في كتاب «أشياء من الظلام» «1996» أن البياض «يظهر فقط عندما يكون بجانب السواد»، لذلك لم يظهر مفهوم «الشعب الأبيض» إلا بعد ظهور مصطلح «السود». كما الثنائيات المتضادة، فإن «البياض» يحتاج أولاً إلى «السواد» ليكون ذا معنى. تخلق الكلمتان بعضهما البعض. وقد كتبت الباحثة «فرجينيا ماسون فوغان» في كتابها «أداء السود في الدول الإنجليزية 1500-1800» (2005) أن: «الشخصيات السوداء في الدراما الحديثة المبكرة غالبًا ما استخدمت إلا لجعل البياض مرئيًا». لم يشر «الأسود» و«الأبيض» أبدًا إلى مجموعات معروفة من الناس؛ فهما تركيبات مجردة، والتي لا تزال لها آثار حقيقية جدًا على الناس في الواقع.هناك نوع من الصدق في وصف أي شخص بمصطلح ما، وهو ما يفسر تغيرها -المصطلحات- الدائم على مر العصور. فكم من الظلم تصنيف الصقليين والسويديين على أنهم «بيض»، أو الإغبو -من العرقيات المكونة لدولة نيجيريا- والماساي -عرقية تتمركز في كينيا وشمال تنزانيا- على حد سواء بـ«السود». تطور هذا النوع من التفكير العنصري كنتيجة مباشرة لتجارة العبيد. ويوضح «هول»: «البيض ليسوا قائمين بأنفسهم بل يعتمدون على المشاركة مع الأفارقة، والتي هي نتاج حتمى للتوسع الاستعماري المستمر لإنجلترا». على هذا النحو، عندما بدأ أوائل الأوروبيين الحديثين في التفكير بأنفسهم على أنهم «الشعب الأبيض» فهم لم يذكروا أي شيء عن كونهم إنجليز، أو مسيحيين، ولكن بدلا من ذلك أبدوا تعليقات حول سموهم الواضح، مما يجعل من السهل تبرير فساد تجارة وتملك البشر.ويشرح «هول» أن «أهمية السود كحشد عرقي تتجاوز بكثير الوجود الفعلي» للأفارقة داخل إنجلترا في هذا الوقت. قبل مسرحية «ميدلتون»، كانت هناك مجموعة من الشخصيات المتصورة «السوداء»، كما في (الحفلة التنكرية للسود) (1605) لـ «بين جونسون»، والتي ظهرت فيها الملكة «آن» سوداء البشرة، فضلا عن «النبيل مور» في مسرحية «عطيل» لشكسبير، والتي ظهرت قبل عامين من مسرحية «ميدلتون». ففهم العنصرية كان مرنًا في بدايات الكتابة الحديثة، كان يمكن وصف الشخصيات الغريبة بالـ «غريب» أو «مظلم» أو «معتم» أو «أسود» أو «داكن». لم يكن التصوير الغريب للآخرين للأفارقة فقط، ولكن أيضا للإيطاليين والإسبان والعرب والهنود، وحتى الإيرلنديين. وتشير مسرحية «ميدلتون» إلى اندماج قطب عرقي آخر مضاد للسود، وهو البيض، ولكن المجموعات التي تنتمي لهذا القطب غالبا ما تكون متغيرة.بالنظر للسيدة السوداء في سونتات شكسبير؛ في السونيت 130، يقول عن عشيقته السرية إن «ثدييها داكنين»؛ وفي سونيت 12، أشار إلى «ضفائرها السوداء»؛ وفي سونيت 127 يكتب أن «أسلاك سوداء تنمو في رأسها». كما فهمت ودرّست، فإن «شيكسبير» خرب التقليد في التجسيد الشعري على عكس «بيتراك» الذي صور الجمال الأنثوي بإنصاف. وظهر بعض هذا التخريب في تصريحات مثل أن الأسود هو «وريث الجمال المتعاقب»، وهو خلاف «شكسبير» الذي يمكن أن يبدو أكثر تقدمية بالأخذ في الاعتبار دلالاتنا العنصرية المعاصرة. إلا أن ما هو أكثر راديكالية حجته في سونيت 132 أن «الجمال ذاته أسود وأن كل قبيح فقط ينقصه لون بشرتك». لقد كانت لغة شكسبير العنصرية تعبر عن مجموعة واسعة من الاحتمالات، مثل كيف تُخُيِّلَت خلفية السيدة السوداء، وتخمين ما كانت عليه استنادًا إلى تنوع النساء الأوروبيات أو الأفريقيات، يشير إلى هذا التدفق العنصري في هذه الفترة.
عند إدراك أن البشر لا يصنفون دائما بالبشرة، يمكننا أن نتصور مستقبل حيث يتوقف تصنيفهم بمثل هذه الطريقة، وألا يتم تقسيمهم كنتيجة لهذا أيضا.
أو «كاليبان»، مواطن الجزيرة الساحرة المستعمرة من قبل «بروسبيرو» في مسرحية «العاصفة». غالباً ما تعرض الأدبيات الحديثة متعاطفة مع إما عبد إفريقي أو هندي أمريكي، وهناك أسباب مقنعة للاعتقاد بأن الكثيرين من جمهور اليعاقبة سيتفهمون «كاليبان» على نحو أفضل لكونه مشابها للأهداف الأولى للاستعمار الإنجليزي الإيرلندي. من خلال هذا المعيار، فإن كاليبان أصبح جزءًا من ما قبل التاريخ «كيف أصبح الإيرلنديون بيضًا»، الذي كتبه المؤرخ «نويل إغناتيف» في عام 1995. لا شيء من هذا يعني أن «كاليبان» هو أحد هذه الشخصيات المحددة، ولا أن السيدة السمراء ينبغي أن تُعرف حرفيا أنها تنتمي إلى أي مجموعة بعينها أيضًا، بل إن كلا المثالين يفتحان نافذة على أول الفترة التي بدأت تصنيفاتنا العرقية الحالية في التبلور، في حين لا تزال متباينة كثيرا لأن نعرف كيف سيتطور نظامنا العنصري في نهاية المطاف.ومع ذلك، فإن معاييرنا الخاصة تتعلق بكيفية تفكيرنا حول تطور العنصرية، وأنها تطورت خدمة للاستعمار والرأسمالية «وخادمتهم العبودية». وأن فكرة العنصرية قد طُبعت بعد تعزيزها بلغة إيجابية، حتى بات الادعاء مؤخرًا أن أي شخص قد يصوغ عبارة واضحة كـ «الشعب الأبيض» يبدو غريبًا. مع أن ابتكارها كان كذلك. واليوم مع عودة ظهور خطاب سياسي عنصري صريح، مستخدمًا على الأغلب مصطلحات متطورة خادعة، من المهم أن نتذكر ما الذي يعنيه تحديدًا القول بأن العنصرية ليست واقعية، ولماذا لا تعتبر ادعاءات العنصريين ليست فقط انعدام أخلاق ولكنها غير صحيحة كذلك. يوضح «ميدلتون» كيف أن العنصرية متقلبة في الواقع. كان هناك وقت ليس ببعيد عندما لم يكن الناس البيض «بيضا»، ولا الناس السود «سودا». وكان جمهوره مجرد بداية لتقسيم العالم إلى «الأبيض» و«غير أبيض»، ولسوء الحظ، فإننا لا نزال أعضاء في ذلك الجمهور.قد لا تكون العنصرية واقعية، ولكنها متفشية. لدى الأصنام طريقة للتأثير على حياتنا، حتى لو كانت الآلهة التي يمثلونها وهمية. عند التأمل في مسرحية «ميدلتون»؛ يمكننا أن نقوم بمبادرة نحو عالم حيث تكون مثل هذه العبارة «الشعب الأبيض» بلا أي معنى مرة أخرى. عند إدراك أن البشر لا يصنفون دائما بالبشرة، يمكننا أن نتصور مستقبل حيث يتوقف تصنيفهم بمثل هذه الطريقة، وألا يتم تقسيمهم كنتيجة لهذا أيضا.
Aeon counter – do not remove
Aeon counter – do not remove