من العجيب أن نجد صدى الحياة في فلسطين قبل نكبة عام 1948، خافتًا في هذا العصر، رغم أن أخبار القضية الفلسطينية لا تكاد تخلو منها النشرات الإخبارية يوميًّا!

تتداعى إلى الذهن أفكار شتى، حين يُطرَح سؤال: كيف بدأ الصراع العربي/ الإسرائيلي في فلسطين؟ ثيودور هيرتزل، سايكس بيكو، وعد بلفور، قرار التقسيم عام 1947، نكبة عام 1948، وغيرها من الأحداث التي لا تقدِّم إجابةً شافيةً عن السؤال الأهم: كيف بدأ كل شيء؟

صادفتني دراسة وافية للباحثة (خديجة حسونة)، تحاول فيها أن ترسم أبعاد الأزمة الفلسطينية قبل حرب 1948. الدراسة عنوانها «العلاقات بين العرب الفلسطينيين واليهود من بداية الاستيطان حتى 1948»؛ وتنتهي فيها الباحثة إلى نتيجةٍ مفادها أن العلاقات بين الفلسطينيين واليهود لم تكن سيئةً طوال الوقت، ولا سيما قبل 1882، وأن معيار الحكم هو حركة البيع والشراء والمعاملات التجارية بين الطرفين، والمصالح المشتركة، التي كانت تتراوح بين المد والجزر خلال الفترة التي تتناولها الدراسة بسبب عوامل عدَّة.

ترى الباحثة أن العلاقات تدهورت تدريجيًّا بسبب الهجرات اليهودية المدفوعة بتقلبات السياسة الدولية وجهود الجمعيات الصهيونية والدعم البريطاني لاحقًا لإنشاء دولة يهودية، ممَّا أدى إلى نشوب النزاع على الأرض والمصالح الاقتصادية بين الطرفين، فاندلع العديد من الثورات مثل: ثورة البراق (1929)، والثورة الفلسطينية الكبرى (1936 – 1939)، ووقعت في المقابل أحداث عنف بحق الفلسطينيين عقب قرار التقسيم مثل: الخصاص (1947)، ودير ياسين (1948)، وأبو شوشة (1948).

ولكي نتمكَّن من وضع الأحداث في سياقها السليم، لا بد أن نعرف أولًا ملامح العلاقات بين العرب الفلسطينيين واليهود في فلسطين قبل عام 1882، حين كانت الأمور أقل تأزُّمًا.

في ظُل الحكم العثماني

كانت الأوضاع في فلسطين، قُبَيل الهجرة اليهودية الأولى، مستقرة، على نحوٍ ما، اجتماعيًّا وسياسيًّا، بين العرب واليهود، عدا بعض الاضطرابات العارضة، التي لا تلبث أن تتلاشى.

ويعُدُّ بعض الباحثين (نظام الملل) من روافد هذا الاستقرار، وكذلك من وسائل تأكيد الإمبراطورية العثمانية لسيادتها على الطوائف المتباينة داخل المجتمع الفلسطيني.

وقد بدأ (نظام الملل/ الملة/ Millet) على يد السلطان محمد الفاتح (1451 – 1481)، وهو استمرار تاريخي وقانوني لمصطلح «أهل الذمة»، يقضي بمنح رؤساء الطوائف حق إدارة الشئون الشخصية والعامة لرعاياهم عبر الدولة؛ وكان هؤلاء الرؤساء الدينيون يُنتخَبون من قِبَل أفراد ملتهم. وأرسى هذا النظام العثماني حقَّ كل طائفة دينية في تنظيم شئونها الداخلية عن طريق رؤسائها الذين كانوا يفصلون في المنازعات الداخلية بين أعضائها، كما كانت قضايا الأحوال الشخصية مثل: الميراث والزواج والوصايا والتركات، يقوم بالفصل فيها رؤساء الطوائف المعترف بهم لدى الدولة. وبموجب هذا النظام شاركت الأقليات في الأعمال التجارية والزراعية والصناعية بجميع أشكالها.

ولم يكن في فلسطين آنذاك عدد كبير من اليهود، قبل ابتداء الهجرة المنظمة في 1882، مقارنة بعدد المسلمين والمسيحيين. ولم يكن اليهود يهاجرون إلى فلسطين إلا فرادى، ولأسباب دينية بحتة. وكان اليهود الشرقيون (السفارديم) المقيمون في فلسطين قبل عام 1882 يُدعَون (اليهود الوطنيين)، وكانوا يتحدثون العربية، ولديهم نفس طابع الحياة الذي لدى العرب، وكانوا مندمجين داخل المجتمع الفلسطيني، دون مشقَّةٍ. ولم يتعدَّ المكوِّن السكاني اليهودي في ذلك الوقت نسبة 2% من جملة سكان فلسطين.

الهجرات اليهودية الخمس الكبرى

تسرَّب اليهود إلى فلسطين، على مدار نحو نصف قرن، بداية من 1882، عن طريق خمس موجات هجرة:

– الموجة الأولى: (1882 – 1903).

– الموجة الثانية: (1904 – 1914).

– الموجة الثالثة: (1919 – 1923).

– الموجة الرابعة: (1924 – 1929).

– الموجة الخامسة: (1929 – 1939).

واقترنت هذه الهجرات بتغيرات سياسية كبرى على الساحة الأوروبية، استغلَّت بها المنظمات الصهيونية نبذ المجتمعات الأوروبية للوجود اليهودي، لكي تزين لليهود الهجرة إلى فلسطين، وخصوصًا من روسيا وبولندا وألمانيا.

بدأ عدد اليهود يتزايد في الأراضي الفلسطينية بداية من هجرتهم الأولى، التي وصل عدد أفرادها إلى 20 ألفًا، كان معظمهم من روسيا، وذلك إثر عملية اغتيال القيصر الروسي (ألكسندر الثاني) عام 1881، التي اتُّهم بها بعض اليهود، والتي ترتَّب عليها اضطهادهم على نطاق واسع، مما أدَّى إلى نشأة عدَّة جمعيات لتشجيع الهجرة إلى فلسطين هربًا من الانتهاكات الروسية، مثل جمعية (أحباء صهيون) التي لعبت دورًا بارزًا في تنظيم الهجرة الأولى إلى فلسطين.

وعلى إثر هذه الهجرة، بدأ الاستعداد لتمكين الوجود اليهودي الأجنبي في فلسطين، بتنفيذ استراتيجية ساعية إلى خلق أغلبية يهودية في بلد تسكنه طائفة عربية فلسطينية من السكان الأصليين. وتألفت الاستراتيجية من محورين:

– شراء الأراضي الفلسطينية وطرد أهلها منها (عَبرَنة الأرض).

– مزاحمة العرب في أعمالهم (عَبرَنة العمل).

هل باع الفلسطينيون أرضهم حقًّا لليهود عن طيب خاطر؟!

بدأ ينتشر مؤخرًا ادِّعاء ينحي باللوم على الفلسطينيين، ويحملهم المسئولية كاملةً على ما آلت إليه الأمور، بدعوى أن أجدادهم هم الذين باعوا أرضهم لليهود عن طيب خاطر، وبعقود سليمة، تنفي عن الإسرائيليين تهمة الاستيلاء على الأرض، وتضفي على وجودهم صفة قانونية.

أما شراء الأراضي فهو ثابت تاريخيًّا، وبلغ من الانتشار حدَّ أن بدأت الصحف الفلسطينية (مثل الكرمل، وفلسطين) بإصدار بيانات متتالية تحذر فيها الفلسطينيين من التفريط في أراضيهم وبيعها لليهود، كما حرَّم عدد من العلماء والوجهاء ومفتي القدس عام 1935 عمليات البيع لليهود بشكل مباشر أو غير مباشر، داعين إلى ألَّا يُصلَّى على من يبيع الأرض، وألَّا يُدفن في مقابر المسلمين.

شراء اليهود للأراضي ممَّا ثبت حدوثه، لكن الطريقة التي تم بها البيع يُستشفُّ منها أن الفلسطينيين لم يُضطرُّوا إلى ذلك طمعًا في المال، وإنما بسبب ثغرات في النظام الإداري العثماني، وممارسة المهاجرين لبعض الحيل لإقناع الفلسطينيين ببيع الأرض.

فقد اشترى اليهود نسبة كبيرة من الأراضي، من ملَّاك غير فلسطينيين، وبلغت نسبة هذه الأراضي 52,6% من جملة الأراضي التي استولى عليها اليهود في الفترة ما بين 1878 و1936 (أراضي عائلات سرسق، وآل تويني، وآل خوري، وآل كسار). أما الجانب الفلسطيني، فقد بيع من قِبَله 24% من جملة الأراضي التي اشتراها اليهود في تلك الفترة. وما كان ذلك إلا بسبب الضرائب المُرهِقة والديون المتراكمة على الملَّاك الفلسطينيين بسبب تقلبات السياسة الدولية التي أثَّرت بالسلب في الأوضاع الاقتصادية، مما أدَّى إلى بيع الأراضي أحيانًا في مزادات، يستغلها اليهود للاستحواذ على الأرض. وكثيرًا ما كان البيع يتم بالتراضي بواسطة مشترين عرب صوريين، وبعدها تُنقل الملكية إلى المشتري اليهودي الأصلي.

وقد شجَّعت ثغرات النظام الإداري العثماني هذا الأمر. فعلى الرغم من سعي السلطان عبد الحميد الثاني (1842 – 1918) إلى وأد الفتنة بين العرب واليهود في فلسطين بسبب النزاع على الأراضي، ورفضه طلب إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، الذي تقدَّم به ثيودور هيرتزل، الذي زار تركيا خمس مرات بين عامَيْ 1896 و1902، ليعرض صفقته المتمثلة في إنشاء وطن لليهود، مقابل تخليص الدولة العثمانية من ديونها، والتوصل إلى تسوية بخصوص مذابح الأرمن التي ارتكبها الأتراك.

على الرغم من مساعي السلطان عبد الحميد الثاني التي تُوِّجَت بإصدار قانون يمنع اليهود من البقاء في فلسطين أكثر من ثلاثة أشهر، ومنع اليهود الحاملين للجنسيات الأجنبية من تملك الأراضي، إلا أن الموقف الفعلي للموظفين الإداريين كان مختلفًا تمامًا؛ فقد كان الفساد شائعًا بينهم، فاستغلَّ اليهود هذا الأمر، بتقديم رشاوى للموظفين، لتسهيل إجراءات الاستحواذ على الأراضي الفلسطينية. فتواصل الأمر، إلى أن أصبحت نسبة الأراضي، التي يمتلكها اليهود عن طريق الشراء، عند صدور وعد بلفور عام 1917: 2,5% من الأراضي الفلسطينية. وزادت هذه النسبة إلى 6,5% بعد الانتداب البريطاني، عن طريق مِنَح حكومية بريطانية لأراضي فلسطين الأميرية، أو عن طريق ملَّاك إقطاعيين كبار غير فلسطينيين كانوا يقيمون في الخارج، ومُنعوا عمليًّا ورسميًّا من الدخول إلى هذه المنطقة (تحت الاحتلال البريطاني).

عبرنة العمل

قبل عام 1882، لم يكن هنالك ما يَمنع من أن يعمل العرب في مزارع يملكها يهود، ولم يكن الصراع الاقتصادي يتجاوز المشكلات التقليدية التي تحدث في أي مجتمع. ولكن بعد الهجرة اليهودية الثانية، التي كان معظم أفرادها قادمين من روسيا أيضًا، بدأ اليهود يروِّجون فيما بينهم لمفاهيم مثل: (احتلال العمل) أو (تهويد العمل)، بغرض تنقية المؤسسات الاقتصادية اليهودية من العمالة العربية.

وبدأ التطبيق العملي لـ (عَبرَنة العمل) بطرد المزارعين والعمال العرب من المزارع التي كان يملكها المستوطنون، وكذلك تسريح الحراس العرب الذين كانوا يحرسون المزارع اليهودية، وعمال المصانع العرب، وعقبت ذلك حملاتُ مقاطعة للبضائع العربية. وإضافة إلى سوق العمل، استطاع اليهود السيطرة على النشاط الصناعي والتجاري والحرفي، ولا سيَّما بعد الانتداب البريطاني.

الانتداب البريطاني يفتح الباب لتأسيس إسرائيل

خلال الحرب العالمية الأولى، توقفت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بل وحدثت هجرة عكسية من اليهود إلى مصر أو إلى بلدانهم الأصلية. فقد تراجع عدد اليهود في فلسطين خلال الحرب من 85 ألفًا إلى 55 ألفًا. ولكن بعد انتهاء الحرب، وهزيمة الدولة العثمانية مع دول المحور، فُتِح الباب على مصراعيه لتطبيق اتفاقية (سايكس – بيكو)، التي كانت اتفاقية سرية (لم تنكشف إلا في 23 نوفمبر عام 1917 رغم إبرامها في 16 مايو عام 1916)، وكانت معَدَّة للتنفيذ في حال هزيمة الدولة العثمانية، بغرض تقسيم أراضيها بين المنتصرين. وخضعت فلسطين للانتداب البريطاني، الذي عمل منذ عام 1920 على توطيد أركان الدولة الإسرائيلية، والسعي حثيثًا نحو تنفيذ (وعد بلفور)، وذلك عن طريق مجموعة من الإجراءات التي نصَّ عليها صك الانتداب، مثل:

– المادة 2: تكون الدولة المنتدبة مسئولة عن جعل البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية، تكفل إنشاء الوطن القومي اليهودي، وترقية أنظمة الحكم الذاتي.

– المادة 6: على حكومة فلسطين أن تسهل هجرة اليهود (إلى فلسطين) في أحوال مناسبة، وتنشِّط (بالاتفاق مع الوكالة اليهودية المشار إليها في المادة الرابعة)، استقرارَ اليهود في الأراضي الزراعية وفي جملتها الأراضي المدورة (الحكومية)، والأراضي البور غير المطلوبة للأعمال العمومية.

– المادة 7: يتعين على حكومة فلسطين أن تسنَّ قانونًا للجنسية، يتضمن نصوصًا بتسهيل حصول اليهود، الذين يتخذون فلسطين مقامًا دائمًا لهم، على الرعوية الفلسطينية.

– المادة 22: تكون الإنجليزية والعربية والعبرية اللغات الرسمية في فلسطين، فكل عبارة أو كتابة بالعربية على طوابع أو عملة في فلسطين، تكرر بالعبرية، وكل عبارة أو كتابة بالعبرية، تكرر بالعربية.

وخلال السنوات الأولى للانتداب، شهدت فلسطين موجة الهجرة اليهودية الثالثة (من شرق أوروبا وبولندا ودول البلطيق) التي كان لها أثر بالغ على الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني. وتلا هذه الهجرةَ تأسيسُ منظمة (الهستدروت) لمتابعة شئون العمال، ومنظمة (الهاجاناه) العسكرية.

وبانتهاء الموجة الرابعة (التي كان معظم أفرادها من ألمانيا) عام 1931، توسَّعت رقعة الأرض التي تسيطر عليها الجماعات اليهودية، وانتشر التضييق على الفلسطينيين بسبب سياسة (عَبرَنة العمل)، وأدَّى ذلك تدريجيًّا إلى انتشار البطالة بين الفلسطينيين، حتى بلغ عدد العمال العاطلين في الوسط العربي نحو 16 ألف عامل عام 1927. كما كان أجر العامل العربي يقل عن أجر اليهودي بـ20 إلى 30%. وهذا أدَّى إلى تصاعد الغضب من الجانب الفلسطيني، وأصبحت الأوضاع تنذر بالانفجار.

ثورة 1936

تجاهلت بريطانيا اعتراض الفلسطينيين على سوء الأوضاع المعيشية، ومزاحمة المهاجرين اليهود لهم في أعمالهم، والسيطرة الاقتصادية للمؤسسات اليهودية على المجتمع الفلسطيني، فاندلعت ثورة 1936؛ بسبب رفض مقاول يهودي تشغيل عمال عرب في مشروع بناء ثلاث مدارس في يافا. وكانت الأوضاع قبل ذلك مضطربة في الأصل، بسبب مقتل (عز الدين القسام) في معركة (يعبد) عام 1935، فكان ما فعله المقاول اليهودي هو شرارة الثورة الفلسطينية الكبرى؛ فقد تبع ذلك ازدياد الاحتكاكات بين العرب واليهود، فقُتِلَ يهوديٌّ على الطريق بين (نابلس) و(طولكرم)، وفي الليلة التالية قُتل فلسطينيان، وما لبثت جنازة اليهودي أن تحولت إلى مواجهات بين الطرفين، أدَّت إلى إعلان الإضراب العام.

قرار التقسيم

كانت مطالب العرب في ثورة 1936 تتلخَّص في وقف الهجرة اليهودية، ومنع بيع الأراضي لليهود. ولكن بريطانيا لم تهتم بأيٍّ من هذه المطالب، فاستمرَّت الثورة حتى عام 1939. وكانت مكاسب اليهود من الثورة أكبر من مكاسب العرب؛ فقد استطاعوا إقناع بريطانيا بضرورة تأسيس قوة عسكرية يهودية كبرى إلى جانب البوليس اليهودي، كما أن الاجتياح الاقتصادي اليهودي للعرب جعل دعوات المقاطعة للبضائع اليهودية تفشل، وازدادت العلاقات بين العرب واليهود تدهورًا، وزاد الاستقطاب. ولذلك حين أصدرت بريطانيا «الكتاب الأبيض» لـ (ماكدونالد) عام 1939، داعيةً فيه إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة تضم العرب واليهود، كان متوقَّعًا، بعد الثورة التي أسالت دماء الطرفين، أن تواجَه هذه الدعوة بالرفض القاطع.

وبعد انقضاء أعوام الحرب العالمية الثانية، التي تسجل الوقائع التاريخية أن اليهود أخلُّوا خلالها باتفاقيات عدم الاعتداء بينهم وبين الفلسطينيين، صدر قرار الأمم المتحدة عام 1947، ليقضي بتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى ثلاثة كيانات:

– دولة عربية: تمثل 42,3% من فلسطين، وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أسدود وجنوبًا حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.

– دولة يهودية: تمثل 57,7% من فلسطين، وتقع على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش أو ما يعرف بإيلات حاليًّا.

– القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة: تحت وصاية دولية.

العلاقات بين العرب الفلسطينيين واليهود بعد قرار التقسيم

ترى الباحثة (خديجة حسونة) أن العلاقات بين العرب الفلسطينيين واليهود بعد قرار التقسيم بدأت تسير في طريق مغلق دون مخرج، وتوترت العلاقات أكثر بسبب أعمال العنف التي قامت بها الجماعات اليهودية المسلحة، والتي شملت في البداية الأماكن والتجمعات العامة كالأسواق والحافلات ودور السينما، ثم اتسعت لتشمل المناطق الفلسطينية المختلفة الممتدة من (سعسع) في شمال فلسطين إلى (الدوايمة) في جنوبها. وتتساءل الباحثة عن سبب تعرُّض المناطق الفلسطينية المسالمة التي لم يعرف عنها المقاومة، لأعمال العنف اليهودي، على الرغم من أن كثيرًا من القرى التي هوجمت لم تكن لها أهمية استراتيجية أثناء المواجهات المسلحة بين الطرفين. فكأن البعد عن دائرة الحدث لم يكن كافيًا لتجنيب الفلسطينيين في تلك المناطق أهوال الحرب.

وتخلص الباحثة، في دراستها التي استغرقت عامين، إلى أن العلاقات بين العرب الفلسطينيين واليهود، بين عامَيْ 1882 و1948، كانت في مجملها اقتصادية أكثر منها اجتماعية، لكن الهجرات اليهودية، وما استتبعته من الاستحواذ على الأرض ومزاحمة الفلسطينيين في العمل، هي التي أدَّت إلى تدهور العلاقات تدريجيًّا، ولا سيما مع وجود غطاء بريطاني يسهل الهجرة ويدعم الصناعة اليهودية. وبعد الثورة الفلسطينية الكبرى، ومن بعدها قرار التقسيم، زادت القضية الفلسطينية تأزمًا، ولم تعد العلاقات الهادئة (التي سبقت عام 1882) إلى سابق عهدها.